من تزوج بامرأة ثم أُخبر بأنها محرم له
محمد الحسن الددو الشنقيطي
- التصنيفات: فقه الزواج والطلاق -
السؤال: رجل تزوج امرأة بعد مضي زمن وكان قد رزق منها أبناء، فأخبر بأنها محرم
له، ما التصرف الشرعي الذي يلزم في هذه الحالة؟
الإجابة: إنه إذا ثبت لديه أن هذه المرأة أخته من الرضاعة أو ابنة أخيه أو ابنة
أخته من الرضاعة ونحو ذلك مما ينشر المحرمية، فالأولاد نسبهم صحيح
ثابت لا مطعن فيه، والنكاح قد انفصل كما لو كان طلقها أو حصلت فرقة،
فالنكاح فرقه أربعة أنواع لدى الفقهاء، الفرقة الأولى هي الطلاق، فهو
يفرق بين الزوجين، والفرقة الثانية هي الخلع، وقد اختلف فيه أهل العلم
هل هو طلاق أو فسخ، ومذهب الجمهور أنه فسخ، وعلى ذلك لا تترتب عليه
عدة ولا يترتب عليه ما يترتب على الطلاق، وعند المالكية هو طلاق بعوض،
طلاق مخصوص بكونه بعوض، كما قال خليل: الخلع طلاق بعوض، وعلى هذا يكون
كالطلاق فتلزم به العدة ويعد من الطلقات الثلاث، وأصل هذا الخلاف قول
الله تعالى: {والمطلقات يتربصن بأنفسهن
ثلاثة قروء ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن
بالله واليوم الآخر، وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا
إصلاحاً}، إلى أن قال بعد: {الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان
ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً إلا أن يخافا ألا يقيما
حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت
به تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون
* فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره}.
انظروا إلى الآيات: أولاً قال: {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء}: هذه الطلقة الأولى، إذا طلق الزوج امرأته فإنها تعتد بثلاثة قروء، {ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر}، والمقصود بما خلق الله في أرحامهن إما الحمل وإما الدم، فقالت طائفة من أهل العلم: المقصود بما خلق الله في أرحامهن هو الحمل، لأنها قد تكون حاملاً فلا تخرج من عدتها إلا بوضع حملها، وقالت طائفة: بل المقصود بما خلق الله في رحمها الدم، الذي هو دم الحيض، وعلى هذا لا يحل لها أن تكتم عنه حيضها لئلا تنتهي العدة وهو يريد مراجعتها قبل نهايتها، {وبعولتهن} أي أزواجهن {أحق بردهن في ذلك} أي في العدة، ما دامت في العدة فزوجها أحق بردها إلى العصمة، فلا يحتاج إلى عقد، ولا يحتاج إلى مهر ولا يحتاج إلى ولي لأن زوجها أحق، {وبعولتهن أحق بردهن في ذلك} معناه في مدة ذلك وهو العدة، إن أرادوا إصلاحاً، أي إصلاح البيت أو إصلاح الزوجة.
ثم ذكر الطلاق الثاني فقال: {الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان} فبين أن الطلقة الثانية إذا حصلت فالزوج مخير بين الارتجاع وبين المفارقة، فهي مثل الطلقة الأولى، ثم قال بعد ذلك: {ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله}، فذكر فرقة أخرى وهي الخلع، فقال: {فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به} فجعل ذلك خلعاً، وهذه الطلقة لم يعدها لأنه قال بعدها: {فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره} فذكر الطلقة الثالثة، ومن هنا فالذي يتتبع هذه الآيات يجد أربع طلقات إحداهن بعوض وثلاث بدون عوض، الطلقة الأولى: {والمطلقات}، الطلقة الثانية: {الطلاق مرتان}، الطلقة الثالثة: {فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به}، ولم يسمها الله طلاقاً، ثم قال: {فإن طلقها} أي الطلقة الثالثة، {فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره}، ولذلك أخذ الجمهور من هذه الآية أن الخلع ليس طلاقاً وإنما هو فسخ لا يترتب عليه ما يترتب على الطلاق.
وذهب المالكية إلى أن المقصود هنا أن الخلع يمكن أن يتم أولاً قبل أية طلقة، ويمكن أن يكون بعد طلقة واحدة ويمكن أن يكون بعد طلقتين، فليس له محل من ترتب الطلقات، ولذلك لم يسم طلاقاً هنا ولم يعد في هذا العد، لأنه من المحتمل أن يبدأ به أولاً، فيكون أول ما يقع بين الزوجين من الفراق خلعاً، ويمكن أن يكون قد طلقها وراجعها ثم يخالعها، ويمكن أن يكون هو الطلقة الثالثة، وحكمه مختلف عن حكم الطلقتين الأوليين عن حكم الطلقة الأولى والطلقة الثانية، ومختلف عن حكم الطلقة الثالثة، أما الطلقتان الأوليان فهو مختلف عنهما في أنه لا يحل معه الارتجاع، لابد معه من عقد وصداق وولي، وأما الطلقة الثالثة فحكمه مختلف عن حكمها في أن الطلقة الثالثة لا يحل له أن ينكحها حتى تتزوج زوجاً غيره ويدخل بها من نكاح صحيح ويطلقها وتعتد وتخرج من عدتها، وحينئذ يجوز له أن يتزوجها من جديد، أما الخلع فيجوز له أن يخالعها اليوم ويتزوجها غداً، لكن لابد من ولي ومهر وشهود، لابد من أركان النكاح، وبعد ذلك الفرقة الثالثة من فرق النكاح هي الموت، فالموت يفرق بين الزوجين ولذلك تلزم به العدة كما بين الله ذلك، فقال: {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشراً}، واختلف في بقية لواحق النكاح بعد الموت هل تستمر أم لا، فإذا توفي الرجل عن امرأته وهي حامل وبعد موته مباشرة ولدت، فانتهت عدتها فخطبها رجل آخر فتزوج بها، فلما حان تغسيل زوجها الأول جاءت لتغسله وهي زوجة الرجل الثاني هل يجوز هذا أم لا؟ فإذا قلنا هذه الفرقة لا يبقى بعدها أثر للنكاح لأنها قد دخلت في عصمة زوج آخر ولا يحل لها أن تجمع بين زوجين بالنكاح أبدا، فحينئذ لا ينبغي أن تغسله، وإذا قلنا: قد بقي من آثار النكاح العدة والميراث، فلها الحق أن تغسله كما لو لم تتزوج غيره، ومثل هذه الحالة ما إذا ماتت زوجة الرجل، وقبل أن تجهز تزوج بأختها، فهل يجوز له تغسيلها فيكون جامعاً بين الأختين بالنكاح، أو لا؟ هذا محل بحث لدى الفقهاء، وقد أشار إليه خليل رحمه الله في الجنائز إذ قال: "والأحب نفيه إن تزوج أختها أو تزوجت غيره"، والأحب نفيه معناه نفي الغسل والتجهيز إن تزوج أختها أو تزوجت غيره لئلا تجمع المرأة بين زوجين، ولئلا يجمع الرجل بين أختين، بالنكاح.
والفرقة الرابعة من فرق النكاح هي ظهور المحرمية، إذا ظهرت المحرمية بين الزوجين كالحالة المسؤول عنها هنا، فقد فرقت بينهما الشريعة المطهرة، لكن هذه الفرقة لا تقتضي أثراً رجعياً، فلا تبطل ما لها من الحقوق عليه، كما إذا كان الزوج قد سمى لزوجته مهراً محدداً وظهر الرضاع بينهما، فيجب في ذمته ذلك المهر لزوجته، وكذلك ثبوت النسب، فالأولاد نسبهم ثابت لا مطعن فيه، ولكن اختلف في الميراث لو مات هو وما زالت هي في عدتها من هذه الفرقة، هذه الفرقة هي بمثابة فرقة الطلاق فتعتد منها المرأة بثلاثة قروء إن كانت ممن تحيض، وإن كانت آيسة لكبر أو صغر فإنها تعتد بثلاثة أشهر، وإن كانت مرتابة فإنها تزيد على ذلك تسعة أشهر هي أمد الحمل ثم ثلاثة أشهر للعدة كما قال الله تعالى: {واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر} أي بعد التسعة فيكون الجميع سنة، وإن كانت حاملاً فعدتها بوضع حملها حتى لو كان ذلك في اليوم الموالي لحصول الفرقة، أو كانت في أول الحمل فسيستمر الحمل حتى نهايته وهي محبوسة في العدة، ومن كانت في العدة تجب نفقتها وسكناها، حتى تنتهي عدتها، وقد بين الله ذلك من حقوق الزوجات، فتجب نفقتها وسكناها حتى تنتهي عدتها لأنها محبوسة عن النكاح بسبب أثر ذلك الزواج.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نقلاً عن موقع فضيلة الشيخ حفظه الله.
انظروا إلى الآيات: أولاً قال: {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء}: هذه الطلقة الأولى، إذا طلق الزوج امرأته فإنها تعتد بثلاثة قروء، {ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر}، والمقصود بما خلق الله في أرحامهن إما الحمل وإما الدم، فقالت طائفة من أهل العلم: المقصود بما خلق الله في أرحامهن هو الحمل، لأنها قد تكون حاملاً فلا تخرج من عدتها إلا بوضع حملها، وقالت طائفة: بل المقصود بما خلق الله في رحمها الدم، الذي هو دم الحيض، وعلى هذا لا يحل لها أن تكتم عنه حيضها لئلا تنتهي العدة وهو يريد مراجعتها قبل نهايتها، {وبعولتهن} أي أزواجهن {أحق بردهن في ذلك} أي في العدة، ما دامت في العدة فزوجها أحق بردها إلى العصمة، فلا يحتاج إلى عقد، ولا يحتاج إلى مهر ولا يحتاج إلى ولي لأن زوجها أحق، {وبعولتهن أحق بردهن في ذلك} معناه في مدة ذلك وهو العدة، إن أرادوا إصلاحاً، أي إصلاح البيت أو إصلاح الزوجة.
ثم ذكر الطلاق الثاني فقال: {الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان} فبين أن الطلقة الثانية إذا حصلت فالزوج مخير بين الارتجاع وبين المفارقة، فهي مثل الطلقة الأولى، ثم قال بعد ذلك: {ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله}، فذكر فرقة أخرى وهي الخلع، فقال: {فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به} فجعل ذلك خلعاً، وهذه الطلقة لم يعدها لأنه قال بعدها: {فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره} فذكر الطلقة الثالثة، ومن هنا فالذي يتتبع هذه الآيات يجد أربع طلقات إحداهن بعوض وثلاث بدون عوض، الطلقة الأولى: {والمطلقات}، الطلقة الثانية: {الطلاق مرتان}، الطلقة الثالثة: {فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به}، ولم يسمها الله طلاقاً، ثم قال: {فإن طلقها} أي الطلقة الثالثة، {فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره}، ولذلك أخذ الجمهور من هذه الآية أن الخلع ليس طلاقاً وإنما هو فسخ لا يترتب عليه ما يترتب على الطلاق.
وذهب المالكية إلى أن المقصود هنا أن الخلع يمكن أن يتم أولاً قبل أية طلقة، ويمكن أن يكون بعد طلقة واحدة ويمكن أن يكون بعد طلقتين، فليس له محل من ترتب الطلقات، ولذلك لم يسم طلاقاً هنا ولم يعد في هذا العد، لأنه من المحتمل أن يبدأ به أولاً، فيكون أول ما يقع بين الزوجين من الفراق خلعاً، ويمكن أن يكون قد طلقها وراجعها ثم يخالعها، ويمكن أن يكون هو الطلقة الثالثة، وحكمه مختلف عن حكم الطلقتين الأوليين عن حكم الطلقة الأولى والطلقة الثانية، ومختلف عن حكم الطلقة الثالثة، أما الطلقتان الأوليان فهو مختلف عنهما في أنه لا يحل معه الارتجاع، لابد معه من عقد وصداق وولي، وأما الطلقة الثالثة فحكمه مختلف عن حكمها في أن الطلقة الثالثة لا يحل له أن ينكحها حتى تتزوج زوجاً غيره ويدخل بها من نكاح صحيح ويطلقها وتعتد وتخرج من عدتها، وحينئذ يجوز له أن يتزوجها من جديد، أما الخلع فيجوز له أن يخالعها اليوم ويتزوجها غداً، لكن لابد من ولي ومهر وشهود، لابد من أركان النكاح، وبعد ذلك الفرقة الثالثة من فرق النكاح هي الموت، فالموت يفرق بين الزوجين ولذلك تلزم به العدة كما بين الله ذلك، فقال: {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشراً}، واختلف في بقية لواحق النكاح بعد الموت هل تستمر أم لا، فإذا توفي الرجل عن امرأته وهي حامل وبعد موته مباشرة ولدت، فانتهت عدتها فخطبها رجل آخر فتزوج بها، فلما حان تغسيل زوجها الأول جاءت لتغسله وهي زوجة الرجل الثاني هل يجوز هذا أم لا؟ فإذا قلنا هذه الفرقة لا يبقى بعدها أثر للنكاح لأنها قد دخلت في عصمة زوج آخر ولا يحل لها أن تجمع بين زوجين بالنكاح أبدا، فحينئذ لا ينبغي أن تغسله، وإذا قلنا: قد بقي من آثار النكاح العدة والميراث، فلها الحق أن تغسله كما لو لم تتزوج غيره، ومثل هذه الحالة ما إذا ماتت زوجة الرجل، وقبل أن تجهز تزوج بأختها، فهل يجوز له تغسيلها فيكون جامعاً بين الأختين بالنكاح، أو لا؟ هذا محل بحث لدى الفقهاء، وقد أشار إليه خليل رحمه الله في الجنائز إذ قال: "والأحب نفيه إن تزوج أختها أو تزوجت غيره"، والأحب نفيه معناه نفي الغسل والتجهيز إن تزوج أختها أو تزوجت غيره لئلا تجمع المرأة بين زوجين، ولئلا يجمع الرجل بين أختين، بالنكاح.
والفرقة الرابعة من فرق النكاح هي ظهور المحرمية، إذا ظهرت المحرمية بين الزوجين كالحالة المسؤول عنها هنا، فقد فرقت بينهما الشريعة المطهرة، لكن هذه الفرقة لا تقتضي أثراً رجعياً، فلا تبطل ما لها من الحقوق عليه، كما إذا كان الزوج قد سمى لزوجته مهراً محدداً وظهر الرضاع بينهما، فيجب في ذمته ذلك المهر لزوجته، وكذلك ثبوت النسب، فالأولاد نسبهم ثابت لا مطعن فيه، ولكن اختلف في الميراث لو مات هو وما زالت هي في عدتها من هذه الفرقة، هذه الفرقة هي بمثابة فرقة الطلاق فتعتد منها المرأة بثلاثة قروء إن كانت ممن تحيض، وإن كانت آيسة لكبر أو صغر فإنها تعتد بثلاثة أشهر، وإن كانت مرتابة فإنها تزيد على ذلك تسعة أشهر هي أمد الحمل ثم ثلاثة أشهر للعدة كما قال الله تعالى: {واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر} أي بعد التسعة فيكون الجميع سنة، وإن كانت حاملاً فعدتها بوضع حملها حتى لو كان ذلك في اليوم الموالي لحصول الفرقة، أو كانت في أول الحمل فسيستمر الحمل حتى نهايته وهي محبوسة في العدة، ومن كانت في العدة تجب نفقتها وسكناها، حتى تنتهي عدتها، وقد بين الله ذلك من حقوق الزوجات، فتجب نفقتها وسكناها حتى تنتهي عدتها لأنها محبوسة عن النكاح بسبب أثر ذلك الزواج.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نقلاً عن موقع فضيلة الشيخ حفظه الله.