تنازل المطلقة عن حقها في الحضانة
حسام الدين عفانه
- التصنيفات: قضايا الزواج والعلاقات الأسرية -
السؤال: يقول السائل: إنه طلق زوجته طلاقاً بائناً بينونة كبرى، وله ولد منها
له من العمر أربع سنوات، وحضانة الولد لأمه كما تعلمون، وقد اتفق مع
مطلقته على أن تتنازل عن حقها في حضانة الولد مقابل مبلغ من المال
يدفعه لها، ويؤخذ الولد منها، فما الحكم في ذلك؟
الإجابة: الحضانة عند الفقهاء هي القيام على شؤون الولد وحفظه وتربيته
والاعتناء به في جميع مصالحه.
والحضانة واجبة شرعاً، قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: "كفالة الطفل وحضانته واجبة، لأنه يهلك بتركه، فيجب حفظه عن الهلاك كما يجب الإنفاق عليه وإنجاؤه من المهالك" (المغني 8/237).
ووجوب الحضانة قد يكون عينياً إذا لم يوجد إلا الحاضن أو مع وجود غيره ولكن الطفل لم يقبل غيره. وقد يكون وجوبها كفائياً إذا تعدد الحاضن.
ومما يدل على مشروعية الحضانة ما ورد في الحديث عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، أن امرأة قالت: يا رسول الله إن ابني هذا كان بطني له وعاء وثديي له سقاء وحجري له حواء، وإن أباه طلقني وأراد أن ينتزعه مني، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: " " (رواه أبو داود والحاكم وصححه ووافقه الذهبي، وقال الشيخ الألباني حديث حسن كما في صحيح سنن أبي داود 2/430، وحسنه الألباني أيضاً في إرواء الغليل 7/244).
وأخذاً من الحديث السابق وغيره اتفق العلماء على أن الأم أولى الناس بالحضانة ما دامت شروط الحضانة متحققة فيها، قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: "إن الزوجين إذا افترقا ولهما ولد طفل أو معتوه فأمه أولى الناس بكفالته إذا كملت الشرائط فيها ذكراً كان أو أنثى، وهذا قول يحيى الأنصاري والزهري والثوري ومالك والشافعي وأبي ثور وإسحق وأصحاب الرأي ولا نعلم أحداً خالفهم" (المغني 8/238).
وقد اختلف الفقهاء في صاحب حق الحضانة من هو؟ فذهب بعض الفقهاء إلى أن الحضانة حق للحاضن وذهب آخرون إلى أنها حق للمحضون، وترتب على هذا الاختلاف اختلافهم في مسائل منها إسقاط حق الحضانة، فعند الحنفية إذا اختلعت المرأة من زوجها على أن تترك ولدها عند الزوج فالخلع عندهم صحيح والشرط باطل، لأن هذا حق الولد أن يكون عند أمه ما دام محتاجاً إليها. وقد رجح العلامة ابن القيم أن الحضانة حق للحاضن (انظر زاد المعاد 5/451-452).
ومن العلماء من يرى أنه يجوز للحاضنة إسقاط حقها في الحضانة مقابل مال تتصالح عليه مع زوجها.
وقد سئل ابن رشد المالكي عن رجل طلق امرأته وله منها ولد تحضنه فواطأت زوجها -أبا الصبي- على أن أسقطت الحضانة بعوض أخذته هل ينفذ هذا العقد بينهما أم لا؟
فأجاب بما يلي: تصفحت سؤالك هذا، ووقفت عليه، والذي رأيت فيما سألت عنه على منهاج قول مالك الذي نعتقد صحته أن ذلك جائز، لأن الحضانة حق للأم إن شاءت أخذته وإن شاءت تركته، واختلف هل ذلك حق لها تنفرد به دون الابن أم لا؟ فقيل: إنها تنفرد به دونه. وقيل: إنها لا تنفرد به دونه وإن له فيها حقاً معها، لأنه إنما وجبت لها من أجل أنها أرفق به من أبيه وأرأف عليه منه، وهذا معنى ما يعبر به من الاختلاف في الحضانة. هل هي حق للأم أو للولد؟ فعلى القولين بأنها حق لها تنفرد به دون الابن يلزمها تركها له على عوض أو على غير عوض ولا يكون لها أن ترجع فيها. وعلى القول بأن ذلك حق للولد لا يلزمها تركها ويكون لها أن ترجع فيها إن تركتها أيضاً على عوض أو على غير عوض، وترجع في العوض إن كانت تركتها على عوض. ولا وجه لقول من منع ذلك واحتج بما ذكر لأن ما اتفقنا عليه إنما هو صلح صالحها بما أعطاها على أن أسلمت إليه ابنه وتركت له حقاً في حضانتها إياه. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " "، وليس في ترك الحضانة له بما بذل لها ذلك تحليل حرام أو تحريم حلال فوجب أن يجوز ذلك. وإنما جاز عند مالك وأصحابه رحمهم الله إذا خافت المرأة نشوز زوجها عليها وخشيت مفارقته إياها أن تترك له حقها الذي أوجب الله لها عليه في أن لا يؤثر عليها من سواها من أزواجه على مال يعطيها إياه، بدليل قول الله عز وجل: {وإن امرأة خافت من بعلها نشوزاً أو إعراضاً فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحاً والصلح خير} [سورة النساء الآية 128]، جاز أن تترك له حقها في حضانة ولدها منه على مال يعطيها إياه إذ لا فرق في المعنى بين الموضعين"، ثم ذكر ابن رشد كلاماً في الرد على من منع ذلك (انظر فتاوى ابن رشد 3/1546-1547، وانظر المعيار المعرب 4/518-520).
وقال الشيخ محمد عليش في (فتح العلي المالك): "وأما إذا أسقطت الحضانة بعد وجوبها فذلك لازم لها وسواء أسقطت ذلك بعوض، أو بغير عوض".
وما قرره ابن رشد المالكي ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية حيث قال: "وقياس المذهب عندي جواز أخذ العوض عن سائر حقوقها من القسم وغيره" (الاختيارات الفقهية ص249)، وهذا القول قول قوي وجيه، انظر (ضمان المنافع ص332).
.. وأخيراً ينبغي التنبيه إلى أنه وحسب قانون الأحوال الشخصية المعمول به في المحاكم الشرعية عندنا فإن الحاضنة إذا اتفقت مع مطلقها على التنازل عن حق الحضانة ثم رجعت عن ذلك ورفعت أمرها إلى القضاء فإن القاضي يحكم لها باستعادة حقها في حضانة الولد، لأن الحنفية يرون أن الحضانة حق للمحضون.
وخلاصة الأمر أنه لا مانع شرعاً من الاتفاق على تنازل الحاضنة عن حقها في الحضانة مقابل مال تأخذه من مطلقها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نقلاً عن موقع فضيلة الشيخ حفظه الله.
والحضانة واجبة شرعاً، قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: "كفالة الطفل وحضانته واجبة، لأنه يهلك بتركه، فيجب حفظه عن الهلاك كما يجب الإنفاق عليه وإنجاؤه من المهالك" (المغني 8/237).
ووجوب الحضانة قد يكون عينياً إذا لم يوجد إلا الحاضن أو مع وجود غيره ولكن الطفل لم يقبل غيره. وقد يكون وجوبها كفائياً إذا تعدد الحاضن.
ومما يدل على مشروعية الحضانة ما ورد في الحديث عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، أن امرأة قالت: يا رسول الله إن ابني هذا كان بطني له وعاء وثديي له سقاء وحجري له حواء، وإن أباه طلقني وأراد أن ينتزعه مني، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: " " (رواه أبو داود والحاكم وصححه ووافقه الذهبي، وقال الشيخ الألباني حديث حسن كما في صحيح سنن أبي داود 2/430، وحسنه الألباني أيضاً في إرواء الغليل 7/244).
وأخذاً من الحديث السابق وغيره اتفق العلماء على أن الأم أولى الناس بالحضانة ما دامت شروط الحضانة متحققة فيها، قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: "إن الزوجين إذا افترقا ولهما ولد طفل أو معتوه فأمه أولى الناس بكفالته إذا كملت الشرائط فيها ذكراً كان أو أنثى، وهذا قول يحيى الأنصاري والزهري والثوري ومالك والشافعي وأبي ثور وإسحق وأصحاب الرأي ولا نعلم أحداً خالفهم" (المغني 8/238).
وقد اختلف الفقهاء في صاحب حق الحضانة من هو؟ فذهب بعض الفقهاء إلى أن الحضانة حق للحاضن وذهب آخرون إلى أنها حق للمحضون، وترتب على هذا الاختلاف اختلافهم في مسائل منها إسقاط حق الحضانة، فعند الحنفية إذا اختلعت المرأة من زوجها على أن تترك ولدها عند الزوج فالخلع عندهم صحيح والشرط باطل، لأن هذا حق الولد أن يكون عند أمه ما دام محتاجاً إليها. وقد رجح العلامة ابن القيم أن الحضانة حق للحاضن (انظر زاد المعاد 5/451-452).
ومن العلماء من يرى أنه يجوز للحاضنة إسقاط حقها في الحضانة مقابل مال تتصالح عليه مع زوجها.
وقد سئل ابن رشد المالكي عن رجل طلق امرأته وله منها ولد تحضنه فواطأت زوجها -أبا الصبي- على أن أسقطت الحضانة بعوض أخذته هل ينفذ هذا العقد بينهما أم لا؟
فأجاب بما يلي: تصفحت سؤالك هذا، ووقفت عليه، والذي رأيت فيما سألت عنه على منهاج قول مالك الذي نعتقد صحته أن ذلك جائز، لأن الحضانة حق للأم إن شاءت أخذته وإن شاءت تركته، واختلف هل ذلك حق لها تنفرد به دون الابن أم لا؟ فقيل: إنها تنفرد به دونه. وقيل: إنها لا تنفرد به دونه وإن له فيها حقاً معها، لأنه إنما وجبت لها من أجل أنها أرفق به من أبيه وأرأف عليه منه، وهذا معنى ما يعبر به من الاختلاف في الحضانة. هل هي حق للأم أو للولد؟ فعلى القولين بأنها حق لها تنفرد به دون الابن يلزمها تركها له على عوض أو على غير عوض ولا يكون لها أن ترجع فيها. وعلى القول بأن ذلك حق للولد لا يلزمها تركها ويكون لها أن ترجع فيها إن تركتها أيضاً على عوض أو على غير عوض، وترجع في العوض إن كانت تركتها على عوض. ولا وجه لقول من منع ذلك واحتج بما ذكر لأن ما اتفقنا عليه إنما هو صلح صالحها بما أعطاها على أن أسلمت إليه ابنه وتركت له حقاً في حضانتها إياه. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " "، وليس في ترك الحضانة له بما بذل لها ذلك تحليل حرام أو تحريم حلال فوجب أن يجوز ذلك. وإنما جاز عند مالك وأصحابه رحمهم الله إذا خافت المرأة نشوز زوجها عليها وخشيت مفارقته إياها أن تترك له حقها الذي أوجب الله لها عليه في أن لا يؤثر عليها من سواها من أزواجه على مال يعطيها إياه، بدليل قول الله عز وجل: {وإن امرأة خافت من بعلها نشوزاً أو إعراضاً فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحاً والصلح خير} [سورة النساء الآية 128]، جاز أن تترك له حقها في حضانة ولدها منه على مال يعطيها إياه إذ لا فرق في المعنى بين الموضعين"، ثم ذكر ابن رشد كلاماً في الرد على من منع ذلك (انظر فتاوى ابن رشد 3/1546-1547، وانظر المعيار المعرب 4/518-520).
وقال الشيخ محمد عليش في (فتح العلي المالك): "وأما إذا أسقطت الحضانة بعد وجوبها فذلك لازم لها وسواء أسقطت ذلك بعوض، أو بغير عوض".
وما قرره ابن رشد المالكي ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية حيث قال: "وقياس المذهب عندي جواز أخذ العوض عن سائر حقوقها من القسم وغيره" (الاختيارات الفقهية ص249)، وهذا القول قول قوي وجيه، انظر (ضمان المنافع ص332).
.. وأخيراً ينبغي التنبيه إلى أنه وحسب قانون الأحوال الشخصية المعمول به في المحاكم الشرعية عندنا فإن الحاضنة إذا اتفقت مع مطلقها على التنازل عن حق الحضانة ثم رجعت عن ذلك ورفعت أمرها إلى القضاء فإن القاضي يحكم لها باستعادة حقها في حضانة الولد، لأن الحنفية يرون أن الحضانة حق للمحضون.
وخلاصة الأمر أنه لا مانع شرعاً من الاتفاق على تنازل الحاضنة عن حقها في الحضانة مقابل مال تأخذه من مطلقها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نقلاً عن موقع فضيلة الشيخ حفظه الله.