أرجو منكم إفادتي بما يخصُّ عملية التورق من سامبا

خالد عبد المنعم الرفاعي

  • التصنيفات: فقه المعاملات -
السؤال: أرجو منكم إفادتي بما يخصُّ عملية التورق "تورق الخير من سامبا" قمت بالإطلاع على الفتوى المقدمة من سماحة الشيخ المنيع وتمت العملية كالآتي: قمت بشراء أرز من "سامبا" بالآجل وأفادوني بأنه مملوك بالكامل لهم وسيبيعونه لي بالآجل وسأقوم بالسداد على أقساط شهرية وبإمكاني إستلام الأرز من المستودع إن شئت أو توكيل الغير لبيعه نيابة عني، وقمتُ بتوقيع عقد الشراء وبهذا آلت ملكية البضاعة لي حسب العقد، وبعدها قمت بتوكيل طرف ثالث لبيع البضاعة بعد تحديد سعر أدنى لبيعها، وسوف يتغاضى الطرف الثالث مَبلغاً نظير الخدمة وهي بيع البضاعة نيابة عني، ومِن ثمَّ قامت "سامبا" بإيداع المبلغ بحسابي، وأنا حتى الآن لم أتصرف بالملبغ لعدم إرتياحي للأمر، وأريد رداً شافياً لأنني لم أقتنع تماماً بجوازها، سأرد المبلغ للبنك علماً بأنهم لن يعفوني من مبلغ الفائدة المترتب على البيع بالقسط، وأنا على استعداد لإعادة المبلغ لهم مهما كلف الأمر؟
الإجابة: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فالتورق: هو شراء السلعة لا من أجل الانتفاع بها، وإنما من أجل بيعها والاستفادة من ثمنها، وهو "جائز" على الراجح من قولي أهل العلم وهو مذهب الجمهور وأكثر المعاصرين، وهو ما قرره "مجمع الفقه الإسلامي" التابع لرابطة العالم الإسلامي، وأفتت به "اللجنة الدائمة" في السعودية، وهو قول الشيخين "محمد بن إبراهيم آل الشيخ" و"عبدالعزيز ابن باز" رحمة الله عليهما.

قال "البهوتي" في (الروض المربع): "ومَن احتاج إلى نقد فاشترى ما يساوي مائة بأكثر ليتوسع بثمنه فلا بأس وتسمى مسألة التورق وذكره في (الإنصاف) وقال وهو المذهب وعليه الأصحاب". اهـ.

أما ما يُعرف "بالتورق المصرفي" أو "التورق المُنظم" حيث يقوم البنك بشراء كمية من السلع ثم يبيعها إلى عملائه، فقد قرر "مجمع الفقهي الإسلامي" لرابطة العالم الإسلامي -وهو من أعلى الهيئات العلمية الإسلامية المتخصصة- في دورته السابعة عشرة المنعقدة بمكة المكرمة، في المدة من (19-23 / 10 / 1424 هـ الذي يوافقه 13-17 / 12 / 2003 م) أن قيام المصرف بعمل نمطي يتم فيه ترتيب بيع سلعة "ليست من الذهب أو الفضة" من أسواق السلع العالمية أو غيرها، على المستورق بثمن آجل، على أن يلتزم المصرف -إما بشرط في العقد أو بحكم العرف والعادة- بأن ينوب عنه في بيعها على مشتر آخر بثمن حاضر، وتسليم ثمنها للمستورق.

وبعد النظر والدراسة، قرر "مجلس المجمع" ما يلي:

أولاً: عدم جواز التورق الذي سبق توصيفه في التمهيد للأمور الآتية:

1- أن التزام البائع في عقد التورق بالوكالة في بيع السلعة لمشترٍ آخر أو ترتيب مَن يشترطها يجعلها شبيهة بالعينة الممنوعة شرعاً، سواء أكان الالتزام مشروطاً صراحة، أم بحكم العرف والعادة المتبعة.

2- أن هذه المعاملة تؤدي في كثير من الحالات إلى الإخلال بشروط القبض الشرعي اللازم لصحة المعاملة.

3- أن واقع هذه المعاملة يقوم على منح تمويل نقدي بزيادة لما سمي بالمستورق فيها من المصرف في معاملات البيع والشراء التي تجري منه والتي هي صورية في معظم أحوالها، هدف البنك من إجرائها أن تعود عليه بزيادة على ما قدم من تمويل، وهذه المعاملة غير التورق الحقيقي المعروف عند الفقهاء.

وقد سبق "للمجمع في دورته الخامسة عشرة" أن قال بجوازه بمعاملات حقيقية وشروط محددة بينها قراره، وذلك لما بينهما من فروق عديدة فصلت القول فيها البحوث المقدمة.

فالتورق الحقيقي يقوم على شراء حقيقي لسلعة بثمن آجل تدخل في ملك المشتري ويقبضها قبضاً حقيقياً وتقع في ضمانه، ثم يقوم ببيعها هو بثمن حال لحاجته إليه، قد يتمكن من الحصول عليه وقد لا يتمكن، والفرق بين الثمنين الآجل والحال لا يدخل في ملك المصرف الذي طرأ على المعاملة لغرض تبرير الحصول على زيادة لما قدم من تمويل لهذا الشخص بمعاملات صورية في معظم أحوالها، وهذا لا يتوافر في المعاملة المبينة التي تجريها بعض المصارف.

ثانياً: يوصي مجلس المجمع جميع المصارف بتجنب المعاملات المحرمة، امتثالاً لأمر الله تعالى، كما أن المجلس إذ يقدر جهود المصارف الإسلامية في إنقاذ الأمة الإسلامية من بلوى الربا، فإنه يوصي بأن تستخدم لذلك المعاملات الحقيقية المشروعة دون اللجوء إلى معاملات صورية تؤول إلى كونها تمويلاً محضاً بزيادة ترجع إلى الممول". اهـ.

وعليه فلا يجوز لكَ الانتفاع بما حصلت عليه من مال ويجب عليك نقض تلك المعاملة، ونشكر لك حرصك الشديد على الخير وعدم الوقوع فيما حرمه الله تعالى، ونسأل الله تعالى أن يجزيك خيراً على مراعاة أحكام الشرع الحنيف.

ولتعلم رعاك الله أن الفتاوى المعاصرة من التعقيد بمكان بحيث يصعب فيها الفتاوى الفردية، مهما كانت سعة علم المُستفتَي؛ ولهذا يتعين -والحال كذلك- الركون للاجتهاد الجماعي واتباع قررات المجامع الفقهية، والله أعلم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ من فتاوى زوار موقع طريق الإسلام.