هل يجوز مشاهدة الأناشيد المصورة فيديو كليب؟
محمد صالح المنجد
- التصنيفات: وسائل التكنولوجيا الحديثة -
السؤال: هل يجوز مشاهدة الأناشيد المصورة فيديو كليب؟ أليست تشبه أغاني
الكفار؟ فهل يجوز الفيديو كليب وظهور نساء سافرات يظهرهن الوجه
والكفين واستخدام المؤثرات الصوتية وظهور رجال حالقين للحية، فهل يجوز
ظهورهم؟ وجزاكم الله خيراً، أريد الرد باستفاضة.
الإجابة: الحمد لله:
أولاً: تغير النشيد عما كان عليه أولاً، نأسف أن وصلت الحال بالنشيد والمنشدين إلى هذه الحال، فبعد أن كانت الأناشيد ذات معان إيمانية أو جهادية أو علمية صارت الآن -في كثير منها- مشابهة لأغاني الفساق من حيث ترقيق الصوت، ووضع صورة المنشد على غلاف الشريط، وعمل الفيديو كليب معها والذي يحوي مخالفات مثل وجود النساء أو الفساق، ومن حيث استعمال المعازف والآلات الموسيقية، وأحسنهم حالاً من يستعمل المؤثرات التي تشبه في صوتها وأثرها الآلات الموسيقية، ولم يعد للمعاني أي اعتبار، بل يبحث عن اللحن والمؤثرات، وإلا فقل لي كيف يخرج منشد نشيداً باللغة الإنجليزية يطرب على لحنه المستمعون ولا يفهمون منه حرفاً؟!.
وقد طغت الأناشيد على غيرها من المواد المسموعة العلمية والنافعة، وكثرت الفرق الإنشادية في العالم الإسلامي، ولم تتردد تلك الفرق في نشر صور فريقها في الجرائد والمجلات بلباس موحد، ووجوه يعلن كثير منها مخالفة هدي النبي صلى الله عليه وسلم وذلك بحلقهم لحاهم.
وقد لهث خلف هذه الأناشيد بعض أهل القرآن ممن وهبهم الله صوتاً رائعاً، وقراءة خاشعة، تحزن القلب، وتدمع العين، فلهث بعض هؤلاء إلى النشيد وأخرجوا إصدارات مشينة لا تليق بمقامهم، فيخرج أحدهم في إصدار مع فساق حليقين، بل وتظهر صورة امرأة في نشيدة مع فيديو كليب، ويركز في هذه النشيدة المصورة على المنشد وهو في أحسن صورة وأجمل طلعة، وتقرب الكاميرا من وجهه، وينظر نظرات المغنين التي تمتلئ إثارة وتهييجاً.
ولسنا نبالغ، ولا نتكلم في غير الواقع، وهؤلاء المنشدون الذين نشروا صورهم وأرقام جوالاتهم يعلمون فتنة النساء بهم، ويعلمون ما أحدثته حركاتهم ونظراتهم وصورهم بتلك الفئة الضعيفة من البشر، وللأسف لم نر منهم إلا ازدياداً في الإنتاج لتلك الأناشيد المصورة.
ولذلك فإن بعض المشايخ الأجلاء الذين أباحوا النشيد في أول الأمر، ساءهم ما وصل إليه حال النشيد والمنشدين -وهذا قبل علمهم بالفيديو كليب- فتوقفوا عن القول بالجواز، أو وضعوا شروطاً للقول بالإباحة، ومن هؤلاء المشايخ الأجلاء: الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله.
1 - قال رحمه الله: "أرى الأناشيد الإسلامية تغيرت عن مجراها سابقاً، كانت بأصوات غير فاتنة، لكنها صارت الآن بأصوات فاتنة، وأيضا فخمت على أنغام الأناشيد الخبيثة الفاسدة، وقالوا: إنها تصحبها الدف، وهذا كله يقتضي أن الإنسان ينبغي أن يبتعد عنها، لكن لو جاءنا إنسان ينشد أناشيد لها هدف، وليس فيها شيء من سفاسف الأمور، وبصوته وحده بدون آلات لهو: هذا لا بأس به، وقد كان حسان بن ثابت ينشد الشعر في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم" (دروس وفتاوى الحرم المدني عام 1416 هـ، السؤال رقم 18).
2 - وقال رحمه الله أيضاً: "الأناشيد الإسلامية كثر الكلام حولها، وأنا لم أستمع إليها منذ مدة طويلة، وهي أول ما ظهرت كانت لا بأس بها، ليس فيها دفوف، وتؤدى تأدية ليس فيها فتنة، وليست على نغمات الأغاني المحرمة، لكن تطورت، وصار يسمع منها قرع يمكن أن يكون دفاً، ويمكن أن يكون غير دف، كما تطورت باختيار ذوي الأصوات الجميلة الفاتنة، ثم تطورت أيضاً حتى أصبحت تؤدى على صفة الأغاني المحرمة، لذلك: أصبح في النفس منها شيء وقلق، ولا يمكن للإنسان أن يفتي بأنها جائزة على كل حال، ولا بأنها ممنوعة على كل حال، لكن إن خلت من الأمور التي أشرت إليها: فهي جائزة، أما إذا كانت مصحوبة بدف، أو كانت مختاراً لها ذوو الأصوات الجميلة التي تفتن، أو أديت على نغمات الأغاني الهابطة؛ فإنه لا يجوز الاستماع إليها" (الصحوة الإسلامية ص 185).
3 - وقال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله: "أما ما تسمونه بالأناشيد الإسلامية: فقد أعطي أكثر مما يستحق من الوقت، والجهد، والتنظيم، حتى أصبح فناً من الفنون، يحتل مكاناً من المناهج الدراسية، والنشاط المدرسي، ويقوم أصحاب التسجيل بتسجيل كميات هائلة منه للبيع والتوزيع، حتى ملأ غالب البيوت، وأقبل على استماعه كثير من الشباب والشابات، حتى شغل كثيراً من وقتهم، وأصبح استماعه يزاحم تسجيلات القرآن الكريم، والسنة النبوية، والمحاضرات، والدروس العلمية المفيدة" (البيان لأخطاء بعض الكتاب ص 342).
4 - وقال الشيخ الألباني رحمه الله: "وإني لأذكر جيداً أنني لما كنت في دمشق -قبل هجرتي إلى هنا عمان- بسنتين أن بعض الشباب المسلم بدأ يتغنى ببعض الأناشيد السليمة المعنى، قاصداً بذلك معارضة غناء الصوفية بمثل قصائد البوصيري وغيرها، وسجل ذلك في شريط، فلم يلبث إلا قليلاً حتى قرن معه الضرب على الدف! ثم استعملوه في أول الأمر في حفلات الأعراس، على أساس أن الدف جائز فيها، ثم شاع الشريط، واستنسخت منه نسخ، وانتشر استعماله في كثير من البيوت، وأخذوا يستمعون إليه ليلاً نهاراً، بمناسبة وبغير مناسبة، وصار ذلك سلواهم وهجيراهم! وما ذلك إلا من غلبة الهوى والجهل بمكائد الشيطان، فصرفهم عن الاهتمام بالقرآن، وسماعه، فضلاً عن دراسته، وصار عندهم مهجوراً كما جاء في الآية الكريمة -أي: قوله تعالى: {وقال الرسول يا رب إن قوْمي اتخذوا هذا الْقرْآن مهْجورا} [الفرقان/30] (تحريم آلات الطرب ص 181، 182).
ومن المؤسف أن يصل الحال ببعض المتصدرين للفتوى بأن يفتي لنساء بالغات أن ينشدن أمام الرجال، بل في الفضائيات أمام الملايين! مع استعمال هذه المنشدة للآلات الموسيقية التي يحرمها الشرع، ويبيحها ذلك المفتي.
.. ثانياً: ضوابط وشروط النشيد الجائز:
وبتأمل كلام العلماء والمشايخ الثقات يمكننا جمع الضوابط والشروط الشرعية التي يجب تحققها حتى يكون النشيد جائزاً، ومن ذلك:
1 - أن تخلو كلمات النشيد من الكلام المحرم والتافه.
2 - أن لا يصاحب النشيد معازف أو آلات موسيقية، ولم يبح من المعازف إلا الدف للنساء في أحوال معينة.
3 - أن تخلو من المؤثرات الصوتية التي تشبه صوت الآلات الموسيقية؛ لأن العبرة بالظاهر والأثر، وتقليد الآلات المحرمة لا يجوز، وخاصة أن أثرها السيئ هو نفسه الذي تحدثه الآلات الحقيقية.
4 - أن لا تكون الأناشيد ديدنا للمستمع، وتستهلك وقته، وتؤثر على الواجبات والمستحبات، كتأثيرها على قراءة القرآن، والدعوة إلى الله.
5 - أن لا يكون المنشد امرأة أمام الرجال، أو رجلا فاتنا في هيئته أو صوته، أمام النساء.
6 - أن يتجنب سماع أصحاب الأصوات الرقيقة، والمتكسرين في أدائهم، والمتمايلين بأجسادهم، ففي ذلك كله فتنة، وتشبه بالفساق.
7 - تجنب الصور التي توضع على أغلفة أشرطتهم، وأولى من ذلك: تجنب ظهورهم بالفيديو كليب المصاحب لأناشيدهم، وخاصة ما يكون من بعضهم من حركات مثيرة، وتشبه بالمغنين الفاسقين.
8 - أن يكون القصد من النشيد الكلمات لا الألحان والطرب.
* وهذه كلمات أهل العلم التي تحتوي الضوابط والشروط السابقة:
1 - قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وبالجملة قد عرف بالاضطرار من دين الإسلام أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشرع لصالحي أمته وعبادهم وزهادهم أن يجتمعوا على استماع الأبيات الملحنة مع ضرب بالكف أو ضرب بالقضيب أو الدف، كما لم يبح لأحد أن يخرج عن متابعته واتباع ما جاء به من الكتاب والحكمة، لا في باطن الأمر ولا في ظاهره، ولا لعامي ولا لخاصي، ولكن رخص النبي صلى الله عليه وسلم في أنواع من اللهو في العرس ونحوه، كما رخص للنساء أن يضربن بالدف في الأعراس والأفراح.
وأما الرجال على عهده: فلم يكن أحد منهم يضرب بدف، ولا يصفق بكف، بل قد ثبت عنه في الصحيح أنه قال: " "، و " ".
ولما كان الغناء والضرب بالدف والكف من عمل النساء: كان السلف يسمون من يفعل ذلك من الرجال مخنثاً، ويسمون الرجال المغنين مخانيثاً، وهذا مشهور في كلامهم" انتهى (مجموع الفتاوى 11 / 565، 566).
2 - وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: "الأناشيد الإسلامية تختلف، فإذا كانت سليمة ليس فيها إلا الدعوة إلى الخير، والتذكير بالخير، وطاعة الله ورسوله، والدعوة إلى حماية الأوطان من كيد الأعداء، والاستعداد للأعداء ونحو ذلك: فليس فيها شيء، أما إذا كانت فيها غير ذلك من دعوة إلى المعاصي، واختلاط النساء بالرجال، أو تكشف عندهم، أو أي فساد: فلا يجوز استماعها" انتهى (مجموع فتاوى الشيخ ابن باز 3 / 437).
3 - وقال أيضاً رحمه الله: "الأناشيد الإسلامية مثل الأشعار؛ إن كانت سليمة: فهي سليمة، وإن كانت فيها منكر: فهي منكر... والحاصل أن البت فيها مطلقا ليس بسديد، بل ينظر فيها؛ فالأناشيد السليمة: لا بأس بها، والأناشيد التي فيها منكر، أو دعوة إلى منكر: منكرة" انتهى (شريط أسئلة وأجوبة الجامع الكبير رقم: 90 / أ).
4 - وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: "ويجوز لك أن تستعيض عن هذه الأغاني بأناشيد إسلامية، فيها من الحكم، والمواعظ، والعبر ما يثير الحماس والغيرة على الدين، ويهز العواطف الإسلامية، وينفر من الشر ودواعيه، لتبعث نفس من ينشدها، ومن يسمعها إلى طاعة الله، وتنفر من معصيته تعالى وتعدي حدوده إلى الاحتماء بحمى شرعه، والجهاد في سبيله، لكن لا يتخذ من ذلك ورْدا لنفسه يلتزمه، وعادة يستمر عليها، بل يكون ذلك في الفينة بعد الفينة عند وجود مناسبات ودواع تدعو إليه كالأعراس والأسفار للجهاد ونحوه، وعند فتور الهمم لإثارة النفس والنهوض بها إلى فعل الخير، وعند نزوع النفس إلى الشر وجموحها لردعها عنه وتنفيرها منه" انتهى (فتاوى إسلامية 4 / 533).
5 - وقال الشيخ الألباني رحمه الله: "بل قد يكون في هذا [أي: الأناشيد] آفة أخرى، وهي أنها قد تلحن على ألحان الأغاني الماجنة، وتوقع على القوانين الموسيقية الشرقية والغربية التي تطرب السامعين وترقصهم، وتخرجهم عن طورهم، فيكون المقصد هو اللحن والطرب، وليس النشيد بالذات، وهذه مخالفة جديدة، وهي التشبه بالكفار والمجان، وقد ينتج من وراء ذلك مخالفة أخرى، وهي التشبه بهم في إعراضهم عن القرآن وهجرهم إياه، فيدخلون في عموم شكوى النبي صلى الله عليه وسلم من قومه، كما في قوله تعالى: {وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا} انتهى (تحريم آلات الطرب ص 181).
6 - وقال أيضاً: "إذا كانت هذه الأناشيد ذات معان إسلامية، وليس معها شيء من المعازف، وآلات الطرب كالدفوف والطبول ونحوها: فهذا أمر لا بأس به، ولكن لابد من بيان شرط مهم لجوازها، وهو أن تكون خالية من المخالفات الشرعية؛ كالغلو، ونحوه، ثم شرط آخر، وهو عدم اتخاذها ديدناً؛ إذ ذلك يصرف سامعيها عن قراءة القرآن الذي ورد الحض عليه في السنة النبوية المطهرة، وكذلك يصرفهم عن طلب العلم النافع، والدعوة إلى الله سبحانه" انتهى (مجلة الأصالة - العدد الثاني، تاريخ 15 جمادى الآخرة 1413هـ).
7 - وسبق في جواب سابق ذكر جملة من الضوابط، نذكرها هنا للفائدة:
وهناك ضوابط تراعى في هذا الأمر:
- عدم استعمال الآلات والمعازف المحرمة في النشيد.
- عدم الإكثار منه وجعله ديدن المسلم وكل وقته، وتضييع الواجبات والفرائض لأجله.
- أن لا يكون بصوت النساء، وأن لا يشتمل على كلام محرم أو فاحش.
- وأن لا يشابه ألحان أهل الفسق والمجون.
- وأن يخلو من المؤثرات الصوتية التي تنتج أصواتاً مثل أصوات المعازف.
- وأن لا يكون ذا لحن يطرب وينتشي به السامع ويفتنه كالذين يسمعون الأغاني، وهذا كثير في الأناشيد التي ظهرت هذه الأيام، حتى لم يعد سامعوها يلتفتون إلى ما فيها من المعاني الجليلة لانشغالهم بالطرب والتلذذ باللحن.
وإننا لنربأ بإخواننا المنشدين والمقرئين أن يكونوا سبب فتنة الشباب والشابات، وسبباً في إلهائهم عن طاعة الله، وهم يعلمون كم لأصواتهم وصورهم من أثر سيء على الذكور والإناث، وجولة في عالم المنتديات ترى عجباً، ترى من تعشق منشداً، وترى من لا تستطيع النوم إلا على صوت فلان، وترى من تسمي نفسها: "عاشقة فلان" من المنشدين، وترى تعظيماً وتبجيلاً لأولئك المنشدين من النساء والرجال، فيعطون الألقاب والمنازل العالية، مع أن بعضهم ليس متديناً أصلاً، وبعضهم سقط في أوحال الغناء الماجن، وجولة أخرى في عالم المواقع الصوتية ترى عجباً آخر وهو الغلو في سماع وتحميل هذه الأناشيد، والزهد في سماع القرآن والمحاضرات النافعة!
نسأل الله أن يصلح أحوال الجميع، والله أعلم.
أولاً: تغير النشيد عما كان عليه أولاً، نأسف أن وصلت الحال بالنشيد والمنشدين إلى هذه الحال، فبعد أن كانت الأناشيد ذات معان إيمانية أو جهادية أو علمية صارت الآن -في كثير منها- مشابهة لأغاني الفساق من حيث ترقيق الصوت، ووضع صورة المنشد على غلاف الشريط، وعمل الفيديو كليب معها والذي يحوي مخالفات مثل وجود النساء أو الفساق، ومن حيث استعمال المعازف والآلات الموسيقية، وأحسنهم حالاً من يستعمل المؤثرات التي تشبه في صوتها وأثرها الآلات الموسيقية، ولم يعد للمعاني أي اعتبار، بل يبحث عن اللحن والمؤثرات، وإلا فقل لي كيف يخرج منشد نشيداً باللغة الإنجليزية يطرب على لحنه المستمعون ولا يفهمون منه حرفاً؟!.
وقد طغت الأناشيد على غيرها من المواد المسموعة العلمية والنافعة، وكثرت الفرق الإنشادية في العالم الإسلامي، ولم تتردد تلك الفرق في نشر صور فريقها في الجرائد والمجلات بلباس موحد، ووجوه يعلن كثير منها مخالفة هدي النبي صلى الله عليه وسلم وذلك بحلقهم لحاهم.
وقد لهث خلف هذه الأناشيد بعض أهل القرآن ممن وهبهم الله صوتاً رائعاً، وقراءة خاشعة، تحزن القلب، وتدمع العين، فلهث بعض هؤلاء إلى النشيد وأخرجوا إصدارات مشينة لا تليق بمقامهم، فيخرج أحدهم في إصدار مع فساق حليقين، بل وتظهر صورة امرأة في نشيدة مع فيديو كليب، ويركز في هذه النشيدة المصورة على المنشد وهو في أحسن صورة وأجمل طلعة، وتقرب الكاميرا من وجهه، وينظر نظرات المغنين التي تمتلئ إثارة وتهييجاً.
ولسنا نبالغ، ولا نتكلم في غير الواقع، وهؤلاء المنشدون الذين نشروا صورهم وأرقام جوالاتهم يعلمون فتنة النساء بهم، ويعلمون ما أحدثته حركاتهم ونظراتهم وصورهم بتلك الفئة الضعيفة من البشر، وللأسف لم نر منهم إلا ازدياداً في الإنتاج لتلك الأناشيد المصورة.
ولذلك فإن بعض المشايخ الأجلاء الذين أباحوا النشيد في أول الأمر، ساءهم ما وصل إليه حال النشيد والمنشدين -وهذا قبل علمهم بالفيديو كليب- فتوقفوا عن القول بالجواز، أو وضعوا شروطاً للقول بالإباحة، ومن هؤلاء المشايخ الأجلاء: الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله.
1 - قال رحمه الله: "أرى الأناشيد الإسلامية تغيرت عن مجراها سابقاً، كانت بأصوات غير فاتنة، لكنها صارت الآن بأصوات فاتنة، وأيضا فخمت على أنغام الأناشيد الخبيثة الفاسدة، وقالوا: إنها تصحبها الدف، وهذا كله يقتضي أن الإنسان ينبغي أن يبتعد عنها، لكن لو جاءنا إنسان ينشد أناشيد لها هدف، وليس فيها شيء من سفاسف الأمور، وبصوته وحده بدون آلات لهو: هذا لا بأس به، وقد كان حسان بن ثابت ينشد الشعر في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم" (دروس وفتاوى الحرم المدني عام 1416 هـ، السؤال رقم 18).
2 - وقال رحمه الله أيضاً: "الأناشيد الإسلامية كثر الكلام حولها، وأنا لم أستمع إليها منذ مدة طويلة، وهي أول ما ظهرت كانت لا بأس بها، ليس فيها دفوف، وتؤدى تأدية ليس فيها فتنة، وليست على نغمات الأغاني المحرمة، لكن تطورت، وصار يسمع منها قرع يمكن أن يكون دفاً، ويمكن أن يكون غير دف، كما تطورت باختيار ذوي الأصوات الجميلة الفاتنة، ثم تطورت أيضاً حتى أصبحت تؤدى على صفة الأغاني المحرمة، لذلك: أصبح في النفس منها شيء وقلق، ولا يمكن للإنسان أن يفتي بأنها جائزة على كل حال، ولا بأنها ممنوعة على كل حال، لكن إن خلت من الأمور التي أشرت إليها: فهي جائزة، أما إذا كانت مصحوبة بدف، أو كانت مختاراً لها ذوو الأصوات الجميلة التي تفتن، أو أديت على نغمات الأغاني الهابطة؛ فإنه لا يجوز الاستماع إليها" (الصحوة الإسلامية ص 185).
3 - وقال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله: "أما ما تسمونه بالأناشيد الإسلامية: فقد أعطي أكثر مما يستحق من الوقت، والجهد، والتنظيم، حتى أصبح فناً من الفنون، يحتل مكاناً من المناهج الدراسية، والنشاط المدرسي، ويقوم أصحاب التسجيل بتسجيل كميات هائلة منه للبيع والتوزيع، حتى ملأ غالب البيوت، وأقبل على استماعه كثير من الشباب والشابات، حتى شغل كثيراً من وقتهم، وأصبح استماعه يزاحم تسجيلات القرآن الكريم، والسنة النبوية، والمحاضرات، والدروس العلمية المفيدة" (البيان لأخطاء بعض الكتاب ص 342).
4 - وقال الشيخ الألباني رحمه الله: "وإني لأذكر جيداً أنني لما كنت في دمشق -قبل هجرتي إلى هنا عمان- بسنتين أن بعض الشباب المسلم بدأ يتغنى ببعض الأناشيد السليمة المعنى، قاصداً بذلك معارضة غناء الصوفية بمثل قصائد البوصيري وغيرها، وسجل ذلك في شريط، فلم يلبث إلا قليلاً حتى قرن معه الضرب على الدف! ثم استعملوه في أول الأمر في حفلات الأعراس، على أساس أن الدف جائز فيها، ثم شاع الشريط، واستنسخت منه نسخ، وانتشر استعماله في كثير من البيوت، وأخذوا يستمعون إليه ليلاً نهاراً، بمناسبة وبغير مناسبة، وصار ذلك سلواهم وهجيراهم! وما ذلك إلا من غلبة الهوى والجهل بمكائد الشيطان، فصرفهم عن الاهتمام بالقرآن، وسماعه، فضلاً عن دراسته، وصار عندهم مهجوراً كما جاء في الآية الكريمة -أي: قوله تعالى: {وقال الرسول يا رب إن قوْمي اتخذوا هذا الْقرْآن مهْجورا} [الفرقان/30] (تحريم آلات الطرب ص 181، 182).
ومن المؤسف أن يصل الحال ببعض المتصدرين للفتوى بأن يفتي لنساء بالغات أن ينشدن أمام الرجال، بل في الفضائيات أمام الملايين! مع استعمال هذه المنشدة للآلات الموسيقية التي يحرمها الشرع، ويبيحها ذلك المفتي.
.. ثانياً: ضوابط وشروط النشيد الجائز:
وبتأمل كلام العلماء والمشايخ الثقات يمكننا جمع الضوابط والشروط الشرعية التي يجب تحققها حتى يكون النشيد جائزاً، ومن ذلك:
1 - أن تخلو كلمات النشيد من الكلام المحرم والتافه.
2 - أن لا يصاحب النشيد معازف أو آلات موسيقية، ولم يبح من المعازف إلا الدف للنساء في أحوال معينة.
3 - أن تخلو من المؤثرات الصوتية التي تشبه صوت الآلات الموسيقية؛ لأن العبرة بالظاهر والأثر، وتقليد الآلات المحرمة لا يجوز، وخاصة أن أثرها السيئ هو نفسه الذي تحدثه الآلات الحقيقية.
4 - أن لا تكون الأناشيد ديدنا للمستمع، وتستهلك وقته، وتؤثر على الواجبات والمستحبات، كتأثيرها على قراءة القرآن، والدعوة إلى الله.
5 - أن لا يكون المنشد امرأة أمام الرجال، أو رجلا فاتنا في هيئته أو صوته، أمام النساء.
6 - أن يتجنب سماع أصحاب الأصوات الرقيقة، والمتكسرين في أدائهم، والمتمايلين بأجسادهم، ففي ذلك كله فتنة، وتشبه بالفساق.
7 - تجنب الصور التي توضع على أغلفة أشرطتهم، وأولى من ذلك: تجنب ظهورهم بالفيديو كليب المصاحب لأناشيدهم، وخاصة ما يكون من بعضهم من حركات مثيرة، وتشبه بالمغنين الفاسقين.
8 - أن يكون القصد من النشيد الكلمات لا الألحان والطرب.
* وهذه كلمات أهل العلم التي تحتوي الضوابط والشروط السابقة:
1 - قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وبالجملة قد عرف بالاضطرار من دين الإسلام أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشرع لصالحي أمته وعبادهم وزهادهم أن يجتمعوا على استماع الأبيات الملحنة مع ضرب بالكف أو ضرب بالقضيب أو الدف، كما لم يبح لأحد أن يخرج عن متابعته واتباع ما جاء به من الكتاب والحكمة، لا في باطن الأمر ولا في ظاهره، ولا لعامي ولا لخاصي، ولكن رخص النبي صلى الله عليه وسلم في أنواع من اللهو في العرس ونحوه، كما رخص للنساء أن يضربن بالدف في الأعراس والأفراح.
وأما الرجال على عهده: فلم يكن أحد منهم يضرب بدف، ولا يصفق بكف، بل قد ثبت عنه في الصحيح أنه قال: " "، و " ".
ولما كان الغناء والضرب بالدف والكف من عمل النساء: كان السلف يسمون من يفعل ذلك من الرجال مخنثاً، ويسمون الرجال المغنين مخانيثاً، وهذا مشهور في كلامهم" انتهى (مجموع الفتاوى 11 / 565، 566).
2 - وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: "الأناشيد الإسلامية تختلف، فإذا كانت سليمة ليس فيها إلا الدعوة إلى الخير، والتذكير بالخير، وطاعة الله ورسوله، والدعوة إلى حماية الأوطان من كيد الأعداء، والاستعداد للأعداء ونحو ذلك: فليس فيها شيء، أما إذا كانت فيها غير ذلك من دعوة إلى المعاصي، واختلاط النساء بالرجال، أو تكشف عندهم، أو أي فساد: فلا يجوز استماعها" انتهى (مجموع فتاوى الشيخ ابن باز 3 / 437).
3 - وقال أيضاً رحمه الله: "الأناشيد الإسلامية مثل الأشعار؛ إن كانت سليمة: فهي سليمة، وإن كانت فيها منكر: فهي منكر... والحاصل أن البت فيها مطلقا ليس بسديد، بل ينظر فيها؛ فالأناشيد السليمة: لا بأس بها، والأناشيد التي فيها منكر، أو دعوة إلى منكر: منكرة" انتهى (شريط أسئلة وأجوبة الجامع الكبير رقم: 90 / أ).
4 - وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: "ويجوز لك أن تستعيض عن هذه الأغاني بأناشيد إسلامية، فيها من الحكم، والمواعظ، والعبر ما يثير الحماس والغيرة على الدين، ويهز العواطف الإسلامية، وينفر من الشر ودواعيه، لتبعث نفس من ينشدها، ومن يسمعها إلى طاعة الله، وتنفر من معصيته تعالى وتعدي حدوده إلى الاحتماء بحمى شرعه، والجهاد في سبيله، لكن لا يتخذ من ذلك ورْدا لنفسه يلتزمه، وعادة يستمر عليها، بل يكون ذلك في الفينة بعد الفينة عند وجود مناسبات ودواع تدعو إليه كالأعراس والأسفار للجهاد ونحوه، وعند فتور الهمم لإثارة النفس والنهوض بها إلى فعل الخير، وعند نزوع النفس إلى الشر وجموحها لردعها عنه وتنفيرها منه" انتهى (فتاوى إسلامية 4 / 533).
5 - وقال الشيخ الألباني رحمه الله: "بل قد يكون في هذا [أي: الأناشيد] آفة أخرى، وهي أنها قد تلحن على ألحان الأغاني الماجنة، وتوقع على القوانين الموسيقية الشرقية والغربية التي تطرب السامعين وترقصهم، وتخرجهم عن طورهم، فيكون المقصد هو اللحن والطرب، وليس النشيد بالذات، وهذه مخالفة جديدة، وهي التشبه بالكفار والمجان، وقد ينتج من وراء ذلك مخالفة أخرى، وهي التشبه بهم في إعراضهم عن القرآن وهجرهم إياه، فيدخلون في عموم شكوى النبي صلى الله عليه وسلم من قومه، كما في قوله تعالى: {وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا} انتهى (تحريم آلات الطرب ص 181).
6 - وقال أيضاً: "إذا كانت هذه الأناشيد ذات معان إسلامية، وليس معها شيء من المعازف، وآلات الطرب كالدفوف والطبول ونحوها: فهذا أمر لا بأس به، ولكن لابد من بيان شرط مهم لجوازها، وهو أن تكون خالية من المخالفات الشرعية؛ كالغلو، ونحوه، ثم شرط آخر، وهو عدم اتخاذها ديدناً؛ إذ ذلك يصرف سامعيها عن قراءة القرآن الذي ورد الحض عليه في السنة النبوية المطهرة، وكذلك يصرفهم عن طلب العلم النافع، والدعوة إلى الله سبحانه" انتهى (مجلة الأصالة - العدد الثاني، تاريخ 15 جمادى الآخرة 1413هـ).
7 - وسبق في جواب سابق ذكر جملة من الضوابط، نذكرها هنا للفائدة:
وهناك ضوابط تراعى في هذا الأمر:
- عدم استعمال الآلات والمعازف المحرمة في النشيد.
- عدم الإكثار منه وجعله ديدن المسلم وكل وقته، وتضييع الواجبات والفرائض لأجله.
- أن لا يكون بصوت النساء، وأن لا يشتمل على كلام محرم أو فاحش.
- وأن لا يشابه ألحان أهل الفسق والمجون.
- وأن يخلو من المؤثرات الصوتية التي تنتج أصواتاً مثل أصوات المعازف.
- وأن لا يكون ذا لحن يطرب وينتشي به السامع ويفتنه كالذين يسمعون الأغاني، وهذا كثير في الأناشيد التي ظهرت هذه الأيام، حتى لم يعد سامعوها يلتفتون إلى ما فيها من المعاني الجليلة لانشغالهم بالطرب والتلذذ باللحن.
وإننا لنربأ بإخواننا المنشدين والمقرئين أن يكونوا سبب فتنة الشباب والشابات، وسبباً في إلهائهم عن طاعة الله، وهم يعلمون كم لأصواتهم وصورهم من أثر سيء على الذكور والإناث، وجولة في عالم المنتديات ترى عجباً، ترى من تعشق منشداً، وترى من لا تستطيع النوم إلا على صوت فلان، وترى من تسمي نفسها: "عاشقة فلان" من المنشدين، وترى تعظيماً وتبجيلاً لأولئك المنشدين من النساء والرجال، فيعطون الألقاب والمنازل العالية، مع أن بعضهم ليس متديناً أصلاً، وبعضهم سقط في أوحال الغناء الماجن، وجولة أخرى في عالم المواقع الصوتية ترى عجباً آخر وهو الغلو في سماع وتحميل هذه الأناشيد، والزهد في سماع القرآن والمحاضرات النافعة!
نسأل الله أن يصلح أحوال الجميع، والله أعلم.