زواج المسلم بامرأة غير مسلمة وبالعكس
عبد الله بن عبد العزيز العقيل
- التصنيفات: فقه الزواج والطلاق -
السؤال: سائل يسأل عن حكم تزوج المسلم بامرأة غير مسلمة، سواء كانت مشركة أو
مسيحية أو غيرهما، وعن تزوج المرأة المسلمة برجل غير مسلم سواء كان
مسيحيا أو مشركا أو غيره، ويطلب بسط الجواب على هذا.
لقد رأيت كلاما في هذا لبعض العلماء المعاصرين، وآثرت أن ألخص منه ما يتعلق بجواب سؤالكم اكتفاء به.
لقد رأيت كلاما في هذا لبعض العلماء المعاصرين، وآثرت أن ألخص منه ما يتعلق بجواب سؤالكم اكتفاء به.
الإجابة: قال جزاه الله خيرا: لا يخفى أن أفضل أنواع الزواج ما تلاقت عليه
الرغبات، وخلصت له القلوب، وتناجت به الأرواح. ومن ضرورة ذلك أن تتفق
العقيدة، وتتناسب الأخلاق، وتتحد الأهداف، وفي ظل ذلك التناسب يبسط
الزواج على الحياة الزوجية نسيج السكن، والمودة، والرحمة؛ فتطيب
الحياة وتسعد الأبناء والأسرة.
ولا يتحقق ذلك على الوجه الأكمل -في نظر الإسلام- إلا إذا اتفق الزوجان في الدين والعقيدة، وكانا مسلمين يأتمران بأمر الإسلام وينتهيان بنهيه، ويشد الإسلام ما بين قلبيهما من رباط.
أما إذا كان الزوج غير مسلم والزوجة مسلمة، أو كانت الزوجة غير مسلمة والزوج مسلما، فإن الحكم في الإسلام له وجه آخر.
فهو بالنسبة للفرض الأول: وهو أن يكون الزوج غير مسلم والزوجة مسلمة، فحكمه الحرمة القطعية والمنع البات، وهو من الأحكام التي أجمعت عليها الأمة من عهد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا، وصار منعه في الإسلام من الأحكام التي يقول عنها الفقهاء: إن العلم بها ضروري، يحكم على من أباحه بالخروج عن الدين.
أما الفرض الثاني وهو تزوج المسلم بغير المسلمة، فيجب أن يفرق أولاً- في غير المسلمة، بين المشركة التي لا تقر بالله ولا بكتاب سماوي، وبين الكتابية التي تعترف بالألوهية وتعترف بمبدأ رسالات الله إلى خلقه وتؤمن بيوم البعث والجزاء. فالإسلام يرى بالنسبة للمشركة أن زواجها باطل، ولا يحل لمسلم أن يبني معها حياة زوجية، وقد جاء ذلك المنع في صريح القرآن الذي لا يحتمل تأويلا، ومن هنا كان محل إجماع أيضا بين علماء الإسلام، ولم يُعرف لأحد منهم رأي يحله، وذلك قوله تعالى: {وََلا تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ} (1).
أما تزوج المسلم بالكتابية ذات الدين السماوي والكتاب الإلهي، فقد اختلف فيه علماء الإسلام فمنهم من أباحه؛ مستندا في ذلك إلى ظاهر قوله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ} (2)، قالوا: فَرَّقَت هذه الآية بين المشركة التي حرم الله التزوج بها، بقوله تعالى: {وَلَا تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} (3) وبين الكتابية؛ فأباحت التزوج بها. ومنهم من طرد المنع ورأى حرمة التزوج بالكتابية مطلقا، وأن شأنها شأن المشركة، ونُسب ذلك الرأي إلى عبد الله بن عمر وغيره، وبه يقول بعض التابعين، ودرج عليه بعض الأئمة رحمهم الله، وحجتهم في ذلك: أن الكتابية إذا غيرت وبدلت وأنكرت رسالة محمد عليه السلام، كانت داخلة في عموم المشركات، وإيمانها بالله فقط لا يخرجها عن دائرة الشرك، فإن الله تعالى يقول: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُم بِالله إِلَّا وَهُم مُّشْرِكُونَ} (4)، ويستندون أيضا في هذا المنع إلى الآيات الدالة على وجوب المباعدة عن الكفار كقوله تعالى: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} (5)، وقوله تعالى: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ} (6)، وقوله تعالى: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُواْ بِمَا جَاءَكُم مِّنَ الْحَقِّ} (7).
ولهم في تخريج قوله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ} (8) وجوه وآراء، ليس هذا موضعَ بسطها. وسواء أصح رأي هؤلاء بالحرمة والمنع أم صح رأي الأولين بالإباحة والجواز، من جهة النظر في مصادر التشريع، فإن رأي الذين أباحوا مبني على القاعدة الشرعية الطبيعية، وهي أن الرجل صاحب القِوامة على المرأة، وصاحب السلطان على التوجيه في الأسرة والأبناء، ومن شأن الزوج المسلم أن ينشئ أبناءه وأسرته على الأخلاق الإسلامية، وقد أبيح له أن يتزوج بغير المسلمة الكتابية؛ ليكون ذلك التزوج بمثابة رسول من رسل المحبة والألفة، فيزول ما في صدرها للإسلام من جفوة، وتلقى من حسن معاملة زوجها المسلم لها، ومن محاسن الإسلام وفضائله عن طريقٍ عملي مباشر، تجد أثره في راحتها وحريتها الدينية، وحصولها على حقوق الزوجية كاملة غير منقوصة، وهذه هي حكمة الإسلام في إباحة التزوج بالكتابية على رأي هؤلاء الذين يرون إباحته من جهة المصادر التشريعية.
أما إذا كان الزوج على ما نشاهده الآن في أحوال كثير من الرجال، وانسلخ الرجل عن حقه في القِوامة، وألقى بمقاليد نفسه وأسرته وأبنائه وبناته إلى زوجته الكتابية، فتصرفت فيه وفي أبنائه بمقتضى عقيدتها وعادتها، ووضع نفسه تحت رأيها، واتخذها قدوة له يتبعها، وقائدا يسير خلفها، ولا يرى نفسه إلا تابعا لها مسايرا لرأيها ومشورتها، فإن ذلك يكون عكسا للقضية، وقلبا للحكمة التي أحل الله لأجلها التزوج من الكتابيات، وهذا هو ما نراه اليوم في بعض المسلمين الذين يرغبون التزوج بنساء الإفرنج، لا لغاية سوى أنها إفرنجية تنتمي إلى شعب أوروبي، يزعم أن له رقيّاً فوق رقي المسلمين الذين ينتسب هو إليهم ويَعُدُّ نفسه واحدا منهم، فيتركها تذهب بأولاده إلى الكنيسة كما تشاء، وتسميهم بأسماء قومها كما تشاء، وتربط في صدورهم شعار اليهودية أو النصرانية، وترسم في حجرات منزلها وأمام أعين أولادها ما نعلم، وما لا نعلم، ثم بعد ذلك كله تنشئهم على ما لها من عادات في المأكل والمشرب والاختلاط وغير ذلك، مما لا يعرفه الإسلام ولا يرضاه، أو مما يعتبر الرضا به والسكوت عليه كفرا وخروجا عن الملة والدين.
وإذا كان الله قد حرم على المسلمة أن تتزوج بالكتابي؛ صوناً عن التأثر بسلطان زوجها وقِوامته عليها، فإن الإسلام يرى أن المسلم إذا شذ عن مركزه الطبيعي في الأسرة بحكم ضعفه، وألقى بمقاليد أمره بين يدي زوجته غير المسلمة، وجب منعه من التزوج بالكتابية، ويوجب في الوقت نفسه على الحكومة التي تدين بالإسلام ومبادئه في الزوجية، وتغار على قوميتها وشعائرها في أبنائها أن تضع لهؤلاء الذين ينسلخون عن مركزهم الطبيعي في الأسرة حدا يردهم عن غيهم.
ويكفي في المنع العام أن ترى الحكومة أكثرية الذين يتزوجون بأجنبيات يضعون أنفسهم من زوجاتهم هذا الوضع الذي يفسدون به أسرتهم.
إن حفظ مبادئ الدين لمَن أوجب الواجبات على الحكومة الإسلامية، وما ضعف المسلمون وانحلت روابطهم إلا بهذا الذوبان، الذي كثيرا ما كان منشؤه الافتتانَ برقي الأجنبية وتقدمها في تنظيم البيوت وتربية الأبناء، وهي في الواقع تعمل على هدم الكِيان وتقويض القومية، وقد كان يتم لها الأمر على أيدي هؤلاء السفهاء ضعافِ الإيمان، يؤازرهم في ذلك من يقرءون عليهم -من غير فهم ولا تدبر ولا إدراك لحكمة التشريع- قوله تعالى: {والْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ} (9). وكم لعبت الزوجة الكتابية من أدوار في خدمة أمتها وحكومتها، وهي مقيمة في بلاد الإسلام ترزق بخيراتها، وتنعم بحياتها تحت رجل مسلم غر خدعته، واتخذت منه جسرا تخطو على ظهره إلى نكبة بلاده، والعمل على تركيز قومها فيها.
إن العمل على تقييد هذا الحكم في التشريع الإسلامي -أو منعه منعا باتا- ألزمُ وأوجبُ مما ينادي به بعض المسلمين، ويرجون تشريعه: من تحديد سن الزواج للفتاة، وتقييد تعدد الزوجات، وتقييد الطلاق، ... وما إلى ذلك من النداءات النادرة التي ينشط لها كثير من أبناء المسلمين؛ سيرا وراء مدنية الغرب المظلمة.
ألا وإن انحلال الكثرة الغالبة ممن يميلون إلى التزوج بالكتابيات لمما يوجِب الوقوفَ أمام هذه الإباحة التي تتلقاها مطلقة؛ جهلا بغير علم، والتي أصبحت حالتنا تنادي بإلغائها، وأنها لا تتفق والغرض المقصود منها، ولا تتناسب مع نهضتنا الحالية التي قوامها الاحتفاظ بالتعاليم الإسلامية، وصونها عن عبث العابثين وهدف المغرضين الكائدين. والله الهادي إلى سواء السبيل.
___________________________________________
1 - سورة البقرة: الآية (221).
2 - سورة المائدة: الآية (5).
3 - سورة البقرة: الآية (221).
4 - سورة يوسف: الآية (106).
5 - سورة المائدة: الآية (51).
6 - سورة آل عمران: الآية (118).
7 - سورة الممتحنة: الآية (1).
8 - سورة المائدة: الآية (5).
9 - سورة المائدة: الآية (5).
ولا يتحقق ذلك على الوجه الأكمل -في نظر الإسلام- إلا إذا اتفق الزوجان في الدين والعقيدة، وكانا مسلمين يأتمران بأمر الإسلام وينتهيان بنهيه، ويشد الإسلام ما بين قلبيهما من رباط.
أما إذا كان الزوج غير مسلم والزوجة مسلمة، أو كانت الزوجة غير مسلمة والزوج مسلما، فإن الحكم في الإسلام له وجه آخر.
فهو بالنسبة للفرض الأول: وهو أن يكون الزوج غير مسلم والزوجة مسلمة، فحكمه الحرمة القطعية والمنع البات، وهو من الأحكام التي أجمعت عليها الأمة من عهد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا، وصار منعه في الإسلام من الأحكام التي يقول عنها الفقهاء: إن العلم بها ضروري، يحكم على من أباحه بالخروج عن الدين.
أما الفرض الثاني وهو تزوج المسلم بغير المسلمة، فيجب أن يفرق أولاً- في غير المسلمة، بين المشركة التي لا تقر بالله ولا بكتاب سماوي، وبين الكتابية التي تعترف بالألوهية وتعترف بمبدأ رسالات الله إلى خلقه وتؤمن بيوم البعث والجزاء. فالإسلام يرى بالنسبة للمشركة أن زواجها باطل، ولا يحل لمسلم أن يبني معها حياة زوجية، وقد جاء ذلك المنع في صريح القرآن الذي لا يحتمل تأويلا، ومن هنا كان محل إجماع أيضا بين علماء الإسلام، ولم يُعرف لأحد منهم رأي يحله، وذلك قوله تعالى: {وََلا تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ} (1).
أما تزوج المسلم بالكتابية ذات الدين السماوي والكتاب الإلهي، فقد اختلف فيه علماء الإسلام فمنهم من أباحه؛ مستندا في ذلك إلى ظاهر قوله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ} (2)، قالوا: فَرَّقَت هذه الآية بين المشركة التي حرم الله التزوج بها، بقوله تعالى: {وَلَا تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} (3) وبين الكتابية؛ فأباحت التزوج بها. ومنهم من طرد المنع ورأى حرمة التزوج بالكتابية مطلقا، وأن شأنها شأن المشركة، ونُسب ذلك الرأي إلى عبد الله بن عمر وغيره، وبه يقول بعض التابعين، ودرج عليه بعض الأئمة رحمهم الله، وحجتهم في ذلك: أن الكتابية إذا غيرت وبدلت وأنكرت رسالة محمد عليه السلام، كانت داخلة في عموم المشركات، وإيمانها بالله فقط لا يخرجها عن دائرة الشرك، فإن الله تعالى يقول: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُم بِالله إِلَّا وَهُم مُّشْرِكُونَ} (4)، ويستندون أيضا في هذا المنع إلى الآيات الدالة على وجوب المباعدة عن الكفار كقوله تعالى: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} (5)، وقوله تعالى: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ} (6)، وقوله تعالى: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُواْ بِمَا جَاءَكُم مِّنَ الْحَقِّ} (7).
ولهم في تخريج قوله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ} (8) وجوه وآراء، ليس هذا موضعَ بسطها. وسواء أصح رأي هؤلاء بالحرمة والمنع أم صح رأي الأولين بالإباحة والجواز، من جهة النظر في مصادر التشريع، فإن رأي الذين أباحوا مبني على القاعدة الشرعية الطبيعية، وهي أن الرجل صاحب القِوامة على المرأة، وصاحب السلطان على التوجيه في الأسرة والأبناء، ومن شأن الزوج المسلم أن ينشئ أبناءه وأسرته على الأخلاق الإسلامية، وقد أبيح له أن يتزوج بغير المسلمة الكتابية؛ ليكون ذلك التزوج بمثابة رسول من رسل المحبة والألفة، فيزول ما في صدرها للإسلام من جفوة، وتلقى من حسن معاملة زوجها المسلم لها، ومن محاسن الإسلام وفضائله عن طريقٍ عملي مباشر، تجد أثره في راحتها وحريتها الدينية، وحصولها على حقوق الزوجية كاملة غير منقوصة، وهذه هي حكمة الإسلام في إباحة التزوج بالكتابية على رأي هؤلاء الذين يرون إباحته من جهة المصادر التشريعية.
أما إذا كان الزوج على ما نشاهده الآن في أحوال كثير من الرجال، وانسلخ الرجل عن حقه في القِوامة، وألقى بمقاليد نفسه وأسرته وأبنائه وبناته إلى زوجته الكتابية، فتصرفت فيه وفي أبنائه بمقتضى عقيدتها وعادتها، ووضع نفسه تحت رأيها، واتخذها قدوة له يتبعها، وقائدا يسير خلفها، ولا يرى نفسه إلا تابعا لها مسايرا لرأيها ومشورتها، فإن ذلك يكون عكسا للقضية، وقلبا للحكمة التي أحل الله لأجلها التزوج من الكتابيات، وهذا هو ما نراه اليوم في بعض المسلمين الذين يرغبون التزوج بنساء الإفرنج، لا لغاية سوى أنها إفرنجية تنتمي إلى شعب أوروبي، يزعم أن له رقيّاً فوق رقي المسلمين الذين ينتسب هو إليهم ويَعُدُّ نفسه واحدا منهم، فيتركها تذهب بأولاده إلى الكنيسة كما تشاء، وتسميهم بأسماء قومها كما تشاء، وتربط في صدورهم شعار اليهودية أو النصرانية، وترسم في حجرات منزلها وأمام أعين أولادها ما نعلم، وما لا نعلم، ثم بعد ذلك كله تنشئهم على ما لها من عادات في المأكل والمشرب والاختلاط وغير ذلك، مما لا يعرفه الإسلام ولا يرضاه، أو مما يعتبر الرضا به والسكوت عليه كفرا وخروجا عن الملة والدين.
وإذا كان الله قد حرم على المسلمة أن تتزوج بالكتابي؛ صوناً عن التأثر بسلطان زوجها وقِوامته عليها، فإن الإسلام يرى أن المسلم إذا شذ عن مركزه الطبيعي في الأسرة بحكم ضعفه، وألقى بمقاليد أمره بين يدي زوجته غير المسلمة، وجب منعه من التزوج بالكتابية، ويوجب في الوقت نفسه على الحكومة التي تدين بالإسلام ومبادئه في الزوجية، وتغار على قوميتها وشعائرها في أبنائها أن تضع لهؤلاء الذين ينسلخون عن مركزهم الطبيعي في الأسرة حدا يردهم عن غيهم.
ويكفي في المنع العام أن ترى الحكومة أكثرية الذين يتزوجون بأجنبيات يضعون أنفسهم من زوجاتهم هذا الوضع الذي يفسدون به أسرتهم.
إن حفظ مبادئ الدين لمَن أوجب الواجبات على الحكومة الإسلامية، وما ضعف المسلمون وانحلت روابطهم إلا بهذا الذوبان، الذي كثيرا ما كان منشؤه الافتتانَ برقي الأجنبية وتقدمها في تنظيم البيوت وتربية الأبناء، وهي في الواقع تعمل على هدم الكِيان وتقويض القومية، وقد كان يتم لها الأمر على أيدي هؤلاء السفهاء ضعافِ الإيمان، يؤازرهم في ذلك من يقرءون عليهم -من غير فهم ولا تدبر ولا إدراك لحكمة التشريع- قوله تعالى: {والْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ} (9). وكم لعبت الزوجة الكتابية من أدوار في خدمة أمتها وحكومتها، وهي مقيمة في بلاد الإسلام ترزق بخيراتها، وتنعم بحياتها تحت رجل مسلم غر خدعته، واتخذت منه جسرا تخطو على ظهره إلى نكبة بلاده، والعمل على تركيز قومها فيها.
إن العمل على تقييد هذا الحكم في التشريع الإسلامي -أو منعه منعا باتا- ألزمُ وأوجبُ مما ينادي به بعض المسلمين، ويرجون تشريعه: من تحديد سن الزواج للفتاة، وتقييد تعدد الزوجات، وتقييد الطلاق، ... وما إلى ذلك من النداءات النادرة التي ينشط لها كثير من أبناء المسلمين؛ سيرا وراء مدنية الغرب المظلمة.
ألا وإن انحلال الكثرة الغالبة ممن يميلون إلى التزوج بالكتابيات لمما يوجِب الوقوفَ أمام هذه الإباحة التي تتلقاها مطلقة؛ جهلا بغير علم، والتي أصبحت حالتنا تنادي بإلغائها، وأنها لا تتفق والغرض المقصود منها، ولا تتناسب مع نهضتنا الحالية التي قوامها الاحتفاظ بالتعاليم الإسلامية، وصونها عن عبث العابثين وهدف المغرضين الكائدين. والله الهادي إلى سواء السبيل.
___________________________________________
1 - سورة البقرة: الآية (221).
2 - سورة المائدة: الآية (5).
3 - سورة البقرة: الآية (221).
4 - سورة يوسف: الآية (106).
5 - سورة المائدة: الآية (51).
6 - سورة آل عمران: الآية (118).
7 - سورة الممتحنة: الآية (1).
8 - سورة المائدة: الآية (5).
9 - سورة المائدة: الآية (5).