حكم السحر والكهانة والتنجيم وما إلى ذلك

محمد الحسن الددو الشنقيطي

  • التصنيفات: فتاوى وأحكام -
السؤال: ما الفرق بين الساحر والكاهن والعراف، وهل يوجد في الرقى الشرعية ما يسمى بالجداول أم لا؟ وما هي حقيقة الكشف ولمن يكون؟
الإجابة: إن السحر والكهانة والعرافة والتنجيم كلها من علوم الشر، وبينها فروق، فالسحر هو أعظمها، وهو عند مالك كفر، قال: لا يحل تعليمه ولا تعلمه، ومن تعلمه فقد كفر ولو لم يعمل به، لأن الله تعالى يقول: {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ} [البقرة: 102]، ولذلك قال العلامة محمد مولود رحمه الله في الكفاف:

والسحر قال مالك تعلمه

كفر وقال: كافر معلمه


وأما تعريفه فهو قسمان: القسم الأول منه تخييلات يخيلها الشياطين إلى الناس فيرون الشيء على غير حقيقته، يرون الجماد متحركاً ويرون الأبيض أسود مثلاً، فهذا التخييل درجة من درجات السحر، كأن يخيل للإنسان أنه فعل شيئاً ولم يفعله، وهذه الدرجة هي التي سحر بها بنات لبيد بن الأعصم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا من عداوة اليهود للمسلمين عليهم لعنة الله، فقد سحروا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يخيل إليه أنه فعل الفعل ولم يفعله, وقد شفاه الله من ذلك ودله على مكان السحر فاستخرجه.

والنوع الثاني من السحر: هو أخلاط تحرك فعلاً الجماد وتؤثر في القلوب جلباً وتخويفاً، وقد اجتمع الأمران في سحر سحرة فرعون، فمنهم من يشتغل بالتخييل فقط ومنهم من يشتغل بالتحريك، ولذلك في الآية التي في سورة الأعراف يقول الله تعالى: {وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ * قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ * قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ * قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ} فجمعوا بين الأمرين، فمنهم من سحر أعين الناس واسترهبهم، ومنهم من جاء بسحر عظيم وهو الزائد على ذلك، فالذي يسحر أعين الناس يريهم الشيء على غير حقيقته وهو التخييل، ولذلك قال في آية سورة طه: {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى}، فهي لا تسعى في الواقع لكن يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى، والنوع الثاني هو السحر العظيم وهو ما يتحرك فعلاً من الجمادات بسبب السحر، فإذن جمع سحرة فرعون بين النوعين معاً.

وهذا السحر من الأمور التي يجب على المسلمين الابتعاد عنها والحذر منها، ومن المؤسف أنه ينتشر الآن في كثير من بلاد الإسلام، والتحاكم إلى أهله والرضا بما هم عليه هو من الكفر البين، نسأل الله السلامة والعافية.

أما العرافة فهي التطلع على علم الغيب عن طريق الأوفاق أو الضرب في الأرض ونحو ذلك، كما يسمى في العرف بـ: "لكْزانَه" ونحوها من الأمور التي يتطلع بها الناس على الغيبيات، فيخبر صاحبها بمكان الشيء المسروق ومكان الضالة ونحو ذلك عن طريق تذليل الجن أو عن طرق أخرى بالأوفاق والأمور الغيبية، فهذا أيضاً حرام، وفاعله وهو العراف مختلف فيه هل هو كافر أم لا، وجمهور أهل العلم أنه إذا مارسها، لكن إذا تعلمها دون ممارسة فلا يكفر بها، ولهذا فإن تصديقه كفر كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم: "من صدق كاهناً أو منجماً أو عرافاً فقد كفر بما أنزل على محمد".

وأما الكاهن فهو الذي يخالط الجن ويستغلهم وهو من أوليائهم، فأولياء الجن هم الذين يأمرونهم في الدنيا بإحضار الأشياء والسرقة على الإنس وغير ذلك من الأمور التي ينفعونهم بها في الظاهر، وهم أعداؤهم يوم القيامة، كما قال الله تعالى: {وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ} [الأنعام: 128]، فمخالطة الجن وتذليلهم سبب لهذا الوعيد الشديد الوارد في سورة الأنعام.

وعلوم الشر تختلط على كثير من الناس فيحصل بها خوارق للعادات، ولكنها غير متساوية الدرجة، فالسحر تعلمه وتعليمه كفر عند مالك ولو لم يسحر الإنسان، والكهانة ومثلها التنجيم والعرافة تعلمها غير كفر لكن ممارستها كفر والتصديق بها كفر، والتنجيم أيضاً درجتان: فمنه أن ينسب الإنسان إلى الأفلاك وإلى النجوم الحوادث فهذا كفر كما صح في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للناس على أثر سماء نزل من الليل -أي على أثر مطر- بالحديبية: "أتدرون ماذا قال ربكم؟" قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: "يقول: أصبح من عبادي مؤمن بي كافر بالكوكب، وكافر بي مؤمن بالكوكب، فالذي يقول: مطرنا بنوء كذا وكذا كافر بي مؤمن بالكوكب والذي يقول: مطرنا بفضل الله ورحمته مؤمن بي كافر بالكوكب"، فهذا النوع من التنجيم الذي فيه نسبة التأثير إلى المخلوقات كفر.

أما التنجيم بالاستدلال بالنجوم فقط كأن يستدل الإنسان بالنجم على جهة أو على وقت أو على فصل أو ما يتعلق باقتراب المطر ونحو ذلك فهذا من الأمور الجائزة ولا يدخل في هذا على الراجح، وقد ذهب بعض المالكية إلى أنه محرم أيضاً، وأن صاحبه مجروح الشهادة، وقد نظم الخلاف فيه العلامة عبد القادر بن محمد بن محمد سالم رحمهم الله في قوله:

إذا كان ذو التنجيم بالله مؤمناً

ولم ينسب التأثير أصلاً إلى النجم

وقال بجعل الله نجماً علامة

على محدث لله فهو أخو جرم

وذو جرحة حتى يتوب ولم يجز

لذي شرعة تقليده عند ذي الفهم

عزاه بن فرحون الإمام لأوحد

شهير بتحصيل المسائل والفهم

أبي دلف الدنيا الأغر ابن رشدهم

عن السيد المرضي سحنون ذي العلم

وسوغ هذا المازري لقوله

عليه سلام الله في البدء والختم

إذا نشأت بحرية وهو ظاهر

وقد جاء فيه ما يدل لذا الحكم


والمازري استدل بأثر من الآثار الأربعة البلاغات الأربعة التي في الموطأ التي لم يصلها أبو عمر بن عبد البر، فأبو عمر في التمهيد، كما قال فيه مالك أنه بلغه أن النبي صلى الله عليه وسلم وهو 226 حديثا وصلها أبو عمر إلا أربعة، وهي المشهورة لدى أهل الحديث بالبلاغات الأربع في الموطأ التي لم يجد لها أبو عمر إسناداً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقد وصلها الإمام ابن الصلاح في رسالة مستقلة تسمى وصل البلاغات الأربعة، ولكن وصلها لا يقتضي صحتها، وأحد هذه البلاغات الأربع: إذا نشأت بحريةٌ -وفي رواية بحريةً- ثم تشاءمت فتلك عين غديقة، إذا نشأت بحرية أي سحابة من جهة البحر وهو جهة الغرب بالنسبة للمدينة ثم تشاءمت أي اتجهت إلى الشمال جهة الشام فتلك عين غديقة، ورواية إذا نشأت بحريةً أي إذا نشأت المزنة حال كونها بحرية ثم تشاءمت فتلك عين غديقة أي كثيرة المطر، فهذا النوع من التنجيم اختار المازري جوازه، وله أدلة أخرى مثل قول الله تعالى: {وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ}.

أما ما يتعلق بالجداول والطلاسم فهي من علوم الشر كما قال العلامة سيد عبد الله رحمة الله عليه: "ومن علوم الشر علم الجدول" فهو من علوم الشر، وعلوم الشر لا يجوز تعلمها ولا تعليمها، وقد كان بعض علماء أهل هذه البلاد يستبيحون ذلك للضرورة، فلم يكن لديهم سلاح يدفعون به عن أموالهم وأنفسهم إلا هذه الجداول فاستباحوها للضرورة، لأن الله تعالى يقول: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام: 119]، وبعد أن ذهب الخوف فلا يحل استعمالها ولا تعلمها ولا تعليمها، وهذا الذي أفتى به علماء البلاد جميعاً، وهذه الأوفاق والمربعات لم تكن معروفة في جزيرة العرب ولا في العهد النبوي ولا فيما يليه، وأول ما دخلت إلى بلاد الإسلام في نهاية القرن الرابع الهجري وجاءت مترجمة من بلاد الهند في البداية، وقد درس أصحابها التأثيرات النفسية والمؤثرات التي تحصل بها، فرأوا أن الأرقام تقابلها حروف، ثم قسموا الحروف العربية إلى أربعة أقسام إلى حروف مائية وحروف ترابية وحروف نارية وحروف هوائية، وركبوها على الشكل المعروف لديهم، وكلها خاضع للتجربة وهي علم من علوم الشر لا يحل تعليمه ولا تعلمه، وليس سحراً فلا يكفر صاحبه، ولهذا استباحه بعض علمائنا للضرورة، لو كان كفراً لما استباحوه، إنما استباحوه وهم يعلمون أنه حرام من أجل الضرورة فقط، أما ما ينفع منه ولا يضر كالجدول الذي يكتب "للمص" مثلاً ونحوه، ومثل ذلك بعض الجداول التي فيها نفع ولا ضرر فيها فقد اختلف أهل العلم في حكمها، فذهب أبو بكر بن العربي والقرطبي إلى جوازها واستدلوا بالتفصيل في السحر، فإن الله تعالى يقول في السحر: {وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ} [البقرة:102]، قالوا هذا على خلاف ذلك ينفع ولا يضر، فيكون مستثنى بالآية لأن الآية صريحة في تعلم ما يضر ولا ينفع، وأما ما ينفع ولا يضر فهو على عكس ذلك، وقد أجاب عن هذا عدد من العلماء فقالوا: الضرر فيها أنها ليست مما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعلى هذا هي تضر على كل حال، حتى لو كان فيها شفاء فإنها ليست مما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، واقتصار الإنسان على ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم هو النفع العميم والخير المقطوع به.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نقلاً عن موقع فضيلة الشيخ الددو على شبكة الإنترنت.