نصيحة بشأن تقليل المساجد التي تقام فيها الجمعة
محمد بن صالح العثيمين
- التصنيفات: خطب الجمعة -
السؤال: نصيحة بشأن تقليل المساجد التي تقام فيها الجمعة
الإجابة: من محمد الصالح العثيمين: إلى الأخ المكرم وجماعة مسجد ... وفقهم الله
وبعد:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
فبناء على ما أوجب الله على المؤمنين من التناصح وطلب ما يوجب اجتماع كلمتهم، وجمع قلوبهم وأبدانهم على ذكر الله ودعائه، اللذين أهمهما جمع ذلك على أحب الأعمال إلى الله بعد الإيمان به وهي الصلاة، بناء على ذلك رأيت من الواجب أن أكتب إليكم بهذه الكتابة راجياً أن تكون خالصة لله، وأن يكون رائد الجميع الحق والإصلاح إنه قريب مجيب.
لقد سمعت اليوم بعد صلاة الجمعة خبراً أساءني جداً وهو أن بعض جماعتكم قد سعى بطلب إقامة الجمعة في مسجدكم، وأنتم تعلمون بارك الله فيكم ما للشارع من مقصد حكيم في اجتماع الناس يوم الجمعة، حتى قصرت الصلاة إلى ركعتين لئلا تطول على الجمع الكثير مع الخطبتين الصادرتين عن خطيب واحد، ليكون توجيه الناس واحد، ولله الحكمة البالغة في شرعه وقدره.
وتعلمون أن أهل العلم نصوا على تحريم تعدد الجمعة في البلد بدون حاجة من بعد، أو ضيق، أو خوف فتنة، وكل هذه منتفية في مسجد الجامع، فليس بعيداً على جماعتكم، ولا ضيقاً بهم، ولا فتنة بين أهل البلد فكلهم أخوة في الإيمان، واجب عليهم المودة بينهم، والتآلف والاجتماع، وأن يبتعدوا عن وساوس الشيطان ونزغاته من الجنة والناس.
وتعلمون بارك الله فيكم أن أهل العلم نصوا على أن الرجل إذا كان داخل البلد وجب عليه السعي إلى الجمعة وإن كان بينه وبين موضع إقامتها فراسخ، ومعنى ذلك أنهم لم يعذروا بهذا البعد، فكيف بمن لم يكن بينه وبين موضع إقامتها إلا ربع ميل أو أقل؟!
وتعلمون بارك الله فيكم أن أهل العلم نصوا على أن الرجل يجب عليه حضور الجمعة وإن لم يقدر إلا راكباً، أو محمولاً؛ لأنها لا تتكرر، بخلاف الجماعة إلا أن يكون عليه ضرر.
وتؤمنون بارك الله فيكم بأن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه الخلفاء الراشدين، ومعلوم أن هديه صلى الله عليه وسلم، وهدي خلفائه الراشدين أنهم لا يصلون الجمعة إلا في مسجد واحد، مع أن لهم مساجد في كل حي يصلون فيها الصلوات الخمس، حتى كانوا يأتون إلى الجمعة من أقصى المدينة من العوالي وغيرها.
قال ابن المنذر: لم يختلف الناس أن الجمعة لم تكن تصلى في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وفي عهد الخلفاء الراشدين إلا في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، قال: وفي تعطيل الناس مساجدهم يوم الجمعة واجتماعهم في مسجد واحد أبين البيان بأن الجمعة خلاف سائر الصلوات، وأنها لا تصلى إلا في مكان واحد.
وسئل الإمام أحمد رحمه الله تعالى: هل جمع جمعتان في مصر؟ قال: لا أعلم أحداً فعله.
وذكر الخطيب في تأريخ بغداد أن أول جمعة أحدثت في بلد في الإسلام مع قيام الجمعة القديمة كانت في أيام المعتضد سنة 280 هـ.
فإذا كان هذا هدي النبي صلى الله عليه وسلم، وخلفائه الراشدين، وسلف الأمة فإن الواجب على المؤمن أن يسعه ما وسعهم، وأن لا يسعى فيما فيه تفريق المؤمنين، والإضرار بجمعهم واجتماعهم؛ لأنه مسؤول عن ذلك أمام الله عز وجل.
وليس من المبرر أن يكون نفر قليل من الجماعة كبار السن، أو قليلي الصحة، فقد علمتم أن العلماء قالوا: بحمل هؤلاء، أو يركبون، فإن تضرروا سقطت عنهم وكانوا ممن عذرهم الله، على أن كثيراً من هؤلاء يذهبون إلى السوق القريب من الجامع كل يوم صباحاً ومساء، أو أحد الوقتين، فما بالهم لا يشق عليهم ذلك، ويشق عليهم إذا جاؤا إلى الجامع في الأسبوع مرة واحدة؟!
وتعلمون بارك الله فيكم ما في فضل بعد المسجد من كثرة الخطا، التي في كل واحدة منها رفع درجة، وحط خطيئة، إذا خرج من بيته متطهراً لا يريد إلا الصلاة، وأن أعظم الناس أجراً في الصلاة أبعدهم فأبعدهم ممشى.
وتعلمون بارك الله فيكم ما في كثرة الجمع من محبة الله لها، وعظم أجرها عند الله، وفي الحديث الصحيح: وما كان أكثر فهو أحب إلى الله. وما ذكر العلماء رحمهم الله من فضيلة المسجد العتيق لتقدم الطاعة فيه.
وتعلمون بارك الله فيكم ما يحصل بكثرة المسلمين واجتماعهم على العبادة والتأمين خلف الإمام، والذكر خلف الصلوات، وضجيجهم بالدعاء مما يكون أقرب إلى الإجابة، وأعظم في الهيبة والوقار، إلى غير ذلك من الحكم والمصالح الجمة الكثيرة التي ضاق بنا الوقت عن تعدادها، وكلها تفوت بتفريق المؤمنين وتعداد جمعهم.
. فنصيحتي لكم ولجماعتكم العدول عن هذه الفكرة والتمشي على ما كان أسلافكم، واحتساب الأجر من الله بكثرة الخطا إلى المساجد، واجتماع المسلمين، وما هي إلا نحو خمس وخمسين مرة في السنة الكاملة، ثم الإنسان لا يعلم مقامه في الدنيا فقد لا يدرك هذه المدة، ثم يذهب يسعى لما قد يجر الوبال عليه.
أسأل الله لي ولكم التوفيق لما يحب ويرضى، وأن يجمع قلوبنا على المحبة والقيام بحقه، وأن يهب لنا منه رحمة إنه هو الوهاب، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى ورسائل الشيخ محمد صالح العثيمين - المجلد السادس عشر - كتاب صلاة الجمعة.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
فبناء على ما أوجب الله على المؤمنين من التناصح وطلب ما يوجب اجتماع كلمتهم، وجمع قلوبهم وأبدانهم على ذكر الله ودعائه، اللذين أهمهما جمع ذلك على أحب الأعمال إلى الله بعد الإيمان به وهي الصلاة، بناء على ذلك رأيت من الواجب أن أكتب إليكم بهذه الكتابة راجياً أن تكون خالصة لله، وأن يكون رائد الجميع الحق والإصلاح إنه قريب مجيب.
لقد سمعت اليوم بعد صلاة الجمعة خبراً أساءني جداً وهو أن بعض جماعتكم قد سعى بطلب إقامة الجمعة في مسجدكم، وأنتم تعلمون بارك الله فيكم ما للشارع من مقصد حكيم في اجتماع الناس يوم الجمعة، حتى قصرت الصلاة إلى ركعتين لئلا تطول على الجمع الكثير مع الخطبتين الصادرتين عن خطيب واحد، ليكون توجيه الناس واحد، ولله الحكمة البالغة في شرعه وقدره.
وتعلمون أن أهل العلم نصوا على تحريم تعدد الجمعة في البلد بدون حاجة من بعد، أو ضيق، أو خوف فتنة، وكل هذه منتفية في مسجد الجامع، فليس بعيداً على جماعتكم، ولا ضيقاً بهم، ولا فتنة بين أهل البلد فكلهم أخوة في الإيمان، واجب عليهم المودة بينهم، والتآلف والاجتماع، وأن يبتعدوا عن وساوس الشيطان ونزغاته من الجنة والناس.
وتعلمون بارك الله فيكم أن أهل العلم نصوا على أن الرجل إذا كان داخل البلد وجب عليه السعي إلى الجمعة وإن كان بينه وبين موضع إقامتها فراسخ، ومعنى ذلك أنهم لم يعذروا بهذا البعد، فكيف بمن لم يكن بينه وبين موضع إقامتها إلا ربع ميل أو أقل؟!
وتعلمون بارك الله فيكم أن أهل العلم نصوا على أن الرجل يجب عليه حضور الجمعة وإن لم يقدر إلا راكباً، أو محمولاً؛ لأنها لا تتكرر، بخلاف الجماعة إلا أن يكون عليه ضرر.
وتؤمنون بارك الله فيكم بأن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه الخلفاء الراشدين، ومعلوم أن هديه صلى الله عليه وسلم، وهدي خلفائه الراشدين أنهم لا يصلون الجمعة إلا في مسجد واحد، مع أن لهم مساجد في كل حي يصلون فيها الصلوات الخمس، حتى كانوا يأتون إلى الجمعة من أقصى المدينة من العوالي وغيرها.
قال ابن المنذر: لم يختلف الناس أن الجمعة لم تكن تصلى في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وفي عهد الخلفاء الراشدين إلا في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، قال: وفي تعطيل الناس مساجدهم يوم الجمعة واجتماعهم في مسجد واحد أبين البيان بأن الجمعة خلاف سائر الصلوات، وأنها لا تصلى إلا في مكان واحد.
وسئل الإمام أحمد رحمه الله تعالى: هل جمع جمعتان في مصر؟ قال: لا أعلم أحداً فعله.
وذكر الخطيب في تأريخ بغداد أن أول جمعة أحدثت في بلد في الإسلام مع قيام الجمعة القديمة كانت في أيام المعتضد سنة 280 هـ.
فإذا كان هذا هدي النبي صلى الله عليه وسلم، وخلفائه الراشدين، وسلف الأمة فإن الواجب على المؤمن أن يسعه ما وسعهم، وأن لا يسعى فيما فيه تفريق المؤمنين، والإضرار بجمعهم واجتماعهم؛ لأنه مسؤول عن ذلك أمام الله عز وجل.
وليس من المبرر أن يكون نفر قليل من الجماعة كبار السن، أو قليلي الصحة، فقد علمتم أن العلماء قالوا: بحمل هؤلاء، أو يركبون، فإن تضرروا سقطت عنهم وكانوا ممن عذرهم الله، على أن كثيراً من هؤلاء يذهبون إلى السوق القريب من الجامع كل يوم صباحاً ومساء، أو أحد الوقتين، فما بالهم لا يشق عليهم ذلك، ويشق عليهم إذا جاؤا إلى الجامع في الأسبوع مرة واحدة؟!
وتعلمون بارك الله فيكم ما في فضل بعد المسجد من كثرة الخطا، التي في كل واحدة منها رفع درجة، وحط خطيئة، إذا خرج من بيته متطهراً لا يريد إلا الصلاة، وأن أعظم الناس أجراً في الصلاة أبعدهم فأبعدهم ممشى.
وتعلمون بارك الله فيكم ما في كثرة الجمع من محبة الله لها، وعظم أجرها عند الله، وفي الحديث الصحيح: وما كان أكثر فهو أحب إلى الله. وما ذكر العلماء رحمهم الله من فضيلة المسجد العتيق لتقدم الطاعة فيه.
وتعلمون بارك الله فيكم ما يحصل بكثرة المسلمين واجتماعهم على العبادة والتأمين خلف الإمام، والذكر خلف الصلوات، وضجيجهم بالدعاء مما يكون أقرب إلى الإجابة، وأعظم في الهيبة والوقار، إلى غير ذلك من الحكم والمصالح الجمة الكثيرة التي ضاق بنا الوقت عن تعدادها، وكلها تفوت بتفريق المؤمنين وتعداد جمعهم.
. فنصيحتي لكم ولجماعتكم العدول عن هذه الفكرة والتمشي على ما كان أسلافكم، واحتساب الأجر من الله بكثرة الخطا إلى المساجد، واجتماع المسلمين، وما هي إلا نحو خمس وخمسين مرة في السنة الكاملة، ثم الإنسان لا يعلم مقامه في الدنيا فقد لا يدرك هذه المدة، ثم يذهب يسعى لما قد يجر الوبال عليه.
أسأل الله لي ولكم التوفيق لما يحب ويرضى، وأن يجمع قلوبنا على المحبة والقيام بحقه، وأن يهب لنا منه رحمة إنه هو الوهاب، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى ورسائل الشيخ محمد صالح العثيمين - المجلد السادس عشر - كتاب صلاة الجمعة.