فصل في المؤاخاة
ابن تيمية
- التصنيفات: الأدب مع الآخرين -
السؤال: فصل في المؤاخاة
الإجابة: فصـــل:
وأما [المؤاخاة] فإن النبي صلى الله عليه وسلم آخى بين المهاجرين والأنصار، لما قدم المدينة، كما آخى بين سلمان الفارسي وبين أبى الدرداء، وبين عبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع، وكانوا يتوارثون بتلك المؤاخاة، حتى أنزل الله تعالى: {وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّهِ} [ الأنفال: 75 ] فصاروا يتوارثون بالقرابة.
وفي ذلك أنزل الله تعالى: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} [ النساء: 33 ] وهذا هو المحالفة.
واختلف العلماء هل التوارث بمثل ذلك عند عدم القرابة والولاء محكم أو منسوخ؟ على قولين:
أحدهما: أن ذلك منسوخ، وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد في أشهر الروايتين عنه، ولما ثبت في صحيح مسلم عنه أنه قال: .
والثاني: أن ذلك محكم، وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد في الرواية الأخرى عنه.
وأما المؤاخاة بين المهاجرين كما يقال: إنه آخى بين أبى بكر وعمر، وأنه آخى علياً ونحو ذلك، فهذا كله باطل، وإن كان بعض الناس ذكر أنه فعل بمكة، وبعضهم ذكر أنه فعل بالمدينة، وذلك نقل ضعيف: إما منقطع، وإما بإسناد ضعيف.
والذي في الصحيح هو ما تقدم، ومن تدبر الأحاديث الصحيحة، والسيرة النبوية الثابتة، تيقن أن ذلك كذب.
وأما عقد الأخوة بين الناس في زماننا فإن كان المقصود منها التزام الأخوة الإيمانية التي أثبتها الله بين المؤمنين بقوله: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [ الحجرات:10]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: ، وقوله: .
وقوله: ونحو ذلك من الحقوق الإيمانية التي تجب للمؤمن على المؤمن.
فهذه الحقوق واجبة بنفس الإيمان، والتزامها بمنزلة التزام الصلاة والزكاة والصيام والحج، والمعاهدة عليها كالمعاهدة على ما أوجب الله ورسوله.
وهذه ثابتة لكل مؤمن على كل مؤمن، وإن لم يحصل بينهما عقد مؤاخاة، وإن كان المقصود منها إثبات حكم خاص كما كان بين المهاجرين والأنصار، فهذه فيها للعلماء قولان، بناء على أن ذلك منسوخ أم لا ؟ فمن قال: إنه منسوخ كمالك والشافعي وأحمد في المشهور عنه قال: إن ذلك غير مشروع.
ومن قال: إنه لم ينسخ كما قال: أبو حنيفة وأحمد في الرواية الأخرى قال: إنه مشروع .
وأما [الشروط] التي يلتزمها كثير من الناس في [السماع] وغيره.
مثل أن يقول: على المشاركة في الحسنات، وأينا خلص يوم القيامة خلص صاحبه، ونحو ذلك. فهذه كلها شروط باطلة؛ فإن الأمر يومئذ لله، هو {يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شَيْئاً} [ الانفطار: 19 ] وكما قال تعالى:{وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاء ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاء لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ} [ الأنعام: 94] .
وكذلك يشترطون شروطاً من الأمور الدنيوية ولا يوفون بها، وما أعلم أحداً ممن دخل في هذه الشروط الزائدة على ما شرطه الله ورسوله وفي بها، بل هو كلام يقولونه عند غلبة الحال؛ لا حقيقة له في المآل، وأسعد الناس من قام بما أوجبه الله ورسوله، فضلا عن أن يوجب على نفسه زيادات على ذلك .
وهذه المسائل قد بسطت في غير هذا الموضع، والله أعلم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى - الجزء الحادي عشر.
وأما [المؤاخاة] فإن النبي صلى الله عليه وسلم آخى بين المهاجرين والأنصار، لما قدم المدينة، كما آخى بين سلمان الفارسي وبين أبى الدرداء، وبين عبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع، وكانوا يتوارثون بتلك المؤاخاة، حتى أنزل الله تعالى: {وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّهِ} [ الأنفال: 75 ] فصاروا يتوارثون بالقرابة.
وفي ذلك أنزل الله تعالى: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} [ النساء: 33 ] وهذا هو المحالفة.
واختلف العلماء هل التوارث بمثل ذلك عند عدم القرابة والولاء محكم أو منسوخ؟ على قولين:
أحدهما: أن ذلك منسوخ، وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد في أشهر الروايتين عنه، ولما ثبت في صحيح مسلم عنه أنه قال: .
والثاني: أن ذلك محكم، وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد في الرواية الأخرى عنه.
وأما المؤاخاة بين المهاجرين كما يقال: إنه آخى بين أبى بكر وعمر، وأنه آخى علياً ونحو ذلك، فهذا كله باطل، وإن كان بعض الناس ذكر أنه فعل بمكة، وبعضهم ذكر أنه فعل بالمدينة، وذلك نقل ضعيف: إما منقطع، وإما بإسناد ضعيف.
والذي في الصحيح هو ما تقدم، ومن تدبر الأحاديث الصحيحة، والسيرة النبوية الثابتة، تيقن أن ذلك كذب.
وأما عقد الأخوة بين الناس في زماننا فإن كان المقصود منها التزام الأخوة الإيمانية التي أثبتها الله بين المؤمنين بقوله: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [ الحجرات:10]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: ، وقوله: .
وقوله: ونحو ذلك من الحقوق الإيمانية التي تجب للمؤمن على المؤمن.
فهذه الحقوق واجبة بنفس الإيمان، والتزامها بمنزلة التزام الصلاة والزكاة والصيام والحج، والمعاهدة عليها كالمعاهدة على ما أوجب الله ورسوله.
وهذه ثابتة لكل مؤمن على كل مؤمن، وإن لم يحصل بينهما عقد مؤاخاة، وإن كان المقصود منها إثبات حكم خاص كما كان بين المهاجرين والأنصار، فهذه فيها للعلماء قولان، بناء على أن ذلك منسوخ أم لا ؟ فمن قال: إنه منسوخ كمالك والشافعي وأحمد في المشهور عنه قال: إن ذلك غير مشروع.
ومن قال: إنه لم ينسخ كما قال: أبو حنيفة وأحمد في الرواية الأخرى قال: إنه مشروع .
وأما [الشروط] التي يلتزمها كثير من الناس في [السماع] وغيره.
مثل أن يقول: على المشاركة في الحسنات، وأينا خلص يوم القيامة خلص صاحبه، ونحو ذلك. فهذه كلها شروط باطلة؛ فإن الأمر يومئذ لله، هو {يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شَيْئاً} [ الانفطار: 19 ] وكما قال تعالى:{وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاء ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاء لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ} [ الأنعام: 94] .
وكذلك يشترطون شروطاً من الأمور الدنيوية ولا يوفون بها، وما أعلم أحداً ممن دخل في هذه الشروط الزائدة على ما شرطه الله ورسوله وفي بها، بل هو كلام يقولونه عند غلبة الحال؛ لا حقيقة له في المآل، وأسعد الناس من قام بما أوجبه الله ورسوله، فضلا عن أن يوجب على نفسه زيادات على ذلك .
وهذه المسائل قد بسطت في غير هذا الموضع، والله أعلم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى - الجزء الحادي عشر.