حكم إحياء ليلة النصف من شعبان وصيام يومها

عبد الله بن عبد العزيز العقيل

  • التصنيفات: فقه الصيام -
السؤال: سائل يسأل عما ورد في فضل ليلة النصف من شعبان، وعن حكم إحيائها بالصلاة، والذكر، والدعاء. هل هو مشروع أم لا، سواء فعل ذلك جماعة أو أفراد، وعن حكم الصيام يوم النصف من شعبان وحده؟
الإجابة: ورد في فضل ليلة النصف من شعبان أحاديث متعددة. يقول الحافظ ابن رجب في كتابه (لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف) (1):

اخْتُلِفَ فيها فضعفها الأكثرون، وصحح ابن حبان بعضها، وخرجه في (صحيحه).

ومن أَمْثَلِها: حديث عائشة رضي الله عنها. قالت: فقدتُّ النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فخرجت أطلبه، فإذا هو بالبقيع، رافعًا رأسه إلى السماء. فقال: "أكنت تخافين أن يحيف الله عليك ورسوله؟" فقلت: يا رسول الله، ظننت أنك أتيت بعض نسائك. فقال: "إن الله تبارك وتعالى ينزل ليلة النصف من شعبان إلى السماء الدنيا، فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم كلب" (خرّجه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه) (2)، وذكر الترمذي عن البخاري أنه ضعفه.

وخرج ابن ماجه (3) بسند ضعيف من حديث أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله ليطلع في ليلة النصف من شعبان، فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن".

وخرج الإمام أحمد (4) من حديث عبد الله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله ليطلع إلى خلقه ليلة النصف من شعبان، فيغفر لعباده، إلا اثنين، مشاحن، أو قاتل نفس"، وخرجه ابن حبان في (صحيحه) (5) من حديث معاذ، مرفوعًا.

ويروى من حديث عثمان بن أبي العاص، مرفوعًا: "إذا كان ليلة النصف من شعبان، نادى مناد: هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من سائل فأعطيه؟ فلا يسأل أحد شيئًا إلا أعطي، إلا زانية بفرجها، أو مشرك" (6).

قال ابن رجب: وفي الباب أحاديث أخرى، فيها ضعف.أ.هـ.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في (اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم): وقد روي في فضلها -أي ليلة النصف من شعبان- من الأحاديث المرفوعة والآثار ما يقتضي أنها ليلة مفضلة.

قال: ومن العلماء من السلف من أهل المدينة وغيرهم مِن الخلف مَن أنكر فضلها، وطعن في الأحاديث الواردة فيها كحديث: "إن الله يغفر فيها لأكثر من عدد شعر غنم بني كلب"، وقال: لا فرق بينها وبين غيرها، لكن الذي عليه كثير من أهل العلم -أو أكثرهم من أصحابنا وغيرهم- على تفضيلها. وعليه يدل نص أحمد؛ لتعدد الأحاديث الواردة فيها، وما يُصَدِّقُ ذلك من الآثار السلفية. وقد روي بعض فضائلها في (المسانيد) و(السنن)، وإن كان قد وضع فيها أشياء أخرى.أ.هـ.

قلت: ومما وضع فيها: تفسير الليلة المباركة في قوله تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ} (7) بأنها ليلة النصف من شعبان، فإن هذا مخالف لقوله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْءَانُ} (8)، وقوله تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} (9).

أما تخصيص ليلة نصف شعبان بالصلاة والذكر، ففي (لطائف المعارف) (10) لابن رجب أنه لم يثبت فيه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أصحابه، وإنما يثبت عن بعض التابعين من أهل الشام كخالد بن معدان، ومكحول، ولقمان بن عامر، وغيرهم: أنهم كانوا يعظمونها، ويجتهدون فيها في العبادة.

قال ابن رجب: وعنهم أخذ الناس فضلها وتعظيمها.

وقد قيل: إنه بلغهم في ذلك آثار إسرائيلية. فلما اشتهر ذلك عنهم اختلف الناس في ذلك. فمنهم من قبله ووافقهم على تعظيمها: منهم طائفة من عبّاد أهل البصرة وغيرهم. وأنكر ذلك أكثر علماء الحجاز، منهم عطاء وابن أبي مليكة. ونقله عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن فقهاء أهل المدينة. وهو قول أصحاب مالك وغيرهم. وقالوا: ذلك كله بدعة. واختلف علماء أهل الشام في صفة إحيائها على قولين:
- أحدهما: أنه يستحب إحياؤها جماعة في المسجد. كان خالد بن معدان، ولقمان بن عامر، وغيرهما يلبسون فيها أحسن ثيابهم، ويتبخرون، ويكتحلون، ويقومون في المسجد ليلتهم تلك. ووافقهم إسحاق بن راهويه على ذلك، وقال في قيامهم في المساجد جماعة: ليس ذلك ببدعة. نقله عنه حرب الكرماني في مسائله.
- والثاني: أنه يكره الاجتماع فيها في المساجد للصلاة والقصص والدعاء، ولا يكره أن يصلي الرجل فيها لخاصة نفسه. وهذا قول الأوزاعي -إمام أهل الشام وفقيههم وعالمهم- وهذا هو الأقرب إن شاء الله تعالى.أ.هـ. من (لطائف المعارف).

قلت: وقول الأوزاعي هو الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية. ففي (الاختيارات) (11) ما نصه: كان من السلف من يصلي فيها، لكن الاجتماع فيها لإحيائها في المساجد بدعة، وكذلك الصلاة الألفية.

وأما صيام يوم النصف من شعبان وحده، فمكروه. قال شيخ الإسلام في (الاقتضاء): أما صوم يوم النصف مفردًا فلا أصل له، بل إفراده مكروه، وكذلك اتخاذه موسما تُصنع فيه الأطعمة، وتظهر فيه الزينة: هو من المواسم المحدثة المبتدعة التي لا أصل لها. وكذلك ما قد أحدث في ليلة النصف من شعبان من الاجتماع العام للصلاة الألفية في المساجد الجامعة ومساجد الأحياء والدور والأسواق، فإن هذا الاجتماع لصلاة نافلة مقيدة بزمان وعدد وقدر من القراءة مكروه لم يشرع، فإن الحديث الوارد في الصلاة الألفية موضوع باتفاق أهل العلم بالحديث، وما كان هكذا لا يجوز استحباب صلاة بناء عليه.أ.هـ. وكلام أهل العلم في هذا كثير.

▪ والخلاصة: أن ليلة نصف شعبان لها فضل؛ نظرا لتعدد ما جاء فيها من الأحاديث المرفوعة والآثار السلفية، وأن إحياءها بالصلاة والذكر لا بأس به للرجل في خاصة نفسه بدون اجتماع لذلك. أما ما أُحْدِثَ فيها سوى ذلك مما تقدم ذكره فبدعة، والله أعلم.

___________________________________________

1 - ص (261).
2 - أحمد (6/ 238)، والترمذي (739)، وابن ماجه (1389) من حديث يزيد ابن هارون: أنا الحجاج بن أرطاة، عن يحيى بن أبي كثير، عن عروة، عن عائشة، به. قال البخاري: يحيى ابن أبي كثير لم يسمع من عروة، والحجاج لم يسمع من يحيى بن أبي كثير.
3 - ابن ماجه (1390) وهو ضعيف؛ لضعف عبد الله بن لهيعة، وفي إسناده اضطراب أيضًا.
4 - أحمد (2/ 176) من حديث ابن لهيعة: ثنا حُيي بن عبد الله، عن أبي عبد الرحمن الحُبُلِّيّ، عن عبد الله ابن عمرو مرفوعًا، به. قلت: فيه ابن لهيعة، وحيي ابن عبد الله، قال فيه البخاري: فيه نظر، وقال أحمد: أحاديثه مناكير، وقال ابن عدي: لابن لهيعة عنه بضعة عشر حديثًا عامتها مناكير.
5 - ابن حبان (5665) من حديث مكحول، عن مالك بن يخامر، عن معاذ بن جبل، مرفوعًا، به. قلت: إسناده منقطع، مكحول لم يلق مالك بن يخامر.
6 - البيهقي في (الشُّعب) (3836) من حديث هشام بن حسان، عن الحسن، عن عثمان بن أبي العاص مرفوعًا، به. قلت: الحسن لم يسمع من عثمان.
7 - سورة الدخان: الآية (3).
8 - سورة البقرة: الآية (185).
9 - سورة القدر: الآية (1).
10 - ص (263، 264).
11 - ص (65).