ابنتي تخفي أسرارها عني وتحدث شباباً من خلال مواقع التواصل

العلاقة بالأبناء تحتاج صبرًا وتصبّرًا، ومداومة على الاهتمام، والتّفنن في أساليب التربية، والحرص على التزوّد بالمعلومات التي تفيدنا في مهمّتنا العظيمة.

  • التصنيفات: استشارات تربوية وأسرية -
السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ابنتي بعمر الخامسة عشر، علاقتي معها رائعة، وأحاول دائمًا أن أكون صديقة لها قبل أن أكون أمًّا، وأشاورها في العديد من الأمور، وأشاركها الكثير من تفاصيل حياتي لأشجعها مشاركتي تفاصيل حياتها.

منذ عامين بدأت ابنتي بالتغيير، وكتومة تخفي أسرارًا بداخلها، ولا تُشاركني أمورًا عادية في حياتها ومدرستها وزميلات المدرسة، وأحاول دائمًا تشجيعها أن تحكي لي ما بداخلها؛ فأنا وأبوها أكثر شخصين يسعيان لراحتها وسعادتها.

بدأت بالانجراف في أمور صدمتني ووالدها، وشجعتها صديقاتها على محادثة الشباب من خلال مواقع التواصل، وأراد ربي أن ينبهني لذلك، فبدأت تتضح أمامي أمورًا عديدة حتى اكتشفت الموضوع، وتحدثنا معها، ووعدت بأن تترك هذا الدرب، لكنّها لم تتركه بل ظلت في الخفاء تمارس كل ما يحلو لها مستغلة ثقتنا بها، حتى أراد الله كذلك كشف ذلك، وتكرّر هذا الأمر أكثر من ثلاث مرات، وفي كل مرة أحاول أن أكون هادئة وأحاورها وأتناقش معها، وأخبرها أنّنا إن منعناها يومًا أنا وأبوها من البرامج الغير مناسبة فإنّ هذا من أجلها، وترد وهي تحكي: أنّها تعلم أنَّ هذه الأمور خاطئة، وتجر لأمور خطيرة.

المرة الأخيرة: وعدتني ألا تعود لذلك، ولكن للأسف فإنّ زميلاتها اللاتي حذرتها من أن تنجرف معهنّ في سلوكياتهنّ الغير صحيحة بدأن بالتأثير عليها بعد أن حاولت إصلاحهن، وتغيّر مجرى الحدث وبدأن هنّ بتغيير سلوكياتها، وأصبحت تتحدث في برامج السناب والانستغرام مع العديد، والله العالم ما تخفيه وتحذفه من الأحاديث كي لا أكتشفه.

للعلم أنا لا أستخدم برنامج السناب شات ولا أبوها، فقط الانستجرام، وهي تشاركني الحساب؛ فهي أضافت صديقاتها وتحادثهن من خلاله سابقًا، أمَّا الآن فلا، ولا يوجد لديها هاتف ولا جهاز غير الجهاز المطلوب للدراسة في المدرسة، ومع علمي بكلمة مروره إلا أنّها تمسح كل شيء لئلا أكتشف ما يدور من خلفنا.

في المنزل لا أحد يستخدم جهازًا خاص به، والجميع مشترك في حاسوب واحد لكل العائلة، ولا آيباد ولا غيره، وأحاول دائمًا أن نكون معًا بحيث لا تلهينا الأجهزة عن بعضنا البعض.

الموضوع تكرّر كثيرًا، ومرة واحدة فقط أعلمت والدها بما حدث، وتحدث معها كإنسانة عاقلة، ووعدت، ولكن الوعود لا تستمر، وما يحدث الآن لا علم لي به، فأنا تعبت نفسيًا، ولا أعلم كيف أتصرّف معها، ولا أريد أن أخسرها، وأعلم أنّ هذا عمر العناد والاكتشاف، ولكن ما العمل الآن؟.

الإجابة:

أهلاً بك -أختي -، وأشكرك على تواصلك وثقتك بمستشارك الخاص.

يظهر تميّزك في علاقتك بابنتك وبعائلتك من خلال تعبيرك وكلماتك، حماكم الله وزادكم من فضله، واعلمي -أخيّتيأنّ علاقتنا بأبنائنا تحتاج صبرًا وتصبّرًا، ومداومة على الاهتمام، والتّفنن في أساليب التربية، والحرص على التزوّد بالمعلومات التي تفيدنا في مهمّتنا العظيمة، وسأقدّم لك بعض التشخيص والنّصائح التي ستفيدك -بعون الله-.

لا بدَّ أن تتفهّمي حالة ابنتك دون أن تشعري بالغمّ والحزن، بل احرصي على حمايتها بجودة عالية دون أن تلحقي بها أي أذى، واستحضري همة التحدي وإحساس الشفقة على غرسك الطيب.

استعيني بالله ولا تعجزي، وكوني على صلة بالله في الدعوات الطيبات لابنتك ولبيتك، ولتسمع ابنتك منك دعاءك في بعض الأحيان، واجعلي كلمات الدعاء جميلة إيجابية طموحة ترسم مستقبلاً باهرًا مشرقًا لها؛ فستسمعه وهي سعيدة، وستحرص على تلبية أمنياتك بعون الله، فقد فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم مع ابن عمه الصغير عبد الله ابن عباس عندما كان يساعده على النَّوم في طفولته، فكان الصغير إذا ما أغمض عينيه سمع رسول الله يدعو له: "اللهم فقّهه في الدين، وعلّمه التأويل" فصار حَبر الأمّة وترجمان القرآن.

لتسمع منك الدعاء عندما تودعينها للمدرسة أو عند نومها، ولتسمعه منك إذا قدّمت لك خدمة ما أو رأتك وحدك تلهجين لها ولإخوانها بدعوات طيبة.

 

وليكن ظنّك بالله حسنًا؛ «أنا عند ظنّ عبدي بي فليظنّ بي ما شاء»، وكوني على ثقة بعون الله لك وبحمايته لغرسك الطيب، واستودعيها الله، وثقي بالله؛ فلا تضيع عنده الودائع، ولا تيأسي أو تضعفي؛ { إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} ، والشيطان يسعد بضعفك فخيّبي رجاءه واتخذيه عدوًّا.

احرصي على تربية ابنتك على القيم من خلال الحوار، والتربية بالمواقف، وتقييم الأحداث وأفعال الأشخاص دون إطالة أو إساءة، والتركيز على فعل الإنسان وليس شخصه.

استخدمي مهارات التفكير في الحوار كأن تقولي لها وأنت تسردين حدثًا ما: لو كنت مكان فلانة ماذا كنت ستتصرفين؟ وهكذا.

تعرّفي على مهارات التَّفكير من خلال روابط خاصة على الشبكة العنكبوتية (net)، وتزوّدي بالمعرفة العميقة في فنون التواصل مع الأبناء، والأساليب التربوية من خلال متابعة إصدارات وإنتاجات الأساتذة الأفاضل: د. مصطفى أبو سعد، ود. محمد الثويني؛ فقد قدّما فنونًا رائعة في هذا المجال ستجدين منها على (youtube).

اجتهدي في متابعة صداقات بنتك، وتابعي حساباتها على شبكات التواصل، وتجنّبي حرمانها من جهاز الجوّال إلا إذا تكررت تجاوزاتها، وليكن الحرمان عقابًا معروفًا مسبقًا ومرتبطًا بزمن، كأن تقولي لها: إذا استهنت بمراقبة الله لك وبحبنا وحرصنا عليك وعاودت محاورة الشباب على شبكات التواصل والانزلاق مع صديقات السوء فسأحرمك من الجوال ثلاثة أشهر، أو طيلة عطلة الصيف...، وهكذا، ولاحظي عبارات التوجيه ومخاطبة العواطف والقيم في صياغة العقاب.

اعلمي -عزيزتي- أنَّ انتشار الرذيلة والشذوذ عبر الفضاء الإلكتروني يصل لأبنائنا في غرفهم وخصوصياتهم؛ لذا لن نستطيع حرمانهم من الأجهزة، ولكنَّنا نستطيع غرس وتعزيز القيم والرقابة الإلهية في نفوسهم فيتخذون قرارتهم التي تنسجم مع تربية سويّة نشأوا عليها.

من هنا كان لزامًا أن تصنعي ابنتك على عين الله فتشغليها بما يملأ وقتها، وتحيطيها بالصالحات من الصاحبات؛ فالصاحب ساحب، واجعلي لها جلسة أسبوعية خارج نطاق المدرسة تجمعها بمن تحب من الصديقات والقريبات الشبيهات لها في الطيبة، ولتكن لهنّ أستاذة مربية تأمنونها تعلمهنّ القرآن فهمًا وتدبّرًا وحفظًا، ثم يعيشونه في الواقع منهج حياة فيصنعون مشاريعهم الخيرية، ويتحركون لتحقيق ذواتهم وخدمة الناس وإعمار الأرض، وهكذا؛ فستنشغل حينها بعظائم الأمور، وتكونين قد جعلت منها مستخدمة جيدة للتقنيات الحديثة، فإن كتبت منشورًا تكتبه لتعبّر عن مشاعرها وهي تقوم بنشاط طيب أو لتصف هذا النشاط فتحفّز الجيل، وهكذا.

واكبي التقنيات الحديثة وتابعي حساباتها عن قرب.

انتبهي لأوقات فراغها ولصرفها للمال، وشاركيها مواهبها، ومارسي معها مهارات تعشقها مثل: الطبخ، أو الزيارات والرحلات التثقيفية والاجتماعية والتاريخية وغيرها.

عززي عندها ممارسة الرياضة، واحرصي على إشغال عقلها دومًا بما يصرفها عن التواصل الاجتماعي الذي يبدو أنَّه مصدر فساد وإفساد لها؛ فهي تتواصل مع من يفسد عليها دينها ودنياها علمًا بأنّ هناك من هم صالحون مصلحون في هذا العالم الافتراضي!!.

قد تُفاجئين بأنّها -لا قدّر الله- تورّطت بأمر ما فلا تجرّميها ولا تُشعريها بأنك مستاءة منها، بل أحيطيها باحتوائك وأشعريها أنك ستخففين عنها ما تمرّ به حتى تثق بك؛ فالكتمان والسكوت قد يكونان طارئان على شخصيتها ويفيدان بسوء حالتها النفسيّة لأمر ألمّ بها.

وقد يكون هذا الصمت من سمات شخصيتها لذا تعرفي وإياها (كفقرة جماعية مشوّقة) على أنماط شخصيتكما، وتبادلا الحديث عن نفسيتكما بطريقة رائعة من خلال متابعة رابط أنواع الشخصية 16.

أسأل الله أن يعينك ويصبّرك، ويجعلك قدوة لها وصديقة حبيبة معينة لها على كل خير وتميّز.

رزقكم الله برّها، وجعلها وإخوانَها ذخرًا للأمة والأوطان.

* إذا لا سمح الله شعرت بعدم جدوى كل هذه الوسائل فقطعها عن مصدر الخلل هو الأولى، وتجفيف منابع فساد الخلق هو الأولى ليكون لها وقتًا لمحاسبة النفس وتذليلها للتزكية والصلاح.

 

المستشار: د. منال العواودة