ما حكم التيمم على الحجارة؟
محمد الحسن الددو الشنقيطي
- التصنيفات: فقه الطهارة -
السؤال: ما حكم التيمم على الحجارة؟
الإجابة: إن الله سبحانه وتعالى أذِنَ للمتلبس بأحد العذرين وهما المرض وفقد
الماء أن يتيمم لأداء الصلاة، وجعل التيمم نائباً عن الوضوء والغسل،
أي بدلاً عنهما في كتابه، فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا
قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ
إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى
الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ
مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ
الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً
فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ
وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ}، وقد اختلف أهل العلم في الصعيد الطيب
الذي يتيمم به وهو آلة التيمم.
فذهب المالكية والحنفية إلى أن الصعيد: "اسمٌ لما صعد على الأرض من أجزائها".
والحنفية عمموا ذلك فجعلوا ذلك شاملاً لما نبت عليها، فيرون أن النبات الذي هو خارج من الأرض هو من جنسها، فإذا عسر الوصول إلى الأرض وحال دونها بعض النبات فلا حرج أن يتيمم عليه عندهم.
والمالكية يرون أن الطيب هنا معناه الطاهر وكذلك الحنفية.
فالتراب المتنجس إذا كان رطباً لا يجوز التيمم عليه بالاتفاق بينهم، وإذا كان يابساً فيجوز التيمم عليه عند الحنفية لأنهم يرون أن الأرض تطهر بالجفاف، فالحنفية وحدهم يرون أن الأرض تطهر بالجفاف، وليس الجفاف مطهراً، فالمطهرات المعروفة هي الماء أو التراب، أو نحو ذلك والجفاف ليس من هذه المطهرات، ومع ذلك يرى الحنفية أن الأرض تطهر بالجفاف، وقد راعى المالكية ذلك فقط في الانتظار لآخر الوقت إذا لم يجد الإنسان إلا تراباً نجساً، وقد قال خليل رحمه الله: "اقتصر على الوقت للقائل بطهارة الأرض بالجفاف"، أي الإنسان إذا تيمم على تراب نجس فصلى فإنه يعيد في الوقت فقط مراعاة لقول الحنفية الذين يرون أن الأرض تطهر بالجفاف.
والشافعية والحنابلة يرون أن المقصود بالطيب المنبت، أي ما ينبت من الأرض، أما ما سواه فلا يتيمم عليه، وعلى هذا فالحجارة الصلدة لا تنبت فلا يتيمم عليها عند الحنابلة والشافعية، ومثلها السباخ أي سباخ الملح فإنها لا تنبت فلذلك لا يتيمم عليها، عند الشافعية والحنابلة أيضاً.
وكذلك فإن ثمة ملمحاً آخر ينظر فيه فقها وهو أن قوله: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} من التي في الآية اختلف فيها أهل العلم ما معناها، فقال الحنابلة والشافعية هي تبعيضية، أي امسحوا بوجوهكم وأيديكم بعضه، أي بعض الصعيد الطيب، وقال المالكية والحنفية من هنا ابتدائية أي ابتداء المسح بأن يضرب الإنسان أولاً يديه على الأرض، ثم بعد ذلك يمسح بهما، فإذا كانت من ابتدائية فلا يلزم أن يبقى في اليدين أثر من التراب أو نحوه، وإذا كانت من تبعيضية فلا بد أن يبقى غبار في اليدين يمسح به الإنسان وجهه وكفيه.
ويستدل المالكية والحنفية بأن النبي صلى الله عليه وسلم لما تيمم لرد السلام نفض الغبار عن يديه، ضرب إبهاميهما هكذا حتى نفض الغبار عنهما فمسح بهما وجهه وكفيه، فلو كان المقصود نقل الغبار إلى الوجه والكفين لما نفضهما، ويجيب الحنابلة والشافعية عن ذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً حك الجدار بعصاه حتى ثار غباره، فلو كان الغبار غير مقصود في التيمم لما حك الجدار حتى يثور غباره، وعلى هذا فالخلاف قوي من الجانبين ولكل واحد منهما دليل.
فالاحتياط أن يتيمم الإنسان بما فيه غبار ينقله إلى وجهه وكفيه، والحجارة الصلدة إذا كانت خالية من الغبار فإنها لا يحصل فيها ذلك، ومحل هذا إذا لم تكن الحجارة مستعملة منقولة عن محلها للاستعمال كالرحى، فإن الرحى التي يطحن بها هي بمثابة الآلة كالإناء، فلذلك لا يتيمم عليها عند الجميع.
وقد اختلف في الرحى المكسورة التي لم تعد صالحة للاستعمال، فذهب بعض المالكية إلى جواز التيمم عليها، وذهب الحنفية إلى أنها لا يتيمم عليها، لأن الشيء لا يعود إلى أصله بعد الانتقال عنه عند الحنفية، وعند المالكية قد يعود وقد لا يعود، فمن أمثلة ذلك في عدم العود عند المالكية حق الحضانة للأم فإذا تزوجت سقط حقها في الحضانة فإذا طلقت لم يعد إليها حق الحضانة عند المالكية، لأنهم يعملون بهذه القاعدة، وعند غيرهم يرجع إليها حق الحضانة، لأنها لم تعد ذات مانع يمنعها من الحضانة، فعاد إليها حقها الأول فهي كانت أماً وما زالت أماً، وإنما منعها من الحضانة زواجها وقد ذهب، فارتفع المانع فعادت إلى أصلها.
وعموماً فالاحتياط إذن: هو اتخاذ تراب للتيمم، ولذلك حتى المالكية الذين يرون جواز التيمم على الحجارة يرون أن التراب أفضل ولو نقل، كما قال خليل رحمه الله: "وهو أفضل ولو نقل" أي ولو كان منقولاً من مكانه في كيس يحمله الإنسان فيه، فهو أفضل.
وهنا التنبيه على أمر لا بد منه، وهو لو قدر أن التيمم كان على الحجر فلا بد أن يكون الحجر شاملاً لموضع اليد كلها، فإن كان الحجر صغيراً جداً لا يكفي لوضع اليد كاملة فلا يتيمم عليه قطعاً ولا يصلح للتيمم إلا إذا جمع عدد منه فكان كالحصى فاجتمعت فوضع الإنسان يديه عليها، وإلا فالحجارة الصغيرة التي ترونها في المساجد والبيوت لا يجزئ التيمم عليها اتفاقاً بين الفقهاء لأنها لا تكفي لوضع إحدى اليدين، ثم إذا كان الإنسان يريد أن ينقل تراباً أيضاً للتيمم وكان سيتيمم في المسجد فالاحتياط أن يتيمم عند باب المسجد وأن لا ينقل التراب إليه لما في ذلك من أذى المصلين باتساخ فراش المسجد، وفراش المسجد ملك عام ولا يحل السعي في اتساخه، ولذلك فإن وضع النعال عليه وهي تحمل الغبار والتراب مما لا يجوز لما فيه من إلحاق الأذى بالمسجد.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نقلاً عن موقع فضيلة الشيخ على شبكة الإنترنت.
فذهب المالكية والحنفية إلى أن الصعيد: "اسمٌ لما صعد على الأرض من أجزائها".
والحنفية عمموا ذلك فجعلوا ذلك شاملاً لما نبت عليها، فيرون أن النبات الذي هو خارج من الأرض هو من جنسها، فإذا عسر الوصول إلى الأرض وحال دونها بعض النبات فلا حرج أن يتيمم عليه عندهم.
والمالكية يرون أن الطيب هنا معناه الطاهر وكذلك الحنفية.
فالتراب المتنجس إذا كان رطباً لا يجوز التيمم عليه بالاتفاق بينهم، وإذا كان يابساً فيجوز التيمم عليه عند الحنفية لأنهم يرون أن الأرض تطهر بالجفاف، فالحنفية وحدهم يرون أن الأرض تطهر بالجفاف، وليس الجفاف مطهراً، فالمطهرات المعروفة هي الماء أو التراب، أو نحو ذلك والجفاف ليس من هذه المطهرات، ومع ذلك يرى الحنفية أن الأرض تطهر بالجفاف، وقد راعى المالكية ذلك فقط في الانتظار لآخر الوقت إذا لم يجد الإنسان إلا تراباً نجساً، وقد قال خليل رحمه الله: "اقتصر على الوقت للقائل بطهارة الأرض بالجفاف"، أي الإنسان إذا تيمم على تراب نجس فصلى فإنه يعيد في الوقت فقط مراعاة لقول الحنفية الذين يرون أن الأرض تطهر بالجفاف.
والشافعية والحنابلة يرون أن المقصود بالطيب المنبت، أي ما ينبت من الأرض، أما ما سواه فلا يتيمم عليه، وعلى هذا فالحجارة الصلدة لا تنبت فلا يتيمم عليها عند الحنابلة والشافعية، ومثلها السباخ أي سباخ الملح فإنها لا تنبت فلذلك لا يتيمم عليها، عند الشافعية والحنابلة أيضاً.
وكذلك فإن ثمة ملمحاً آخر ينظر فيه فقها وهو أن قوله: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} من التي في الآية اختلف فيها أهل العلم ما معناها، فقال الحنابلة والشافعية هي تبعيضية، أي امسحوا بوجوهكم وأيديكم بعضه، أي بعض الصعيد الطيب، وقال المالكية والحنفية من هنا ابتدائية أي ابتداء المسح بأن يضرب الإنسان أولاً يديه على الأرض، ثم بعد ذلك يمسح بهما، فإذا كانت من ابتدائية فلا يلزم أن يبقى في اليدين أثر من التراب أو نحوه، وإذا كانت من تبعيضية فلا بد أن يبقى غبار في اليدين يمسح به الإنسان وجهه وكفيه.
ويستدل المالكية والحنفية بأن النبي صلى الله عليه وسلم لما تيمم لرد السلام نفض الغبار عن يديه، ضرب إبهاميهما هكذا حتى نفض الغبار عنهما فمسح بهما وجهه وكفيه، فلو كان المقصود نقل الغبار إلى الوجه والكفين لما نفضهما، ويجيب الحنابلة والشافعية عن ذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً حك الجدار بعصاه حتى ثار غباره، فلو كان الغبار غير مقصود في التيمم لما حك الجدار حتى يثور غباره، وعلى هذا فالخلاف قوي من الجانبين ولكل واحد منهما دليل.
فالاحتياط أن يتيمم الإنسان بما فيه غبار ينقله إلى وجهه وكفيه، والحجارة الصلدة إذا كانت خالية من الغبار فإنها لا يحصل فيها ذلك، ومحل هذا إذا لم تكن الحجارة مستعملة منقولة عن محلها للاستعمال كالرحى، فإن الرحى التي يطحن بها هي بمثابة الآلة كالإناء، فلذلك لا يتيمم عليها عند الجميع.
وقد اختلف في الرحى المكسورة التي لم تعد صالحة للاستعمال، فذهب بعض المالكية إلى جواز التيمم عليها، وذهب الحنفية إلى أنها لا يتيمم عليها، لأن الشيء لا يعود إلى أصله بعد الانتقال عنه عند الحنفية، وعند المالكية قد يعود وقد لا يعود، فمن أمثلة ذلك في عدم العود عند المالكية حق الحضانة للأم فإذا تزوجت سقط حقها في الحضانة فإذا طلقت لم يعد إليها حق الحضانة عند المالكية، لأنهم يعملون بهذه القاعدة، وعند غيرهم يرجع إليها حق الحضانة، لأنها لم تعد ذات مانع يمنعها من الحضانة، فعاد إليها حقها الأول فهي كانت أماً وما زالت أماً، وإنما منعها من الحضانة زواجها وقد ذهب، فارتفع المانع فعادت إلى أصلها.
وعموماً فالاحتياط إذن: هو اتخاذ تراب للتيمم، ولذلك حتى المالكية الذين يرون جواز التيمم على الحجارة يرون أن التراب أفضل ولو نقل، كما قال خليل رحمه الله: "وهو أفضل ولو نقل" أي ولو كان منقولاً من مكانه في كيس يحمله الإنسان فيه، فهو أفضل.
وهنا التنبيه على أمر لا بد منه، وهو لو قدر أن التيمم كان على الحجر فلا بد أن يكون الحجر شاملاً لموضع اليد كلها، فإن كان الحجر صغيراً جداً لا يكفي لوضع اليد كاملة فلا يتيمم عليه قطعاً ولا يصلح للتيمم إلا إذا جمع عدد منه فكان كالحصى فاجتمعت فوضع الإنسان يديه عليها، وإلا فالحجارة الصغيرة التي ترونها في المساجد والبيوت لا يجزئ التيمم عليها اتفاقاً بين الفقهاء لأنها لا تكفي لوضع إحدى اليدين، ثم إذا كان الإنسان يريد أن ينقل تراباً أيضاً للتيمم وكان سيتيمم في المسجد فالاحتياط أن يتيمم عند باب المسجد وأن لا ينقل التراب إليه لما في ذلك من أذى المصلين باتساخ فراش المسجد، وفراش المسجد ملك عام ولا يحل السعي في اتساخه، ولذلك فإن وضع النعال عليه وهي تحمل الغبار والتراب مما لا يجوز لما فيه من إلحاق الأذى بالمسجد.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نقلاً عن موقع فضيلة الشيخ على شبكة الإنترنت.