فصل في كل من تاب من أي ذنب كان فإن الله يتوب عليه
ابن تيمية
- التصنيفات: العقيدة الإسلامية -
السؤال: فصل في كل من تاب من أي ذنب كان فإن الله يتوب عليه
الإجابة: فصــل:
وكل من تاب من أي ذنب كان فإن الله يتوب عليه، كما قال تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ}[الزمر:53-55]، فقد أخبر الله في هذه الآية أنه يغفر الذنوب؛ أي لمن تاب.
وقد قال في الأخرى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} [النساء:116]، وهذا في حق من لم يتب، فالشرك لا يغفره الله،وما دون الشرك أمره إلى الله، إن شاء عاقب عليه، وإن شاء عفا عنه.
ومن الشرك أن يدعو العبد غير الله، كمن يستغيث في المخاوف والأمراض والفاقات بالأموات، والغائبين.
فيقول: يا سيدي الشيخ فلان، لشيخ ميت أو غائب، فيستغيث به، ويستوصيه، ويطلب منه ما يطلب من الله من النصر والعافية فإن هذا من الشرك الذي حرمه الله ورسوله باتفاق المسلمين.
وهؤلاء المشركون قد يتمثل لأحدهم صورة الشيخ الذي استغاث به، فيظن أنه الشيخ، أو ملك جاء على صورته، وإنما هو شيطان تمثل له ليضله ويغويه لما دعا غير الله، كما كان نصيب المشركين الذين يعبدون الأصنام تخاطبهم الشياطين، وتتراءى لهم، وتخبرهم ببعض الأمور الغائبة، وإن كان فيما يخبرون به من الكذب ما يبين أنهم شياطين.
قال تعالى:{هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ}[الشعراء:221- 222]، وهؤلاء كثيرون في المشركين: من الهند، والترك، والحبشة، وفي المتشبهين بهم من الضلال المنتسبين إلى الإسلام؛ كأهل الإشارات الذين يظهرون إشارات الدم، والزعفران، واللاذن، ويدعون أنهم يغيرون التراب، أو غيره.
فيجعلونه كذلك، ومنهم من يدخل النار، ويأكل الحيات، ومنهم من يصرخ في بعض الناس فيمرض، أو يموت.
وهذه الأحوال تعرض لهم عند فعل ما يأمر به الشيطان، مثل السماع البدعي؛ سماع المكاء، والتصدية، وغير ذلك، فإن الذين يتخذون ذلك قربة ودينا تتحرك به قلوبهم، ويحصل لهم عنده من الوجل والصياح ما تنزل معه الشياطين،كما يدخل الشيطان في بدن المصروع، ولهذا يزبد أحدهم كإزباد المصروع، ويصيح كصياحه وذلك صياح الشياطين على ألسنتهم، ولهذا لا يدري أحد ما جرى منه حتى يفيق،ويتكلم الشيطان على لسان أحدهم بكلام لا يعرفه الإنسان، ويدخل أحدهم النار، وقد لبسه الشيطان ويحصل ذلك لقوم من النصارى بالمغرب، وغيرهم.
تلبسهم الشياطين، فيحصل لهم مثل ذلك .
فهؤلاء المبتدعون المخالفون للكتاب والسنة أحوالهم ليست من كرامات الصالحين، فإن كرامات الصالحين إنما تكون لأولياء الله المتقين، الذين قال الله فيهم: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ} [يونس :62- 63]، وهم الذين يتقربون إلى الله بالفرائض التي فرضها عليهم، ثم بالنوافل التي ندبهم إليها، كما روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال .
ولهذا قال أهل العلم والدين كأبي يزيد البسطامي وغيره : لو رأيتم الرجل يطير في الهواء، أو يمشي على الماء، فلا تغتروا به حتى تنظروا وقوفه عند الأمر والنهي، وقال الشافعي: لو رأيتم صاحب بدعة يطير في الهواء، فلا تغتروا به.
فأولياء الله المتقون هم المتبعون لكتاب الله، وسنة رسوله، كما قال تعالى: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}[آل عمران:31]، وطريقهم طريق أنبياء الله المرسلين، وأولياء الله المتقين، وحزب الله المفلحين.
وأما أهل الشرك والبدع والفجور فأحوالهم من جنس أحوال [مسيلمة الكذاب]، و[الأسود العنسي] اللذين ادعيا النبوة في آخر أيام النبي صلى الله عليه وسلم، وكان لكل منهما شياطين تخبره وتعينه.
وكان [العنسي] قد استولى على أرض اليمن في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قتله الله على أيدي عباده المؤمنين، وكان قد طلب من أبي مسلم الخولاني أن يتابعه فامتنع، فألقاه في النار فجعلها الله عليه برداً وسلاماً،كما جرى لإبراهيم الخليل صلوات الله عليه، وذلك مع صلاته وذكره ودعائه لله مع سكينة ووقار، وهؤلاء أصحاب الأحوال الشيطانية، لا تصير النار عليهم برداً وسلاماً.
بل قد يطفونها كما يطفيها الناس، وذلك في حال اختلاط عقولهم، وهيج شياطينهم، وارتفاع أصواتهم، هذا إن كان لأحدهم حال شيطاني.
و إلا فكثير منهم لا يحصل له ذلك، بل يدخل في نوع من المكر والمحال فيتخذ حجر الطلق، أو دهن الضفادع، وأنواعاً من الأدوية كما يصنعون من جنس ما تصنعه المشعبذون، إخفاء اللاذن، والسكر في يد أحدهم، فإنهم نوعان: خاصتهم أهل حال شيطاني، وعامتهم أهل محال بهتاني.
وهؤلاء لا يعطى أحدهم من الزكاة حتى يتوب، ويلتزم ما بعث الله به محمداً صلى الله عليه وسلم من الكتاب والسنة، ويكون مع ذلك من مستحقي الزكاة المذكورين في قوله تعالى :{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [التوبة:60].
فأما من كان غنياً ليس من هذه الأصناف، فلا يعطى من الزكاة، لا سيما إذا كان مع غناه من شيوخ الضلال، مثل شيوخ المضلين الأغنياء الذين ليسوا من الأصناف الثمانية، فإن هؤلاء لا يجوز أن يعطوا من الزكاة بإجماع المسلمين، وهؤلاء إذا قالوا للإنسان: تعطينا و إلا فإني أنلك في نفسك، فإنه قد تعينهم شياطين على إضرار بعض الناس بقضاء الله وقدره، لكن هذا يكون لمن هو خارج عن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم، مثل أهل الفجور والبدع الذين لا يصلون الصلوات الخمس، ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله، فهؤلاء قد تسلط عليهم بعض هؤلاء بذنوبهم وخطاياهم.
وأما الذين يفعلون ما أمر الله به ورسوله من الصلوات الخمس، وغيرها، ويخلصون دينهم لله، فلا يدعون إلا الله، ولا يعبدون غيره ولا ينذرون إلا لله، ويحرمون ما حرم الله ورسوله، فهؤلاء جند الله الغالبون، وحزب الله المفلحون، فإنه يؤيدهم وينصرهم.
وهؤلاء يهزمون شياطين أولئك الضالين، فلا يستطيعون مع شهود هؤلاء، واستغاثتهم بالله، أن يفعلوا شيئاً من تلك الأحوال الشيطانية، بل تهرب منهم تلك الشياطين.
وهؤلاء معترفون بذلك، يقولون: أحوالنا ما تنفذ قدام أهل الكتاب والسنة، وإنما تنفذ قدام من لا يكون كذلك من الأعراب والترك والعامة وغيرهم.
فهؤلاء من أهل الضلال والغي الذين يجب نهيهم، واستتابتهم، ومنعهم من طاعة الشيطان والشرك، والبدع، والفجور، وأمرهم بما أمر الله به ورسوله، وإتباع الكتاب والسنة.
ولا يجوز للمؤمن أن يخافهم فإن الله تعالى يقول في كتابه: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}[آل عمران:173- 175]، وقال تعالى: {لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ} [البقرة:150- 152].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى - الجزء الحادي عشر.
وكل من تاب من أي ذنب كان فإن الله يتوب عليه، كما قال تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ}[الزمر:53-55]، فقد أخبر الله في هذه الآية أنه يغفر الذنوب؛ أي لمن تاب.
وقد قال في الأخرى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} [النساء:116]، وهذا في حق من لم يتب، فالشرك لا يغفره الله،وما دون الشرك أمره إلى الله، إن شاء عاقب عليه، وإن شاء عفا عنه.
ومن الشرك أن يدعو العبد غير الله، كمن يستغيث في المخاوف والأمراض والفاقات بالأموات، والغائبين.
فيقول: يا سيدي الشيخ فلان، لشيخ ميت أو غائب، فيستغيث به، ويستوصيه، ويطلب منه ما يطلب من الله من النصر والعافية فإن هذا من الشرك الذي حرمه الله ورسوله باتفاق المسلمين.
وهؤلاء المشركون قد يتمثل لأحدهم صورة الشيخ الذي استغاث به، فيظن أنه الشيخ، أو ملك جاء على صورته، وإنما هو شيطان تمثل له ليضله ويغويه لما دعا غير الله، كما كان نصيب المشركين الذين يعبدون الأصنام تخاطبهم الشياطين، وتتراءى لهم، وتخبرهم ببعض الأمور الغائبة، وإن كان فيما يخبرون به من الكذب ما يبين أنهم شياطين.
قال تعالى:{هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ}[الشعراء:221- 222]، وهؤلاء كثيرون في المشركين: من الهند، والترك، والحبشة، وفي المتشبهين بهم من الضلال المنتسبين إلى الإسلام؛ كأهل الإشارات الذين يظهرون إشارات الدم، والزعفران، واللاذن، ويدعون أنهم يغيرون التراب، أو غيره.
فيجعلونه كذلك، ومنهم من يدخل النار، ويأكل الحيات، ومنهم من يصرخ في بعض الناس فيمرض، أو يموت.
وهذه الأحوال تعرض لهم عند فعل ما يأمر به الشيطان، مثل السماع البدعي؛ سماع المكاء، والتصدية، وغير ذلك، فإن الذين يتخذون ذلك قربة ودينا تتحرك به قلوبهم، ويحصل لهم عنده من الوجل والصياح ما تنزل معه الشياطين،كما يدخل الشيطان في بدن المصروع، ولهذا يزبد أحدهم كإزباد المصروع، ويصيح كصياحه وذلك صياح الشياطين على ألسنتهم، ولهذا لا يدري أحد ما جرى منه حتى يفيق،ويتكلم الشيطان على لسان أحدهم بكلام لا يعرفه الإنسان، ويدخل أحدهم النار، وقد لبسه الشيطان ويحصل ذلك لقوم من النصارى بالمغرب، وغيرهم.
تلبسهم الشياطين، فيحصل لهم مثل ذلك .
فهؤلاء المبتدعون المخالفون للكتاب والسنة أحوالهم ليست من كرامات الصالحين، فإن كرامات الصالحين إنما تكون لأولياء الله المتقين، الذين قال الله فيهم: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ} [يونس :62- 63]، وهم الذين يتقربون إلى الله بالفرائض التي فرضها عليهم، ثم بالنوافل التي ندبهم إليها، كما روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال .
ولهذا قال أهل العلم والدين كأبي يزيد البسطامي وغيره : لو رأيتم الرجل يطير في الهواء، أو يمشي على الماء، فلا تغتروا به حتى تنظروا وقوفه عند الأمر والنهي، وقال الشافعي: لو رأيتم صاحب بدعة يطير في الهواء، فلا تغتروا به.
فأولياء الله المتقون هم المتبعون لكتاب الله، وسنة رسوله، كما قال تعالى: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}[آل عمران:31]، وطريقهم طريق أنبياء الله المرسلين، وأولياء الله المتقين، وحزب الله المفلحين.
وأما أهل الشرك والبدع والفجور فأحوالهم من جنس أحوال [مسيلمة الكذاب]، و[الأسود العنسي] اللذين ادعيا النبوة في آخر أيام النبي صلى الله عليه وسلم، وكان لكل منهما شياطين تخبره وتعينه.
وكان [العنسي] قد استولى على أرض اليمن في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قتله الله على أيدي عباده المؤمنين، وكان قد طلب من أبي مسلم الخولاني أن يتابعه فامتنع، فألقاه في النار فجعلها الله عليه برداً وسلاماً،كما جرى لإبراهيم الخليل صلوات الله عليه، وذلك مع صلاته وذكره ودعائه لله مع سكينة ووقار، وهؤلاء أصحاب الأحوال الشيطانية، لا تصير النار عليهم برداً وسلاماً.
بل قد يطفونها كما يطفيها الناس، وذلك في حال اختلاط عقولهم، وهيج شياطينهم، وارتفاع أصواتهم، هذا إن كان لأحدهم حال شيطاني.
و إلا فكثير منهم لا يحصل له ذلك، بل يدخل في نوع من المكر والمحال فيتخذ حجر الطلق، أو دهن الضفادع، وأنواعاً من الأدوية كما يصنعون من جنس ما تصنعه المشعبذون، إخفاء اللاذن، والسكر في يد أحدهم، فإنهم نوعان: خاصتهم أهل حال شيطاني، وعامتهم أهل محال بهتاني.
وهؤلاء لا يعطى أحدهم من الزكاة حتى يتوب، ويلتزم ما بعث الله به محمداً صلى الله عليه وسلم من الكتاب والسنة، ويكون مع ذلك من مستحقي الزكاة المذكورين في قوله تعالى :{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [التوبة:60].
فأما من كان غنياً ليس من هذه الأصناف، فلا يعطى من الزكاة، لا سيما إذا كان مع غناه من شيوخ الضلال، مثل شيوخ المضلين الأغنياء الذين ليسوا من الأصناف الثمانية، فإن هؤلاء لا يجوز أن يعطوا من الزكاة بإجماع المسلمين، وهؤلاء إذا قالوا للإنسان: تعطينا و إلا فإني أنلك في نفسك، فإنه قد تعينهم شياطين على إضرار بعض الناس بقضاء الله وقدره، لكن هذا يكون لمن هو خارج عن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم، مثل أهل الفجور والبدع الذين لا يصلون الصلوات الخمس، ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله، فهؤلاء قد تسلط عليهم بعض هؤلاء بذنوبهم وخطاياهم.
وأما الذين يفعلون ما أمر الله به ورسوله من الصلوات الخمس، وغيرها، ويخلصون دينهم لله، فلا يدعون إلا الله، ولا يعبدون غيره ولا ينذرون إلا لله، ويحرمون ما حرم الله ورسوله، فهؤلاء جند الله الغالبون، وحزب الله المفلحون، فإنه يؤيدهم وينصرهم.
وهؤلاء يهزمون شياطين أولئك الضالين، فلا يستطيعون مع شهود هؤلاء، واستغاثتهم بالله، أن يفعلوا شيئاً من تلك الأحوال الشيطانية، بل تهرب منهم تلك الشياطين.
وهؤلاء معترفون بذلك، يقولون: أحوالنا ما تنفذ قدام أهل الكتاب والسنة، وإنما تنفذ قدام من لا يكون كذلك من الأعراب والترك والعامة وغيرهم.
فهؤلاء من أهل الضلال والغي الذين يجب نهيهم، واستتابتهم، ومنعهم من طاعة الشيطان والشرك، والبدع، والفجور، وأمرهم بما أمر الله به ورسوله، وإتباع الكتاب والسنة.
ولا يجوز للمؤمن أن يخافهم فإن الله تعالى يقول في كتابه: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}[آل عمران:173- 175]، وقال تعالى: {لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ} [البقرة:150- 152].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى - الجزء الحادي عشر.