بحث حول كيفية وضع اليد اليمنى على الفخذ بين السجدتين

محمد بن صالح العثيمين

  • التصنيفات: فقه الصلاة -
السؤال: بحث حول كيفية وضع اليد اليمنى على الفخذ بين السجدتين
الإجابة:
بسم الله الرحمن الرحيم

"بحث حول كيفية وضع اليد اليمنى على الفخذ بين السجدتين"

حديث وائل بن حجر الذي أخرجه الإمام أحمد في المسند 4/317 من طريق عبد الرزاق صريح في ذلك، وسياقه: "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم كبر فرفع يديه حين كبر -يعني استفتح الصلاة-، ورفع يديه حين كبر، ورفع يديه حين قال: سمع الله لمن حمده، وسجد فوضع يديه حذو أذنيه، ثم جلس فافترش رجله اليسرى، ثم وضع يده اليسرى على ركبته اليسرى، ووضع ذراعه اليمنى على فخذه اليمنى، ثم أشار بسبابته ووضع الإبهام على الوسطى، وقبض سائر أصابعه، ثم سجد فكانت يداه حذاء أذنيه".

وأخرجه من حديث عبد الصمد قال: حدثنا زائدة قال: حدثنا عاصم بن كليب، ثم تم السند إلى وائل أنه قال: "لأنظرن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يصلي، قال: فنظرت إليه قام فكبر ورفع يديه حتى حاذتا أذنيه، ثم وضع يده اليمنى على ظهر كفه اليسرى، والرسغ، والساعد، ثم قال لما أراد أن يركع رفع يديه مثلها، ووضع يديه على ركبتيه، ثم رفع رأسه فرفع يديه مثلها، ثم سجد فجعل كفيه بحذاء أذنيه ثم قعد فافترش رجله اليسرى فوضع كفه اليسرى على فخذه وركبته اليسرى، وجعل حد مرفقه الأيمن على فخذه اليمنى، ثم قبض بين أصابعه لحلق حلقة، ثم رفع إصبعه، فرأيته يحركها يدعو بها".

وهذا صريح في أن هذه القعدة هي القعدة التي بين السجدتين؛ لأنه قال: "ثم رفع رأسه فرفع يديه مثلها ثم سجد... ثم قعد فافترش رجله اليسرى..." إلخ. وهل هذه القعدة إلا قعدة ما بين السجدتين؟!

وأخرجه أيضاً من حديث أسود بن عامر قال: حدثنا زهير بن معاوية عن عاصم بن كليب به، ولفظه أن وائل بن حجر قال: "قلت لأنظرن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يصلي"، وذكر الحديث، وفيه قال بعد ذكر الرفع من الركوع: "ثم سجد فوضع يديه حذاء أذنيه، ثم قعد فافترش رجله اليسرى ووضع كفه اليسرى على ركبته اليسرى فخذه -في صفة عاصم- ثم وضع حد مرفقه الأيمن على فخذه اليمنى، وقبض ثلاثاً، وحلق حلقة، ثم رأيته يقول هكذا"، وأشار زهير بسبابته الأولى وقبض إصبعين، وحلق الإبهام على السبابة الثانية.

وظاهر هذا اللفظ أو صريحه كسابقيه في أن القبض والإشارة بين السجدتين كما في التشهدين.

وعلى هذا فلا يصح توهيم عبد الرزاق بذكر السجود بعد هذه القعدة؛ لأن ذكره زيادة لا تنافي ما رواه غير بل توافقه كما علم.

. ولم أعلم من السنة حديثاً واحداً فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبسط يده اليمنى حين يجلس بين السجدتين، ولا وجدت ذلك عن الصحابة.

وما رواه مسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قعد في التشهد وضع يده اليسرى على ركبته اليسرى، ووضع يده اليمنى على ركبته اليمنى، وعقد ثلاثاً وخمسين وأشار بالسبابة" فإنه لا ينافي حديث وائل، ولا يبطله لاختلاف الموضعين على أن حديث ابن عمر رضي الله عنهما قد رواه مسلم بلفظ الإطلاق: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا جلس في الصلاة وضع يديه على ركبتيه، ورفع إصبعه اليمنى التي تلي الإبهام فدعا بها، ويده اليسرى على ركبته اليسرى باسطها عليها"، وفي لفظ آخر: "وضع كفه اليمنى على فخذه اليمنى وقبض أصابعه كلها، وأشار بإصبعه التي تلي الإبهام، ووضع كفه اليسرى على فخذه اليسرى".

فقد روى مسلم هذا الحديث بثلاثة ألفاظ: اثنان مطلقان والثالث مقيد بالتشهد، ولا منافاة أيضاً لدخول المقيد في المطلق، ولم يرد في السنة التفريق بين الجلوس بين السجدتين والتشهدين.

وقد قال البنا في ترتيب مسند الإمام أحمد 3/149 عن حديث وائل بن حجر: سنده جيد، وقال الأرناؤوط في حاشية زاد المعاد 1/238: سنده صحيح.

وكلام ابن القيم -رحمه الله- لا غبار عليه في ذلك، والنسبة إليه صحيحة وهذا نص عبارته قال 1/322: ثم كان يكبر ويخر ساجداً ولا يرفع يديه، وساق كلاماً كثيراً ثم قال 1/338 فصل: ثم كان صلى الله عليه وسلم يرفع رأسه مكبراً غير رافع يديه، ويرفع من السجود رأسه قبل يديه، ثم يجلس مفترشاً، يفرش رجله اليسرى ويجلس عليها، وينصب اليمنى. وذكر النسائي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "من سنة الصلاة أن ينصب القدم اليمنى واستقباله بأصابعها القبلة والجلوس على اليسرى"، ولم يُحفظ عنه في هذا الموضع جلسة غير هذه. وكان يضع يديه على فخذيه يجعل مرفقه على فخذه، وطرف يده على ركبته ويقبض ثنتين من أصابعه، ويحلق حلقة، ثم يرفع إصبعه يدعو بها ويحركها، هكذا قال وائل بن حجر عنه. إلى أن قال 339: ثم كان يقول بين السجدتين: "رب اغفر لي..." إلخ وكان هديه إطالة هذا الركن بقدر السجود، وهكذا الثابت عنه في جميع الأحاديث انتهى المقصود منه.

والمقوس عليه بين السجدتين هو هكذا في الأصل وهو محذوف في نسخ أخرى.

وهذا صريح في إثباته القبض والتحريك بين السجدتين فإن قوله: "وكان يضع يديه على فخذيه" إلخ. إما أن يكون حاكماً به مستدلاً عليه بحديث وائل كما هو الظاهر من عبارته هنا وفي كثير من عباراته كما قال هنا: ثم كان يقول بين السجدتين: "رب اغفر لي" إلخ. هكذا ذكره ابن عباس رضي الله عنهما، وذكر حذيفة أنه كان يقول: "رب اغفر لي، رب اغفر لي".
وإما أن يكون حاكياً له عن وائل مخبراً به عنه.
. فإن كان حاكماً به مستدلاً عليه بقول وائل فنسبة القول به إليه واضحة.
. وإن كان حاكياً مخبراً فمن البعيد أن يجزم به عن وائل، ثم يكون المراد به أن يتعقبه لأنه -أي وائلاً- صحابي عدل مقبول الخبر فلا يمكن أن يجزم ابن القيم بما قاله بقصد تعقبه، وإنما يريد ابن القيم بقوله هذا: دفع حديث أبي داود عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما: "أنه كان يشير بإصبعه إذا دعا ولا يحركها"، حيث قال: فهذه الزيادة في صحتها نظر، ثم قال بعد ذلك: وأيضاً فليس في حديث أبي داود أن هذا كان في الصلاة، وأيضاً لو كان في الصلاة لكان نافياً، وحديث وائل مثبتاً وهو مقدم وهو حديث صحيح ذكره أبو حاتم في صحيحه، انتهى.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مجموع فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله - المجلد الثالث عشر - باب صفة الجلوس بين السجدتين.