الأسباب المعينة على قيام الليل
الإسلام سؤال وجواب
- التصنيفات: فقه الصلاة -
السؤال: ما هي الأمور التي تساعد على قيام الليل ( التهجد )
الإجابة: الحمد لله
الأسباب المعينة على قيام الليل كثيرة منها :
الأسباب المعينة على قيام الليل كثيرة منها :
- الإخلاص لله تعالى : كما أمر الله تعالى بإخلاص العمل له دون ما
سواه : { وما أمروا إلا ليعبدوا الله
مخلصين له الدين } ، فكلما قوي إخلاص العبد كان أكثر توفيقاً
إلى الطاعات والقربات ، وفي حديث أبي بن كعب رضي الله عنه أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال : " " رواه
أحمد صحيح الجامع 2825 . قال مطرف بن عبدالله بن الشخير : صلاح العمل
بصلاح القلب ، وصلاح القلب بصلاح النية . قال ابن القيم رحمه الله :
وعلى قدر نية العبد وهمته ومراده ورغبته يكون توفيقه سبحانه وإعانته ،
فالمعونة من الله تنزل على العباد على قدر هممهم ونياتهم ورغبتهم
ورهبتهم ، والخذلان ينزل عليهم على حسب ذلك . ولذا حرص السلف الكرام
أشد الحرص على إخفاء الطاعات كقيام الليل ؛ سأل رجل تميم بن أوس
الداري رضي الله عنه فقال له : كيف صلاتك بالليل ؟ فغضب غضباً شديداً
ثم قال : والله لركعة أصليها في جوف الليل في السر أحب إلي من أن أصلي
الليل كله ، ثم أقصه على الناس . وكان أيوب السختياني يقوم الليل كله
، فإذا قرب الفجر رجع فاضطجع في فراشه ، فإذا طلع الصبح رفع صوته كأنه
قد قام تلك الساعة .
- أن يستشعر مريد قيام الليل أن الله تعالى يدعوه للقيام : فإذا
استشعر العبد أن مولاه يدعوه لذلك وهو الغني عن طاعة الناس جميعاً كان
ذلك أدعى للاستجابة ، قال تعالى : { يا
أيها المزمل قم الليل إلا قليلاً نصفه أو انقص منه قليلا أو زد عليه
ورتل القرآن ترتيلاً } ، قال سعد بن هشام بن عامر لعائشة رضي
الله عنها : أنبئيني عن قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت :
ألست تقرأ { يا أيها المزمل }
قلت : بلى ، فقالت : إن الله عز وجل افترض قيام الليل في أول هذه
السورة فقام النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه حولاً ، وأمسك الله
خاتمتها اثني عشر شهراً في السماء حتى أنزل الله في آخر هذه السورة
التخفيف ، فصار قيام الليل تطوعاً بعد فريضة . رواه مسلم .
- معرفة فضل قيام الليل : فمن عرف فضل هذه العبادة حرص على مناجاة
الله تعالى ، والوقوف بين يديه في ذلك الوقت ، ومما جاء في فضل هذه
العبادة ما ثبت من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال : " " رواه مسلم . وعن عبدالله بن عمرو رضي
الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " " متفق عليه . وعن عمرو بن عبسة أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال : " " رواه الترمذي والنسائي . وفي
حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "
" رواه أحمد وهو حسن ، صحيح
الترغيب 258 . وقيام الليل يطرد الغفلة عن القلب كما جاء في حديث عبد
الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال : من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين ، ومن قام بمائة آية كتب
من القانتين ، ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين " رواه أبوداود وابن
حبان وهو حسن ، صحيح الترغيب 635 . قال يحى بن معاذ : دواء القلب خمسة
أشياء : قراءة القرآن بالتفكر ، وخلاء البطن ، وقيام الليل ، والتضرع
عند السحر ، ومجالسة الصالحين .
- النظر في حال السلف والصالحين في قيام الليل ومدى لزومهم له : فقد
كان السلف يتلذذون بقيام الليل ، ويفرحون به أشد الفرح ، قال عبد الله
بن وهب : كل ملذوذ إنما له لذة واحدة ، إلا العبادة ، فإن لها ثلاث
لذات : إذا كنت فيها ، وإذا تذكّرتها ، وإذا أعطيت ثوابها . وقال محمد
بن المنكدر : ما بقي من لذات الدنيا إلا ثلاث : قيام الليل ، ولقاء
الإخوان ، والصلاة في جماعة . وقال ثابت البناني : ما شيء أجده في
قلبي ألذّ عندي من قيام الليل وقال يزيد الرقاشي : بطول التهجد تقر
عيون العابدين ، وبطول الظمأ تفرح قلوبهم عند لقاء الله . قال مخلد بن
حسين : ما انتبهت من الليل إلا أصبت إبراهيم بن أدهم يذكر الله ويصلي
، فأَغتمُّ لذلك ، ثم أتعزى بهذه الآية { ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل
العظيم } . وقال أبو عاصم النبيل : كان أبو حنيفة يسمى الوتد
لكثرة صلاته . وعن القاسم بن معين قال : قام أبو حنيفة ليلة بهذه
الآية { بل الساعة موعدهم والساعة أدهى
وأمر } يرددها ويبكي ، ويتضرع حتى طلع الصبح . وقال إبراهيم بن
شماس : كنت أرى أحمد بن حنبل يُحيي الليل وهو غلام . وقال أبو بكر
المروذي : كنت مع الإمام أحمد نحواً من أربعة أشهر بالعسكر ولا يدع
قيام الليل وقرآن النهار ، فما علمت بختمة ختمها ، وكان يسرّ ذلك .
وكان الإمام البخاري : يقوم فيتهجد من الليل عند السحر فيقرأ ما بين
النصف إلى الثلث من القرآن ، فيختم عند السحر في كل ثلاث ليال . وقال
العلامة ابن عبد الهادي يصف قيام شيخ الإسلام ابن تيمية : وكان في
ليله منفرداً عن الناس كلهم خالياً بربه ، ضارعاً مواظباً على تلاوة
القرآن ، مكرراً لأنواع التعبدات الليلية والنهارية ، وكان إذا دخل في
الصلاة ترتعد فرائصه وأعضاؤه حتى يميل يمنة ويسرة . وقال ابن رجب في
شيخه الإمام ابن القيم : وكان ذا عبادة وتهجد وطول صلاة إلى الغاية
القصوى ، ولم أشاهد مثله في عبادته وعلمه بالقرآن والحديث وحقائق
الإيمان . وقال الحافظ ابن حجر يصف شيخه الحافظ العراقي : وقد لازمته
، فلم أره ترك قيام الليل بل صار له كالمألوف .
- النوم على الجانب الأيمن : وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يرشد
أمته إلى النوم على الجانب الأيمن ، كما جاء في حديث أبي هريرة رضي
الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "
" متفق عليه . وعن البراء
بن عازب رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " " رواه الطبراني ، صحيح الجامع 4523 . قال الإمام ابن
القيم رحمه الله : وفي اضطجاعه صلى الله عليه وسلم على شقه الأيمن سر
، وهو أن القلب معلّق في الجانب الأيسر ، فإذا نام على شقه الأيسر
استثقل نوماً ، لأنه يكون في دعة واستراحة فيثقل نومه ، فإذا نام على
شقه الأيمن فإنه يقلق ولا يستغرق في النوم لقلق القلب وطلبه مستقره
وميله إليه . - النوم على طهارة : تقدم حديث البراء بن عازب رضي الله عنه وفيه أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال : "
" متفق عليه ، وعن معاذ بن جبل
رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " " رواه أبو داود وأحمد ، صحيح الجامع 5754 . وجاء من حديث
ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " " رواه الطبراني ،
قال المنذري : إسناد جيد ، صحيح الجامع 3831 . - التبكير بالنوم : النوم بعد العشاء مبكراً وصية نبوية ، وخصلة
حميدة ، وعادة صحية ومما جاء في فضله حديث أبي برزة الأسلمي رضي الله
عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستحب أن يؤخر العشاء ، وكان
يكره النوم قبلها والحديث بعدها " رواه البخاري ، نقل الحافظ ابن حجر
عن القاضي عياض في قوله : "وكان يكره النوم قبلها " قال : لأنه قد
يؤدي إلى إخراجها عن وقتها مطلقاً ، أو عن الوقت المختار ، والسمر
بعدها قد يؤدي إلى النوم قبل الصبح ، أو عن وقتها المختار ، أو عن
قيام الليل . وقال ابن رافع : كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه ينِشّ
الناس بدِرّته بعد العتمة ويقول : قوموا لعل الله يرزقكم صلاة . ومما
يتعلق بالنوم : اختيار الفراش المناسب ، وذلك بعدم المبالغة في حشو
الفراش ، وتليينه وتنعيمه لأن ذلك من أسباب كثرة النوم والغفلة ،
ومجلبة للكسل والدّعة ، وثبت من حديث عائشة رضي الله عنها قالت : كانت
وسادة النبي صلى الله عليه وسلم التي ينام عليها بالليل من أدم حشوها
ليف . رواه أبوداود وأحمد ، صحيح الجامع 4714 . وعن ابن عباس رضي الله
عنهما أن عمر بن الخطاب دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على
حصير قد أثر في جنبه الشريف فقال عمر : يا نبي الله لو اتخذت فراشاً
أوْثر من هذا ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : ما لي وللدنيا ، ما مثلي
ومثل الدنيا إلا كراكب سار في يوم صائف ، فاستظل تحت شجرة ساعة من
نهار ، ثم راح وتركها . رواه أحمد والحاكم ، صحيح الجامع 5545. وكان
علي بن بكار رحمه الله تفرش له جاريته فراشه ، فيلمسه بيده ثم يقول :
والله إنك لطيب ، والله إنك لبارد ، والله لا علوتك ليلتي ، ثم يقوم
يصلي إلى الفجر . ومن ذلك عدم الإفراط في النوم والاستغراق فيه ، قال
إبراهيم ابن أدهم : إذا كنت بالليل نائماً ، وبالنهار هائماً ، وفي
المعاصي دائماً ، فكيف تُرضي من هو بأمورك قائماً .
- المحافظة على الأذكار الشرعية قبل النوم : فإن هذه الأذكار حصن
حصين يقي بإذن الله من الشيطان ، ويعين على القيام ، ومن هذه الأذكار
، ما ثبت من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال : " " متفق عليه . وعن عائشة رضي الله عنها " { قل هو الله أحد } و { قل أعوذ برب الفلق } و { قل أعوذ برب الناس } " متفق
عليه .وعن أبي مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
" " متفق عليه . وعن أنس بن مالك رضي الله أن
النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه قال : " " رواه مسلم . وفي حديث أبي هريرة
رضي الله عنه وقصة الشيطان معه قال له : إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية
الكرسي { الله لا إله إلا هو الحي القيوم } حتى تختمها ، فإنه لن يزال
عليك من الله حافظ ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح ، فذكر ذلك أبو هريرة
للنبي صلى الله عليه وسلم فقال له : صدقك وهو كذوب " متفق عليه . وعن
علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لابنته
فاطمة رضي الله عنها لما جاءت إليه تطلب منه خادماً ، فقال لها ولعلي
: " متفق عليه .
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "
اقرأ { قل يا أيها الكافرون }
عند منامك ، فإنها براءة من الشرك " رواه البيهقي ، صحيح الجامع 1172
. وعن حفصة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أخذ
مضجعه جعل يده اليمنى تحت خده الأيمن وقال : رب قني عذابك يوم تبعث
عبادك " رواه أبو داود ، صحيح الجامع 4532 . وعن البراء بن عازب رضي
الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا أتيت إلى مضجعك
فتوضأ وضوءك للصلاة ، ثم اضطجع على شقك الأيمن ، ثم قل : اللهم أسلمت
نفسي إليك ، ووجهت وجهي إليك ، وفوضت أمري إليك ، وألجأت ظهري إليك ،
رغبة ورهبة إليك ، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك ، آمنت بكتابك الذي
أنزلت ، وبنبيك الذي أرسلت ، فإن متّ متّ على الفطرة ، واجعلهن آخر ما
تقول " متفق عليه . وينبغي كذلك أن يحافظ المسلم على الأذكار الشرعية
عند الاستيقاظ ، ومنها : ما ثبت من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال : "إذا استيقظ أحدكم فليقل : الحمد لله
الذي رد علي روحي ، وعافاني في جسدي ، وأذن لي بذكره " رواه الترمذي
والنسائي ، صحيح الجامع 326 . وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال : " " رواه
البخاري . قال الإمام ابن بطال : وعد الله على لسان نبيه صلى الله
عليه وسلم أن من استيقظ من نومه لَهِجاً بتوحيد ربه ، والإذعان له
بالملك ، والاعتراف بنعمه بحمده عليها ، وينزهه عما لا يليق به
بتسبيحه والخضوع له بالتكبير ، والتسليم له بالعجز عن القدرة إلا
بعونه ، أنه إذا دعاه أجابه ، وإذا صلى قبلت صلاته ، فينبغي لمن بلغه
هذا الحديث أن يغتنم العمل به ، ويخلص نيته لربه سبحانه وتعالى . وعن
البراء بن عازب رضي الله عنهما قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم
إذا استيقظ من نومه قال : " ر " رواه مسلم . وفي
حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا
استيقظ من الليل يمسح النوم عن وجهه بيده ، ثم ينظر إلى السماء ويقرأ
العشر آيات الخواتم من سورة آل عمران : { إن في خلق السماوات والأرض . } الآيات
. رواه مسلم ، قال الإمام النووي : فيه استحباب مسح أثر النوم عن
الوجه ، واستحباب قراءة هذه الآيات عند القيام من النوم .
- الحرص على نومة القيلولة بالنهار : وهي إما قبل الظهر أو بعده ،
فعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "
" رواه
الطبراني ، الصحيحة 2647 ، قال إسحاق بن عبدالله : القائلة من عمل أهل
الخير ، وهي مجمة للفؤاد مَقْواة على قيام الليل . ومرّ الحسن البصري
بقوم في السوق في وسط النهار فرأى صخبهم وضجيجهم فقال : أما يقيل
هؤلاء ، فقيل له : لا فقال : إني لأرى ليلهم ليل سوء . - اجتناب كثرة الأكل والشرب : فإن الإكثار منهما من العوائق العظيمة
التي تصرف المرء عن قيام الليل ، وتحول بينه وبينه كما جاء في حديث
المقدام بن معد يكرب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
" القيامة " رواه الحاكم ، صحيح الجامع 1190 . قال
سفيان الثوري : عليكم بقلة الأكل ، تملكوا قيام الليل . ورأى معقل بن
حبيب قوماً يأكلون كثيراً فقال : ما نرى أصحابنا يريدون أن يصلوا
الليلة . وقال وهب بن منبه : ليس من بني آدم أحب إلى شيطانه من الأكول
النوام .
" رواه الترمذي وابن ماجه ، صحيح الجامع
5674 . وعن أبي جحيفة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
لرجل تجشأ في مجلسه : أقصر من جشائك ، فإن أكثر الناس شبعاً في الدنيا
أكثرهم جوعاً يوم - مجاهدة النفس على القيام : وهذا من أعظم الوسائل المعينة على قيام
الليل لأن النفس البشرية بطبيعتها أمارة بالسوء تميل إلى كل شر ومنكر
فمن أطاعها فيما تدعو إليه قادته إلى الهلاك والعطب ، وقد أمرنا الله
تعالى بالمجاهدة فقال : { وجاهدوا في
الله حق جهاده }
وقال سبحانه : { والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين } وقال تعالى : { تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً } وعن فضالة بن عبيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " " رواه الترمذي وابن حبان ، الصحيحة 549 . وفي حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الرجل من أمتي يقوم من الليل يعالج نفسه إلى الطهور وعليه عُقَد ، فإذا وضأ يديه انحلت عقدة ، وإذا وضأ وجهه انحلت عقدة ، وإذا مسح رأسه انحلت عقدة ، وإذا وضأ رجليه انحلت عقدة ، فيقول الله عز وجل للذين من وراء الحجاب : انظروا إلى عبدي هذا يعالج نفسه ، ويسألني ، ما سألني عبدي فهو له " رواه أحمد وابن حبان ، صحيح الترغيب 627 . قال محمد بن المنكدر : كابدت نفسي أربعين عاماً حتى استقامت لي . وقال ثابت البناني : كابدت نفسي على قيام الليل عشرين سنة وتلذذت به عشرين سنة . وقال عمر بن عبد العزيز : أفضل الأعمال ما أكرهت عليه النفوس . وقال عبد الله بن المبارك : إن الصالحين فيما مضى كانت تواتيهم أنفسهم على الخير ، وإن أنفسنا لا تكاد تواتينا إلا على كره فينبغي لنا أن نكرهها . وقال قتادة : يا ابن آدم : إن كنت لا تريد أن تأتي الخير إلا بنشاط ، فإن نفسك إلى السآمة وإلى الفترة وإلى الملل أميل ، ولكن المؤمن هو المتحامل .
- اجتناب الذنوب والمعاصي : فإذا أراد المسلم أن يكون مما ينال شرف
مناجاة الله تعالى ، والأنس بذكره في ظلم الليل ، فليحذر الذنوب ،
فإنه لا يُوفّق لقيام الليل من تلطخ بأدران المعاصي ، قال رجل
لإبراهيم بن أدهم : إني لا أقدر على قيام الليل فصف لي دواء ؟ فقال :
لا تعصه بالنهار ، وهو يُقيمك بين يديه في الليل ، فإن وقوفك بين يديه
في الليل من أعظم الشرف ، والعاصي لا يستحق ذلك الشرف . وقال رجل
للحسن البصري : يا أبا سعيد : إني أبِيت معافى ، وأحب قيام الليل ،
وأعِدّ طهوري ، فما بالي لا أقوم ؟ فقال الحسن : ذنوبك قيدتْك . وقال
رحمه الله : إن العبد ليذنب الذنب فيحرم به قيام الليل ، وصيام النهار
. وقال الفضيل بن عياض : إذا لم تقدر على قيام الليل ، وصيام النهار ،
فأعلم أنك محروم مكبّل ، كبلتك خطيئتك .
- محاسبة النفس وتوبيخها على ترك القيام : فمحاسبة النفس من شعار
الصالحين ، وسمات الصادقين قال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما
قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون } . قال الإمام
ابن القيم : فإذا كان العبد مسئولاً ومحاسباً على كل شيء حتى على سمعه
وبصره وقلبه كما قال تعالى : { إن السمع
والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولاً } فهو حقيق أن يحاسب
نفسه قبل أن يناقش الحساب .
وقيام الليل عبادة تصل القلب بالله تعالى ، وتجعله قادراً على التغلب على مغريات الحياة الفانية ، وعلى مجاهدة النفس في وقت هدأت فيه الأصوات ، ونامت العيون وتقلب النّوام على الفرش . ولذا كان قيام الليل من مقاييس العزيمة الصادقة ، وسمات النفوس الكبيرة ، وقد مدحهم الله وميزهم عن غيرهم بقوله تعالى : { أمّن هو قانت آناء الليل ساجداً وقائماً يحذر الآخرة ويرجوا رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب } .
وقيام الليل سنة مؤكدة حث النبي صلى الله عليه وسلم على أدائها بقوله : " " رواه الترمذي وأحمد .
وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " " ، وقد حافظ النبي صلى الله عليه وسلم على قيام الليل ، ولم يتركه سفراً ولا حضراً ، وقام صلى الله عليه وسلم وهو سيد ولد آدم المغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر حتى تفطّرت قدماه ، فقيل له في ذلك فقال : " أفلا أكون عبداً شكوراً " متفق عليه .
وهكذا كان حال السلف الكرام عليه رحمة الله تعالى ؛ قال أبو الدرداء رضي الله عنه : صلوا ركعتين في ظلم الليل لظلمة القبور . وقال أحمد بن حرب : عجبت لمن يعلم أن الجنة تزيّن فوقه ، والنار تضرم تحته ، كيف نام بينهما . وكان عمر بن ذر إذا نظر إلى الليل قد أقبل قال : جاء الليل ، وللّيل مهابة ، والله أحق أن يهاب ، ولذا قال الفضيل بن عياض : أدركت أقواماً يستحيون من الله في سواد الليل من طول الهجعة إنما هو على الجنب فإذا تحرك قال : ليس هذا لكِ ، قومي خذي حظك من الآخرة . وقال الحسن : ما نعلم عملاً أشد من مكابدة الليل ، ونفقة المال ، فقيل له : ما بال المتهجدين من أحسن الناس وجوهاً ؟ قال : لأنهم خلو بالرحمن فألبسهم نوراً من نوره .
وكان نساء السلف يجتهدن في قيام الليل مشمرات للطاعة ، فأين نساء هذه الأيام عن تلك الأعمال العظام . قال عروة بن الزبير أتيت عائشة رضي الله عنها يوماً لأسلم عليها فوجدتها تصلي وتقرأ قوله تعالى : { فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم } ترددها وتبكي ، فانتظرتها فلما مللت من الانتظار ذهبت إلى السوق لحاجتي ثم رجعت إلى عائشة فإذا هي على حالتها الأولى تردد هذه الآية في صلاتها وتبكي . وفي حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : . رواه الحاكم ، صحيح الجامع 4227 . وقامت معاذة العدوية من التابعيات الصالحات ليلة زفافها هي وزوجها صلة بن أشيم يصليان إلى الفجر ، ولما قتل زوجها وابنها في أرض الجهاد ، كانت تحيي الليل كله صلاة وعبادة وتضرعاً ، وتنام بالنهار ، وكانت إذا نعست في صلاتها بالليل قالت لنفسها : يا نفس النوم أمامك . وكانت حبيبة العدوية إذا صلت العشاء ، قامت على سطح دارها وقد شدت عليها درعها وخمارها ، ثم تقول : إلهي ، غارت النجوم ، ونامت العيون ، وغلقت الملوك أبوابها ، وبابك مفتوح ، وخلا كل حبيب بحبيبه ، وهذا مقامي بين يديك ، ثم تقبل على صلاتها ومناجاتها لربها إلى السحر ، فإذا جاء السحر قالت : اللهم هذا الليل قد أدبر ، وهذا النهار قد أسفر ، فليت شعري هل قبلت مني ليلتي فأهني ، أم رددتها علي فأعزي . وقامت عمرة زوج حبيب العجمي ذات ليلة تصلي من الليل ، وزوجها نائم ، فلما دنا السحر ، ولم يزل زوجها نائماً ، أيقظته وقالت له : قم يا سيدي ، فقد ذهب الليل ، وجاء النهار ، وبين يديك طريق بعيد وزاد قليل ، وقوافل الصالحين قد سارت قدامنا ، ونحن قد بقينا .
نسأل الله أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته ، وصلى الله على نبينا محمد .