سُئِل : عن المسافر في رمضان ومن يصوم ينكر عليه؟
ابن تيمية
- التصنيفات: فقه الصيام -
السؤال: وَسُئِل رحمه الله عن المسافر في رمضان، ومن يصوم، ينكر عليه، وينسب
إلى الجهل. ويقال له: الفطر أفضل، وما هو مسافة القصر؟ وهل إذا
أنشأ السفر من يومه يفطر؟ وهل يفطر السفار من المكارية والتجار
والجمال والملاح وراكب البحر؟ وما الفرق بين سفر الطاعة وسفر
المعصية؟
الإجابة: الحمد لله، الفطر للمسافر جائز باتفاق المسلمين، سواء كان سفر حج، أو
جهاد، أو تجارة، أو نحو ذلك من الأسفار التي لا يكرهها الله
ورسوله.
وتنازعوا في سفر المعصية كالذي يسافر ليقطع الطريق ونحو ذلك على قولين مشهورين، كما تنازعوا في قصر الصلاة.
فأما السفر الذي تقصر فيه الصلاة، فإنه يجوز فيه الفطر مع القضاء باتفاق الأئمة، ويجوز الفطر للمسافر باتفاق الأمة، سواء كان قادرًا على الصيام، أو عاجزًا، وسواء شق عليه الصوم، أو لم يشق، بحيث لو كان مسافرًا في الظل والماء ومعه من يخدمه جاز له الفطر والقصر.
ومن قال: إن الفطر لا يجوز إلا لمن عجز عن الصيام، فإنه يستتاب، فإن تاب وإلا قتل، وكذلك من أنكر على المفطر، فإنه يستتاب من ذلك.
ومن قال: إن المفطر عليه إثم، فإنه يستتاب من ذلك، فإن هذه الأحوال خلاف كتاب الله وخلاف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخلاف إجماع الأمة.وهكذا السنة للمسافر أنه يصلي الرباعية ركعتين، والقصر أفضل له من التربيع، عند الأئمة الأربعة، كمذهب مالك وأبي حنيفة وأحمد، والشافعي في أصح قوليه.
ولم تتنازع الأمـة في جواز الفطر للمسافر، بل تنازعوا في جواز الصيام للمسافر، فذهب طائفـة من السلف والخلف إلى أن الصائم في السفر كالمفطر في الحضر، وأنه إذا صام لم يجزه، بل عليه أن يقضي، ويروي هذا عن عبد الرحمن بن عوف، وأبي هريرة وغيرهما مـن السلف، وهـو مـذهب أهل الظاهر وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لكن مـذهب الأئمة الأربعة أنه يجوز للمسافر أن يصوم وأن يفطر، كما في الصحيحين عن أنس قال: كنا نسافر مع النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان فمنا الصـائـم، ومــنا المفطر، فــلا يعيب الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم. وقــد قال الله تعالى: {وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ اليسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقـرة: 185] وفي المسـند عـن النبي صلى الله عليه وسلم أنـه قـال وفي الصحيح: أن رجلاً قـال للنبي صلى الله عليه وسلم وفي حديث آخر .
وأما مقدار السفر الذي يقصر فيه ويفطر، فمذهب مالك والشافعي وأحمد: أنه مسيرة يومين قاصدين بسير الإبل والأقدام، وهو ستة عشر فرسخًا، كما بين مكة وعُسْفَان، ومكة وجُدَّة. وقال أبو حنيفة: مسيرة ثلاثة أيام وقال طائفة من السلف والخلف: بل يقصر ويفطر في أقل من يومين، وهذا قول قوي، فإنه قد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعرفة، ومزدلفة، ومِني، يقصر الصلاة، وخلفه أهل مكة وغيرهم يصلون بصلاته، لم يأمر أحدًا منهم بإتمـام الصلاة.
وإذا سافـر في أثناء يوم، فهل يجوز له الفطر؟ على قولين مشهورين للعلماء، هما روايتان عن أحمد. أظهرهما: أنه يجوز ذلك، كما ثبت في السنن: أن من الصحابة من كان يفطر إذا خرج من يومه، ويذكر أن ذلك سنة النبي صلى الله عليه وسلم وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنـه نـوي الصـوم في السـفر، ثم إنـه دعا بماء فأفطر، والناس ينظرون إليه.
وأما اليوم الثاني، فيفطر فيه بلا ريب، وإن كان مقدار سفره يومين في مذهب جمهور الأئمة والأمة.
وأما إذا قدم المسافر في أثناء يوم، ففي وجوب الإمساك عليه نزاع مشهور بين العلماء، لكن عليه القضاء سواء أمسك أو لم يمسك.
ويفطر من عادته السفر إذا كان له بلد يأوي إليه، كالتاجر الجَلاَّب الذي يجلب الطعام، وغيره من السلع، وكالمكاري الذي يكْرِي دوابه من الجلاب وغيرهم، وكالبريد الذي يسافر في مصالح المسلمين ونحوهم، وكذلك الملاح الذي له مكان في البر يسكنه.
فأما من كان معه في السفينة امرأته وجميع مصالحه ولا يزال مسافرًا، فهذا لا يقصر ولا يفطر.
وأهل البادية كأعراب العرب، والأكراد، والترك، وغيرهم الذين يشْتون في مكان، وَيصِيفون في مكان، إذا كانوا في حال ظعنهم من المشتي إلى المصيف، ومن المصيف إلى المشتي، فإنهم يقصرون، وأما إذا نزلوا بمشتاهم ومصيفهم، لم يفطروا ولم يقصروا، وإن كانوا يتتبعون المراعي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية - المجلد الخامس والعشرون (الفقه - باب الصيام)
وتنازعوا في سفر المعصية كالذي يسافر ليقطع الطريق ونحو ذلك على قولين مشهورين، كما تنازعوا في قصر الصلاة.
فأما السفر الذي تقصر فيه الصلاة، فإنه يجوز فيه الفطر مع القضاء باتفاق الأئمة، ويجوز الفطر للمسافر باتفاق الأمة، سواء كان قادرًا على الصيام، أو عاجزًا، وسواء شق عليه الصوم، أو لم يشق، بحيث لو كان مسافرًا في الظل والماء ومعه من يخدمه جاز له الفطر والقصر.
ومن قال: إن الفطر لا يجوز إلا لمن عجز عن الصيام، فإنه يستتاب، فإن تاب وإلا قتل، وكذلك من أنكر على المفطر، فإنه يستتاب من ذلك.
ومن قال: إن المفطر عليه إثم، فإنه يستتاب من ذلك، فإن هذه الأحوال خلاف كتاب الله وخلاف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخلاف إجماع الأمة.وهكذا السنة للمسافر أنه يصلي الرباعية ركعتين، والقصر أفضل له من التربيع، عند الأئمة الأربعة، كمذهب مالك وأبي حنيفة وأحمد، والشافعي في أصح قوليه.
ولم تتنازع الأمـة في جواز الفطر للمسافر، بل تنازعوا في جواز الصيام للمسافر، فذهب طائفـة من السلف والخلف إلى أن الصائم في السفر كالمفطر في الحضر، وأنه إذا صام لم يجزه، بل عليه أن يقضي، ويروي هذا عن عبد الرحمن بن عوف، وأبي هريرة وغيرهما مـن السلف، وهـو مـذهب أهل الظاهر وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لكن مـذهب الأئمة الأربعة أنه يجوز للمسافر أن يصوم وأن يفطر، كما في الصحيحين عن أنس قال: كنا نسافر مع النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان فمنا الصـائـم، ومــنا المفطر، فــلا يعيب الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم. وقــد قال الله تعالى: {وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ اليسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقـرة: 185] وفي المسـند عـن النبي صلى الله عليه وسلم أنـه قـال وفي الصحيح: أن رجلاً قـال للنبي صلى الله عليه وسلم وفي حديث آخر .
وأما مقدار السفر الذي يقصر فيه ويفطر، فمذهب مالك والشافعي وأحمد: أنه مسيرة يومين قاصدين بسير الإبل والأقدام، وهو ستة عشر فرسخًا، كما بين مكة وعُسْفَان، ومكة وجُدَّة. وقال أبو حنيفة: مسيرة ثلاثة أيام وقال طائفة من السلف والخلف: بل يقصر ويفطر في أقل من يومين، وهذا قول قوي، فإنه قد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعرفة، ومزدلفة، ومِني، يقصر الصلاة، وخلفه أهل مكة وغيرهم يصلون بصلاته، لم يأمر أحدًا منهم بإتمـام الصلاة.
وإذا سافـر في أثناء يوم، فهل يجوز له الفطر؟ على قولين مشهورين للعلماء، هما روايتان عن أحمد. أظهرهما: أنه يجوز ذلك، كما ثبت في السنن: أن من الصحابة من كان يفطر إذا خرج من يومه، ويذكر أن ذلك سنة النبي صلى الله عليه وسلم وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنـه نـوي الصـوم في السـفر، ثم إنـه دعا بماء فأفطر، والناس ينظرون إليه.
وأما اليوم الثاني، فيفطر فيه بلا ريب، وإن كان مقدار سفره يومين في مذهب جمهور الأئمة والأمة.
وأما إذا قدم المسافر في أثناء يوم، ففي وجوب الإمساك عليه نزاع مشهور بين العلماء، لكن عليه القضاء سواء أمسك أو لم يمسك.
ويفطر من عادته السفر إذا كان له بلد يأوي إليه، كالتاجر الجَلاَّب الذي يجلب الطعام، وغيره من السلع، وكالمكاري الذي يكْرِي دوابه من الجلاب وغيرهم، وكالبريد الذي يسافر في مصالح المسلمين ونحوهم، وكذلك الملاح الذي له مكان في البر يسكنه.
فأما من كان معه في السفينة امرأته وجميع مصالحه ولا يزال مسافرًا، فهذا لا يقصر ولا يفطر.
وأهل البادية كأعراب العرب، والأكراد، والترك، وغيرهم الذين يشْتون في مكان، وَيصِيفون في مكان، إذا كانوا في حال ظعنهم من المشتي إلى المصيف، ومن المصيف إلى المشتي، فإنهم يقصرون، وأما إذا نزلوا بمشتاهم ومصيفهم، لم يفطروا ولم يقصروا، وإن كانوا يتتبعون المراعي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية - المجلد الخامس والعشرون (الفقه - باب الصيام)