فصل في تأويل حججهم الباطلة
ابن تيمية
- التصنيفات: اليهودية والنصرانية -
السؤال: فصل في تأويل حججهم الباطلة
الإجابة: فصــل:
فهاهنا ثلاثة أشياء:
أحدهــا: الظن الراجح في نفس المستدل المجتهد.
والثاني: الأدلة التي يسميها بعض المتكلمين أمارات التي تعارضت، وعلم المستدل بأن التي أوجبت ذلك الظن أقوى من غيرها.
الثالث: أنه قد يكون في نفس الأمر دليل آخر على القول الآخر لم يعلم به المستدل، وهذا هو الواقع في عامة موارد الاجتهاد؛ فإن الرجل قد يسمع نصاً عاماً، كما سمع ابن عمر وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قطع الخفين، وأنه أمر ألا يخرج أحد حتى يودع البيت، أو أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لبس الحرير وظاهره العموم، وهذا راجح على الاستصحاب النافي للتحريم، فعملوا بهذا الراجح، وهم يعلمون قطعاً أن النهي أولى من الاستصحاب، لكن يجوز أن يكون مع الاستصحاب دليل خاص، ولكن لما لم يعلموه لم يجزلهم أن يعدلوا عما علموه إلى ما لم يعلموه، فكانوا يفتون بأن الحائض عليها الوداع،وعليها قطع الخفين،وأن قليل الحرير و كثيره حرام.
وابن الزبير كان يحرمه على الرجال والنساء؛ لعموم قوله .
وكان في نفس الأمر نصوص خاصة بأن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للحائض أن تنفر بلا وداع، وأنها تلبس الخفين وغيرهما مما نهى عنه المحرم، ولكن تجتنب النقاب والقفازين، وأنه رخص في موضع أصبعين أو ثلاثة أو أربعة من الحرير، كما بين ذلك في الصحيح في رواية عمر، ولم يعرف به ابنه عبد اللّه، وكان له جبة مكفوفة بالحرير، فلما سمع ابن عمر ونحوه هذه النصوص الخاصة رجعوا، وعلموا حينئذ أنه كان في نفس الأمر دليل أقوى من الدليل الذي يستصحبوه ولم يعلموا به، وهم في الحالين إنما حكموا بعلم لم يكونوا ممن لم يتبع إلا الظن، فإنهم أولا رجحوا العموم على استصحاب البراءة الأصلية، وهذا ترجيح بعلم، فإن هذا راجح بلا ريب، والشرع طافح بهذا.
فما أوجبه اللّه أو حرمه في كتابه كالوضوء والصلاة والحج وغيرها هي نصوص عامة، وما حرمه كالميتة والدم ولحم الخنزير حرمه بنصوص عامة،وهي راجحة ومقدمة على البراءة الأصلية النافية للوجوب والتحريم،فمن رجح ذلك فقد حكم بعلم، وحكم بأرجح الدليلين المعلوم الرجحان، ولم يكن ممن لم يتبع إلا الظن، لكن لتجويزه أن يكون النص مخصوصاً صار عنده ظن راجح، ولو علم أنه لا تخصيص هناك قطع بالعموم، وكذلك لو علم إرادة نوع قطع بانتفاء الخصوص، وهذا القول في سائر الأدلة، مثل أن يتمسك بنصوص، وتكون منسوخة، ولم يبلغه الناسخ، كالذين نهوا عن الانتباذ في الأوعية، وعن زيارة القبور، ولم يبلغهم النص الناسخ، وكذلك الذين صلوا إلى بيت المقدس قبل أن يبلغهم النسخ، مثل من كان من المسلمين بالبوادي وبمكة والحبشة وغير ذلك، وهؤلاء غير الذين كانوا بالمدينة، وصلى بعضهم صلاة إلى القبلتين؛ بعضها إلى هذه القبلة وبعضها إلى هذه القبلة، لما بلغهم النسخ وهم في أثناء الصلاة فاستداروا في صلاتهم من جهة بيت المقدس إلى جهة الكعبة، من جهة الشام إلى جهة اليمن.
فالقاضي أبو بكر ونحوه، من الذين ينفون أن يكون في الباطن حكم مطلوب بالاجتهاد أو دليل عليه، ويقولون: ما ثم إلا الظن الذي في نفس المجتهد، والأمارات لا ضابط لها، وليست أمارة أقوى من أمارة فإنهم إذا قالوا ذلك لزمهم أن يكون الذي عمل بالمرجوح دون الراجح مخطئاً، وعندهم ليس في نفس الأمر خطأ.
وأما السلف والأئمة الأربعة والجمهور فيقولون: بل الأمارات بعضها أقوى من بعض في نفس الأمر، وعلى الإنسان أن يجتهد ويطلب الأقوى، فإذا رأى دليلاً أقوى من غيره ولم ير ما يعارضه عمل به، ولا يكلف اللّه نفساً إلا وسعها، وإذا كان في الباطن ما هو أرجح منه كان مخطئاً معذوراً، وله أجر على اجتهاده وعمله بما بين له رجحانه، وخطؤه مغفور له، وذلك الباطن هو الحكم، لكن بشرط القدرة على معرفته، فمن عجز عن معرفته لم يؤاخذ بتركه.
فإذا أريد بالخطأ الإثم فليس المجتهد بمخطئ، بل كل مجتهد مصيب مطيع للّه، فاعل ما أمره اللّه به، وإذا أريد به عدم العلم بالحق في نفس الأمر فالمصيب واحد وله أجران، كما في المجتهدين في جهة الكعبة إذا صلوا إلى أربع جهات، فالذي أصاب الكعبة، واحد وله أجران لاجتهاده وعمله، كان أكمل من غيره، والمؤمن القوي أحب إلى اللّه من المؤمن الضعيف، ومن زاده اللّه علماً وعملا زاده أجراً بما زاده من العلم والعمل، قال تعالى:{ وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء } [الأنعام:83]، قال مالك عن زيد بن أسلم: بالعلم، وكذلك قال في قصة يوسف:{ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلاَّ أَن يَشَاء اللّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مِّن نَّشَاء وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ } [يوسف:76].
وقد تبين أن جميع المجتهدين إنما قالوا بعلم، واتبعوا العلم، وأن [الفقه] من أجل العلوم، وأنهم ليسوا من الذين لا يتبعون إلا الظن،لكن بعضهم قد يكون عنده علم ليس عند الآخر؛ إما بأن سمع ما لم يسمع الآخر، وإما بأن فهم ما لم يفهم الآخر، كما قال تعالى:{ وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلّاً آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً} [الأنبياء:78- 79].
وهذه حال أهل الاجتهاد والنظر والاستدلال في الأصول والفروع، ولم يفرق أحد من السلف والأئمة بين أصول وفروع.
بل جعل الدين قسمين: أصولا، وفروعاً، لم يكن معروفاً في الصحابة والتابعين، ولم يقل أحد من السلف والصحابة والتابعين: إن المجتهد الذي استفرغ وسعه في طلب الحق يأثم لا في الأصول ولا في الفروع، ولكن هذا التفريق ظهر من جهة المعتزلة، وأدخله في أصول الفقه من نقل ذلك عنهم، وحكوا عن عبيد اللّه بن الحسن العنبري[هو عبد اللّه بن الحسن بن حصين بن أبي الحر العنبري، وثقه النسائي وابن سعد وابن حبان، ولد سنة خمس ومائة، وتوفى في ذي القعدة سنة ثمان وستين ومائة] أنه قال: كل مجتهد مصيب، ومراده أنه لا يأثم.
وهذا قول عامة الأئمة كأبي حنيفة والشافعي وغيرهما.
ولهذا يقبلون شهادة أهل الأهواء ويصلون خلفهم، ومن ردها كمالك وأحمد فليس ذلك مستلزماً لإثمهما، لكن المقصود إنكار المنكر وهجر من أظهر البدعة، فإذا هجر ولم يصل خلفه ولم تقبل شهادته، كان ذلك منعاً له من إظهار البدعة؛ ولهذا فرق أحمد وغيره بين الداعية للبدعة المظهر لها وغيره، وكذلك قال الخِرَقي [هو عمر بن الحسين بن عبد اللّه الخرقي أبو القاسم، كان من أعيان الفقهاء الحنابلة، ورحل عن بغداد لما ظهر فيها سب الصحابة، له تصانيف كثيرة احترقت،وبقى منها [المختصر في الفقه] ويعرف بمختصر الخرقي، توفى بدمشق ودفن بها سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة]: ومن صلى خلف من يجهر ببدعة أو منكر أعاد، وبسط هذا له موضع آخر.
والذين فرقوا بين الأصول والفروع لم يذكروا ضابطاً يميز بين النوعين، بل تارة يقولون: هذا قطعي وهذا ظني.
وكثير من مسائل الأحكام قطعي، وكثير من مسائل الأصول ظني عند بعض الناس، فإن كون الشيء قطعياً وظنياً أمر إضافي.
وتارة يقولون: الأصول هي العلميات الخبريات، والفروع العمليات وكثير من العمليات من جحدها كفر؛ كوجوب الصلاة والزكاة، والصيام والحج.
وتارة يقولون: هذه عقليات وهذه سمعيات، وإذا كانت عقليات لم يلزم تكفير المخطئ، فإن الكفر حكم شرعي يتعلق بالشرع، وقد بسط هذا في غير هذا الموضع.
وإذا تدبر الإنسان تنازع الناس، وجد عند كل طائفة من العلم ما ليس عند الأخرى، كما في مسائل الأحكام، مثال ذلك: ما تقدم في الأصول الخمسة: التوحيد، والعدل، والمنزلة بين المنزلتين، ومسائل الأسماء والأحكام، وإنفاذ الوعيد، وهي التي توالى المعتزلة من وافقهم عليها، و يتبرؤون ممن خالفهم فيها.
وقد قدمنا أنهم قصدوا توحيد الرب وإثبات عدله وحكمته ورحمته وصدقه وطاعة أمره، لكن غلطوا في كل واحدة من هذه الأمور، كما تقدم.
وكذلك الذين ناقضوهم من الجهمية ومن سلك مسلكهم كأبي الحسن الأشعري وأصحابه فإنهم ناقضوهم في الأصول الخمسة، وكان عندهم علم ليس عند أولئك، وكان عند أولئك علم ليس عند هؤلاء، وكل من الطائفتين لم تُحِطْ علماً بما في الكتاب والسنة من بيان هذه الأمور، بل علموا بعضا وجهلوا بعضاً؛ فإن هؤلاء المجبرة هم في الحقيقة لا يثبتون للّه عدلاً ولا حكمة، ولا رحمة ولا صدقاً.
فأولئك قصدوا إثبات هذه الأمور.
أما العدل فعندهم كل ممكن فهو عدل، والظلم عندهم هو الممتنع، فلا يكون ثَمَّ عدل يقصد فعله وظلم يقصد تركه؛ ولهذا يجوزون عليه فعل كل شيء وإن كان قبيحاً، ويقولون: القبيح هو ما نهى عنه، وهو لا ناهي له، ويجوزون الأمر بكل شيء وإن كان منكراً وشركاً، والنهي عن كل شئ وإن كان توحيداً ومعروفاً، فلا ضابط عندهم للفعل؛ فلهذا ألزموهم جواز إظهار المعجزات على يد الكاذب، ولم يكن لهم عن ذلك جواب صحيح، ولم يذكروا فرقاً بين المعجزات وغيرها، ولا ما به يعلم صدق النبي صلى الله عليه وسلم، إلا إذا نقضوا أصلهم، وقد قال اللّه تعالى :{شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ} [آل عمران:18]، وعندهم هذا لا فائدة فيه، فليس في الممكن قسط وجور، حتى يكون قائماً بهذا دون هذا، وقد بسط هذا في غير هذا الموضع.
وكذلك الحكمة، عندهم لا يفعل لحكمة، وقد فسروا الحكمة إما بالعلم، وإما بالقدرة، وإما بالإرادة، ومعلوم أن القادر قد يكون حكيماً ويكون غير حكيم، كذلك المريد قد تكون إرادته حكمة وقد تكون سفها، والعلم يطابق المعلوم، وسواء كان حكمة أو سفها، فليس عندهم في نفس الأمر أن اللّه حكيم.
وكذلك الرحمة، ما عندهم في نفس الأمر إلا إرادة ترجيح أحد المثلين بلا مرجح نسبتها إلى نفع العباد وضررهم سواء، فليس عندهم في نفس الأمر رحمة ولا محبة أيضاً.
وقد بسط هذا في غير هذا الموضع، وبيَّن تناقضهم في الصفات والأفعال، حيث أثبتوا الإرادة مع نفي المحبة والرضا، ومع نفي الحكمة، وبيّن تناقضهم وتناقض كل من أثبت بعض الصفات دون بعض، وأن المتفلسفة نفاة الإرادة أعظم تناقضاً منهم، فإن الرازي ذكر في المطالب العالية [مسألة الإرادة]، ورجح فيها نفي الإرادة؛ لأنه لم يمكنه أن يجيب عن حجة المتفلسفة على أصول أصحابه الجهمية والمعتزلة ففر إليهم، وكذلك في غير هذا من المسائل؛ فهو تارة يرجح قول المتفلسفة.
وتارة يرجح قول المتكلمة.
وتارة يحار ويقف،واعترف في آخر عمره بأن طريق هؤلاء وهؤلاء لا تشفي عليلا ولا تروي غليلاً.
وقال: قد تأملت الطرق الكلامية، والمناهج الفلسفية، فما رأيتها تشفي عليلا، ولا تروي غليلا، ورأيت أقرب الطرق طريقة القرآن، اقرأ في الإثبات:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى } [طه:5]،{ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ } [فاطر:10]، واقرأ في النفي:{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:11] {وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً } [طه:110]، ومن جَرَّب مثل تجربتي، عرف مثل معرفتي.
فقد تبين أنهم لا يثبتون عدل الرب ولا حكمته ولا رحمته.
وكذلك الصدق، فإنهم لما أرادوا أن يقيموا الدليل على أن اللّه صادق تعذر ذلك عليهم، فقالوا: الصدق في الكلام النفساني واجب؛ لأنه يعلم الأمور، ومن يعلم يمتنع أن يقوم في نفسه خبر بخلاف علمه، وعلى هذا اعتمد الغزالي وغيره.
فقيل لهم: هذا ضعيف لوجهين:
أحدهما: الصدق في ذلك المعنى لا ينفع إن لم يثبت الصدق في العبارات الدالة عليه، ويميز بين الأفعال عندهم.
الثاني: أنهم أثبتوا الخبر النفساني، فإن الإنسان يخبرك بالكذب، فيقوم في نفسه معنى ليس هو العلم، وهو معنى الخبر، فهذا يقتضي أنهم يقولون: إن العالم قد يقوم في نفسه خبر بخلاف علمه، والرازي لما ذكر مسألة أنه لا يجوز أن يتكلم بكلام ولا يعني به شيئاً خلافاً للحشوية.
قيل له: هل قال أحد من طوائف الأمة:إن الله لا يعنى بكلامه شيئاً؟ وإنما النزاع هل يتكلم بما لا يفهم العباد معناه؟ وقيل له: هب أن في هذا نزاعاً، فهو لم يقم دليلا على امتناع ذلك، بل قال: هذا عيب أو نقص، واللّه منزه عنه، فقيل له: إما أن يريد المعنى القائم بالذات أو العبارات المخلوقة. أما الأول فلا يجوز إرادته هنا؛ لأن المسألة هي فيمن يتكلم بالحروف المنظومة، ولا يعني به شيئاً وذلك القائم بالذات هو نفس المعنى، وإن أردت الحـروف وهـو مراده فتلك عندك مخلوقــة، ويجوز عندك أن يخلق كل شيء ليس منزها عن فعل من الأفعال، والعيب عندك هو ما لا تريده، فهذا ممتنع.
فتبين أنه ليس لهم حجة لا على صدقه، ولا على تنزيهه عن العيب في خطابه، فإن ذلك إنما يكون ممن ينزهه عن بعض الأفعال،وتبين بذلك أنهم لا يثبتون عدله ولا حكمته، ولا رحمته ولا صدقه، والمعتزلة قصدهم إثبات هذه الأمور؛ ولهذا يذكرونها في خطبة الصفات، كما يذكرها أبو الحسين البصري وغيره، كما ذكر في أول صور الأدلة خطبة مضمونها: إن اللّه واحد عدل{ لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلَـكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [يونس:44]،و{ إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ } [البقرة:143] وأظن فيها إثبات صدقه؛ ولهذا يكفرون من يجوزه، أو يكذبه، أو يسفهه، أو يشبهه، ولكن قد غلطوا في مواضع كثيرة، كما قد نبه على هذا في غير موضع، فكلا الطائفتين معها حق وباطل، ولم يستوعب الحق إلا من اتبع المهاجرين والأنصار، وآمن بما جاء به الرسول كله على وجهه، لم يؤمن ببعض ويكفر ببعض، وهؤلاء هم أهل الرحمة الذين لا يختلفون، بخلاف أولئك المختلفين، قال تعالى: {وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} [هود:118- 119].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى - الجزء الثالث عشر.
فهاهنا ثلاثة أشياء:
أحدهــا: الظن الراجح في نفس المستدل المجتهد.
والثاني: الأدلة التي يسميها بعض المتكلمين أمارات التي تعارضت، وعلم المستدل بأن التي أوجبت ذلك الظن أقوى من غيرها.
الثالث: أنه قد يكون في نفس الأمر دليل آخر على القول الآخر لم يعلم به المستدل، وهذا هو الواقع في عامة موارد الاجتهاد؛ فإن الرجل قد يسمع نصاً عاماً، كما سمع ابن عمر وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قطع الخفين، وأنه أمر ألا يخرج أحد حتى يودع البيت، أو أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لبس الحرير وظاهره العموم، وهذا راجح على الاستصحاب النافي للتحريم، فعملوا بهذا الراجح، وهم يعلمون قطعاً أن النهي أولى من الاستصحاب، لكن يجوز أن يكون مع الاستصحاب دليل خاص، ولكن لما لم يعلموه لم يجزلهم أن يعدلوا عما علموه إلى ما لم يعلموه، فكانوا يفتون بأن الحائض عليها الوداع،وعليها قطع الخفين،وأن قليل الحرير و كثيره حرام.
وابن الزبير كان يحرمه على الرجال والنساء؛ لعموم قوله .
وكان في نفس الأمر نصوص خاصة بأن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للحائض أن تنفر بلا وداع، وأنها تلبس الخفين وغيرهما مما نهى عنه المحرم، ولكن تجتنب النقاب والقفازين، وأنه رخص في موضع أصبعين أو ثلاثة أو أربعة من الحرير، كما بين ذلك في الصحيح في رواية عمر، ولم يعرف به ابنه عبد اللّه، وكان له جبة مكفوفة بالحرير، فلما سمع ابن عمر ونحوه هذه النصوص الخاصة رجعوا، وعلموا حينئذ أنه كان في نفس الأمر دليل أقوى من الدليل الذي يستصحبوه ولم يعلموا به، وهم في الحالين إنما حكموا بعلم لم يكونوا ممن لم يتبع إلا الظن، فإنهم أولا رجحوا العموم على استصحاب البراءة الأصلية، وهذا ترجيح بعلم، فإن هذا راجح بلا ريب، والشرع طافح بهذا.
فما أوجبه اللّه أو حرمه في كتابه كالوضوء والصلاة والحج وغيرها هي نصوص عامة، وما حرمه كالميتة والدم ولحم الخنزير حرمه بنصوص عامة،وهي راجحة ومقدمة على البراءة الأصلية النافية للوجوب والتحريم،فمن رجح ذلك فقد حكم بعلم، وحكم بأرجح الدليلين المعلوم الرجحان، ولم يكن ممن لم يتبع إلا الظن، لكن لتجويزه أن يكون النص مخصوصاً صار عنده ظن راجح، ولو علم أنه لا تخصيص هناك قطع بالعموم، وكذلك لو علم إرادة نوع قطع بانتفاء الخصوص، وهذا القول في سائر الأدلة، مثل أن يتمسك بنصوص، وتكون منسوخة، ولم يبلغه الناسخ، كالذين نهوا عن الانتباذ في الأوعية، وعن زيارة القبور، ولم يبلغهم النص الناسخ، وكذلك الذين صلوا إلى بيت المقدس قبل أن يبلغهم النسخ، مثل من كان من المسلمين بالبوادي وبمكة والحبشة وغير ذلك، وهؤلاء غير الذين كانوا بالمدينة، وصلى بعضهم صلاة إلى القبلتين؛ بعضها إلى هذه القبلة وبعضها إلى هذه القبلة، لما بلغهم النسخ وهم في أثناء الصلاة فاستداروا في صلاتهم من جهة بيت المقدس إلى جهة الكعبة، من جهة الشام إلى جهة اليمن.
فالقاضي أبو بكر ونحوه، من الذين ينفون أن يكون في الباطن حكم مطلوب بالاجتهاد أو دليل عليه، ويقولون: ما ثم إلا الظن الذي في نفس المجتهد، والأمارات لا ضابط لها، وليست أمارة أقوى من أمارة فإنهم إذا قالوا ذلك لزمهم أن يكون الذي عمل بالمرجوح دون الراجح مخطئاً، وعندهم ليس في نفس الأمر خطأ.
وأما السلف والأئمة الأربعة والجمهور فيقولون: بل الأمارات بعضها أقوى من بعض في نفس الأمر، وعلى الإنسان أن يجتهد ويطلب الأقوى، فإذا رأى دليلاً أقوى من غيره ولم ير ما يعارضه عمل به، ولا يكلف اللّه نفساً إلا وسعها، وإذا كان في الباطن ما هو أرجح منه كان مخطئاً معذوراً، وله أجر على اجتهاده وعمله بما بين له رجحانه، وخطؤه مغفور له، وذلك الباطن هو الحكم، لكن بشرط القدرة على معرفته، فمن عجز عن معرفته لم يؤاخذ بتركه.
فإذا أريد بالخطأ الإثم فليس المجتهد بمخطئ، بل كل مجتهد مصيب مطيع للّه، فاعل ما أمره اللّه به، وإذا أريد به عدم العلم بالحق في نفس الأمر فالمصيب واحد وله أجران، كما في المجتهدين في جهة الكعبة إذا صلوا إلى أربع جهات، فالذي أصاب الكعبة، واحد وله أجران لاجتهاده وعمله، كان أكمل من غيره، والمؤمن القوي أحب إلى اللّه من المؤمن الضعيف، ومن زاده اللّه علماً وعملا زاده أجراً بما زاده من العلم والعمل، قال تعالى:{ وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء } [الأنعام:83]، قال مالك عن زيد بن أسلم: بالعلم، وكذلك قال في قصة يوسف:{ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلاَّ أَن يَشَاء اللّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مِّن نَّشَاء وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ } [يوسف:76].
وقد تبين أن جميع المجتهدين إنما قالوا بعلم، واتبعوا العلم، وأن [الفقه] من أجل العلوم، وأنهم ليسوا من الذين لا يتبعون إلا الظن،لكن بعضهم قد يكون عنده علم ليس عند الآخر؛ إما بأن سمع ما لم يسمع الآخر، وإما بأن فهم ما لم يفهم الآخر، كما قال تعالى:{ وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلّاً آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً} [الأنبياء:78- 79].
وهذه حال أهل الاجتهاد والنظر والاستدلال في الأصول والفروع، ولم يفرق أحد من السلف والأئمة بين أصول وفروع.
بل جعل الدين قسمين: أصولا، وفروعاً، لم يكن معروفاً في الصحابة والتابعين، ولم يقل أحد من السلف والصحابة والتابعين: إن المجتهد الذي استفرغ وسعه في طلب الحق يأثم لا في الأصول ولا في الفروع، ولكن هذا التفريق ظهر من جهة المعتزلة، وأدخله في أصول الفقه من نقل ذلك عنهم، وحكوا عن عبيد اللّه بن الحسن العنبري[هو عبد اللّه بن الحسن بن حصين بن أبي الحر العنبري، وثقه النسائي وابن سعد وابن حبان، ولد سنة خمس ومائة، وتوفى في ذي القعدة سنة ثمان وستين ومائة] أنه قال: كل مجتهد مصيب، ومراده أنه لا يأثم.
وهذا قول عامة الأئمة كأبي حنيفة والشافعي وغيرهما.
ولهذا يقبلون شهادة أهل الأهواء ويصلون خلفهم، ومن ردها كمالك وأحمد فليس ذلك مستلزماً لإثمهما، لكن المقصود إنكار المنكر وهجر من أظهر البدعة، فإذا هجر ولم يصل خلفه ولم تقبل شهادته، كان ذلك منعاً له من إظهار البدعة؛ ولهذا فرق أحمد وغيره بين الداعية للبدعة المظهر لها وغيره، وكذلك قال الخِرَقي [هو عمر بن الحسين بن عبد اللّه الخرقي أبو القاسم، كان من أعيان الفقهاء الحنابلة، ورحل عن بغداد لما ظهر فيها سب الصحابة، له تصانيف كثيرة احترقت،وبقى منها [المختصر في الفقه] ويعرف بمختصر الخرقي، توفى بدمشق ودفن بها سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة]: ومن صلى خلف من يجهر ببدعة أو منكر أعاد، وبسط هذا له موضع آخر.
والذين فرقوا بين الأصول والفروع لم يذكروا ضابطاً يميز بين النوعين، بل تارة يقولون: هذا قطعي وهذا ظني.
وكثير من مسائل الأحكام قطعي، وكثير من مسائل الأصول ظني عند بعض الناس، فإن كون الشيء قطعياً وظنياً أمر إضافي.
وتارة يقولون: الأصول هي العلميات الخبريات، والفروع العمليات وكثير من العمليات من جحدها كفر؛ كوجوب الصلاة والزكاة، والصيام والحج.
وتارة يقولون: هذه عقليات وهذه سمعيات، وإذا كانت عقليات لم يلزم تكفير المخطئ، فإن الكفر حكم شرعي يتعلق بالشرع، وقد بسط هذا في غير هذا الموضع.
وإذا تدبر الإنسان تنازع الناس، وجد عند كل طائفة من العلم ما ليس عند الأخرى، كما في مسائل الأحكام، مثال ذلك: ما تقدم في الأصول الخمسة: التوحيد، والعدل، والمنزلة بين المنزلتين، ومسائل الأسماء والأحكام، وإنفاذ الوعيد، وهي التي توالى المعتزلة من وافقهم عليها، و يتبرؤون ممن خالفهم فيها.
وقد قدمنا أنهم قصدوا توحيد الرب وإثبات عدله وحكمته ورحمته وصدقه وطاعة أمره، لكن غلطوا في كل واحدة من هذه الأمور، كما تقدم.
وكذلك الذين ناقضوهم من الجهمية ومن سلك مسلكهم كأبي الحسن الأشعري وأصحابه فإنهم ناقضوهم في الأصول الخمسة، وكان عندهم علم ليس عند أولئك، وكان عند أولئك علم ليس عند هؤلاء، وكل من الطائفتين لم تُحِطْ علماً بما في الكتاب والسنة من بيان هذه الأمور، بل علموا بعضا وجهلوا بعضاً؛ فإن هؤلاء المجبرة هم في الحقيقة لا يثبتون للّه عدلاً ولا حكمة، ولا رحمة ولا صدقاً.
فأولئك قصدوا إثبات هذه الأمور.
أما العدل فعندهم كل ممكن فهو عدل، والظلم عندهم هو الممتنع، فلا يكون ثَمَّ عدل يقصد فعله وظلم يقصد تركه؛ ولهذا يجوزون عليه فعل كل شيء وإن كان قبيحاً، ويقولون: القبيح هو ما نهى عنه، وهو لا ناهي له، ويجوزون الأمر بكل شيء وإن كان منكراً وشركاً، والنهي عن كل شئ وإن كان توحيداً ومعروفاً، فلا ضابط عندهم للفعل؛ فلهذا ألزموهم جواز إظهار المعجزات على يد الكاذب، ولم يكن لهم عن ذلك جواب صحيح، ولم يذكروا فرقاً بين المعجزات وغيرها، ولا ما به يعلم صدق النبي صلى الله عليه وسلم، إلا إذا نقضوا أصلهم، وقد قال اللّه تعالى :{شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ} [آل عمران:18]، وعندهم هذا لا فائدة فيه، فليس في الممكن قسط وجور، حتى يكون قائماً بهذا دون هذا، وقد بسط هذا في غير هذا الموضع.
وكذلك الحكمة، عندهم لا يفعل لحكمة، وقد فسروا الحكمة إما بالعلم، وإما بالقدرة، وإما بالإرادة، ومعلوم أن القادر قد يكون حكيماً ويكون غير حكيم، كذلك المريد قد تكون إرادته حكمة وقد تكون سفها، والعلم يطابق المعلوم، وسواء كان حكمة أو سفها، فليس عندهم في نفس الأمر أن اللّه حكيم.
وكذلك الرحمة، ما عندهم في نفس الأمر إلا إرادة ترجيح أحد المثلين بلا مرجح نسبتها إلى نفع العباد وضررهم سواء، فليس عندهم في نفس الأمر رحمة ولا محبة أيضاً.
وقد بسط هذا في غير هذا الموضع، وبيَّن تناقضهم في الصفات والأفعال، حيث أثبتوا الإرادة مع نفي المحبة والرضا، ومع نفي الحكمة، وبيّن تناقضهم وتناقض كل من أثبت بعض الصفات دون بعض، وأن المتفلسفة نفاة الإرادة أعظم تناقضاً منهم، فإن الرازي ذكر في المطالب العالية [مسألة الإرادة]، ورجح فيها نفي الإرادة؛ لأنه لم يمكنه أن يجيب عن حجة المتفلسفة على أصول أصحابه الجهمية والمعتزلة ففر إليهم، وكذلك في غير هذا من المسائل؛ فهو تارة يرجح قول المتفلسفة.
وتارة يرجح قول المتكلمة.
وتارة يحار ويقف،واعترف في آخر عمره بأن طريق هؤلاء وهؤلاء لا تشفي عليلا ولا تروي غليلاً.
وقال: قد تأملت الطرق الكلامية، والمناهج الفلسفية، فما رأيتها تشفي عليلا، ولا تروي غليلا، ورأيت أقرب الطرق طريقة القرآن، اقرأ في الإثبات:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى } [طه:5]،{ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ } [فاطر:10]، واقرأ في النفي:{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:11] {وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً } [طه:110]، ومن جَرَّب مثل تجربتي، عرف مثل معرفتي.
فقد تبين أنهم لا يثبتون عدل الرب ولا حكمته ولا رحمته.
وكذلك الصدق، فإنهم لما أرادوا أن يقيموا الدليل على أن اللّه صادق تعذر ذلك عليهم، فقالوا: الصدق في الكلام النفساني واجب؛ لأنه يعلم الأمور، ومن يعلم يمتنع أن يقوم في نفسه خبر بخلاف علمه، وعلى هذا اعتمد الغزالي وغيره.
فقيل لهم: هذا ضعيف لوجهين:
أحدهما: الصدق في ذلك المعنى لا ينفع إن لم يثبت الصدق في العبارات الدالة عليه، ويميز بين الأفعال عندهم.
الثاني: أنهم أثبتوا الخبر النفساني، فإن الإنسان يخبرك بالكذب، فيقوم في نفسه معنى ليس هو العلم، وهو معنى الخبر، فهذا يقتضي أنهم يقولون: إن العالم قد يقوم في نفسه خبر بخلاف علمه، والرازي لما ذكر مسألة أنه لا يجوز أن يتكلم بكلام ولا يعني به شيئاً خلافاً للحشوية.
قيل له: هل قال أحد من طوائف الأمة:إن الله لا يعنى بكلامه شيئاً؟ وإنما النزاع هل يتكلم بما لا يفهم العباد معناه؟ وقيل له: هب أن في هذا نزاعاً، فهو لم يقم دليلا على امتناع ذلك، بل قال: هذا عيب أو نقص، واللّه منزه عنه، فقيل له: إما أن يريد المعنى القائم بالذات أو العبارات المخلوقة. أما الأول فلا يجوز إرادته هنا؛ لأن المسألة هي فيمن يتكلم بالحروف المنظومة، ولا يعني به شيئاً وذلك القائم بالذات هو نفس المعنى، وإن أردت الحـروف وهـو مراده فتلك عندك مخلوقــة، ويجوز عندك أن يخلق كل شيء ليس منزها عن فعل من الأفعال، والعيب عندك هو ما لا تريده، فهذا ممتنع.
فتبين أنه ليس لهم حجة لا على صدقه، ولا على تنزيهه عن العيب في خطابه، فإن ذلك إنما يكون ممن ينزهه عن بعض الأفعال،وتبين بذلك أنهم لا يثبتون عدله ولا حكمته، ولا رحمته ولا صدقه، والمعتزلة قصدهم إثبات هذه الأمور؛ ولهذا يذكرونها في خطبة الصفات، كما يذكرها أبو الحسين البصري وغيره، كما ذكر في أول صور الأدلة خطبة مضمونها: إن اللّه واحد عدل{ لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلَـكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [يونس:44]،و{ إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ } [البقرة:143] وأظن فيها إثبات صدقه؛ ولهذا يكفرون من يجوزه، أو يكذبه، أو يسفهه، أو يشبهه، ولكن قد غلطوا في مواضع كثيرة، كما قد نبه على هذا في غير موضع، فكلا الطائفتين معها حق وباطل، ولم يستوعب الحق إلا من اتبع المهاجرين والأنصار، وآمن بما جاء به الرسول كله على وجهه، لم يؤمن ببعض ويكفر ببعض، وهؤلاء هم أهل الرحمة الذين لا يختلفون، بخلاف أولئك المختلفين، قال تعالى: {وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} [هود:118- 119].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى - الجزء الثالث عشر.