حكم الصوم في السفر

عبد الله بن عبد العزيز العقيل

  • التصنيفات: فقه الصيام -
السؤال: رجل يسأل عن الأفضل للمسافر في رمضان: هل الأفضل له الصيام أم الفطر؟ وعما يروى من الحديث: "من كانت له حمولة تأوي إلى شبع، فليصم رمضان حيث أدركه"، هل هو صحيح؟ ونرجو إيضاح الجواب.
الإجابة: الأفضل للمسافر في رمضان الفطر، وألا يصوم، سواء لحقه مشقة، أو لا.

وقال بعض أهل العلم بتفضيل الصوم. قال الترمذي في (جامعه) (1): قال بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم: إنْ وجَدَ قوة فصام، فحسن. وهو أفضل. قال: وهو قول سفيان الثوري، ومالك ابن أنس، وعبد الله بن المبارك.أ.هـ. ويروى عن الإمامين أبي حنيفة والشافعي. ذكره الموفق ابن قدامة في (المغني) (2) قال: ويروى ذلك عن أنس، وعثمان بن أبي العاص.

والقول الأول هو الصحيح. قال الترمذي في (جامعه): (3) رأى بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم أن الفطر في السفر أفضل، حتى رأى بعضهم عليه الإعادة إذا صام في السفر. واختار أحمد وإسحاق الفطر في السفر.أ.هـ. ويروى هذا عن ابن عمر، وابن عباس، وقال به: سعيد بن المسيب، والشعبي، وعمر بن عبد العزيز، ومجاهد، وقتادة، والأوزاعي، وأحمد، وإسحاق، كل هؤلاء يقولون: الفطر أفضل، ذكره القرطبي في تفسيره (4).أ.هـ.

وفي (مسائل الإمام أحمد) لأبي داود -روايته عنه- ما نصه (5): سمعت أحمد سئل عن صيام رمضان في السفر. فقال: لا يعجبني رمضان ولا غير رمضان. أختار الإفطار في السفر فإن صام أجزأه.أ.هـ.

وأخرج ابن جرير (6) ، وابن أبي حاتم (7) عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال في قوله تعالى: {يُرِيدُ الله بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} (8) قال: اليُسْر: الإفطار في السفر. والعُسْر: الصوم في السفر.

وعن حمزة بن عمرو الأسلمي أنه قال: يا رسول الله، إني أجد بي قوة على الصيام في السفر، فهل علي جناح؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هي رخصة من الله تعالى، فمن أخذ بها فحسن، ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه" (رواه مسلم) (9)، وقد روى أحمد بن حنبل في (مسنده)، وابن خزيمة في (صحيحه) (10) عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الله يحب أن يؤخذ برخصه، كما يكره أن تؤتى معصيته".

وأما الحديث الذي أشار إليه السائل، فقد رواه أبو داود (11) عن سلمة بن المُحَبق رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من كانت له حمولة تأوي إلى شبع فليصم رمضان حيث أدركه"، فهذا الحديث ضعيف. ولا يعارض ما تقدم من النصوص الصحيحة الصريحة. قال النووي في (المجموع) (12): هو حديث ضعيف. رواه البيهقي (13) وضعفه. ونَقَل عن البخاري تضعيفه، وأنه ليس بشيء.أ.هـ.

▪ والخلاصة: أن الفطر في السفر لمن لا تلحقه المشقة بالصوم أفضل من الصوم. ومن صام أجزأه صيامه، لكن ليعلم السائل أن هذه المفاضلة إنما هي بالنسبة لمن لم يرغب عن السنة. قال ابن كثير (14): أما إن رغب عن السنة ورأى أن الفطر مكروه إليه، فهذا يتعين عليه الإفطار، ويَحْرم عليه الصيام والحالة هذه؛ لما جاء في (مسند) الإمام أحمد وغيره (15) عن ابن عمر، وجابر، وغيرهما: "من لم يقبل رخصة الله كان عليه من الإثم مثل جبال عرفة"، انتهى.

وعلى هذه الحالة التي ذكرها ابن كثير حمل الإمام الشافعي كما في (جامع الترمذي) (16) حديث: "ليس من البر الصيام في السفر" (17)، قول النبي صلى الله عليه وسلم حين بلغه أن ناسا صاموا فقال: "أولئك العصاة" (18)، قال: فوجه هذا إذا لم يحتمل قلبه قبول رخصة الله تعالى، والله أعلم.

___________________________________________

1 - عقب حديث رقم (710).
2 - (4/ 408).
3 - عقب حديث رقم (710).
4 - (2/ 280).
5 - (94).
6 - (2/ 156).
7 - (ق 12 / ب) في (التفسير).
8 - سورة البقرة: الآية (185).
9 - مسلم (1121)، والدارقطني (2/189).
10 - أخرجه أحمد (2/ 108)، وابن خزيمة (950).
11 - (2410، 2411).
12 - (6/ 219).
13 - (4/ 245).
14 - (1/ 311) ط. الشعب.
15 - (المسند) (2/ 71) عن ابن عمر، من طريق ابن لهيعة ثنا أبو طعمة قال: كنت عند ابن عمر، مرفوعًا، و(4/ 158) عن عقبة بن عامر، وعنه عند الطبراني في (الأوسط) (4535) من طريق ابن لهيعة عن رزق الثقفي عن عبد الرحمن ابن شماسة عن عقبة بن عامر الجهني مرفوعًا. وقال الطبراني: لا يروى هذا الحديث عن عقبة بن عامر إلا بهذا الإسناد؛ لتفرد ابن لهيعة به من الوجهين. فالظاهر أنه اضطرب فيه.
16 - عقب حديث (710)، وكلام الشافعي في (الأم) (2/102).
17 - البخاري (1946)، ومسلم (1115).
18 - مسلم (1114)، والنسائي (4/177)، والترمذي (710) وقال: حسن صحيح.