سئل عن تفصيل [الإرادة] و [الإذن] وغير ذلك
ابن تيمية
- التصنيفات: العقيدة الإسلامية -
السؤال: سئل عن تفصيل [الإرادة] و [الإذن] وغير ذلك
الإجابة: وسئل رحمه الله عن تفصيل [الإرادة] و [الإذن] و [الكتاب]
و [الحكم] و[القضاء] و [التحريم] وغير ذلك، مما هو ديني
موافق لمحبة الله ورضاه وأمره الشرعي، وما هو كوني موافق لمشيئته
الكونية؟
فأجاب :
الحمد لله، هذه الأمور المذكورة، وهي الإرادة والإذن والكتاب والحكم والقضاء والتحريم وغيرها، كالأمر والبعث والإرسال ينقسم في كتاب الله إلى نوعين:
أحدهما: ما يتعلق بالأمور الدينية التي يحبها الله تعالى ويرضاها، ويثيب أصحابها، ويدخلهم الجنة، وينصرهم في الحياة الدنيا وفي الآخرة، وينصر بها العباد من أوليائه المتقين، وحزبه المفلحين وعباده الصالحين.
والثاني: ما يتعلق بالحوادث الكونية التي قدرها الله وقضاها مما يشترك فيها المؤمن والكافر والبر والفاجر، وأهل الجنة وأهل النار وأولياء الله وأعداؤه، وأهل طاعته الذين يحبهم ويحبونه، ويصلي عليهم هو وملائكته، وأهل معصيته الذين يبغضهم ويمقتهم ويلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون.
فمن نظر إليها من هذا الوجه شهد الحقيقة الكونية الوجودية، فرأى الأشياء كلها مخلوقة لله، مدبرة بمشيئته، مقهورة بحكمته، فما شاء الله كان وإن لم يشأ الناس، وما لم يشأ لم يكن وإن شاء الناس،لا معقب لحكمه ولا راد لأمره، ورأى أنه سبحانه رب كل شيء ومليكه، له الخلق والأمر، وكل ما سواه مربوباً له، مدبر مقهور لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً، ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً، بل هو عبد فقير إلى الله تعالى من جميع الجهات، والله غني عنه، كما أنه الغني عن جميع المخلوقات، وهذا الشهود في نفسه حق، لكن طائفة قصرت عنه، وهم القدرية المجوسية، وطائفة وقفت عنده وهم القدرية المشركية.
أما الأولون، فهم الذين زعموا أن في المخلوقات ما لا تتعلق به قدرة الله ومشيئته وخلقه، كأفعال العباد، وغلاتهم أنكروا علمه القديم، وكتابه السابق، وهؤلاء هم أول من حدث من القدرية في هذه الأمة، فرد عليهم الصحابة وسلف الأمة، و تبرؤوا منهم.
وأما الطائفة الثانية، فهم شر منهم، وهم طوائف من أهل السلوك والإرادة والتأله والتصوف والفقر ونحوهم، يشهدون هذه الحقيقة ورأوا أن الله خالق المخلوقات كلها، فهو خالق أفعال العباد ومريد جميع الكائنات، ولم يميزوا بعد ذلك بين إيمان وكفر، ولا عرفان ولا نكر، ولا حق ولا باطل، ولا مهتد ولا ضال، ولا راشد ولا غوي، ولا نبي ولا متنبئ، ولا ولي لله ولا عدو، ولا مرضى لله ولا مسخوط، ولا محبوب لله ولا ممقوت، ولا بين العدل والظلم، ولا بين البر و العقوق، ولا بين أعمال أهل الجنة وأعمال أهل النار، ولا بين الأبرار والفجار، حيث شهدوا ما تجتمع فيه الكائنات من القضاء السابق والمشيئة النافذة والقدرة الشاملة والخلق العام، فشهدوا المشترك بين المخلوقات وعموا عن الفارق بينهما، وصاروا ممن يخاطب بقوله تعالى:{أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ. مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} [القلم:35- 36]، وبقوله تعالى: {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} [ص:28]، وبقوله تعالى: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [الجاثية:21].
{وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا} [الأعراف:137]، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم" ، فالكلمات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجـر ليست هي أمره ونهيه الشرعيين، فإن الفُجَّار عَصَوْا أمره ونهيه، بل هي التي بها يكون الكائنات، وأما الكلمات الدينية المتضمنة لأمره ونهيه الشرعيين، فمثل الكتب الإلهية: التوراة والإنجيل والزبور والقرآن، وقال تعالى:{وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا} [التوبة:40]، وقال صلى الله عليه وسلم" ، وأما قوله تعالى:{وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً} [الأنعام: 115] فإنه يعم النوعين.
وأما البعث بالمعنى الأول، ففي مثل قوله تعالى: {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ} [ الإسراء:5]، والثاني في مثل قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ} [الجمعة:2]، وقوله تعالى:{رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ} [البقرة: 129]، وقوله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36] .
وأما الإرسال بالمعنى الأول، ففي مثل قوله تعالى: {أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزّاً} [مريم:83]، وقوله تعالى: {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ} [الحجر:22].
وبالمعنى الثاني، في مثل قوله تعالي:{إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ} [نوح:1]، وقوله تعالى:{إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً} [البقرة:119]، وقوله تعالى :{وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا} [الزخرف:45]، وقوله تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهٌِ} [النساء:64]، وقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء:25]، وقوله تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِداً عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً . فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذاً وَبِيلاً} [المزمل:15- 16].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى - الجزء الثامن.
فأجاب :
الحمد لله، هذه الأمور المذكورة، وهي الإرادة والإذن والكتاب والحكم والقضاء والتحريم وغيرها، كالأمر والبعث والإرسال ينقسم في كتاب الله إلى نوعين:
أحدهما: ما يتعلق بالأمور الدينية التي يحبها الله تعالى ويرضاها، ويثيب أصحابها، ويدخلهم الجنة، وينصرهم في الحياة الدنيا وفي الآخرة، وينصر بها العباد من أوليائه المتقين، وحزبه المفلحين وعباده الصالحين.
والثاني: ما يتعلق بالحوادث الكونية التي قدرها الله وقضاها مما يشترك فيها المؤمن والكافر والبر والفاجر، وأهل الجنة وأهل النار وأولياء الله وأعداؤه، وأهل طاعته الذين يحبهم ويحبونه، ويصلي عليهم هو وملائكته، وأهل معصيته الذين يبغضهم ويمقتهم ويلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون.
فمن نظر إليها من هذا الوجه شهد الحقيقة الكونية الوجودية، فرأى الأشياء كلها مخلوقة لله، مدبرة بمشيئته، مقهورة بحكمته، فما شاء الله كان وإن لم يشأ الناس، وما لم يشأ لم يكن وإن شاء الناس،لا معقب لحكمه ولا راد لأمره، ورأى أنه سبحانه رب كل شيء ومليكه، له الخلق والأمر، وكل ما سواه مربوباً له، مدبر مقهور لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً، ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً، بل هو عبد فقير إلى الله تعالى من جميع الجهات، والله غني عنه، كما أنه الغني عن جميع المخلوقات، وهذا الشهود في نفسه حق، لكن طائفة قصرت عنه، وهم القدرية المجوسية، وطائفة وقفت عنده وهم القدرية المشركية.
أما الأولون، فهم الذين زعموا أن في المخلوقات ما لا تتعلق به قدرة الله ومشيئته وخلقه، كأفعال العباد، وغلاتهم أنكروا علمه القديم، وكتابه السابق، وهؤلاء هم أول من حدث من القدرية في هذه الأمة، فرد عليهم الصحابة وسلف الأمة، و تبرؤوا منهم.
وأما الطائفة الثانية، فهم شر منهم، وهم طوائف من أهل السلوك والإرادة والتأله والتصوف والفقر ونحوهم، يشهدون هذه الحقيقة ورأوا أن الله خالق المخلوقات كلها، فهو خالق أفعال العباد ومريد جميع الكائنات، ولم يميزوا بعد ذلك بين إيمان وكفر، ولا عرفان ولا نكر، ولا حق ولا باطل، ولا مهتد ولا ضال، ولا راشد ولا غوي، ولا نبي ولا متنبئ، ولا ولي لله ولا عدو، ولا مرضى لله ولا مسخوط، ولا محبوب لله ولا ممقوت، ولا بين العدل والظلم، ولا بين البر و العقوق، ولا بين أعمال أهل الجنة وأعمال أهل النار، ولا بين الأبرار والفجار، حيث شهدوا ما تجتمع فيه الكائنات من القضاء السابق والمشيئة النافذة والقدرة الشاملة والخلق العام، فشهدوا المشترك بين المخلوقات وعموا عن الفارق بينهما، وصاروا ممن يخاطب بقوله تعالى:{أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ. مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} [القلم:35- 36]، وبقوله تعالى: {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} [ص:28]، وبقوله تعالى: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [الجاثية:21].
{وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا} [الأعراف:137]، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم" ، فالكلمات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجـر ليست هي أمره ونهيه الشرعيين، فإن الفُجَّار عَصَوْا أمره ونهيه، بل هي التي بها يكون الكائنات، وأما الكلمات الدينية المتضمنة لأمره ونهيه الشرعيين، فمثل الكتب الإلهية: التوراة والإنجيل والزبور والقرآن، وقال تعالى:{وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا} [التوبة:40]، وقال صلى الله عليه وسلم" ، وأما قوله تعالى:{وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً} [الأنعام: 115] فإنه يعم النوعين.
وأما البعث بالمعنى الأول، ففي مثل قوله تعالى: {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ} [ الإسراء:5]، والثاني في مثل قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ} [الجمعة:2]، وقوله تعالى:{رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ} [البقرة: 129]، وقوله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36] .
وأما الإرسال بالمعنى الأول، ففي مثل قوله تعالى: {أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزّاً} [مريم:83]، وقوله تعالى: {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ} [الحجر:22].
وبالمعنى الثاني، في مثل قوله تعالي:{إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ} [نوح:1]، وقوله تعالى:{إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً} [البقرة:119]، وقوله تعالى :{وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا} [الزخرف:45]، وقوله تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهٌِ} [النساء:64]، وقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء:25]، وقوله تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِداً عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولاً . فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذاً وَبِيلاً} [المزمل:15- 16].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى - الجزء الثامن.