لا يُسأل بوجه الله إلا الجنة
عبد الله بن عبد العزيز العقيل
- التصنيفات: الذكر والدعاء -
السؤال: دار حوار بين رجلين في مجلس، فقال أحدهما للآخر: "أسألك بوجه الله أن
تخبرني"، فكرهنا مسألته، وقال لنا بعض الإخوان: إنه ورد الحديث بالنهي
عن السؤال بوجه الله، فنرجوكم إيضاح الجواب. وفقكم الله للصواب.
الإجابة: لقد أخطأ هذا الرجل بسؤاله مثل هذا بوجه الله، فإن وجه الله عز وجل لا
يسأل به إلا الجنة، أو ما هو وسيلة إليها، والحديث الوارد في ذلك رواه
أبو داود وغيره -وإن كان ضعيفًا- عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " " (1). قال في
(تيسير العزيز الحميد) (2): أي: إعظامًا وإجلالاً وإكرامًا لوجه الله؛
لا يسأل به إلا غاية المطالب، وهذا من معاني قوله تعالى: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ
وَالإِكْرَامِ} (3). فقوله: " " روي بالنفي والنهي، وروي بالبناء
للمجهول وهو الذي في الأصل، وروي بالخطاب للمفرد، وفيه إثبات الوجه
خلافًا للجهمية ونحوهم، فإنهم أوَّلوا الوجه بالذات، وهو باطل إذ لا
يسمى ذات الشيء وحقيقته وجهًا، فلا يسمى الإنسان وجهًا، ولا تسمى يده
وجهًا ولا تسمى رجله وجهًا. والقول في الوجه عند أهل السنة كالقول في
بقية الصفات، فيثبتونه لله على ما يليق بجلاله وكبريائه من غير كيف،
ولا تحديد، إثباتًا بلا تمثيل، وتنزيهًا بلا تعطيل.
قوله: " " كأن يقول: "اللهم إني أسألك بوجهك الكريم أن تدخلني الجنة"، وقيل: المراد لا تسألوا من الناس شيئًا بوجه الله، كأن يقول: أعطني شيئًا بوجه الله، فإن الله أعظم من أن يسأل به شيء من الحطام، قلت: والظاهر أن كلا المعنيين صحيح.
▪ قال الحافظ العراقي: وذِكْرُ الجنة إنما هو للتنبيه به على الأمور العظام لا للتخصيص، فلا يسأل بوجهه في الأمور الدنيئة بخلاف الأمور العظام؛ تحصيلاً، أو دفعًا، كما يشير إليه استعاذة النبي صلى الله عليه وسلم به.
- قلت: والظاهر أن المراد لا يسأل بوجه الله إلا الجنة، أو ما هو وسيلة إليها، كالاستعاذة بوجه الله من غضبه ومن النار، ونحو ذلك، مما هو وارد في أدعيته صلى الله عليه وسلم، وتعوذاته، ولما نزل قوله تعالى: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ} (4) قال النبي صلى الله عليه وسلم: " "، {أَوْمِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} قال: " " (رواه البخاري) (5).
▪ وقال في (فتح المجيد) (6): وهنا سؤال، وهو أنه قد ورد في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم عند منصرفه من الطائف حين كذبه أهل الطائف، ومن في الطائف من أهل مكة، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم بالدعاء المأثور: " "، وفي آخره: " " (7). (رواه ابن إسحاق والطبراني عن عبد الله بن جعفر)، والحديث المروي في (الأذكار): " "، وفي آخره: " " (8)، وفي حديث آخر: " ". وأمثال ذلك في الأحاديث المرفوعة بالأسانيد الصحيحة، أو الحسان.
. فالجواب: أن ما ورد من ذلك، فهو في سؤال ما يقرب إلى الجنة، أو ما يمنعه من الأعمال التي تمنعه من الجنة فيكون قد سأل بوجه الله، وبنور وجهه ما يقرب إلى الجنة، كما في الحديث الصحيح: " " (9)، بخلاف ما يختص بالدنيا، كسؤال المال، والرزق، والسعة في المعيشة؛ رغبة في الدنيا، مع قطع النظر عن كونه أراد بذلك ما يعينه على عمل الآخرة، فلا ريب أن الحديث يدل على المنع من أن يسأل حوائج دنياه بوجه الله. وعلى هذا فلا تعارض بين الأحاديث. كما لا يخفى. والله أعلم.
___________________________________________
1 - أبو داود (1671)، وابن عدي في (الكامل) (3/1107)، وعدّه في منكرات سليمان ابن قرم الضبي.
2 - ص (659) طبعة المكتب الإسلامي.
3 - سورة الرحمن: الآية (27).
4 - سورة الأنعام: الآية (65).
5 - البخاري (4628)، والترمذي (3065)، والنسائي في (الكبرى) (4/412) (6/340، 341).
6 - ص (447) طبعة دار الحديث.
7 - راجع (سيرة ابن هشام) (2/71)، وقال في (مجمع الزوائد) (6/ 35): رواه الطبراني وفيه ابن إسحاق وهو مدلس ثقة، وبقية رجاله ثقات.أ.هـ.
8 - الطبراني في (المعجم الكبير) (8/316) من حديث أبي أمامة الباهلى مرفوعًا، وقال في (المجمع) (10/117): وفيه فضال بن جبير وهو ضعيف مجمع على ضعفه.أ.هـ.
9 - ابن ماجه (3846)، وابن حبان (869)، والحاكم (1/521)، وابن أبي شيبة (10/ 264)، وأحمد (4/ 136) بعضه. قال البوصيري (3/ 201): هذا إسناد فيه مقال: أم كلثوم هذه لم أر من تكلم فيها، وعدها جماعة في الصحابة، وفيه نظر؛ لأنها ولدت بعد موت أبي بكر، وباقى رجال الإسناد ثقات.أ.هـ.
قوله: " " كأن يقول: "اللهم إني أسألك بوجهك الكريم أن تدخلني الجنة"، وقيل: المراد لا تسألوا من الناس شيئًا بوجه الله، كأن يقول: أعطني شيئًا بوجه الله، فإن الله أعظم من أن يسأل به شيء من الحطام، قلت: والظاهر أن كلا المعنيين صحيح.
▪ قال الحافظ العراقي: وذِكْرُ الجنة إنما هو للتنبيه به على الأمور العظام لا للتخصيص، فلا يسأل بوجهه في الأمور الدنيئة بخلاف الأمور العظام؛ تحصيلاً، أو دفعًا، كما يشير إليه استعاذة النبي صلى الله عليه وسلم به.
- قلت: والظاهر أن المراد لا يسأل بوجه الله إلا الجنة، أو ما هو وسيلة إليها، كالاستعاذة بوجه الله من غضبه ومن النار، ونحو ذلك، مما هو وارد في أدعيته صلى الله عليه وسلم، وتعوذاته، ولما نزل قوله تعالى: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ} (4) قال النبي صلى الله عليه وسلم: " "، {أَوْمِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} قال: " " (رواه البخاري) (5).
▪ وقال في (فتح المجيد) (6): وهنا سؤال، وهو أنه قد ورد في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم عند منصرفه من الطائف حين كذبه أهل الطائف، ومن في الطائف من أهل مكة، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم بالدعاء المأثور: " "، وفي آخره: " " (7). (رواه ابن إسحاق والطبراني عن عبد الله بن جعفر)، والحديث المروي في (الأذكار): " "، وفي آخره: " " (8)، وفي حديث آخر: " ". وأمثال ذلك في الأحاديث المرفوعة بالأسانيد الصحيحة، أو الحسان.
. فالجواب: أن ما ورد من ذلك، فهو في سؤال ما يقرب إلى الجنة، أو ما يمنعه من الأعمال التي تمنعه من الجنة فيكون قد سأل بوجه الله، وبنور وجهه ما يقرب إلى الجنة، كما في الحديث الصحيح: " " (9)، بخلاف ما يختص بالدنيا، كسؤال المال، والرزق، والسعة في المعيشة؛ رغبة في الدنيا، مع قطع النظر عن كونه أراد بذلك ما يعينه على عمل الآخرة، فلا ريب أن الحديث يدل على المنع من أن يسأل حوائج دنياه بوجه الله. وعلى هذا فلا تعارض بين الأحاديث. كما لا يخفى. والله أعلم.
___________________________________________
1 - أبو داود (1671)، وابن عدي في (الكامل) (3/1107)، وعدّه في منكرات سليمان ابن قرم الضبي.
2 - ص (659) طبعة المكتب الإسلامي.
3 - سورة الرحمن: الآية (27).
4 - سورة الأنعام: الآية (65).
5 - البخاري (4628)، والترمذي (3065)، والنسائي في (الكبرى) (4/412) (6/340، 341).
6 - ص (447) طبعة دار الحديث.
7 - راجع (سيرة ابن هشام) (2/71)، وقال في (مجمع الزوائد) (6/ 35): رواه الطبراني وفيه ابن إسحاق وهو مدلس ثقة، وبقية رجاله ثقات.أ.هـ.
8 - الطبراني في (المعجم الكبير) (8/316) من حديث أبي أمامة الباهلى مرفوعًا، وقال في (المجمع) (10/117): وفيه فضال بن جبير وهو ضعيف مجمع على ضعفه.أ.هـ.
9 - ابن ماجه (3846)، وابن حبان (869)، والحاكم (1/521)، وابن أبي شيبة (10/ 264)، وأحمد (4/ 136) بعضه. قال البوصيري (3/ 201): هذا إسناد فيه مقال: أم كلثوم هذه لم أر من تكلم فيها، وعدها جماعة في الصحابة، وفيه نظر؛ لأنها ولدت بعد موت أبي بكر، وباقى رجال الإسناد ثقات.أ.هـ.