تفسير بعض آيات مشكلة في سورة البقرة
ابن تيمية
- التصنيفات: التفسير -
السؤال: تفسير بعض آيات مشكلة في سورة البقرة
الإجابة: قال شيخ الإِسَلام:
هـذا تفسير آيات أشكلت حتى لا يوجد في طائفة من (كتب التفسير) إلا ما هو خطأ:
منها قوله: {بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيـئَتُهُ} الآية [البقرة:81]، ذكر أن المشهور أن (السيئة) الشرك، وقيل: الكبيرة يموت عليها، قاله عكرمة.
قال مجاهد: هي الذنوب تحيط بالقلب .
قلت: الصواب ذكر أقوال السلف، وإن كان فيها ضعيف فالحجة تبين ضعفه، فلا يعدل عن ذكر أقوالهم لموافقتها قول طائفة من المبتدعة، وهم ينقلون عن بعض السلف أن هذه الآية أخطأ فيها الكاتب كما قيل فى غيرها، ومن أنكر شيئا من القرآن بعد تواتره استتيب، فإن تاب و إلا قتل، وأما قبل تواتره عنده فلا يستتاب، لكن يبين له، وكذلك الأقوال التي جاءت الأحاديث بخلافها؛ فقها، وتصوفا، واعتقاداً، وغير ذلك .
وقول مجاهد صحيح، كما في الحديث الصحيح" إلخ..، والذي يغشى القلب يسمى (رَيْناً) و(طَبْعاً) و(خَتْماً) و (قُفْلا) ونحو ذلك، فهذا ما أصر عليه.
و(إحاطة الخطيئة): إحداقها به فلا يمكنه الخروج، وهذا هو البَسْل بما كسبت نفسه، أي: تحبس عما فيه نجاتها فى الدارين؛ فإن المعاصي قيد وحبس لصاحبها عن الجَوَلان فى فضاء التوحيد، وعن جَنْى ثمار الأعمال الصالحة.
ومن المنتسبين إلى السنة من يقول: إن صاحب الكبيرة يعذب مطلقاً،و الأكثرون على خلافه، وأن الله سبحانه يزن الحسنات والسيئات، وعلى هذا دل الكتاب والسنة وهو معنى الوزن، لكن تفسير السيئة بالشرك هو الأظهر؛ لأنه سبحانه غاير بين المكسوب والمحيط، فلو كان واحداً لم يغاير، والمشرك له خطايا غير الشرك أحاطت به لأنه لم يتب منها.
وأيضا، قوله: {سَيِّئَةً} نكرة، وليس المراد جنس السيئات بالاتفاق .
وأيضا، لفظ (السيئة) قد جاء فى غير موضع مرادا به الشرك وقوله: {سَيِّئَةً} أي:حال سيئة أو مكان سيئة ونحو ذلك،كما في قوله: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً} [البقرة:201]، أي حالاً حسنة تعم الخير كله، وهذا اللفظ يكون صفة، وقد ينقل من الوصفية إلى الاسمية؛ ويستعمل لازما أو متعديا يقال: ساء هذا الأمر،أي: قَبُح، ويقال: ساءني هذا، قال ابن عباس فى قوله: {وَالَّذِينَ كَسَبُواْ السَّيِّئَاتِ جَزَاء سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا} [يونس:27]: عملوا الشرك؛ لأنه وصفهم بهذا فقط، ولو آمنوا لكان لهم حسنات، وكذا لما قال: {كَسَبَ سَيِّئَةً} لم يذكر حسنة، كقوله تعالى: {لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى} [يونس:26] أي: فعلوا الحسنى، وهو ما أمروا به، كذلك (السيئة) تتناول المحظور فيدخل فيها الشرك.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى - الجزء الرابع عشر.
هـذا تفسير آيات أشكلت حتى لا يوجد في طائفة من (كتب التفسير) إلا ما هو خطأ:
منها قوله: {بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيـئَتُهُ} الآية [البقرة:81]، ذكر أن المشهور أن (السيئة) الشرك، وقيل: الكبيرة يموت عليها، قاله عكرمة.
قال مجاهد: هي الذنوب تحيط بالقلب .
قلت: الصواب ذكر أقوال السلف، وإن كان فيها ضعيف فالحجة تبين ضعفه، فلا يعدل عن ذكر أقوالهم لموافقتها قول طائفة من المبتدعة، وهم ينقلون عن بعض السلف أن هذه الآية أخطأ فيها الكاتب كما قيل فى غيرها، ومن أنكر شيئا من القرآن بعد تواتره استتيب، فإن تاب و إلا قتل، وأما قبل تواتره عنده فلا يستتاب، لكن يبين له، وكذلك الأقوال التي جاءت الأحاديث بخلافها؛ فقها، وتصوفا، واعتقاداً، وغير ذلك .
وقول مجاهد صحيح، كما في الحديث الصحيح" إلخ..، والذي يغشى القلب يسمى (رَيْناً) و(طَبْعاً) و(خَتْماً) و (قُفْلا) ونحو ذلك، فهذا ما أصر عليه.
و(إحاطة الخطيئة): إحداقها به فلا يمكنه الخروج، وهذا هو البَسْل بما كسبت نفسه، أي: تحبس عما فيه نجاتها فى الدارين؛ فإن المعاصي قيد وحبس لصاحبها عن الجَوَلان فى فضاء التوحيد، وعن جَنْى ثمار الأعمال الصالحة.
ومن المنتسبين إلى السنة من يقول: إن صاحب الكبيرة يعذب مطلقاً،و الأكثرون على خلافه، وأن الله سبحانه يزن الحسنات والسيئات، وعلى هذا دل الكتاب والسنة وهو معنى الوزن، لكن تفسير السيئة بالشرك هو الأظهر؛ لأنه سبحانه غاير بين المكسوب والمحيط، فلو كان واحداً لم يغاير، والمشرك له خطايا غير الشرك أحاطت به لأنه لم يتب منها.
وأيضا، قوله: {سَيِّئَةً} نكرة، وليس المراد جنس السيئات بالاتفاق .
وأيضا، لفظ (السيئة) قد جاء فى غير موضع مرادا به الشرك وقوله: {سَيِّئَةً} أي:حال سيئة أو مكان سيئة ونحو ذلك،كما في قوله: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً} [البقرة:201]، أي حالاً حسنة تعم الخير كله، وهذا اللفظ يكون صفة، وقد ينقل من الوصفية إلى الاسمية؛ ويستعمل لازما أو متعديا يقال: ساء هذا الأمر،أي: قَبُح، ويقال: ساءني هذا، قال ابن عباس فى قوله: {وَالَّذِينَ كَسَبُواْ السَّيِّئَاتِ جَزَاء سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا} [يونس:27]: عملوا الشرك؛ لأنه وصفهم بهذا فقط، ولو آمنوا لكان لهم حسنات، وكذا لما قال: {كَسَبَ سَيِّئَةً} لم يذكر حسنة، كقوله تعالى: {لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى} [يونس:26] أي: فعلوا الحسنى، وهو ما أمروا به، كذلك (السيئة) تتناول المحظور فيدخل فيها الشرك.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى - الجزء الرابع عشر.