ماذا أفعل كي أكفر عمَّا فاتني من صلوات

خالد عبد المنعم الرفاعي

  • التصنيفات: فقه الصلاة -
السؤال: كنت لا أصلي قبل أن يهديني الله؛ فهل أقوم بصلاة الأوقات التي فاتتني، أم ماذا أفعل كي أكفر عما فاتني من صلوات؟
الإجابة: إن العلماء اتفقوا على وجوب القضاء على الناسي والنائم مع عدم الإثم، وإنما وقع الخلاف في قضاء الصلوات المتروكة عمداً؛ فجمهور العلماء على أن حكمها كحكم المنسية ونحوها؛ فيجب قضاؤها، وهو قول الأئمة الأربعة.

وذهب بعض أصحاب الشافعي إلى أن الصلاة المتروكة عمداً لا يجب قضاؤها، ولا تُقبل ولا تَصح لأنها صليت في غير وقتها، وكان تأخيرها عنه لغير عذر شرعي؛ فلم تقبل، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وأبي محمد بن حزم في (المحلى) حيث قال: "وأما من تعمد ترك الصلاة حتى خرج وقتها فهذا لا يقدر على قضائها أبداً؛ فليكثر من فعل الخير وصلاة التطوع؛ ليثقل ميزانه يوم القيامة، وليتب وليستغفر الله عز وجل"، ثم قال: "فإن الله تعالى جعل لكل صلاة فرض وقتاً محدود الطرفين، يدخل في حين محدود، ويبطل في وقت محدود؛ فلا فرق بين من صلاها قبل وقتها وبين من صلاها بعد وقتها؛ لأن كليهما صلى في غير الوقت، وليس هذا قياساً لأحدهما على الآخر، بل هما سواء في تعدي حدود الله تعالى، وقد قال الله تعالى: {وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نفسه} [الطلاق:1].

وأيضاً فان القضاء إيجاب شرع، والشرع لا يجوز لغير الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، وكل أمر لله عز وجل فإنه منقسم على ثلاثة أوجه لا رابع لها:

إما أمر غير معلق بوقت: كالجهاد والعمرة وصدقة التطوع والدعاء وغير ذلك، فهذا يجزئ متى أُدِّي، والمسارعة إليه أفضل؛ لقول الله عز وجل: {وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران:133].

وإما أمر معلق بوقت محدود الأول غير محدود الآخر: كالزكاة ونحوها، فهذا لا يجزئ قبل وقته، ولا يسقط بعد وجوبه أبداً؛ لأنه لا آخر لوقته، والمبادرة إليه أفضل لما ذكرنا.

وإما أمر معلق بوقت محدود أوله وآخره: فهذا لا يجزئ قبل وقته ولا بعد وقته، ويجزئ في جميع وقته، في أوله وآخره ووسطه؛ كالصلاة و الحج وصوم رمضان ونحو ذلك.

ونقول لمن خالفنا: قد وافقتمونا على أن الحج لا يجزئ في غير وقته، وأن الصوم لايجزئ في غير النهار، فمن أين أجزتم ذلك في الصلاة، وكل ذلك ذو وقت محدود أوله وآخره، وهذا مالا انفكاك منه؟!، فان قالوا: قسنا العامد على الناسي، قلنا: إن القياس عند القائلين به إنما هو قياس الشيء على نظيره لا على ضده، وهذا ما لا خلاف فيه بين أحد من أهل القياس، وقد وافقهم مَن لا يقول بالقياس، على أنه لا يجوز قياس الشيء على ضده ، فصار إجماعاً متيقنًا، والعمد ضد النسيان، والمعصية ضد الطاعة بل قياس ذلك على ما ذكرنا من الحج أولى" اهـ بتصرف يسير.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "والتوبة كالإسلام، فإن الذي قال: "الإسلام يهدم ما كان قبله" هو الذي قال: "التوبة تهدم ما كان قبلها"، وذلك في حديث واحد من رواية عمرو بن العاص (رواه أحمد ومسلم)، فإذا كان العفو عن الكافر لأجل ما وجد من الإسلام الماحي، والحسنات يذهبن السيئات، ولأن في عدم العفو تنفير عن الدخول، لما يلزم الداخل فيه من الآصار، والأغلال الموضوعة على لسان هذا النبي صلى الله عليه وسلم وقد ثبت في (صحيح مسلم) عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم "إن الله يبدل لعبده التائب بدل كل سيئة حسنة"؛ على ظاهر قوله تعالى : {يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً} [الفرقان:70]، فإذا كانت تلك التي تاب منها صارت حسنات، لم يبق في حقه بعد التوبة سيئة أصلاً، فيصير ذلك القبض والعقد من باب المعفو عنه، ويصير ذلك الترك من باب المعفو عنه ، فلا يجعل تاركاً لواجب".

ومما سبق يتبين أنه لا يجب عليك قضاء الصلوات المتروكة عمداً، ولكن عليك من الإكثار من النوافل، ومن فعل سائر الطاعات؛ فإن التوبة النصوح تَجُبُّ ما قبلها والله أعلم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نقلاً عن موقع الآلوكة.