مكانةُ المسجد الأقصى المبارك في الإسلام ليست موضع خلاف

حسام الدين عفانه

  • التصنيفات: الواقع المعاصر -
السؤال:

ما قولكم فيما زعمه الحاخام الرئيس في جيش الاحتلال الإسرائيلي بأنه لا توجد للمسجد الأقصى أية أهمية بالنسبة للإسلام والمسلمين؟ 

 

الإجابة:

أولاً: لا شك ولا ريب أن للمسجد الأقصى المبارك مكانةً عظيمةً في ديننا، وهو مرتبطٌ بعقيدتنا ارتباطاً قوياً، فهو أولى القبلتين وثالث المسجدين الشريفين، ومسرى النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، ومن ثمَّ عُرج به إلى السموات العُلى، قال الله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [سورة الإسراء الآية 1].

فقد ربط الله عز وجل بين المسجد الحرام وبين المسجد الأقصى بهذا الرباط الأبدي المقدس،  كما ربط النبي الكريم صلى الله عليه وسلم بين المسجد الحرام والمسجد النبوي والمسجد الأقصى في قوله صلى الله عليه وسلم: «لا تُشَدُّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، المسجد الحرام ومسجد الرسول ومسجد الأقصى» (رواه البخاري ومسلم).

وأخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم أن المسجد الأقصى المبارك هو ثاني مسجدٍ بني في الأرض فعن إبراهيم التيمي عن أبيه قال سمعت أبا ذر رضي الله عنه قال: «قلت يا رسول الله، أي مسجدٍ وُضع في الأرض أوَّل؟ قال: المسجد الحرام، قال:قلت:ثم أي؟ قال: المسجد الأقصى، قلت: كم كان بينهما؟ قال:أربعون سنة، ثم أينما أدركتك الصلاة بَعْدُ فَصَلِّهْ، فإن الفضل فيه» (رواه البخاري ومسلم).

وأخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم أيضاً أنه سيأتي زمانٌ يتمنى المرءُ رؤيةَ المسجد الأقصى المبارك؛ فقد ورد في الحديث عن أبي ذر رضي الله عنه قال: «تذاكرنا ونحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أيهما أفضل أمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أم بيت المقدس ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صلاة في مسجدي هذا أفضل من أربع صلوات فيه، ولنِعمَ المُصلَى هو، وليوشكن لأن يكون للرجل مثل شطن فرسه -حبلُ الفرس- من الأرض حيث يرى منه بيت المقدس، خيرٌ له من الدنيا جميعاً» (رواه الطبراني والطحاوي والبيهقي والحاكم. وصححه الشيخ الألباني، بل قال عنه إنه أصح ما جاء في فضل الصلاة في المسجد الأقصى).

ومما يؤكد فضيلة بيت المقدس أنه قِبلة المسلمين الأولى، حيث استقبله رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابُه، على مدى ستة عشر شهراً، وقد وردت الإشارة إلى ذلك في قوله تعالى:

{وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللّهُ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} [سورة البقرة الآية 143]. 

إلى أن نزل قول الله تعالى:

{وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَه} [سورة البقرة الآية 150].

وعن البراء بن عازب رضي الله عنه:

«أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم إلى المدينة صلَّى قِبَلَ بيت المقدس ستة عشر شهراً، أو سبعة عشر شهراً، وكان يعجبه أن تكون قِبلتهُ قِبَلَ البيت، وأنه أول صلاة صلاها صلاة العصر وصلى معه قومٌ، فخرج رجلٌ ممن صلى معه، فمرَّ على أهل مسجد وهم راكعون، فقال: أشهد بالله لقد صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قِبَلَ مكة، فداروا كما هم قِبَلَ البيت» (رواه البخاري ومسلم).

ومن فضائل المسجد الأقصى المبارك أن قَصدَه للصلاة فيه يُكفر الذنوبَ ويحُطُ الخطايا، فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أن سليمان بن داود عليه السلام لما بنى بيت المقدس، سأل الله عز وجل خِلالاً ثلاثةً: سأل الله عز وجل حكماً يصادف حكمه، فأوتيه، وسأل الله عز وجل مُلكاً لا ينبغي لأحدٍ من بعده، فأوتيه، وسأل الله عز وجل حين فرغ من بناء المسجد أن لا يأتيه أحدٌ لا يَنهزُه إلا الصلاة فيه أن يخرجه من خطيئته كيوم ولدته أمه»  (رواه أحمد والنسائي وابن ماجة وابن حبان والحاكم، وصححه الشيخ الألباني). 

وغير ذلك مما لا يتسع المقام لذكره. وما ذكرته يكفي في الرد على التشكيك في مكانة المسجد الأقصى المبارك عند المسلمين.

 

ثانياً: لم يقتصر تشكيك المستشرقين والباحثين اليهود والأجانب على التشكيك في مكانة المسجد الأقصى المبارك عند المسلمين، بل تجاوزا ذلك إلى التشكيك في مكان وموقع المسجد الأقصى المبارك، فزعموا والزعم مطية الكذب، أن المسجد الأقصى يقع في مكانٍ يسمى الجعرانة قرب مكة المكرمة، وهذا ما زعمه الباحث اليهودي أهارون بن شيمش في تحريفه لمعاني القرآن الكريم، وكذا زعمه مردخاي كيدار مدير معهد دراسات الشرق الأوسط والإسلام في جامعة بار ايلان الإسرائيلية. وزعم بعض الباحثين اليهود أن المسجد الأقصى مسجد في السماء، وليس هو الموجود في بيت المقدس، فقد كتبت الباحثة اليهودية “حوا لا تسروس يافه” بحثاً أكدت فيها أن المسجد المذكور في آية الإسراء قد فُهم منذ البداية أنه مسجدٌ بعيدٌ قصيٌ سماوي! ولم يُقصد منه ذلك المسجد الذي لم يقم في القدس إلا زمن الأمويين. وكذلك زعم الباحثون اليهود” بوهل وإسحق حسون ويهودا ليطاني وكستر” وغيرهم.

انظر كتاب (الشيعة والمسجد الأقصى) ص 36 فما بعدها.

 

ثالثاً: إن مصادر التشكيك في مكانة ومكان المسجد الأقصى المبارك عند الباحثين اليهود وغيرهم من الأجانب تعود لأمور منها:

اعتمادهم على مراجع غير موثوقة، كما في زعمهم أن المسجد الأقصى في السماء، فقد اعتمدوا على مصادر شيعية غير موثوقةٍ بحالٍ من الأحوال، ولا تعتمد صحة الأسانيد، وإنما مجرد سردٍ للأخبار من غير تدقيقٍ ولا تحقيقٍ كحاطب ليل، ومن المعلوم أن مصادر الشيعة محشوة بالأكاذيب والخرافات من غير زمامٍ ولا خطام.

وقد ألَّف أحد مراجع الشيعة وهو جعفر مرتضى العاملي كتاباً بعنوان (المسجد الاقصى أين؟)جاء فيه: "لقد تبين لنا عدة حقائق بخصوص المسجد الأقصى والذي يحسم الأمر أنه ليس الذي بفلسطين" ونص فيه على أن المسجد الأقصى مسجد في السماء.

وكذا ورد في تفسير الصافي للكاشاني عند تفسيره لآية الإسراء أن المسجد الأقصى في السماء. وورد نفس الكلام في تفسير العياشي وفي البرهان في تفسير القرآن لهاشم البحراني وفي بحار الأنوار للمجلسي وفي الكافي للكليني وغيرها من مراجع الشيعة.

الذين زعموا أن المسجد الأقصى في الجعرانة اعتمدوا على رواياتٍ ذكرها المؤرخون كالواقدي في كتابه المغازي والأزرقي في تاريخ مكة المكرمة وغيرهما، وقد أساؤوا فهمها إما عمداً أو جهلاً بلغة العرب وبالأمكنة التاريخية، فقد روى الأزرقي بسنده عن "زياد بن محمد بن طارق أخبره أنه اعتمر مع مجاهد من الجعرانة، فأحرم من وراء الوادي حيث الحجارة المنصوبة قال:ومن ههنا أحرم النبي صلى الله عليه وسلم، وإني لأعرف أول من اتخذ المسجد على الأكمة، بناه رجل من قريش سماه، واشترى بمال عنده نخلاً، فبنى هذا المسجد، قال ابن جريج: فلقيت أبا محمد بن طارق فسألته فقال: اتفقت أنا ومجاهد بالجعرانة، فأخبرني أن المسجد الأقصى الذي من وراء الوادي بالعدوة القصوى مصلى النبي صلى الله عليه وسلم ما كان بالجعرانة، قال: وأما هذا فإنما بناه رجل من قريش. وذكر الواقدي أن النبي صلى الله عليه وسلم أحرم من المسجد الأقصى الذي تحت الوادي بالعدوة القصوى من الجعرانة، وكان مصلى النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان بالجعرانة، فأما الأدنى فبناه رجل من قريش"

ومن المعلوم في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم أنه أحرم من الجعرانة عندما اعتمر، وفيها المسجد الذي صلّى فيه وأحرم منه عند مرجعه من الطائف بعد فتح مكة، ويقع هذا المسجد وراء الوادي بالعدوة القصوى ويعرف بالمسجد الأقصى لوجود مسجد آخر بُني من قبل أحد المحسنين يعرف بالمسجد الأدنى. وهنالك أسباب أخرى لا يتسع المقام لذكرها.

وخلاصة الأمر أن للمسجد الأقصى المبارك مكانةً عظيمةً في ديننا، وهو مرتبطٌ بعقيدتنا ارتباطاً قوياً، فهو أولى القبلتين وثالث المسجدين الشريفين، ومسرى النبي الكريم صلى الله عليه وسلم،

وأن التشكيك في مكانة المسجد الأقصى المبارك عند المسلمين ما هو إلا تكذيبٌ لنصوص القرآن الكريم والسنة النبوية.وأن تشكيك المستشرقين والباحثين اليهود والأجانب لم يقتصر على التشكيك في مكانة المسجد الأقصى المبارك عند المسلمين، بل تجاوزا ذلك إلى التشكيك في مكان وموقع المسجد الأقصى المبارك، فزعموا أن المسجد الأقصى يقع في مكانٍ يسمى الجعرانة قرب مكة المكرمة، أو أنه مسجدٌ في السماء وليس هو الموجود في بيت المقدس.

وأن أهم مصادر المشككين في مكانة ومكان المسجد الأقصى المبارك اعتمادهم على مصادر شيعية غير موثوقةٍ بحالٍ من الأحوال واعتمادهم على رواياتٍ ذكرها بعض المؤرخين وقد أساؤوا فهمها إما عمداً أو جهلاً بلغة العرب وبالأمكنة التاريخية.

وأنه يجب أن يُعلم أن ما قاله الحاخام الرئيس في جيش الاحتلال الإسرائيلي حول المسجد الأقصى ليس جديداً، بل هو موجودٌ في أدبياتهم منذ المستشرق اليهودي “جولد تسيهر” فقد تابعوه في تلفيق الأكاذيب وتسويقها،

وأن كل ما ذكروه من مزاعم باطلة لا يُقلل بحالٍ من الأحوال من مكانة المسجد الأقصى المبارك، ولا يزيد المسلمين إلا تمسكاً بمسجدهم، أولى القبلتين وثالث المسجدين الشريفين.

والله الهادي إلى سواء السبيل.