باب قدر الماء الذي يتوضأ به
محمد بن إدريس الشافعي
- التصنيفات: فقه الطهارة -
السؤال: باب قدر الماء الذي يتوضأ به
الإجابة: [قال الشافعي] رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك عن إسحاق بن عبد الله بن
أبي طلحة عن أنس بن مالك قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
وحانت صلاة العصر، فالتمس الناس الوضوء فلم يجدوه، فأتى رسول الله صلى
الله عليه وسلم بوضوء فوضع يده في ذلك الإناء، وأمر الناس أن يتوضئوا
منه، قال: فرأيت الماء ينبع من بين أصابعه فتوضأ الناس حتى توضئوا من
عند آخرهم.
[قال الشافعي]: في مثل هذا المعنى إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغتسل وبعض نسائه من إناء واحد، فإذا توضأ الناس معاً ففي هذا دليل على أنه لا وقت فيما يطهر من المتوضئ من الماء إلا الإتيان على ما أمر الله به من غسل ومسح، وكذلك إذا اغتسل الاثنان معاً فإذا أتى المرء على ما أمر الله تعالى به من غسل ومسح فقد أدى ما عليه قلّ الماء أو كثر، وقد يرفق بالماء القليل فيكفي ويخرق بالكثير فلا يكفي!! وأقل ما يكفي فيما أمر بغسله أن يأخذ له الماء ثم يجريه على الوجه واليدين والرجلين، فإن جرى الماء بنفسه حتى أتى على جميع ذلك أجزأه، وإن أمرّ به على يده وكان ذلك بتحريك له باليدين كان أنقى وكان أحب إليّ، وإن كان على شيء من أعضائه مشق، أو غيره مما يصبغ الجسد فأمر الماء عليه فلم يذهب لم يكن عليه إعادة غسل العضو إذا أجرى الماء عليه، فقد جاء بأقل ما يلزمه وأحب إليّ لو غسله حتى يذهب كله، وإن كان عليه علك أو شيء ثخين فيمنع الماء أن يصل إلى الجلد لم يجزه وضوء ذلك العضو حتى يزيل عنه ذلك أو يزيل منه ما يعلم أن الماء قد ماس معه الجلد كله لا حائل دونه، فأما الرأس فيأخذ من الماء بما شاء من يده ثم يمسح برأسه إذا وصل إليه أو شعره الذي عليه، فإن كان أيضاً دون ما يمسح من شعره حائل لم يجزه، وكذلك إن كان دون الرأس حائل ولا شعر عليه لم يجزه حتى يزيل الحائل فيباشر بالمسح رأسه أو شعره، وإن انغمس في ماء جار أو ناقع لا ينجس - انغماسة تأتي على جميع أعضاء الوضوء ينوي الطهارة بها أجزأه، وكذلك إن جلس تحت مصب ماء أو سرب للمطر أو مطر ينوي به الطهارة فيأتي الماء على جميع أعضاء الوضوء حتى لا يبقى منها شيء أجزأه.
ولا يجزئ الوضوء إلا بنية، ويكفيه من النية فيه أن يتوضأ ينوي طهارة من حدث أو طهارة لصلاة فريضة أو نافلة أو لقراءة مصحف أو صلاة على جنازة أو مما أشبه هذا مما لا يفعله إلا طاهر.
[قال]: ولو وضأ بعض أعضائه بلا نية ثم نوى في الباقي لم يجزه إلا أن يعود للذي وضأ بلا نية فيحدث له نية يجزئه بها الوضوء، قال أبو محمد: "ويغسل ما بعده"، وهو قول الشافعي في غير هذا الموضع ويغسل ما بعده.
[قال الشافعي]: وإذا قدم النية مع أخذه في الوضوء أجزأه الوضوء، فإن قدمها قبل ثم عزبت عنه لم يجزه، وإذا توضأ وهو ينوي الطهارة ثم عزبت عنه النية أجزأته نية واحدة، فيستبيح بها الوضوء ما لم يحدث نية أن يتبرد بالماء أو يتنظف بالماء لا يتطهر به، وإذا وضأ وجهه ينوي الطهارة ثم نوى بغسل يديه وما بقي من جسده التنظيف أو التبريد لا الطهارة لم يجزه الوضوء حتى يعود لغسل أعضائه التي أحدث فيها غير نية الطهارة فإذا وضأ نفسه أو وضأ غيره فسواء.
ويأخذ لكل عضو منه ماء غير الماء الذي أخذ للآخر، ولو مسح رأسه بفضل بلل وضوء يديه أو مسح رأسه ببلل لحيته لم يجزه، ولا يجزئه إلا ماء جديد.
[قال الربيع]: ولو غسل وجهه بلا نية طهارة للصلاة ثم غسل يديه بعد ومسح رأسه وغسل رجليه ينوي الطهارة، كان عليه أن يعيد غسل الوجه ينوي به الطهارة، وغسل ما بعد ذلك مما غسل لا ينوي به الطهارة حتى يأتي الوضوء على ما ذكر الله عز وجل من شيء قبل شيء، وإن كان غسل وجهه ينوي الطهارة ويديه ومسح برأسه ثم غسل رجليه لا ينوي الطهارة كان عليه أن يغسل الرجلين فقط الذي لم ينو بهما طهارة.
ولو توضأ بماء غمس فيه ثوباً ليست فيه نجاسة والماء بحاله لم يخلطه شيء يصير إليه مستهلكا فيه أجزأه الوضوء به.
ولو توضأ بفضل غيره أجزأه ولو توضأ بماء توضأ به رجل لا نجاسة على أعضائه لم يجزه؛ لأنه ماء قد توضئ به وكذلك لو توضأ بماء قد اغتسل فيه رجل والماء أقل من قلتين لم يجزه، وإن كان الماء خمس قرب أو أكثر فانغمس فيه رجل لا نجاسة عليه فتوضأ به أجزأه؛ لأن هذا لا يفسده، وإنما قلت لا يتوضأ رجل بماء قد توضأ به غيره؛ لأن الله عز وجل يقول: {فاغسلوا وجوهكم وأيديكم} فكان معقولاً أن الوجه لا يكون مغسولاً إلا بأن يبتدأ له ماء فيغسل به، ثم عليه في اليدين عندي مثل ما عليه في الوجه من أن يبتدئ له ماء فيغسله به، ولو أعاد عليه الماء الذي غسل به الوجه كأن لم يسو بين يديه ووجهه ولا يكون مسوياً بينهما حتى يبتدئ لهما الماء كما ابتدأ لوجهه، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ لكل عضو منه ماء جديداً.
ولو أصاب هذا الماء الذي توضأ به من غير نجاسة على البدن ثوب الذي توضأ به أو غيره أو صب على الأرض لم يغسل منه الثوب وصلى على الأرض؛ لأنه ليس بنجس فإن قال قائل فمن أين لم يكن نجساً؟! قيل: من قبل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ، ولا شك أن من الوضوء ما يصيب ثيابه، ولم نعلمه غسل ثيابه منه ولا أبدلها ولا علمت فعل ذلك أحد من المسلمين، فكان معقولاً إذا لم يماس الماء نجاسة لا ينجس، فإن قيل: فلم لا يتوضأ به إذا لم يكن نجساً؟! قيل: لما وصفنا، وإن على الناس تعبداً في أنفسهم بالطهارة من غير نجاسة تماس أبدانهم وليس على ثوب ولا على أرض تعبد ولا أن يماسه ماء من غير نجاسة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأم - كتاب الطهارة.
[قال الشافعي]: في مثل هذا المعنى إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغتسل وبعض نسائه من إناء واحد، فإذا توضأ الناس معاً ففي هذا دليل على أنه لا وقت فيما يطهر من المتوضئ من الماء إلا الإتيان على ما أمر الله به من غسل ومسح، وكذلك إذا اغتسل الاثنان معاً فإذا أتى المرء على ما أمر الله تعالى به من غسل ومسح فقد أدى ما عليه قلّ الماء أو كثر، وقد يرفق بالماء القليل فيكفي ويخرق بالكثير فلا يكفي!! وأقل ما يكفي فيما أمر بغسله أن يأخذ له الماء ثم يجريه على الوجه واليدين والرجلين، فإن جرى الماء بنفسه حتى أتى على جميع ذلك أجزأه، وإن أمرّ به على يده وكان ذلك بتحريك له باليدين كان أنقى وكان أحب إليّ، وإن كان على شيء من أعضائه مشق، أو غيره مما يصبغ الجسد فأمر الماء عليه فلم يذهب لم يكن عليه إعادة غسل العضو إذا أجرى الماء عليه، فقد جاء بأقل ما يلزمه وأحب إليّ لو غسله حتى يذهب كله، وإن كان عليه علك أو شيء ثخين فيمنع الماء أن يصل إلى الجلد لم يجزه وضوء ذلك العضو حتى يزيل عنه ذلك أو يزيل منه ما يعلم أن الماء قد ماس معه الجلد كله لا حائل دونه، فأما الرأس فيأخذ من الماء بما شاء من يده ثم يمسح برأسه إذا وصل إليه أو شعره الذي عليه، فإن كان أيضاً دون ما يمسح من شعره حائل لم يجزه، وكذلك إن كان دون الرأس حائل ولا شعر عليه لم يجزه حتى يزيل الحائل فيباشر بالمسح رأسه أو شعره، وإن انغمس في ماء جار أو ناقع لا ينجس - انغماسة تأتي على جميع أعضاء الوضوء ينوي الطهارة بها أجزأه، وكذلك إن جلس تحت مصب ماء أو سرب للمطر أو مطر ينوي به الطهارة فيأتي الماء على جميع أعضاء الوضوء حتى لا يبقى منها شيء أجزأه.
ولا يجزئ الوضوء إلا بنية، ويكفيه من النية فيه أن يتوضأ ينوي طهارة من حدث أو طهارة لصلاة فريضة أو نافلة أو لقراءة مصحف أو صلاة على جنازة أو مما أشبه هذا مما لا يفعله إلا طاهر.
[قال]: ولو وضأ بعض أعضائه بلا نية ثم نوى في الباقي لم يجزه إلا أن يعود للذي وضأ بلا نية فيحدث له نية يجزئه بها الوضوء، قال أبو محمد: "ويغسل ما بعده"، وهو قول الشافعي في غير هذا الموضع ويغسل ما بعده.
[قال الشافعي]: وإذا قدم النية مع أخذه في الوضوء أجزأه الوضوء، فإن قدمها قبل ثم عزبت عنه لم يجزه، وإذا توضأ وهو ينوي الطهارة ثم عزبت عنه النية أجزأته نية واحدة، فيستبيح بها الوضوء ما لم يحدث نية أن يتبرد بالماء أو يتنظف بالماء لا يتطهر به، وإذا وضأ وجهه ينوي الطهارة ثم نوى بغسل يديه وما بقي من جسده التنظيف أو التبريد لا الطهارة لم يجزه الوضوء حتى يعود لغسل أعضائه التي أحدث فيها غير نية الطهارة فإذا وضأ نفسه أو وضأ غيره فسواء.
ويأخذ لكل عضو منه ماء غير الماء الذي أخذ للآخر، ولو مسح رأسه بفضل بلل وضوء يديه أو مسح رأسه ببلل لحيته لم يجزه، ولا يجزئه إلا ماء جديد.
[قال الربيع]: ولو غسل وجهه بلا نية طهارة للصلاة ثم غسل يديه بعد ومسح رأسه وغسل رجليه ينوي الطهارة، كان عليه أن يعيد غسل الوجه ينوي به الطهارة، وغسل ما بعد ذلك مما غسل لا ينوي به الطهارة حتى يأتي الوضوء على ما ذكر الله عز وجل من شيء قبل شيء، وإن كان غسل وجهه ينوي الطهارة ويديه ومسح برأسه ثم غسل رجليه لا ينوي الطهارة كان عليه أن يغسل الرجلين فقط الذي لم ينو بهما طهارة.
ولو توضأ بماء غمس فيه ثوباً ليست فيه نجاسة والماء بحاله لم يخلطه شيء يصير إليه مستهلكا فيه أجزأه الوضوء به.
ولو توضأ بفضل غيره أجزأه ولو توضأ بماء توضأ به رجل لا نجاسة على أعضائه لم يجزه؛ لأنه ماء قد توضئ به وكذلك لو توضأ بماء قد اغتسل فيه رجل والماء أقل من قلتين لم يجزه، وإن كان الماء خمس قرب أو أكثر فانغمس فيه رجل لا نجاسة عليه فتوضأ به أجزأه؛ لأن هذا لا يفسده، وإنما قلت لا يتوضأ رجل بماء قد توضأ به غيره؛ لأن الله عز وجل يقول: {فاغسلوا وجوهكم وأيديكم} فكان معقولاً أن الوجه لا يكون مغسولاً إلا بأن يبتدأ له ماء فيغسل به، ثم عليه في اليدين عندي مثل ما عليه في الوجه من أن يبتدئ له ماء فيغسله به، ولو أعاد عليه الماء الذي غسل به الوجه كأن لم يسو بين يديه ووجهه ولا يكون مسوياً بينهما حتى يبتدئ لهما الماء كما ابتدأ لوجهه، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ لكل عضو منه ماء جديداً.
ولو أصاب هذا الماء الذي توضأ به من غير نجاسة على البدن ثوب الذي توضأ به أو غيره أو صب على الأرض لم يغسل منه الثوب وصلى على الأرض؛ لأنه ليس بنجس فإن قال قائل فمن أين لم يكن نجساً؟! قيل: من قبل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ، ولا شك أن من الوضوء ما يصيب ثيابه، ولم نعلمه غسل ثيابه منه ولا أبدلها ولا علمت فعل ذلك أحد من المسلمين، فكان معقولاً إذا لم يماس الماء نجاسة لا ينجس، فإن قيل: فلم لا يتوضأ به إذا لم يكن نجساً؟! قيل: لما وصفنا، وإن على الناس تعبداً في أنفسهم بالطهارة من غير نجاسة تماس أبدانهم وليس على ثوب ولا على أرض تعبد ولا أن يماسه ماء من غير نجاسة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأم - كتاب الطهارة.