ما رأي فضيلتكم في رؤية الهلال؟ وهل يمكن توحيده؟

محمد بن صالح العثيمين

  • التصنيفات: فقه الصيام -
السؤال: ما رأي فضيلتكم في رؤية الهلال؟ وهل يمكن توحيده بحيث إذا رؤي في بلد وجب على جميع المسلمين الصوم في هلال رمضان والفطر في هلال شوال؟
الإجابة: الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين:
هذه المسألة -أعني مسألة الهلال- مختلف فيها بين أهل العلم.

فمنهم من يرى أنه إذا ثبتت رؤية الهلال في مكان على وجه شرعي، فإنه يلزم جميع المسلمين الصوم إن كان هلال رمضان، والفطر إن كان هلال شوال، وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله فعلى هذا إذا رؤي في المملكة العربية السعودية مثلاً وجب على جميع المسلمين في كل الأقطار أن يعملوا بهذه الرؤية صوماً في رمضان وفطراً في شوال، واستدلوا لذلك بعموم قوله تعالى: {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}، وعموم قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "إذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا"، قالوا: والخطاب للمسلمين، فيشمل جميع المسلمين في جميع أقطار الأرض.

ومن العلماء من يقول: إنه لا يجب الصوم في هلال رمضان ولا الفطر في هلال شوال إلا لمن رأى الهلال، أو كان موافقاً لمن رآه في مطالع الهلال، لأن مطالع الهلال تختلف باتفاق أهل المعرفة بذلك، فإذا اختلفت وجب أن يحكم لكل بلد برؤيته، والبلاد الأخرى إن وافقته في مطالع الهلال فهي تبع له، وإلا فلا، وهذا القول اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله واستدل لهذا القول بقوله تعالى: {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}، وبقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا" أي بنفس الدليل الذي استدل به من يرى عموم وجوب الصوم على كل أحد إذا ثبتت رؤيته في مكان من بلاد المسلمين، لكن الاستدلال يختلف، فوجه الاستدلال عند شيخ الإسلام ابن تيمية في هذه الاۤية والحديث: أن الحكم علق بالشاهد والرائي، وهذا يقتضي أن من لم يشهد ولم يرَ لم يلزمه حكم الهلال، وعليه فإذا اختلفت المطالع فإن البلاد المخالفة لبلاد الرؤيا لا يكون قد شوهد فيها الهلال ولا رؤي، وحينئذ لا تثبت أحكام الهلال في حقهم، وهذا ولا شك وجه قوي في الاستدلال، وأقوى من الأول، ويؤيده النظر والقياس، فإنه إذا كان الشارع قد علق الإمساك للصائم بطلوع الفجر والفطر بغروب الشمس، فقال تعالى: {وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّيْلِ وَلاَ تُبَـٰشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَـٰكِفُونَ فِي الْمَسَـٰجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ}، فالشارع علق الحكم بتبين طلوع الفجر إمساكاً، وبالليل إفطاراً، والنبي عليه الصلاة والسلام قال: "كلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم، فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر"، وقال: "إذا أقبل الليل من هاهنا" وأشار إلى المشرق، "وأدبر النهار من هاهنا"، وأشار إلى المغرب، "وغربت الشمس فقد أفطر الصائم".
ومعلوم بإجماع المسلمين أن هذا الحكم ليس عامًّا لجميع البلدان، بل هو خاص في كل بلد يثبت فيه هذا الأمر، ولهذا تجد الناس في الشرق يمسكون قبل الناس في الغرب، ويفطرون قبلهم حسب تبين طلوع الفجر وغروب الشمس، فإذا كان التوقيت اليومي متعلقاً في كل بلد بحسبه، فكذلك التوقيت الشهري يتعلق في كل بلد بحسبه، وبهذا يتبين أن القول الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله هو القول الراجح أثراً ونظراً.

وهناك قول ثالث: أن الناس يتبعون إمامهم، فإذا قرر الإمام وهو ذو السلطة العليا في البلد دخول الهلال، وكان ذلك بمقتضى الأدلة الشرعية وجب العمل بمقتضى ذلك صوماً في رمضان وإفطاراً في شوال، وإذا لم يقرر ذلك فإنه لا صوم ولا فطر، واستدل لهذا القول بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "الفطر يوم يفطر الناس، والأضحى يوم يضحي الناس"، وهذا هو الذي عليه العمل في وقتنا الحاضر.

وعلى هذا فنقول للسائل: الأولى أن لا تظهر مخالفة الناس، فإذا كنت ترى أنه يجب العمل بالقول الأول وأنه إذا ثبتت رؤية الهلال في مكان من بلاد المسلمين على وجه شرعي وجب العمل بمقتضى ذلك، وكانت بلادك لم تعمل بهذا، وترى أحد الرأيين الاۤخرين فإنه لا ينبغي لك أن تظهر المخالفة لما في ذلك من الفتنة والفوضى والأخذ والرد، وبإمكانك أن تصوم سرًّا في هلال رمضان، وأن تفطر سرًّا في هلال شوال، أما المخالفة فهذه لا تنبغي وليست مما يأمر به الإسلام.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مجموع فتاوى و رسائل الشيخ محمد صالح العثيمين المجلد التاسع عشر - كتاب الصيام.