فصـل في‏{‏مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ ...‏}‏

ابن تيمية

  • التصنيفات: التفسير -
السؤال: فصـل في الكلام على قوله تعالى‏:‏ ‏{‏مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ وَجَاء بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ‏}‏
الإجابة:

الكلام على قوله‏:‏ ‏{‏‏مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ وَجَاء بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ‏} ‏[‏ق‏:‏ 33‏]‏‏.

‏‏ وفي هذه الآية قال‏:‏ ‏{‏‏سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَى}‏‏ ‏[‏الأعلى‏:‏ 10‏]‏‏.

‏‏ وقال في قصة فرعون‏:‏ ‏{‏‏فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى‏} ‏[‏طه‏:‏ 44‏]‏، فعطف الخشية على التذكر‏.

‏‏ وقال‏:‏ ‏{‏‏لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا‏} ‏[‏الفرقان‏:‏ 62‏]‏‏.

‏‏ وفي قصة الرجل الصالح المؤمن الأعمى قال‏:‏ ‏{‏‏وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى‏} ‏[‏عبس‏:‏ 3- 4‏]‏‏.‏

وقال في ‏[‏حم‏]‏ المؤمن‏:‏ ‏{‏‏ذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ السَّمَاء رِزْقًا وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَن يُنِيبُ}‏ ‏[‏غافر‏:‏ 12- 13‏]‏، فقال‏:‏ ‏{‏‏وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَن يُنِيبُ}‏‏‏.‏

والإنابة جعلها مع الخشية في قوله‏:‏ ‏{‏‏هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ وَجَاء بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ‏} ‏[‏ق‏:‏ 32ـ34‏]‏‏.

‏‏ وذلك لأن الذي يخشى اللّه لابد أن يرجوه ويطمع في رحمته، فينيب إليه ويحبه، ويحب عبادته وطاعته‏.‏

فإن ذلك هو الذي ينجيه مما يخشاه، ويحصل به ما يحبه‏.‏

والخشية لا تكون ممن قطع بأنه معذب؛ فإن هذا قطع بالعذاب، يكون معه القنوط، واليأس، والإبلاس‏.‏

ليس هذا خشية وخوفا‏.

‏‏ وإنما يكون الخشية والخوف مع رجاء السلامة؛ ولهذا قال‏:‏ ‏{‏‏تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ}‏‏ ‏[‏الشورى‏:‏ 22‏]‏‏.‏

فصاحب الخشية للّه ينيب إلى اللّه، كما قال‏:‏‏{‏‏وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ وَجَاء بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ‏} ‏[‏ق‏:‏ 31 - 34‏]‏‏.

‏‏ وهذا يكون مع تمام الخشية والخوف‏.‏

فأما في مباديها، فقد يحصل للإنسان خوف من العذاب والذنب الذي يقتضيه، فيشتغل بطلب النجاة والسلام، ويعرض عن طلب الرحمة والجنة‏.‏

وقد يفعل مع سيئاته حسنات توازيها وتقابلها، فينجو بذلك من النار ولا يستحق الجنة، بل يكون من أصحاب الأعراف‏.‏

وإن كان مآلهم إلى الجنة فليسوا ممن أُزْلفت لهم الجنة أي‏:‏ قربت لهم إذ كانوا لم يأتوا بخشية اللّه والإنابة إليه‏.‏

واستجمل بعد ذلك‏.‏



___________________

المجلد السادس عشر

مجموع الفتاوي لابن تيمية