فصل في قول القائل: ما أحسن طرق التفسير؟
ابن تيمية
- التصنيفات: القرآن وعلومه -
السؤال: فصل في قول القائل: ما أحسن طرق التفسير؟
الإجابة: فصــل:
فإن قال قائل: فما أحسن طرق التفسير؟
فالجواب:
إن أصح الطرق في ذلك أن يفسر القرآن بالقرآن، فما أُجْمِلَ في مكان فإنه قد فُسِّرَ في موضع آخر، وما اخْتُصِر من مكان فقد بُسِطَ في موضع آخر، فإن أعياك ذلك فعليك بالسنة، فإنها شارحة للقرآن وموضحة له، بل قد قال الإمام أبو عبد اللّه محمد بن إدريس الشافعي: كل ما حكم به رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فهو مما فهمه من القرآن، قال اللّه تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيمًا} [النساء:105]، وقـال تعالى: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ[النحل:44]، وقال تعالى: وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [النحل:64]، ولهذا قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يعني السنة.
والسنة أيضًا تنزل عليه بالوحي كما ينزل القرآن، لا أنها تتلى كما يتلى، وقد استدل الإمام الشافعي وغيره من الأئمة على ذلك بأدلة كثيرة ليس هذا موضع ذلك.
والغرض أنك تطلب تفسير القرآن منه، فإن لم تجده فمن السنة، كما قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لمعاذ حين بعثه إلى اليمن ، وهذا الحديث في المساند والسنن بإسناد جيد.
وحينئذ، إذا لم نجد التفسير في القرآن ولا في السنة رجعنا في ذلك إلى أقوال الصحابة، فإنهم أدرى بذلك لما شاهدوه من القرآن، والأحوال التي اختصوا بها، ولما لهم من الفهم التام، والعلم الصحيح، والعمل الصالح، لا سيما علماؤهم وكبراؤهم، كالأئمة الأربعة الخلفاء الراشدين، والأئمة المهديين؛ مثل عبد اللّه بن مسعود.
قال الإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبري: حدثنا أبو كُرَيْب، قال: أنبأنا جابر بن نوح، أنبأنا الأعمش، عن أبي الضُّحَى، عن مسروق؛ قال: قال عبد اللّه يعني ابن مسعود: والذي لا إله غيره ما نزلت آية من كتاب اللّه إلا وأنا أعلم فيمن نزلت وأين نزلت، ولو أعلمُ مكان أحد أعلمَ بكتاب اللّه مني تناوله المطايا لأتيته.
وقال الأعمش أيضًا عن أبي وائل، عن ابن مسعود قال: كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن والعمل بهن.
ومنهم الحبر البحر عبد اللّه بن عباس،ابن عم رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وترجمان القرآن، ببركة دعاء رسول اللّه صلى الله عليه وسلم له حيث قال ، وقال ابن جرير: حدثنا محمد بن بشار، أنبأنا وَكِيع، أنبأنا سفيان، عن الأعمش، عن مسلم، عن مسروق؛ قال: قال عبد اللّه يعني ابن مسعود : نعم ترجمان القرآن ابن عباس.
ثم رواه عن يحيى بن داود، عن إسحاق الأزرق،عن سفيان، عن الأعمش، عن مسلم بن صَبِيح أبي الضحى، عن مسروق، عن ابن مسعود؛ أنه قال: نعم الترجمان للقرآن ابن عباس.
ثم رواه عن بُنْدَار، عن جعفر بن عون، عن الأعمش به كذلك.
فهذا إسناد صحيح إلى ابن مسعود أنه قال عن ابن عباس هذه العبارة.
وقد مات ابن مسعود في سنة ثلاث وثلاثين على الصحيح، وعَمَّرَ بعده ابن عباس ستًا وثلاثين سنة، فما ظنك بما كسبه من العلوم بعد ابن مسعود؟ وقال الأعمش عن أبي وائل: استخلف عليٌّ عبدَ اللّه بن عباس على الموسم، فخطب الناس، فقرأ في خطبته سورة البقرة وفي رواية: سورة النور ففسرها تفسيرًا لو سمعته الروم والترك والديلم لأسلموا.
ولهذا غالب ما يرويه إسماعيل بن عبد الرحمن السدي الكبير في تفسيره عن هذين الرجلين؛ ابن مسعود وابن عباس، ولكن في بعض الأحيان ينقل عنهم ما يحكونه من أقاويل أهل الكتاب التي أباحها رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، حيث قال رواه البخاري عن عبد اللّه بن عمرو؛ ولهذا كان عبد اللّه بن عمرو قد أصاب يوم اليرموك زاملتين من كتب أهل الكتاب، فكان يحدث منهما بما فهمه من هذا الحديث من الإذن في ذلك، ولكن هذه الأحاديث الإسرائيلية تذكر للاستشهاد لا للاعتقاد، فإنها على ثلاثة أقسام: أحدها: ما علمنا صحته مما بأيدينا مما يشهد له بالصدق فذاك صحيح.
والثاني: ما علمنا كذبه بما عندنا مما يخالفه.
والثالث: ما هو مسكوت عنه لا من هذا القبيل ولا من هذا القبيل، فلا نؤمن به ولا نكذبه وتجوز حكايته؛ لما تقدم.
وغالب ذلك مما لا فائدة فيه تعود إلى أمر ديني؛ ولهذا يختلف علماء أهل الكتاب في مثل هذا كثيرًا.
ويأتي عن المفسرين خلاف بسبب ذلك، كما يذكرون في مثل هذا أسماء أصحاب الكهف، ولون كلبهم، وعدتهم، وعصا موسي من أي الشجر كانت، وأسماء الطيور التي أحياها اللّه لإبراهيم، وتعيين البعض الذي ضرب به القتيل من البقرة، ونوع الشجرة التي كلم اللّه منها موسى، إلى غير ذلك مما أبهمه اللّه في القرآن، مما لا فائدة في تعيينه تعود على المكلفين في دنياهم ولا دينهم، ولكن نقل الخلاف عنهم في ذلك جائز، كما قال تعالى:{ سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاء ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِم مِّنْهُمْ أَحَدًا } [الكهف:22].
فقد اشتملت هذه الآية الكريمة على الأدب في هذا المقام، وتعليم ما ينبغي في مثل هذا؛ فإنه تعالى أخبر عنهم بثلاثة أقوال، ضعف القولين الأولين، وسكت عن الثالث، فدل على صحته؛ إذ لو كان باطلاً لرده كما ردهما، ثم أرشد إلى أن الاطلاع على عدتهم لا طائل تحته، فيقال في مثل هذا:{ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم} فإنه ما يعلم بذلك إلا قليل من الناس ممن أطلعه اللّه عليه؛ فلهذا قال: {فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاء ظَاهِرًا } أي: لا تجهد نفسك فيما لا طائل تحته، ولا تسألهم عن ذلك؛ فإنهم لا يعلمون من ذلك إلا رجْم الغيب.
فهذا أحسن ما يكون في حكاية الخلاف؛ أن تستوعب الأقوال في ذلك المقام،وأن ينبه على الصحيح منها، ويبطل الباطل، وتذكر فائدة الخلاف وثمرته؛ لئلا يطول النزاع والخلاف فيما لا فائدة تحته، فيشتغل به عن الأهم. فأما من حكى خلافًا في مسألة ولم يستوعب أقوال الناس فيها فهو ناقص؛ إذ قد يكون الصواب في الذي تركه أو يحكى الخلاف ويطلقه، ولا ينبه على الصحيح من الأقوال فهو ناقص أيضًا.
فإن صحح غير الصحيح عامدًا فقد تعمد الكذب، أو جاهلا فقد أخطأ، كذلك من نصب الخلاف فيما لا فائدة تحته أو حكى أقوالاً متعددة لفظًا، و يرجع حاصلها إلى قول أو قولين معنى فقد ضيع الزمان، وتكثر بما ليس بصحيح فهو كلابس ثوبي زور.
واللّه الموفق للصواب.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى - الجزء الثالث عشر.
فإن قال قائل: فما أحسن طرق التفسير؟
فالجواب:
إن أصح الطرق في ذلك أن يفسر القرآن بالقرآن، فما أُجْمِلَ في مكان فإنه قد فُسِّرَ في موضع آخر، وما اخْتُصِر من مكان فقد بُسِطَ في موضع آخر، فإن أعياك ذلك فعليك بالسنة، فإنها شارحة للقرآن وموضحة له، بل قد قال الإمام أبو عبد اللّه محمد بن إدريس الشافعي: كل ما حكم به رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فهو مما فهمه من القرآن، قال اللّه تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيمًا} [النساء:105]، وقـال تعالى: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ[النحل:44]، وقال تعالى: وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [النحل:64]، ولهذا قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يعني السنة.
والسنة أيضًا تنزل عليه بالوحي كما ينزل القرآن، لا أنها تتلى كما يتلى، وقد استدل الإمام الشافعي وغيره من الأئمة على ذلك بأدلة كثيرة ليس هذا موضع ذلك.
والغرض أنك تطلب تفسير القرآن منه، فإن لم تجده فمن السنة، كما قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لمعاذ حين بعثه إلى اليمن ، وهذا الحديث في المساند والسنن بإسناد جيد.
وحينئذ، إذا لم نجد التفسير في القرآن ولا في السنة رجعنا في ذلك إلى أقوال الصحابة، فإنهم أدرى بذلك لما شاهدوه من القرآن، والأحوال التي اختصوا بها، ولما لهم من الفهم التام، والعلم الصحيح، والعمل الصالح، لا سيما علماؤهم وكبراؤهم، كالأئمة الأربعة الخلفاء الراشدين، والأئمة المهديين؛ مثل عبد اللّه بن مسعود.
قال الإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبري: حدثنا أبو كُرَيْب، قال: أنبأنا جابر بن نوح، أنبأنا الأعمش، عن أبي الضُّحَى، عن مسروق؛ قال: قال عبد اللّه يعني ابن مسعود: والذي لا إله غيره ما نزلت آية من كتاب اللّه إلا وأنا أعلم فيمن نزلت وأين نزلت، ولو أعلمُ مكان أحد أعلمَ بكتاب اللّه مني تناوله المطايا لأتيته.
وقال الأعمش أيضًا عن أبي وائل، عن ابن مسعود قال: كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن والعمل بهن.
ومنهم الحبر البحر عبد اللّه بن عباس،ابن عم رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وترجمان القرآن، ببركة دعاء رسول اللّه صلى الله عليه وسلم له حيث قال ، وقال ابن جرير: حدثنا محمد بن بشار، أنبأنا وَكِيع، أنبأنا سفيان، عن الأعمش، عن مسلم، عن مسروق؛ قال: قال عبد اللّه يعني ابن مسعود : نعم ترجمان القرآن ابن عباس.
ثم رواه عن يحيى بن داود، عن إسحاق الأزرق،عن سفيان، عن الأعمش، عن مسلم بن صَبِيح أبي الضحى، عن مسروق، عن ابن مسعود؛ أنه قال: نعم الترجمان للقرآن ابن عباس.
ثم رواه عن بُنْدَار، عن جعفر بن عون، عن الأعمش به كذلك.
فهذا إسناد صحيح إلى ابن مسعود أنه قال عن ابن عباس هذه العبارة.
وقد مات ابن مسعود في سنة ثلاث وثلاثين على الصحيح، وعَمَّرَ بعده ابن عباس ستًا وثلاثين سنة، فما ظنك بما كسبه من العلوم بعد ابن مسعود؟ وقال الأعمش عن أبي وائل: استخلف عليٌّ عبدَ اللّه بن عباس على الموسم، فخطب الناس، فقرأ في خطبته سورة البقرة وفي رواية: سورة النور ففسرها تفسيرًا لو سمعته الروم والترك والديلم لأسلموا.
ولهذا غالب ما يرويه إسماعيل بن عبد الرحمن السدي الكبير في تفسيره عن هذين الرجلين؛ ابن مسعود وابن عباس، ولكن في بعض الأحيان ينقل عنهم ما يحكونه من أقاويل أهل الكتاب التي أباحها رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، حيث قال رواه البخاري عن عبد اللّه بن عمرو؛ ولهذا كان عبد اللّه بن عمرو قد أصاب يوم اليرموك زاملتين من كتب أهل الكتاب، فكان يحدث منهما بما فهمه من هذا الحديث من الإذن في ذلك، ولكن هذه الأحاديث الإسرائيلية تذكر للاستشهاد لا للاعتقاد، فإنها على ثلاثة أقسام: أحدها: ما علمنا صحته مما بأيدينا مما يشهد له بالصدق فذاك صحيح.
والثاني: ما علمنا كذبه بما عندنا مما يخالفه.
والثالث: ما هو مسكوت عنه لا من هذا القبيل ولا من هذا القبيل، فلا نؤمن به ولا نكذبه وتجوز حكايته؛ لما تقدم.
وغالب ذلك مما لا فائدة فيه تعود إلى أمر ديني؛ ولهذا يختلف علماء أهل الكتاب في مثل هذا كثيرًا.
ويأتي عن المفسرين خلاف بسبب ذلك، كما يذكرون في مثل هذا أسماء أصحاب الكهف، ولون كلبهم، وعدتهم، وعصا موسي من أي الشجر كانت، وأسماء الطيور التي أحياها اللّه لإبراهيم، وتعيين البعض الذي ضرب به القتيل من البقرة، ونوع الشجرة التي كلم اللّه منها موسى، إلى غير ذلك مما أبهمه اللّه في القرآن، مما لا فائدة في تعيينه تعود على المكلفين في دنياهم ولا دينهم، ولكن نقل الخلاف عنهم في ذلك جائز، كما قال تعالى:{ سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاء ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِم مِّنْهُمْ أَحَدًا } [الكهف:22].
فقد اشتملت هذه الآية الكريمة على الأدب في هذا المقام، وتعليم ما ينبغي في مثل هذا؛ فإنه تعالى أخبر عنهم بثلاثة أقوال، ضعف القولين الأولين، وسكت عن الثالث، فدل على صحته؛ إذ لو كان باطلاً لرده كما ردهما، ثم أرشد إلى أن الاطلاع على عدتهم لا طائل تحته، فيقال في مثل هذا:{ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم} فإنه ما يعلم بذلك إلا قليل من الناس ممن أطلعه اللّه عليه؛ فلهذا قال: {فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاء ظَاهِرًا } أي: لا تجهد نفسك فيما لا طائل تحته، ولا تسألهم عن ذلك؛ فإنهم لا يعلمون من ذلك إلا رجْم الغيب.
فهذا أحسن ما يكون في حكاية الخلاف؛ أن تستوعب الأقوال في ذلك المقام،وأن ينبه على الصحيح منها، ويبطل الباطل، وتذكر فائدة الخلاف وثمرته؛ لئلا يطول النزاع والخلاف فيما لا فائدة تحته، فيشتغل به عن الأهم. فأما من حكى خلافًا في مسألة ولم يستوعب أقوال الناس فيها فهو ناقص؛ إذ قد يكون الصواب في الذي تركه أو يحكى الخلاف ويطلقه، ولا ينبه على الصحيح من الأقوال فهو ناقص أيضًا.
فإن صحح غير الصحيح عامدًا فقد تعمد الكذب، أو جاهلا فقد أخطأ، كذلك من نصب الخلاف فيما لا فائدة تحته أو حكى أقوالاً متعددة لفظًا، و يرجع حاصلها إلى قول أو قولين معنى فقد ضيع الزمان، وتكثر بما ليس بصحيح فهو كلابس ثوبي زور.
واللّه الموفق للصواب.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى - الجزء الثالث عشر.