رسالة في الطهارة من الحدث

محمد بن صالح العثيمين

  • التصنيفات: فقه الصلاة -
السؤال: رسالة في الطهارة من الحدث
الإجابة: قال فضيلة الشيخ جزاه الله عن الإسلام والمسلمين خيراً:

من أهم شروط الصلاة: الطهارة من الحدث والنجس، وقد ذكرها الله تعالى في قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْه}.

فالوضوء تطهير الأعضاء الأربعة: غسل الوجه ومنه المضمضة والاستنشاق، غسل اليدين إلى المرفقين، مسح الرأس ومنه الأذنان، وغسل الرجلين إلى الكعبين، هذا الوضوء وهذا هو الواجب فيه.

أما الأكمل فهو أن تسمي الله، والتسمية على الوضوء سنة، إن فعلها الإنسان فهو أكمل وأفضل، وإن تركها فوضوءه صحيح لاسيما إذا كان ناسياً، ثم اغسل كفيك ثلاث مرات، ثم تمضمض واستنشق ثلاث مرات بثلاث غرفات، أو بست غرفات يكون المضمضة ثلاثة غرفات والاستنشاق ثلاث غرفات، ثم اغسل وجهك طولاً من منابت الشعر إلى أسفل اللحية، وما استرسل من اللحية فإنه داخل غسل الوجه، ومن الأذن إلى الأذن عرضاً، يجب عليك أن تغسل كل ذلك لأنه داخل في الوجه، ويجب عليك بعد هذا أن تغسل اليدين من أطراف الأصابع إلى المرفقين، والمرفقان داخلان في الغسل فيجب عليك أن تغسل المرفقين حتى تشرع في العضدين، لأن أبا هريرة رضي الله عنه توضأ حتى أشرع في العضد، وقال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ.

ثم تمسح رأسك بيديك ابتداء من المقدم إلى أن تصل إلى المؤخرة ثم ترجع إلى المقدم مرة ثانية، ثم تمسح الأذنين تدخل السبابتين في صماخي الأذنين وتمسح بإبهاميهما ظاهر الأذنين، والأفضل ألا تأخذ للأذنين ماءً جديداً لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يثبت عنه أنه أخذ ماءً جديداً للأذنين، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "الأذنان من الرأس"، ثم بعد ذلك تغسل الرجلين إلى الكعبين والكعبان داخلان في الغسل.

والسنة أن تثلث في غسل الكفين وغسل الوجه والمضمضة والاستنشاق وفي غسل اليدين إلى المرفقين، وفي غسل الرجلين إلى الكعبين، أما الرأس فلا ينبغي أن تثلث فيه لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يثلث في الرأس، وإذا كان الإنسان لابساً الشراب أو "الكنادر" فإنه إذا لبسهما على طهارة يمسح عليهما بدلاً عن غسل الرجلين ثلاث ليال بلياليها إن كان مسافراً، ويوماً وليلة إن كان مقيماً.

والمسح يكون من أطراف الأصابع إلى الساق، بشرط ألا يكون عليه جنابة فإن كان عليه جنابة فلابد أن يخلعهما ويغسل رجليه كما يغسل سائر جسده.

واعلم أن ابتداء المدة من أول مسحة يمسحها الإنسان بعد الحدث، وليس من اللبس، ولا من الحدث بعد اللبس، فإذا تطهر ولبس خفيه لصلاة الفجر وأحدث في الضحى ولم يمسحهما إلا لصلاة الظهر فإن ابتداء المدة يكون من مسحهما لصلاة الظهر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "يمسح المقيم"، ويكون المسح إلا بتحققه فعلاً.

وكذلك إذا كان في الإنسان جرح أو كسر ووضع عليه خرقة بقدر الحاجة فإنه يمسحها بدلاً عن الغسل سواء كان في الجنابة أو الحدث الأصغر، ولا يشترط أن يلبسها على طهارة بخلاف الخف، فإنه لابد أن يلبسه على طهارة وذلك لأن الحديث الوارد عن الرسول صلى الله عليه وسلم في الجبيرة ليس فيه اشتراط أن يلبسها على طهارة، ويمسح الجبيرة ما دامت عليه، ولا يحتاج إذا مسح عليها أن يتيمم معها، وذلك لأن المسح قائم مقام الغسل عند الضرورة، وفي آخر الآية الكريمة ذكر الله تعالى أن الإنسان إن كان مريضاً يعني مرضاً يضره معه استعمال الماء، أو كان مسافراً يعني يثقله حمل الماء فإنه في هذه الحال يتيمم.

والتيمم هو ضرب الأرض باليدين، ثم مسح الوجه والكفين بعضهما ببعض، ويسمى عند العامة: "العفور" لأن الإنسان يعفِّر وجهه بالتراب تعبداً لله عز وجل، واعلم أيها الأخ المسلم أن التيمم ينوب مناب الماء عند عدمه، وأنه مطهر طهارة كاملة حتى يجد الإنسان الماء، لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً"، والطهور ما يتطهر به، وكذلك قال الله تعالى لما ذكر التيمم: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ}، فإذا تيممت لصلاة الفجر مثلاً وبقيت طهارتك إلى صلاة الظهر فإنك تصلي الظهر بتيمم الفجر، ولا حرج عليك في ذلك ما دمت لم تنقض طهارتك، وكذلك إذا تيممت لصلاة الظهر فلك أن تصلى العصر بذلك التيمم ما دامت طهارتك باقية، لأن الله تعالى جعل التيمم مطهراً، فإذا كان مطهراً فإنه رافع الحدث، ولكن رفعه للحدث مؤقت بزوال موجبه وهو فقد الماء أو المرض، فإذا وجد الإنسان الماء وجب عليه أن يستعمل الماء، وإذا برئ من المرض وجب عليه استعمال الماء، وإذا قدر أن رجلاً كان مسافراً وأصابته جنابة وليس معه ماء فإنه يتيمم عن الجنابة ويصلي ولا يعيد التيمم عن الجنابة مرة ثانية عند الصلاة الثانية أو الثالثة لأن تيممه الأول عن الجنابة رفعٌ الجنابة، ولكن يتيمم إن طرأ عليه حدث أصغر، يتيمم للحدث الأصغر.

ثم إذا وجد الماء أو وصل إليه في البلد وجب عليه أن يغتسل من الجنابة التي أصابته في السفر وتيمَّمَ لها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "الصعيد الطيب وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجده فليتق الله وليمسه بشرته".

هذه هي الطهارة من الأحداث، وهي شرط للصلاة لا تصح إلا بها، فلو صلى المحدث بغير وضوء ناسياً أو صلى من عليه جنابة بغير غسل ناسياً وجب عليه إعادة الصلاة لأن شرط لا يسقط بالنسيان.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مجموع فتاوى و رسائل الشيخ محمد صالح العثيمين المجلد الثاني عشر - باب المواقيت.