فصل في أوقات الصلوات المفروضة
محمد بن صالح العثيمين
- التصنيفات: فقه الصلاة -
السؤال: فصل في أوقات الصلوات المفروضة
الإجابة: قال فضيلة الشيخ -جزاه الله عن الإسلام والمسلمين خير جزاء-:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام علي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فأن الوقت من أهم شروط الصلاة، لقول الله سبحانه: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً}، وإذا كانت الصلوات خمساً فأوقاتها خمسة أو ثلاثة، خمسة لغير أهل الأعذار، وثلاثة لأهل الأعذار، الذين يجوز لهم الجمع، فالظهر والعصر يكون وقتهما وقتاً واحداً إذا جاز الجمع، والمغرب والعشاء يكون وقتهما وقتاً واحداً إذا جاز الجمع.
والفجر وقت واحد، ولهذا فصلها الله عز وجل: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ}، ولم يقل: "لدلوك الشمس إلى طلوع الشمس"، بل قال: {إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ}، وغسق الليل يكون عند منتصفه، لأن أشد ما يكون ظلمة في الليل منتصف الليل، لأن منتصف الليل هو أبعد ما تكون الشمس عن النقطة التي فيها هذا المنتصف.
ولهذا كان القول الراجح أن الأوقات خمسة كما يلي:
أولاً: الفجر من طلوع الفجر الثاني، وهو البياض المعترض في الأفق إلى أن تطلع الشمس.
وهنا أنبه فأقول: إن التقويم -تقويم أم القرى- فيه تقديم خمس دقائق في آذان الفجر على مدار السنة، فالذي يصلي أول ما يؤذن يعتبر صلى قبل الوقت، وهذا شئ اختبرناه في الحساب الفلكي، واختبرناه أيضاً في الرؤية.
فلذلك لا يُعتمد هذا بالنسبة لأذان الفجر، لأنه مقدم وهذه مسألة خطرة جداً، لو أن إنساناً كبَّر للإحرام فقط قبل أن يدخل الوقت ما صحت صلاتك فريضة، لكن التقاويم الأخرى الفلكية التي بالحساب بينها وبين هذا التقويم خمس دقائق.
وعلى كل حال وقت صلاة الفجر من طلوع الفجر الثاني إلى طلوع الشمس.
ثانياً: الظهر من زوال الشمس إلى أن يصير ظل كل شئ مثله لكن بعد أن تخصم ظل الزوال، لأن الشمس خصوصاً في أيام الشتاء يكون لها ظل نحو الشمال، هذا ليس بعبرة بل العبرة أنك تنظر الظل ما دام ينقص فالشمس لم تزل، فإذا بدأ يزيد أدني زيادة فإن الشمس قد زالت، واجعل علامة على ابتداء زيادة الظل فإذا صار ظل الشيء كطوله خرج وقت الظهر ودخل وقت العصر.
ثالثاً: وقت العصر إلى أن تصفر الشمس والضرورة إلى غروبها.
رابعاً: وقت المغرب من غروب الشمس إلى مغيب الشفق الأحمر، وهو يختلف أحياناً يكون بين الغروب وبين مغيب الشفق ساعة وربع وأحياناً يكون ساعة واثنان وثلاثون دقيقة.
خامساً: وقت العشاء من خروج وقت المغرب إلى منتصف الليل، والمعني: أنك تقدر ما بين غروب الشمس وطلوع الفجر ثم تنصفه، فالنصف هو منتهى صلاة العشاء.
ويترتب على هذا فائدة عظيمة:
لو طهرت المرأة في الثلث الأخير من الليل فليس عليها صلاة العشاء ولا المغرب، لأنها طهرت بعد الوقت.
وقد ثبت في صحيح مسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: " "، ولم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث يدل على أن وقت العشاء يمتد إلى طلوع الفجر أبداً.
ولهذا كان القول الراجح أن وقت العشاء إلى نصف الليل، والآية الكريمة تدل على هذا لأنه فصل الفجر عن الأوقات الأربعة: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} أي زوالها: {إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ} جمع الله بينها لأنه ليس هناك بينها فاصل، أما الفجر فقال: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً}، فالفجر لا تتصل بصلاة لا قبلها ولا بعدها، لأن بينها وبين الظهر نصف النهار الأول، وبينها وبين صلاة العشاء نصف الليل الآخر.
واعلم أن الصلاة قبل دخول الوقت لا تقبل حتى لو كبر تكبيرة الإحرام ثم دخل الوقت بعد التكبيرة مباشرة فإنها لا تقبل على أنها فريضة، لأن الشيء المؤقت بوقت لا يصح قبل وقته، كما لو أراد الإنسان أن يصوم قبل رمضان بيوم واحد فإنه لا يجزئه عن رمضان، كذلك الصلاة لكن إن كان جاهلاً لا يدري صارت نافلة ووجب عليه إعادتها فريضة.
أما إذا صلاها بعد الوقت فلا يخلو من حالين:
الحال الأولى: أن يكون معذوراً بجهل أو نسيان أو نوم فهذا تقبل منه.
الجهل: مثل أن لا يعرف أن الوقت قد دخل وقد خرج، فهذا لا شئ عليه، متي علم فإنه يصلي الصلاة وتقبل منه لأنه معذور، والنسيان: مثل أن يكون الإنسان اشتغل بشغل عظيم أشغله وألهاه حتى خرج الوقت فإن هذا يصليها ولو بعد خروج الوقت.
النوم كذلك: فلو أن شخصاً نام على أنه سيقوم عند الآذان ولكن صار نومه ثقيلاً فلم يسمع الأذان ولا المنبه الذي وضعه عند رأسه حتى خرج الوقت فإنه يصلي إذا استيقظ، لقول الرسول عليه الصلاة والسلام: " ".
الحال الثانية: أن يؤخر الصلاة عن وقتها عنداً من غير عذر فاتفق العلماء على أنه آثم وعاصٍ لله ورسوله.
وقال بعض العلماء: أنه يكفر بذلك كفراً مخرجاً عن الملة نسأل الله العافية.
ولكن الصحيح أنه لا يكفر وهذا قول الجمهور، ولكن اختلفوا فيما لو صلاها في هذه الحال، أي بعد أن أخرجها عن وقتها عمداً بلا عذر ثم صلى:
فمنهم من قال: أنها تقبل صلاته لأنه عاد إلى رشده وصوابه، ولأنه إذا كان الناسي تقبل منه الصلاة بعد الوقت فالمتعمد كذلك.
ولكن القول الصحيح الذي تؤيده الأدلة أنها لا تقبل منه إذا أخرها عن وقتها عمداً ولو صلى ألف مرة، وذلك لقول النبي عليه الصلاة والسلام: " "، يعني مردود غير مقبول عند الله، وإذا كان مردوداً فلن يقبل، وهذا الذي أخرج الصلاة عن وقتها عمداً إذا صلاها على غير أمر الله ورسوله، وأما المعذور فهو معذور، ولهذا أمره الشارع أن يصليها إذا زال عذره، أما من ليس بمعذور فإنه لو بقي يصلي كل دهره فإنها لا تقبل منه هذه الصلاة التي أخرجها عن وقتها بلا عذر فعليه أن يتوب إلى الله، ويستقيم ويكثر من العمل الصالح والاستغفار ومن تاب تاب الله عليه.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى و رسائل الشيخ محمد صالح العثيمين المجلد الثاني عشر - باب المواقيت.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام علي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فأن الوقت من أهم شروط الصلاة، لقول الله سبحانه: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً}، وإذا كانت الصلوات خمساً فأوقاتها خمسة أو ثلاثة، خمسة لغير أهل الأعذار، وثلاثة لأهل الأعذار، الذين يجوز لهم الجمع، فالظهر والعصر يكون وقتهما وقتاً واحداً إذا جاز الجمع، والمغرب والعشاء يكون وقتهما وقتاً واحداً إذا جاز الجمع.
والفجر وقت واحد، ولهذا فصلها الله عز وجل: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ}، ولم يقل: "لدلوك الشمس إلى طلوع الشمس"، بل قال: {إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ}، وغسق الليل يكون عند منتصفه، لأن أشد ما يكون ظلمة في الليل منتصف الليل، لأن منتصف الليل هو أبعد ما تكون الشمس عن النقطة التي فيها هذا المنتصف.
ولهذا كان القول الراجح أن الأوقات خمسة كما يلي:
أولاً: الفجر من طلوع الفجر الثاني، وهو البياض المعترض في الأفق إلى أن تطلع الشمس.
وهنا أنبه فأقول: إن التقويم -تقويم أم القرى- فيه تقديم خمس دقائق في آذان الفجر على مدار السنة، فالذي يصلي أول ما يؤذن يعتبر صلى قبل الوقت، وهذا شئ اختبرناه في الحساب الفلكي، واختبرناه أيضاً في الرؤية.
فلذلك لا يُعتمد هذا بالنسبة لأذان الفجر، لأنه مقدم وهذه مسألة خطرة جداً، لو أن إنساناً كبَّر للإحرام فقط قبل أن يدخل الوقت ما صحت صلاتك فريضة، لكن التقاويم الأخرى الفلكية التي بالحساب بينها وبين هذا التقويم خمس دقائق.
وعلى كل حال وقت صلاة الفجر من طلوع الفجر الثاني إلى طلوع الشمس.
ثانياً: الظهر من زوال الشمس إلى أن يصير ظل كل شئ مثله لكن بعد أن تخصم ظل الزوال، لأن الشمس خصوصاً في أيام الشتاء يكون لها ظل نحو الشمال، هذا ليس بعبرة بل العبرة أنك تنظر الظل ما دام ينقص فالشمس لم تزل، فإذا بدأ يزيد أدني زيادة فإن الشمس قد زالت، واجعل علامة على ابتداء زيادة الظل فإذا صار ظل الشيء كطوله خرج وقت الظهر ودخل وقت العصر.
ثالثاً: وقت العصر إلى أن تصفر الشمس والضرورة إلى غروبها.
رابعاً: وقت المغرب من غروب الشمس إلى مغيب الشفق الأحمر، وهو يختلف أحياناً يكون بين الغروب وبين مغيب الشفق ساعة وربع وأحياناً يكون ساعة واثنان وثلاثون دقيقة.
خامساً: وقت العشاء من خروج وقت المغرب إلى منتصف الليل، والمعني: أنك تقدر ما بين غروب الشمس وطلوع الفجر ثم تنصفه، فالنصف هو منتهى صلاة العشاء.
ويترتب على هذا فائدة عظيمة:
لو طهرت المرأة في الثلث الأخير من الليل فليس عليها صلاة العشاء ولا المغرب، لأنها طهرت بعد الوقت.
وقد ثبت في صحيح مسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: " "، ولم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث يدل على أن وقت العشاء يمتد إلى طلوع الفجر أبداً.
ولهذا كان القول الراجح أن وقت العشاء إلى نصف الليل، والآية الكريمة تدل على هذا لأنه فصل الفجر عن الأوقات الأربعة: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} أي زوالها: {إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ} جمع الله بينها لأنه ليس هناك بينها فاصل، أما الفجر فقال: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً}، فالفجر لا تتصل بصلاة لا قبلها ولا بعدها، لأن بينها وبين الظهر نصف النهار الأول، وبينها وبين صلاة العشاء نصف الليل الآخر.
واعلم أن الصلاة قبل دخول الوقت لا تقبل حتى لو كبر تكبيرة الإحرام ثم دخل الوقت بعد التكبيرة مباشرة فإنها لا تقبل على أنها فريضة، لأن الشيء المؤقت بوقت لا يصح قبل وقته، كما لو أراد الإنسان أن يصوم قبل رمضان بيوم واحد فإنه لا يجزئه عن رمضان، كذلك الصلاة لكن إن كان جاهلاً لا يدري صارت نافلة ووجب عليه إعادتها فريضة.
أما إذا صلاها بعد الوقت فلا يخلو من حالين:
الحال الأولى: أن يكون معذوراً بجهل أو نسيان أو نوم فهذا تقبل منه.
الجهل: مثل أن لا يعرف أن الوقت قد دخل وقد خرج، فهذا لا شئ عليه، متي علم فإنه يصلي الصلاة وتقبل منه لأنه معذور، والنسيان: مثل أن يكون الإنسان اشتغل بشغل عظيم أشغله وألهاه حتى خرج الوقت فإن هذا يصليها ولو بعد خروج الوقت.
النوم كذلك: فلو أن شخصاً نام على أنه سيقوم عند الآذان ولكن صار نومه ثقيلاً فلم يسمع الأذان ولا المنبه الذي وضعه عند رأسه حتى خرج الوقت فإنه يصلي إذا استيقظ، لقول الرسول عليه الصلاة والسلام: " ".
الحال الثانية: أن يؤخر الصلاة عن وقتها عنداً من غير عذر فاتفق العلماء على أنه آثم وعاصٍ لله ورسوله.
وقال بعض العلماء: أنه يكفر بذلك كفراً مخرجاً عن الملة نسأل الله العافية.
ولكن الصحيح أنه لا يكفر وهذا قول الجمهور، ولكن اختلفوا فيما لو صلاها في هذه الحال، أي بعد أن أخرجها عن وقتها عمداً بلا عذر ثم صلى:
فمنهم من قال: أنها تقبل صلاته لأنه عاد إلى رشده وصوابه، ولأنه إذا كان الناسي تقبل منه الصلاة بعد الوقت فالمتعمد كذلك.
ولكن القول الصحيح الذي تؤيده الأدلة أنها لا تقبل منه إذا أخرها عن وقتها عمداً ولو صلى ألف مرة، وذلك لقول النبي عليه الصلاة والسلام: " "، يعني مردود غير مقبول عند الله، وإذا كان مردوداً فلن يقبل، وهذا الذي أخرج الصلاة عن وقتها عمداً إذا صلاها على غير أمر الله ورسوله، وأما المعذور فهو معذور، ولهذا أمره الشارع أن يصليها إذا زال عذره، أما من ليس بمعذور فإنه لو بقي يصلي كل دهره فإنها لا تقبل منه هذه الصلاة التي أخرجها عن وقتها بلا عذر فعليه أن يتوب إلى الله، ويستقيم ويكثر من العمل الصالح والاستغفار ومن تاب تاب الله عليه.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى و رسائل الشيخ محمد صالح العثيمين المجلد الثاني عشر - باب المواقيت.