ظهور الرضاع بين الزوجين
محمد الحسن الددو الشنقيطي
- التصنيفات: فقه الزواج والطلاق -
السؤال: رجل تزوج امرأة وبعد أن أنجبا طفلاً بانت رضاعة بينهما من طرف
والدتيهما، فقالت أم الزوجة: إنها سقت بنتها كأساً من لبن رجل، قالت
أم الزوج: إنها أرضعته، مع العلم أن زوجة صاحب اللبن قالت أنها نسيت
ذلك، فما الحكم في ذلك؟
الإجابة: لابد أولاً من التحقق من ثبوت الرضاع، والرضاع قد اختلف فيه أهل العلم
بما يثبت، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " "، وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " "، وفي
حديث عائشة رضي الله عنها كذلك قالت: "كان مما يُتلى عليكم عشر رضعات
معلومات يحرمن، ثم نسخن بخمس، وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن
مما يتلى عليكم".
وهذا من ناحية ما يُحرِّم من الرضاع، أي من ناحية القدر، فالمصة: أو الشيء اليسير الذي يبتلعه الطفل ولا يكون نافعاً لجسمه ولا منبتاً لبدنه فهذا لا يعتبر في الرضاعة، إنما يعتبر ما فتق الأمعاء وأنشز العظم وأنبت اللحم، وقدره هو ما بُيِّن في حديث عائشة بخمس رضعات معلومات.
وقد اختلف أهل العلم في اعتبار ذلك:
فذهبت طائفة إلى أن المقصود بالرضعة المصة، وعلى هذا فخمس رضعات يسهل تحققهن، وهذا ما ذهب إليه أهل المدينة، وهو مذهب مالك رحمه الله، أنه مجرد أن يلتقم الثدي ويمتص منه فيحصل بذلك المصات التي هي الرضعات عند مالك.
وذهب الشافعية والحنابلة إلى أن الرضعات لا بد أن تنفصل كل واحدة منها عن الأخرى حتى تكون رضعة، لأنها بمثابة المرة كاللقمة والشربة ونحو ذلك، فلا بد أن تنفصل عن صاحبتها.
وذهب بعض أهل الظاهر إلى أن المقصود بالرضعة: أن يرتضع حتى يرتوي، فهذه رضعة واحدة، ثم يرتضع مرة أخرى حتى يرتوي فهي رضعة ثانية، إلى أن يكمل خمس من ذلك.
ثم بعد هذا ما يثبت به الرضاع من الشهود أيضاً مُختلف فيه بين أهل العلم.
فقد ذهب أبو حنيفة رحمه الله إلى أن الرضاع مثل غيره لا يثبت إلا بنصاب كامل للشهادة، وهو شهادة عدلين أو عدل وامرأتين.
وذهب الشافعي إلى أن الرضاع يثبت بشهادة أربع نسوة، فامرأتان بمثابة عدلٍ وامرأتان بمثابة عدل، فيحصل بذلك النصاب الكامل.
وذهب مالك إلى أن الرضاع لا يثبت إلا بشهادة امرأتين، لأنه من شأن النساء لا من شأن الرجال، والعادة أن الطفل ترضعه مرضعته وتحضر أمه فتشهدان بذلك، وقد استثني هذا من قاعدة شهادة الإنسان على ما فعل فهذا مما يجوز شهادة الإنسان عليه إذا شهدت أمه ومرضعته بالإرضاع وكانتا من أهل الشهادة، فإن ذلك يثبت الرضاعة عند مالك.
وذهب الحنابلة إلى أن الرضاع يثبت بشهادة المرأة الواحدة، واستدلوا لذلك بما أخرجه البخاري في الصحيح من حديث عقبة بن الحارث رضي الله عنه قال: تزوجت أم يحيى بنت أبي إهاب ابن عزيز، فجاءت امرأة سوداء فقالت: إني أرضعت عقبة والتي تزوجها، فقلت: ما علمت ذلك ولا أخبرتني، فبعثت إلى آل أبي إهاب أسألهم، فقالوا: ما علمنا ذلك، فقعدت على راحلتي فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة فسألته، فقال: " "، وفي رواية: " "، ففارقتها فنكحت رجلاً غيري.
وهذا الحديث صحيح لا محالة، لكنَّ الخلاف هو في طريقة الاستدلال به وفي وجه الاستدلال:
فالحنابلة يرون أن النبي صلى الله عليه وسلم حكم بثبوت الرضاع حين قال له: " " وأن ذلك تكفي فيه شهادة المرأة الواحدة، وجعلوه من باب الرواية لا من باب الشهادة، ومن العلوم أن الرواية يكتفى فيها بخبر العدل فهو مثبت في الرواية.
والمالكية رأوا أن الحديث لم يثبت فيه النبي صلى الله عليه وسلم الرضاع، لأنه قال له: " "، والمفارقة معناها الطلاق، والطلاق لا يكون إلا بعد نكاح صحيح، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " "، وقال: " "، فإذن قوله: " " معناه طلقها، ولذلك قال ففارقتها فنكحت رجلاً غيري، ولو كان الرضاع ثبت لم يأمره بطلاقها لأن الطلاق فرع عن ثبوت النكاح.
ولذلك قالوا يندب للإنسان التنزه أي تركها، لأنه لا خير له فيها حينئذ، وهذا هو من الأخذ بالورع عندهم، وهذا النوع من الورع لا يجب لكنه ترك للشبهات.
وعموماً فلا بد في كل نازلة بعينها من الاستفتاء الخصوصي حتى يفتى فيها، وما أقوله هنا من هذا المنبر ليس فتاوى خاصة للأفراد، وإنما هو حلقة تعليم فقط، فلذلك إذا كان صاحب السؤال صاحب نازلة فليأتِ وليسأل عن نازلته، أو ليسأل عنها من شاء من أهل العلم والورع، وعليه هو أولاً أن يستسلم للحكم، وإذا أخبر بحكم الله فلا يعدل عنه بوجه من الوجوه ولا يحمله الهوى على العدول عنه بوجه من الوجوه، وليستسلم لحكم الله عز وجل، أما ما نقوله هنا فهو شرح لأقوال أهل العلم وأدلتهم وبيان لذلك، ولا يكفي في الإفتاء في نازلة بعينها.
وعموماً لو ثبت الرضاع وانفصل الزوجان: فالأولاد لاحقون ونسبهم ثابت لا إشكال فيه، ولا خلاف بين أهل العلم، والنسب ثابت بالنكاح السابق بل ما هو أقل منه كافٍ، فمجرد الشبهة ترفع الحد وتلحق النسب إلى آخره.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نقلاً عن موقع فضيلة الشيخ الددو على شبكة الإنترنت.
وهذا من ناحية ما يُحرِّم من الرضاع، أي من ناحية القدر، فالمصة: أو الشيء اليسير الذي يبتلعه الطفل ولا يكون نافعاً لجسمه ولا منبتاً لبدنه فهذا لا يعتبر في الرضاعة، إنما يعتبر ما فتق الأمعاء وأنشز العظم وأنبت اللحم، وقدره هو ما بُيِّن في حديث عائشة بخمس رضعات معلومات.
وقد اختلف أهل العلم في اعتبار ذلك:
فذهبت طائفة إلى أن المقصود بالرضعة المصة، وعلى هذا فخمس رضعات يسهل تحققهن، وهذا ما ذهب إليه أهل المدينة، وهو مذهب مالك رحمه الله، أنه مجرد أن يلتقم الثدي ويمتص منه فيحصل بذلك المصات التي هي الرضعات عند مالك.
وذهب الشافعية والحنابلة إلى أن الرضعات لا بد أن تنفصل كل واحدة منها عن الأخرى حتى تكون رضعة، لأنها بمثابة المرة كاللقمة والشربة ونحو ذلك، فلا بد أن تنفصل عن صاحبتها.
وذهب بعض أهل الظاهر إلى أن المقصود بالرضعة: أن يرتضع حتى يرتوي، فهذه رضعة واحدة، ثم يرتضع مرة أخرى حتى يرتوي فهي رضعة ثانية، إلى أن يكمل خمس من ذلك.
ثم بعد هذا ما يثبت به الرضاع من الشهود أيضاً مُختلف فيه بين أهل العلم.
فقد ذهب أبو حنيفة رحمه الله إلى أن الرضاع مثل غيره لا يثبت إلا بنصاب كامل للشهادة، وهو شهادة عدلين أو عدل وامرأتين.
وذهب الشافعي إلى أن الرضاع يثبت بشهادة أربع نسوة، فامرأتان بمثابة عدلٍ وامرأتان بمثابة عدل، فيحصل بذلك النصاب الكامل.
وذهب مالك إلى أن الرضاع لا يثبت إلا بشهادة امرأتين، لأنه من شأن النساء لا من شأن الرجال، والعادة أن الطفل ترضعه مرضعته وتحضر أمه فتشهدان بذلك، وقد استثني هذا من قاعدة شهادة الإنسان على ما فعل فهذا مما يجوز شهادة الإنسان عليه إذا شهدت أمه ومرضعته بالإرضاع وكانتا من أهل الشهادة، فإن ذلك يثبت الرضاعة عند مالك.
وذهب الحنابلة إلى أن الرضاع يثبت بشهادة المرأة الواحدة، واستدلوا لذلك بما أخرجه البخاري في الصحيح من حديث عقبة بن الحارث رضي الله عنه قال: تزوجت أم يحيى بنت أبي إهاب ابن عزيز، فجاءت امرأة سوداء فقالت: إني أرضعت عقبة والتي تزوجها، فقلت: ما علمت ذلك ولا أخبرتني، فبعثت إلى آل أبي إهاب أسألهم، فقالوا: ما علمنا ذلك، فقعدت على راحلتي فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة فسألته، فقال: " "، وفي رواية: " "، ففارقتها فنكحت رجلاً غيري.
وهذا الحديث صحيح لا محالة، لكنَّ الخلاف هو في طريقة الاستدلال به وفي وجه الاستدلال:
فالحنابلة يرون أن النبي صلى الله عليه وسلم حكم بثبوت الرضاع حين قال له: " " وأن ذلك تكفي فيه شهادة المرأة الواحدة، وجعلوه من باب الرواية لا من باب الشهادة، ومن العلوم أن الرواية يكتفى فيها بخبر العدل فهو مثبت في الرواية.
والمالكية رأوا أن الحديث لم يثبت فيه النبي صلى الله عليه وسلم الرضاع، لأنه قال له: " "، والمفارقة معناها الطلاق، والطلاق لا يكون إلا بعد نكاح صحيح، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " "، وقال: " "، فإذن قوله: " " معناه طلقها، ولذلك قال ففارقتها فنكحت رجلاً غيري، ولو كان الرضاع ثبت لم يأمره بطلاقها لأن الطلاق فرع عن ثبوت النكاح.
ولذلك قالوا يندب للإنسان التنزه أي تركها، لأنه لا خير له فيها حينئذ، وهذا هو من الأخذ بالورع عندهم، وهذا النوع من الورع لا يجب لكنه ترك للشبهات.
وعموماً فلا بد في كل نازلة بعينها من الاستفتاء الخصوصي حتى يفتى فيها، وما أقوله هنا من هذا المنبر ليس فتاوى خاصة للأفراد، وإنما هو حلقة تعليم فقط، فلذلك إذا كان صاحب السؤال صاحب نازلة فليأتِ وليسأل عن نازلته، أو ليسأل عنها من شاء من أهل العلم والورع، وعليه هو أولاً أن يستسلم للحكم، وإذا أخبر بحكم الله فلا يعدل عنه بوجه من الوجوه ولا يحمله الهوى على العدول عنه بوجه من الوجوه، وليستسلم لحكم الله عز وجل، أما ما نقوله هنا فهو شرح لأقوال أهل العلم وأدلتهم وبيان لذلك، ولا يكفي في الإفتاء في نازلة بعينها.
وعموماً لو ثبت الرضاع وانفصل الزوجان: فالأولاد لاحقون ونسبهم ثابت لا إشكال فيه، ولا خلاف بين أهل العلم، والنسب ثابت بالنكاح السابق بل ما هو أقل منه كافٍ، فمجرد الشبهة ترفع الحد وتلحق النسب إلى آخره.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نقلاً عن موقع فضيلة الشيخ الددو على شبكة الإنترنت.