عدة المرأة المختلعة
حسام الدين عفانه
- التصنيفات: فقه الزواج والطلاق -
السؤال: ما هي عدة المرأة المختلعة من زوجها؟
الإجابة: الخلع هو أن تفتدي المرأة نفسها بمال تدفعه لزوجها، أو هو فراق الزوجة
على مال (معجم المصطلحات الفقهية 2/46-48، فتح الباري 9/490).
والخلع مشروع بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وانعقد الإجماع على ذلك، قال الله تعالى: {الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ولا يحل لكم أن تأخذوا مما ءاتيتموهن شيئاً إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون} [سورة البقرة الآية 229]، وقال تعالى: {وءاتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شيء منه نفساً فكلوه هنيئاً مريئاً} [سورة النساء الآية 4].
ويدل على مشروعية الخلع ما ورد في الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة ثابت بن قيس أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، ثابت بن قيس ما أعتب عليه في خلق ولا دين، ولكنني أكره الكفر في الإسلام؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " " قالت: نعم، قال رسول الله: " " (رواه البخاري)، وعن حبيبة بنت سهل الأنصارية أنها كانت تحت ثابت بن قيس بن شماس وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى الصبح، فوجد حبيبة بنت سهل على بابه في الغلس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " " فقالت: أنا حبيبة بنت سهل، قال: ما شأنك؟ قالت: لا أنا، ولا ثابت بن قيس -لزوجها- فلما جاء ثابت بن قيس قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " "، وقالت حبيبة: يا رسول الله كل ما أعطاني عندي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لثابت بن قيس: " "، فأخذ منها وجلست في أهلها (رواه أبو داود وقال الألباني صحيح. انظر صحيح سنن أبي داود 2/420)، وغير ذلك من الأدلة.
وقد اختلف أهل العلم في الخلع: هل هو طلاق أم فسخ؟ فالجمهور على أنه طلاق، وقال الإمام أحمد في المشهور عنه إن الخلع يعتبر فسخاً، وهو قول الشافعي في القديم ونقل عن ابن عباس وعثمان وعلي وعكرمة وطاووس وغيرهم.
وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية والعلامة ابن القيم.
وقد ترتب على اختلافهم في كونه طلاق أم فسخ خلافهم في عدة المختلعة، فذهب الجمهور إلى أن المختلعة تعتد عدة الطلاق ثلاثة قروء بناء على أن الخلع طلاق، وذهب الآخرون إلى أنها تعتد بحيضة بناء على أن الخلع فسخ، والقول الثاني قول قوي معتمد على أدلة صحيحة فمن ذلك حديث ابن عباس: أن امرأة ثابت بن قيس اختلعت منه فجعل النبي صلى الله عليه وسلم عدتها حيضة (رواه أبو داود والترمذي وغيرهما وقال الألباني صحيح انظر صحيح سنن أبي داود 2/420)، وقال الإمام الترمذي بعد أن روى حديث ابن عباس: "هذا حديث حسن غريب، واختلف أهل العلم في عدة المختلعة، فقال أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم: إن عدة المختلعة عدة المطلقة وهو قول سفيان الثوري وأهل الكوفة، وبه يقول أحمد وإسحاق، وقال بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم: عدة المختلعة حيضة، قال إسحاق: وإن ذهب ذاهب إلى هذا فهو مذهب قوي" (سنن الترمذي مع شرحه تحفة الأحوذي 4/306).
وعن الربيع بنت معوذ أنها اختلعت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أو أمرت أن تعتد بحيضة (رواه الترمذي وابن ماجة وهو حديث صحيح كما قال الألباني في صحيح سنن الترمذي 1/348).
وروى أبو داود عن ابن عمر قال: عدة المختلعة حيضة (وقال الألباني صحيح موقوف انظر صحيح سنن أبي داود 2/420).
وقال الإمام الخطابي معلقاً على قصة زوجة ثابت: "في هذا الحديث دليل على أن الخلع فسخ وليس بطلاق، ولو كان طلاقاً لاقتضي فيه شرائط الطلاق من وقوعه في طهر لم تمس فيه المطلقة، ومن كونه صادراً من قبل الزوج وحده من غير مرضاة المرأة، فلما لم يتعرف النبي صلى الله عليه وسلم الحال في ذلك فأذن له في مخالعتها في مجلسه ذلك دل على أن الخلع فسخ وليس بطلاق، ألا ترى أنه لما طلق ابن عمر زوجته وهي حائض أنكر عليه ذلك وأمر بمراجعتها وإمساكها حتى تطهر فيطلقها طاهراً قبل أن يمسها. وإلى هذا ذهب ابن عباس واحتج بقول الله تعالى: {الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان} [سورة البقرة الآية 229]، قال ثم ذكر الخلع فقال: {فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به} [سورة البقرة الآية 229]، ثم ذكر الطلاق فقال: {فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره} [سورة البقرة الآية 230]، فلو كان الخلع طلاقاً لكان الطلاق أربعاً، وإلى هذا ذهب طاووس وعكرمة وهو أحد قولي الشافعي وبه قال أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأبو ثور" (معالم السنن 3/219-220).
وقال الإمام الخطابي أيضاً معلقاً على قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس: "فجعل النبي صلى الله عليه وسلم عدتها حيضة"، قال: "هذا أدل شيء على أن الخلع فسخ وليس بطلاق، وذلك أن الله تعالى قال: {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء} فلو كانت مطلقة لم يقتصر لها على قرء واحد" (المصدر السابق 3/220).
وقال العلامة ابن القيم: "وفي أمره صلى الله عليه وسلم المختلعة. أن تعتد بحيضة واحدة دليل على حكمين، أحدهما: أنه لا يجب عليها ثلاث حيض بل تكفيها حيضة واحدة، وهذا كما أنه صريح السنة فهو مذهب أمير المؤمنين عثمان بن عفان وعبد الله بن عمر بن الخطاب والربيع بنت معوذ وعمها وهو من كبار الصحابة لا يعرف لهم مخالف منهم، كما رواه الليث بن سعد عن نافع مولى ابن عمر أنه سمع الربيع بنت معوذ بن عفراء وهي تخبر عبد الله بن عمر رضي الله عنه أنها اختلعت من زوجها على عهد عثمان بن عفان، فجاء عمها إلى عثمان بن عفان فقال له: إن ابنة معوذ اختلعت من زوجها اليوم أفتنتقل؟ فقال عثمان: "لتنتقل ولا ميراث بينهما ولا عدة عليها إلا أنها لا تنكح حتى تحيض حيضة خشية أن يكون بها حبل"، فقال عبد الله بن عمر: فعثمان خيرنا وأعلمنا، وذهب إلى هذا المذهب إسحاق بن راهويه والإمام أحمد في رواية عنه اختارها شيخ الإسلام ابن تيمية.
قال من نصر هذا القول: هو مقتضى قواعد الشريعة فإن العدة إنما جعلت ثلاث حيض ليطول زمن الرجعة فيتروى الزوج ويتمكن من الرجعة في مدة العدة، فإذا لم تكن عليها رجعة فالمقصود مجرد براءة رحمها من الحمل وذلك يكفي فيه حيضة كالاستبراء، قالوا: ولا ينتقض هذا علينا بالمطلقة ثلاثاً فإن باب الطلاق جعل حكم العدة فيه واحدا بائنة ورجعية.
قالوا: وهذا دليل على أن الخلع فسخ وليس بطلاق، وهو مذهب ابن عباس وعثمان والربيع وعمها، ولا يصح عن صحابي أنه طلاق البتة، فروى الإمام أحمد عن يحيى بن سعيد عن سفيان عن عمرو عن طاووس عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: الخلع تفريق وليس بطلاق. وذكر عبد الرزاق عن سفيان عن عمرو عن طاووس أن إبراهيم بن سعد بن أبي وقاص سأله عن رجل طلق امرأته تطليقتين ثم اختلعت منه أينكحها؟ قال ابن عباس: نعم ذكر الله الطلاق في أول الآية وآخرها والخلع بين ذلك" (زاد المعاد 5/196-198).
وقال العلامة ابن القيم أيضاً: "وهذا كما أنه موجب السنة وقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وموافق لأقوال الصحابة فهو مقتضى القياس، فإنه استبراء لمجرد العلم ببراءة الرحم، فكفت فيه حيضة كالمسبية والأمة المستبرأة والحرة والمهاجرة والزانية إذا أرادت أن تنكح" (المصدر السابق 5/679).
.. ويجب أن يعلم أنه لا يجوز للمرأة المسلمة أن تطلب الطلاق أو الخلع من زوجها بدون عذر شرعي مقبول، فقد ورد في الحديث عن ثوبان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " " (رواه أصحاب السنن وصححه ابن خزيمة)، وورد في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي قال: " " (رواه أحمد والنسائي وهو حديث صحيح كما قال الألباني في صحيح سنن النسائي 2/731. وصححه أيضا في السلسلة الصحيحة 2/210-214. وساق له عدة طرق).
.. وخلاصة الأمر: أن عدة المختلعة حيضة واحدة كما هو مقتضى السنة الثابتة، لأن الخلع فسخ وليس بطلاق، وإن قيل بأنه طلاق فيمكن أن تعتبر السنة فيه قد خصصت عموم قوله تعالى: {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء}، وإذا اعتدت المختلعة بحيضة واحدة فقد أصابت السنة، وإن اعتدت بثلاث حيضات فذلك أحوط خروجاً من الخلاف.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نقلاً عن موقع فضيلة الشيخ حفظه الله.
والخلع مشروع بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وانعقد الإجماع على ذلك، قال الله تعالى: {الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ولا يحل لكم أن تأخذوا مما ءاتيتموهن شيئاً إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون} [سورة البقرة الآية 229]، وقال تعالى: {وءاتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شيء منه نفساً فكلوه هنيئاً مريئاً} [سورة النساء الآية 4].
ويدل على مشروعية الخلع ما ورد في الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة ثابت بن قيس أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، ثابت بن قيس ما أعتب عليه في خلق ولا دين، ولكنني أكره الكفر في الإسلام؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " " قالت: نعم، قال رسول الله: " " (رواه البخاري)، وعن حبيبة بنت سهل الأنصارية أنها كانت تحت ثابت بن قيس بن شماس وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى الصبح، فوجد حبيبة بنت سهل على بابه في الغلس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " " فقالت: أنا حبيبة بنت سهل، قال: ما شأنك؟ قالت: لا أنا، ولا ثابت بن قيس -لزوجها- فلما جاء ثابت بن قيس قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " "، وقالت حبيبة: يا رسول الله كل ما أعطاني عندي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لثابت بن قيس: " "، فأخذ منها وجلست في أهلها (رواه أبو داود وقال الألباني صحيح. انظر صحيح سنن أبي داود 2/420)، وغير ذلك من الأدلة.
وقد اختلف أهل العلم في الخلع: هل هو طلاق أم فسخ؟ فالجمهور على أنه طلاق، وقال الإمام أحمد في المشهور عنه إن الخلع يعتبر فسخاً، وهو قول الشافعي في القديم ونقل عن ابن عباس وعثمان وعلي وعكرمة وطاووس وغيرهم.
وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية والعلامة ابن القيم.
وقد ترتب على اختلافهم في كونه طلاق أم فسخ خلافهم في عدة المختلعة، فذهب الجمهور إلى أن المختلعة تعتد عدة الطلاق ثلاثة قروء بناء على أن الخلع طلاق، وذهب الآخرون إلى أنها تعتد بحيضة بناء على أن الخلع فسخ، والقول الثاني قول قوي معتمد على أدلة صحيحة فمن ذلك حديث ابن عباس: أن امرأة ثابت بن قيس اختلعت منه فجعل النبي صلى الله عليه وسلم عدتها حيضة (رواه أبو داود والترمذي وغيرهما وقال الألباني صحيح انظر صحيح سنن أبي داود 2/420)، وقال الإمام الترمذي بعد أن روى حديث ابن عباس: "هذا حديث حسن غريب، واختلف أهل العلم في عدة المختلعة، فقال أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم: إن عدة المختلعة عدة المطلقة وهو قول سفيان الثوري وأهل الكوفة، وبه يقول أحمد وإسحاق، وقال بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم: عدة المختلعة حيضة، قال إسحاق: وإن ذهب ذاهب إلى هذا فهو مذهب قوي" (سنن الترمذي مع شرحه تحفة الأحوذي 4/306).
وعن الربيع بنت معوذ أنها اختلعت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أو أمرت أن تعتد بحيضة (رواه الترمذي وابن ماجة وهو حديث صحيح كما قال الألباني في صحيح سنن الترمذي 1/348).
وروى أبو داود عن ابن عمر قال: عدة المختلعة حيضة (وقال الألباني صحيح موقوف انظر صحيح سنن أبي داود 2/420).
وقال الإمام الخطابي معلقاً على قصة زوجة ثابت: "في هذا الحديث دليل على أن الخلع فسخ وليس بطلاق، ولو كان طلاقاً لاقتضي فيه شرائط الطلاق من وقوعه في طهر لم تمس فيه المطلقة، ومن كونه صادراً من قبل الزوج وحده من غير مرضاة المرأة، فلما لم يتعرف النبي صلى الله عليه وسلم الحال في ذلك فأذن له في مخالعتها في مجلسه ذلك دل على أن الخلع فسخ وليس بطلاق، ألا ترى أنه لما طلق ابن عمر زوجته وهي حائض أنكر عليه ذلك وأمر بمراجعتها وإمساكها حتى تطهر فيطلقها طاهراً قبل أن يمسها. وإلى هذا ذهب ابن عباس واحتج بقول الله تعالى: {الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان} [سورة البقرة الآية 229]، قال ثم ذكر الخلع فقال: {فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به} [سورة البقرة الآية 229]، ثم ذكر الطلاق فقال: {فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره} [سورة البقرة الآية 230]، فلو كان الخلع طلاقاً لكان الطلاق أربعاً، وإلى هذا ذهب طاووس وعكرمة وهو أحد قولي الشافعي وبه قال أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأبو ثور" (معالم السنن 3/219-220).
وقال الإمام الخطابي أيضاً معلقاً على قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس: "فجعل النبي صلى الله عليه وسلم عدتها حيضة"، قال: "هذا أدل شيء على أن الخلع فسخ وليس بطلاق، وذلك أن الله تعالى قال: {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء} فلو كانت مطلقة لم يقتصر لها على قرء واحد" (المصدر السابق 3/220).
وقال العلامة ابن القيم: "وفي أمره صلى الله عليه وسلم المختلعة. أن تعتد بحيضة واحدة دليل على حكمين، أحدهما: أنه لا يجب عليها ثلاث حيض بل تكفيها حيضة واحدة، وهذا كما أنه صريح السنة فهو مذهب أمير المؤمنين عثمان بن عفان وعبد الله بن عمر بن الخطاب والربيع بنت معوذ وعمها وهو من كبار الصحابة لا يعرف لهم مخالف منهم، كما رواه الليث بن سعد عن نافع مولى ابن عمر أنه سمع الربيع بنت معوذ بن عفراء وهي تخبر عبد الله بن عمر رضي الله عنه أنها اختلعت من زوجها على عهد عثمان بن عفان، فجاء عمها إلى عثمان بن عفان فقال له: إن ابنة معوذ اختلعت من زوجها اليوم أفتنتقل؟ فقال عثمان: "لتنتقل ولا ميراث بينهما ولا عدة عليها إلا أنها لا تنكح حتى تحيض حيضة خشية أن يكون بها حبل"، فقال عبد الله بن عمر: فعثمان خيرنا وأعلمنا، وذهب إلى هذا المذهب إسحاق بن راهويه والإمام أحمد في رواية عنه اختارها شيخ الإسلام ابن تيمية.
قال من نصر هذا القول: هو مقتضى قواعد الشريعة فإن العدة إنما جعلت ثلاث حيض ليطول زمن الرجعة فيتروى الزوج ويتمكن من الرجعة في مدة العدة، فإذا لم تكن عليها رجعة فالمقصود مجرد براءة رحمها من الحمل وذلك يكفي فيه حيضة كالاستبراء، قالوا: ولا ينتقض هذا علينا بالمطلقة ثلاثاً فإن باب الطلاق جعل حكم العدة فيه واحدا بائنة ورجعية.
قالوا: وهذا دليل على أن الخلع فسخ وليس بطلاق، وهو مذهب ابن عباس وعثمان والربيع وعمها، ولا يصح عن صحابي أنه طلاق البتة، فروى الإمام أحمد عن يحيى بن سعيد عن سفيان عن عمرو عن طاووس عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: الخلع تفريق وليس بطلاق. وذكر عبد الرزاق عن سفيان عن عمرو عن طاووس أن إبراهيم بن سعد بن أبي وقاص سأله عن رجل طلق امرأته تطليقتين ثم اختلعت منه أينكحها؟ قال ابن عباس: نعم ذكر الله الطلاق في أول الآية وآخرها والخلع بين ذلك" (زاد المعاد 5/196-198).
وقال العلامة ابن القيم أيضاً: "وهذا كما أنه موجب السنة وقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وموافق لأقوال الصحابة فهو مقتضى القياس، فإنه استبراء لمجرد العلم ببراءة الرحم، فكفت فيه حيضة كالمسبية والأمة المستبرأة والحرة والمهاجرة والزانية إذا أرادت أن تنكح" (المصدر السابق 5/679).
.. ويجب أن يعلم أنه لا يجوز للمرأة المسلمة أن تطلب الطلاق أو الخلع من زوجها بدون عذر شرعي مقبول، فقد ورد في الحديث عن ثوبان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " " (رواه أصحاب السنن وصححه ابن خزيمة)، وورد في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي قال: " " (رواه أحمد والنسائي وهو حديث صحيح كما قال الألباني في صحيح سنن النسائي 2/731. وصححه أيضا في السلسلة الصحيحة 2/210-214. وساق له عدة طرق).
.. وخلاصة الأمر: أن عدة المختلعة حيضة واحدة كما هو مقتضى السنة الثابتة، لأن الخلع فسخ وليس بطلاق، وإن قيل بأنه طلاق فيمكن أن تعتبر السنة فيه قد خصصت عموم قوله تعالى: {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء}، وإذا اعتدت المختلعة بحيضة واحدة فقد أصابت السنة، وإن اعتدت بثلاث حيضات فذلك أحوط خروجاً من الخلاف.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نقلاً عن موقع فضيلة الشيخ حفظه الله.