سئل الشيخ في جماعة يجتمعون في مجلس، ويلبسون لشخص منهم لباس [الفتوة]

ابن تيمية

  • التصنيفات: النهي عن البدع والمنكرات -
السؤال: سئل الشيخ في جماعة يجتمعون في مجلس، ويلبسون لشخص منهم لباس [الفتوة]
الإجابة: سئل الشيخ العالم العلامة إمام الوقت، فريد الدهر، جوهر العلم، لب الإيمان، قطب الزمان مفتى الفرق، شيخ الإسلام، تقي الدين أبو العباس أحمد بن الشيخ الإمام شهاب الدين عبد الحليم بن الشيخ الإمام العلامة مؤيد السنة مجد الدين عبد السلام بن تيمية الحراني رضي اللّه عنه ونفع به آمين في جماعة يجتمعون في مجلس، ويلبسون لشخص منهم لباس ‏[‏الفتوة‏]‏ ويديرون بينهم في مجلسهم شربة فيها ملح وماء يشربونها ويزعمون أن هذا من الدين، ويذكرون في مجلسهم ألفاظاً لا تليق بالعقل والدين‏.‏

فمنها أنهم يقولون‏:‏ إن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ألبس علي ابن أبي طالب رضي اللّه تعالى عنه لباس الفتوة، ثم أمره أن يلبس من شاء، ويقولون‏:‏ إن اللباس أنزل على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم في صندوق، ويستدلون عليه بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏‏يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ‏}‏‏ ‏[‏الأعراف‏:‏26‏]‏، فهل هو كما زعموا ‏؟‏ أم كذب مختلق‏؟‏ وهل هو من الدين أم لا‏؟‏ وإذا لم يكن من الدين فما يجب على من يفعل ذلك أو يعين عليه‏؟‏ ومنهم من ينسب ذلك إلى الخليفة الناصر لدين اللّه‏.

‏‏ إلى عبد الجبار ويزعم أن ذلك من الدين؛ فهل لذلك أصل أم لا‏؟‏

وهل الأسماء التي يسمون بها يعضهم بعضا من اسم الفتوة، ورؤوس الأحزاب والزعماء فهل لهذا أصل أم لا‏؟‏ ويسمون المجلس الذي يجتمعون فيه ‏[‏دسكرة‏]‏ ويقوم للقوم نقيب إلى الشخص الذي يلبسونه فينزعه اللباس الذي عليه بيده، ويلبسه اللباس الذي يزعمون أنه لباس الفتوة بيده، فهل هذا جائر‏.

‏‏ أم لا ‏؟‏ وإذا قيل‏:‏ لا يجوز فعل ذلك ولا الإعانة عليه، فهل يجب على ولي الأمر منعهم من ذلك‏؟‏

وهل للفتوة أصل في الشريعة أم لا‏؟‏ وإذا قيل‏:‏ لا أصل لها في الشريعة فهل يجب على غير ولي الأمر أن ينكر عليهم، ويمنعهم من ذلك أم لا مع تمكنه من الإنكار‏؟‏ وهل أحد من الصحابة رضي اللّه تعالى عنهم، أو التابعين، أو من بعدهم من أهل العلم فعل هذه الفتوة المذكورة أو أمر بها أم لا‏؟‏

وهل خلق النبي صلى الله عليه وسلم من النور‏؟‏ أم خلق من الأربع عناصر‏؟‏ أم من غير ذلك‏؟‏ وهل الحديث الذي يذكره بعض الناس‏:‏ ‏‏"‏لولاك ما خلق اللّه عرشاً‏.‏ ولا كرسياً، ولا أرضاً، ولا سماء، ولا شمساً، ولا قمراً ولا غير ذلك "‏‏ صحيح هو أم لا‏؟‏

وهل ‏[‏الأخوة‏]‏ التي يواخيها المشائخ بين الفقراء في السماع وغيره يجوز فعلها في السماع ونحوه أم لا‏؟‏ وهل آخي رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار‏؟‏ أم بين كل مهاجري وأنصاري‏؟‏ وهل آخى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم على بن أبي طالب كرم اللّه وجهه أم لا‏؟‏ بينوا لنا ذلك بالتعليل والحجة المبينة، وابسطوا لنا الجواب في ذلك بسطا شافياً مأجورين‏.‏ أثابكم اللّه تعالى‏.

‏‏ فأجاب‏:‏

الحمد للّه‏.

‏‏ أما ما ذكر من إلباس لباس ‏[‏الفتوة‏]‏ السراويل أو غيره، و إسقاء الملح والماء فهذا باطل، لا أصل له، ولم يفعل هذا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، ولا أحد من أصحابه‏.‏

لا علي ابن أبي طالب ولا غيره، ولا من التابعين لهم بإحسان‏.

‏‏ والإسناد الذي يذكرونه من طريق الخليفة الناصر إلى عبد الجبار إلى ثمامة، فهو إسناد لا تقوم به حجة، وفيه من لا يعرف، ولا يجوز لمسلم أن ينسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم بمثل هذا الإسناد المجهول الرجال أمراً من الأمور التي لا تعرف عنه، فكيف إذا نسب إليه ما يعلم أنه كذب وافتراء عليه‏؟‏‏!‏ فإن العالمين بسنته وأحواله متفقون على أن هذا من الكذب المختلق عليه وعلى علي بن أبي طالب رضي اللّه تعالى عنه، وما ذكروه من نزول هذا اللباس في صندوق هو من أظهر الكذب، باتفاق العارفين بسنته‏.

‏‏ و ‏[‏اللباس الذي يوارى السوءة‏]‏ هو كل ما ستر العورة من جميع أصناف اللباس المباح‏.‏

أنزل الله تعالى هذه الآية لما كان المشركون يطوفون بالبيت عراة، ويقولون‏:‏ ثياب عصينا الله فيها لا نطوف فيها فأنزل الله تعالى هذه الآية، وأنزل قوله‏:‏ ‏{‏‏خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ‏}‏‏ ‏[‏ الأعراف‏:‏ 13‏]‏‏.

‏‏ والكذب فى هذا أظهر من الكذب فيما ذكر من لباس الخرقة، وأن النبي صلى الله عليه وسلم تواجد حتى سقطت البردة عن ردائه، وأنه فرق الخرق على أصحابه، وأن جبريل أتاه وقال له‏:‏ إن ربك يطلب نصيبه من زيق الفقر، وأنه علق ذلك بالعرش‏.

‏‏ فهذا أيضاً كذب باتفاق أهل المعرفة؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجتمع هو وأصحابه على سماع كف، ولا سماع دفوف و شبابات، ولا رقص ولا سقط عنه ثوب من ثيابه فى ذلك، ولا قسمه على أصحابه، وكل ما يروى من ذلك فهو كذب مختلق باتفاق أهل المعرفة بسنته.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى - الجزء الحادي عشر.