الصلاة هي أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين
محمد بن صالح العثيمين
- التصنيفات: فقه الصلاة -
السؤال: الصلاة هي أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين
الإجابة: الل فضيلة الشيخ أعلى الله درجته في المهديين:
الركن الثاني من أركان الإسلام: إقام الصلاة، وينبغي أيها المسلمون أن تعلموا أن الصلاة هي أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين، وأن الله تعالى اعتنى بها اعتناءً عظيماً، لم يعتن بأي ركن من أركان الإسلام العملية اعتناءه بها، حتى إنه تبارك وتعالى فرضها على رسول الله صلى الله عليه وسلم دون واسطة، كلمه بها وبفرضيتها بدون واسطة، لم يرسل بها جبريل إلى محمد صلى الله عليه وسلم، ولكنه فرضها عليه منه تعالى إليه صلى الله عليه وسلم وفرضها في أعظم ليلة كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهي ليلة المعراج، التي هي أعظم ليلة كانت للنبي صلى الله عليه وسلم، وفرضها أيضاًَ في أعلى مكان وصل إليه بشر، فرضها على الرسول صلى الله عليه وسلم وهو في السماء السابعة، يكلمه سبحانه وتعالى من فوق العرش يفرض عليه الصلاة.
إذاً هذه الصلاة متأكدة من حيث مكان فرضيتها، وزمان فرضيتها، وكيفية وحي الله بها إلى رسوله صلى الله عليه وسلم ، ثم إنها مؤكدة بأن الله فرضها على رسوله صلى الله عليه وسلم خمسين صلاة في اليوم والليلة، وهذا دليل على محبة الله لها، وأنها جديرة بأن يفني الإنسان معظم وقته فيها؛ لأن خمسين صلاة في اليوم والليلة تستوعب منا وقتاً كبيراً، وهذا دليل على أنها من أهم العبادات بل هي أهم العبادات بعد الشهادتين.
أيها الاخوة المسلمون: هذه الصلاة العظيمة التي فيها هذا الفضل والقدر، وفيها هذه العناية من ربنا جل ذكره أضاعها كثير من المسلمين اليوم! فصدق عليهم قول الله عز وجل: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً} [مريم: 59].
أضاعوها فلم يقوموا بواجبها، ولم يربوا أولادهم وأهلهم عليها، مع أن الله يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم: 6]، ومع أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: " ".
ترى الواحد يخرج من بيته للمسجد، وأولاده يلعبون في السوق، لا يأمرهم بالصلاة وهم لسبع، ولا يضربهم عليها إذا بلغوا عشراً مع أهميتها وعظمها، حتى إن الصلاة لا تسقط عن الإنسان أبداً ما دام عاقلاً تجب عليه إذا كان قادراً أن يقيمها بأركانها وشروطها وواجباتها، وبما قدر عليه منها إن عجز حتى إنها لا تسقط عن المريض ما دام عقله ثابتاً.
أيها الاخوة المسلمون: يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: " " (أخرجه البخاري: كتاب الزكاة / باب وجوب الزكاة، ومسلم: كتاب الإيمان / باب بيان الإيمان)، ولم يقل: "وتصلي"، وفرق بين قوله: " "، وبين قوله: "وتصلي" لأنه لابد من إقامة الصلاة بأن يكون الإنسان مقيماً لها إقامة كاملة يأتي بها بشروطها وأركانها وواجباتها غير ناقص منها شيئاً، ونحن نتكلم هنا عن أوقات الصلاة فنقول: إن أوقات الصلاة مذكورة في كتاب الله مجملة، وفي سنة الرسول صلى الله عليه وسلم مفصلة، أما إجمالها في القرآن ففي آيتين من كتاب الله يقول الله سبحانه وتعالى: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ *وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيّاً وَحِينَ تُظْهِرُونَ} [الروم: 17، 18]، ويقول: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً} [الإسراء: 78]، يقول الله سبحانه وتعالى: {لِدُلُوكِ الشَّمْسِ}، دلوك الشمس هو زوال الشمس: {إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ}، غسق الليل منتهى ظلمته وغاية ظلمته وذلك منتصف الليل، وعلى هذا فالصلاة من انتصاف النهار إلى انتصاف الليل كلها أوقات ممتدة يلي بعضها بعضاً لا يفصل بينها بشيء، ولذلك كان وقت صلاة الظهر كما جاء مبيناً مفصلاً في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم من زوال الشمس إلى أن يصير ظل كل شيء مثله، بإسقاط فيء الزوال، وصلاة العصر من أن يصير ظل كل شيء مثله إلى أن تصفر الشمس، والضرورة إلى غروبها، وصلاة المغرب من غروب الشمس إلى مغيب الشفق الأحمر، وصلاة العشاء من مغيب الشفق الأحمر إلى منتصف الليل، ثم ينقطع وقت صلاة الفريضة، وما بين نصف الليل إلى طلوع الفجر ليس وقتاً لصلاة مفروضة، وما ذهب إليه كثير من الفقهاء من أن وقت العشاء يمتد إلى الفجر لا دليل عليه من القرآن ولا من السنة، فالقول الصواب أن وقت العشاء ينتهي بمنتصف الليل، وأن ما بعد منتصف الليل إلى طلوع الفجر ليس وقتاً لصلاة مفروضة، وإنما هو وقت لصلاة الليل، ثم بعد ذلك يدخل وقت صلاة الفجر ويبدأ من طلوع الفجر إلى شروق الشمس، ولهذا فصل الله بينه وبين ما قبله فقال: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً}، ففصل قراءة الفجر عن ما قبله، وذلك لأن بينه وبين العشاء وقت -من منتصف الليل إلى طلوع الفجر- وبينه وبين الظهر وقت -من طلوع الشمس إلى زوالها- هذه الأوقات الخمسة، لا يجوز لأحد أن يصلي الصلاة قبل وقتها، ومن صلى الصلاة قبل وقتها فلا صلاة له، فإذا علم أنه صلاها قبل الوقت فإن الواجب أن يعيدها عند حضور وقتها. ومثال ذلك: صليت الفجر قبل وقته وظننت أنه دخل وقته ثم تبين لك أن وقت الفجر لم يطلع فالواجب أن تعيد الصلاة في وقتها؛ لأن من صلى الصلاة قبل وقتها صارت نافلة لا تسقط بها الفريضة، إذا كان جاهلاً، أما إذا كان متعمداً فإنه آثم ولا تسقط بها الفريضة ولا يثبت بها أجر النافلة، كذلك أيضاً من أخر الصلاة عن وقتها حتى خرج وقتها فإنه لا صلاة له ولا تقبل منه إلا إذا كان معذوراً، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: " "، هذا في حق المعذور، أما الإنسان المتهاون الذي تهاون حتى خرج وقت الصلاة فإنه وإن صلاها لا تقبل منه الصلاة أبداً؛ لأنه أخرجها عن وقتها المحدد فيكون قد عملها على غير الوجه الذي أمر الله به ورسوله. وقد ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: " "، إلا أنه يجوز للإنسان المعذور أن يجمع بين الصلاتين فيجمع بين صلاة الظهر وصلاة العصر جمع تقديم أو تأخير حسب ما هو أيسر له إذا كان معذوراً، وكذلك يجمع بين المغرب والعشاء جمع تقديم أو تأخير إذا كان معذوراً، والأفضل له أن يفعل ما هو أيسر. فإذا كان الأيسر عليه جمع التقديم فإنه يجمع جمع تقديم، وإذا كان أيسر جمع جمع تأخير، ونضرب لذلك مثلاً: رجل مريض يشق عليه أن يتوضأ لكل صلاة فنقول له: لا بأس أن تجمع بين الظهر والعصر جمع تقديم أو تأخير، ولا بأس أن تجمع بين المغرب والعشاء جمع تقديم أو تأخير، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا زالت الشمس وهو في مكان صلى الظهر والعصر ثم ارتحل، وإذا كان مرتحلاً قبل زوال الشمس فإنه يؤخر الظهر ويصليها مع العصر.
وها هنا مسألة أحب أن أنبه عليها وهي: أن بعض الناس يظنون أنه إذا جاز الجمع للمريض أو المسافر فإنه لابد أن يجمع بين الصلاتين في وسطهما أي في آخر وقت الظهر وأول وقت العصر وهذا ليس بشيء وليس بصحيح، بل أن الإنسان إذا جاز له أن يجمع بين الصلاتين فإنه إن شاء جمع في وقت الأولى، أو في أول وقت الثانية، أو في أخر وقت الثانية، أو فيما بينهما، والمهم أنه إذا جاز الجمع صار الوقتان وقتاً واحداً، ومن المعلوم أن الجمع إنما يجوز بين الظهر والعصر، أو بين المغرب والعشاء، وأنه لا يمكن أن يجمع الإنسان بين الصلوات الأربع الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء جميعاً.
ومما يتعلق بالوقت وأحكامه: أن المرأة إذا طهرت في آخر الوقت فإنه يجب عليها أن تصلي هذا الوقت الذي طهرت فيه مثال ذلك: امرأة طهرت من الحيض قبل غروب الشمس فإنه يجب عليها أن تصلي صلاة العصر، وقد ذهب كثير من أهل العلم إلى أنه إذا طهرت قبل غروب الشمس وجب عليها صلاة العصر وصلاة الظهر أيضاً فإذا فعلت ذلك وصلت الظهر قبل العصر فإن ذلك خير، وإن لم تفعل واقتصرت على صلاة العصر فلا حرج عليها في ذلك لأنها لم تدرك إلا وقت العصر.
ولو أن امرأة أتاها الحيض بعد دخول الوقت فإنه يجب عليها أيضاً أن تقضي ذلك الفرض الذي دخل وقته عليها وهي طاهرة.
مثال آخر: امرأة حاضت بعد غروب الشمس بدقيقة واحدة قيل يجب عليها إذا طهرت أن تصلي صلاة المغرب؛ لأنها أدركت وقتها ولكن الصواب أنه لا تجب عليها الصلاة إلا إذا أدركت من وقتها مقدار ركعة، وأنها إذا أدركت أقل من ركعة لم تجب عليها، لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: " "، فعلى هذا إذا حاضت المرأة بعد غروب الشمس بنحو دقيقة فإنه لا يجب عليها صلاة المغرب لأنها لم تدرك من وقتها مقدار ركعة.
ومن شروط الصلاة: استقبال القبلة لأن الله تعالى قال للرسول عليه الصلاة والسلام: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَه}، فالواجب في استقبال القبلة إذا كان الإنسان هنا في المسجد الحرام، أو في مكان يشرف على الكعبة الواجب عليه أن يستقبل نفس بناية الكعبة بجميع بدنه، وهنا نشاهد من المصلين أناساً كثيرين لا يستقبلون القبلة! تجدهم يكون الصف ممتداً ويكون اتجاهه إلى غير الكعبة وهذا خطأ عظيم، الإنسان الذي في المسجد الحرام يجب أن يتجه بجميع بدنه إلى بناية الكعبة لا يخرج بشيء من بدنه عن بناية الكعبة؛ لأنه أمكنه مشاهدتها، ومن أمكنه مشاهدتها وجب عليه استقبال عينها، أما إذا كان لا يمكنه مشاهدتها فإنه يكفي أن يستقبل جهتها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما ثبت عنه في الصحيحين من حديث أبي أيوب رضي الله عنه: " "، فأمر النبي عليه الصلاة والسلام أهل المدينة أن يشرقوا أو يغربوا عند قضاء الحاجة لأجل ألا يستقبلوا القبلة أو يستدبروها، فدل هذا على أن قبلة أهل المدينة الجنوب كل الجنوب من طرفه إلى طرفه فيكون فرضهم استقبال الجهة، وهكذا أيضاً من لم تمكنه مشاهدة الكعبة فإنه يجب عليه استقبال جهتها، ولهذا قال بعض أهل العلم من كان في المسجد استقبل عين الكعبة، ومن كان خارج المسجد استقبل المسجد، ومن كان بعيداً استقبل مكة، ومن كان أبعد استقبل الجهة، ولكن هذا التفصيل ليس عليه دليل، ولكن المهم أن من أمكنه أن يشاهد الكعبة وجب عليه استقبالها ومن لم يمكنه وجب عليه استقبال جهتها.
وأنا أحذر كثيراً من المصلين الذين يصلون في المسجد الحرام من أنهم لا يستقبلون الكعبة عن يمينهم أو عن يسارهم ولا يستقبلون عينها وهذا خطأ عظيم لا تصح معه الصلاة، والله الموفق.
الركن الثاني من أركان الإسلام: إقام الصلاة، وينبغي أيها المسلمون أن تعلموا أن الصلاة هي أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين، وأن الله تعالى اعتنى بها اعتناءً عظيماً، لم يعتن بأي ركن من أركان الإسلام العملية اعتناءه بها، حتى إنه تبارك وتعالى فرضها على رسول الله صلى الله عليه وسلم دون واسطة، كلمه بها وبفرضيتها بدون واسطة، لم يرسل بها جبريل إلى محمد صلى الله عليه وسلم، ولكنه فرضها عليه منه تعالى إليه صلى الله عليه وسلم وفرضها في أعظم ليلة كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهي ليلة المعراج، التي هي أعظم ليلة كانت للنبي صلى الله عليه وسلم، وفرضها أيضاًَ في أعلى مكان وصل إليه بشر، فرضها على الرسول صلى الله عليه وسلم وهو في السماء السابعة، يكلمه سبحانه وتعالى من فوق العرش يفرض عليه الصلاة.
إذاً هذه الصلاة متأكدة من حيث مكان فرضيتها، وزمان فرضيتها، وكيفية وحي الله بها إلى رسوله صلى الله عليه وسلم ، ثم إنها مؤكدة بأن الله فرضها على رسوله صلى الله عليه وسلم خمسين صلاة في اليوم والليلة، وهذا دليل على محبة الله لها، وأنها جديرة بأن يفني الإنسان معظم وقته فيها؛ لأن خمسين صلاة في اليوم والليلة تستوعب منا وقتاً كبيراً، وهذا دليل على أنها من أهم العبادات بل هي أهم العبادات بعد الشهادتين.
أيها الاخوة المسلمون: هذه الصلاة العظيمة التي فيها هذا الفضل والقدر، وفيها هذه العناية من ربنا جل ذكره أضاعها كثير من المسلمين اليوم! فصدق عليهم قول الله عز وجل: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً} [مريم: 59].
أضاعوها فلم يقوموا بواجبها، ولم يربوا أولادهم وأهلهم عليها، مع أن الله يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم: 6]، ومع أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: " ".
ترى الواحد يخرج من بيته للمسجد، وأولاده يلعبون في السوق، لا يأمرهم بالصلاة وهم لسبع، ولا يضربهم عليها إذا بلغوا عشراً مع أهميتها وعظمها، حتى إن الصلاة لا تسقط عن الإنسان أبداً ما دام عاقلاً تجب عليه إذا كان قادراً أن يقيمها بأركانها وشروطها وواجباتها، وبما قدر عليه منها إن عجز حتى إنها لا تسقط عن المريض ما دام عقله ثابتاً.
أيها الاخوة المسلمون: يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: " " (أخرجه البخاري: كتاب الزكاة / باب وجوب الزكاة، ومسلم: كتاب الإيمان / باب بيان الإيمان)، ولم يقل: "وتصلي"، وفرق بين قوله: " "، وبين قوله: "وتصلي" لأنه لابد من إقامة الصلاة بأن يكون الإنسان مقيماً لها إقامة كاملة يأتي بها بشروطها وأركانها وواجباتها غير ناقص منها شيئاً، ونحن نتكلم هنا عن أوقات الصلاة فنقول: إن أوقات الصلاة مذكورة في كتاب الله مجملة، وفي سنة الرسول صلى الله عليه وسلم مفصلة، أما إجمالها في القرآن ففي آيتين من كتاب الله يقول الله سبحانه وتعالى: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ *وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيّاً وَحِينَ تُظْهِرُونَ} [الروم: 17، 18]، ويقول: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً} [الإسراء: 78]، يقول الله سبحانه وتعالى: {لِدُلُوكِ الشَّمْسِ}، دلوك الشمس هو زوال الشمس: {إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ}، غسق الليل منتهى ظلمته وغاية ظلمته وذلك منتصف الليل، وعلى هذا فالصلاة من انتصاف النهار إلى انتصاف الليل كلها أوقات ممتدة يلي بعضها بعضاً لا يفصل بينها بشيء، ولذلك كان وقت صلاة الظهر كما جاء مبيناً مفصلاً في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم من زوال الشمس إلى أن يصير ظل كل شيء مثله، بإسقاط فيء الزوال، وصلاة العصر من أن يصير ظل كل شيء مثله إلى أن تصفر الشمس، والضرورة إلى غروبها، وصلاة المغرب من غروب الشمس إلى مغيب الشفق الأحمر، وصلاة العشاء من مغيب الشفق الأحمر إلى منتصف الليل، ثم ينقطع وقت صلاة الفريضة، وما بين نصف الليل إلى طلوع الفجر ليس وقتاً لصلاة مفروضة، وما ذهب إليه كثير من الفقهاء من أن وقت العشاء يمتد إلى الفجر لا دليل عليه من القرآن ولا من السنة، فالقول الصواب أن وقت العشاء ينتهي بمنتصف الليل، وأن ما بعد منتصف الليل إلى طلوع الفجر ليس وقتاً لصلاة مفروضة، وإنما هو وقت لصلاة الليل، ثم بعد ذلك يدخل وقت صلاة الفجر ويبدأ من طلوع الفجر إلى شروق الشمس، ولهذا فصل الله بينه وبين ما قبله فقال: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً}، ففصل قراءة الفجر عن ما قبله، وذلك لأن بينه وبين العشاء وقت -من منتصف الليل إلى طلوع الفجر- وبينه وبين الظهر وقت -من طلوع الشمس إلى زوالها- هذه الأوقات الخمسة، لا يجوز لأحد أن يصلي الصلاة قبل وقتها، ومن صلى الصلاة قبل وقتها فلا صلاة له، فإذا علم أنه صلاها قبل الوقت فإن الواجب أن يعيدها عند حضور وقتها. ومثال ذلك: صليت الفجر قبل وقته وظننت أنه دخل وقته ثم تبين لك أن وقت الفجر لم يطلع فالواجب أن تعيد الصلاة في وقتها؛ لأن من صلى الصلاة قبل وقتها صارت نافلة لا تسقط بها الفريضة، إذا كان جاهلاً، أما إذا كان متعمداً فإنه آثم ولا تسقط بها الفريضة ولا يثبت بها أجر النافلة، كذلك أيضاً من أخر الصلاة عن وقتها حتى خرج وقتها فإنه لا صلاة له ولا تقبل منه إلا إذا كان معذوراً، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: " "، هذا في حق المعذور، أما الإنسان المتهاون الذي تهاون حتى خرج وقت الصلاة فإنه وإن صلاها لا تقبل منه الصلاة أبداً؛ لأنه أخرجها عن وقتها المحدد فيكون قد عملها على غير الوجه الذي أمر الله به ورسوله. وقد ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: " "، إلا أنه يجوز للإنسان المعذور أن يجمع بين الصلاتين فيجمع بين صلاة الظهر وصلاة العصر جمع تقديم أو تأخير حسب ما هو أيسر له إذا كان معذوراً، وكذلك يجمع بين المغرب والعشاء جمع تقديم أو تأخير إذا كان معذوراً، والأفضل له أن يفعل ما هو أيسر. فإذا كان الأيسر عليه جمع التقديم فإنه يجمع جمع تقديم، وإذا كان أيسر جمع جمع تأخير، ونضرب لذلك مثلاً: رجل مريض يشق عليه أن يتوضأ لكل صلاة فنقول له: لا بأس أن تجمع بين الظهر والعصر جمع تقديم أو تأخير، ولا بأس أن تجمع بين المغرب والعشاء جمع تقديم أو تأخير، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا زالت الشمس وهو في مكان صلى الظهر والعصر ثم ارتحل، وإذا كان مرتحلاً قبل زوال الشمس فإنه يؤخر الظهر ويصليها مع العصر.
وها هنا مسألة أحب أن أنبه عليها وهي: أن بعض الناس يظنون أنه إذا جاز الجمع للمريض أو المسافر فإنه لابد أن يجمع بين الصلاتين في وسطهما أي في آخر وقت الظهر وأول وقت العصر وهذا ليس بشيء وليس بصحيح، بل أن الإنسان إذا جاز له أن يجمع بين الصلاتين فإنه إن شاء جمع في وقت الأولى، أو في أول وقت الثانية، أو في أخر وقت الثانية، أو فيما بينهما، والمهم أنه إذا جاز الجمع صار الوقتان وقتاً واحداً، ومن المعلوم أن الجمع إنما يجوز بين الظهر والعصر، أو بين المغرب والعشاء، وأنه لا يمكن أن يجمع الإنسان بين الصلوات الأربع الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء جميعاً.
ومما يتعلق بالوقت وأحكامه: أن المرأة إذا طهرت في آخر الوقت فإنه يجب عليها أن تصلي هذا الوقت الذي طهرت فيه مثال ذلك: امرأة طهرت من الحيض قبل غروب الشمس فإنه يجب عليها أن تصلي صلاة العصر، وقد ذهب كثير من أهل العلم إلى أنه إذا طهرت قبل غروب الشمس وجب عليها صلاة العصر وصلاة الظهر أيضاً فإذا فعلت ذلك وصلت الظهر قبل العصر فإن ذلك خير، وإن لم تفعل واقتصرت على صلاة العصر فلا حرج عليها في ذلك لأنها لم تدرك إلا وقت العصر.
ولو أن امرأة أتاها الحيض بعد دخول الوقت فإنه يجب عليها أيضاً أن تقضي ذلك الفرض الذي دخل وقته عليها وهي طاهرة.
مثال آخر: امرأة حاضت بعد غروب الشمس بدقيقة واحدة قيل يجب عليها إذا طهرت أن تصلي صلاة المغرب؛ لأنها أدركت وقتها ولكن الصواب أنه لا تجب عليها الصلاة إلا إذا أدركت من وقتها مقدار ركعة، وأنها إذا أدركت أقل من ركعة لم تجب عليها، لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: " "، فعلى هذا إذا حاضت المرأة بعد غروب الشمس بنحو دقيقة فإنه لا يجب عليها صلاة المغرب لأنها لم تدرك من وقتها مقدار ركعة.
ومن شروط الصلاة: استقبال القبلة لأن الله تعالى قال للرسول عليه الصلاة والسلام: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَه}، فالواجب في استقبال القبلة إذا كان الإنسان هنا في المسجد الحرام، أو في مكان يشرف على الكعبة الواجب عليه أن يستقبل نفس بناية الكعبة بجميع بدنه، وهنا نشاهد من المصلين أناساً كثيرين لا يستقبلون القبلة! تجدهم يكون الصف ممتداً ويكون اتجاهه إلى غير الكعبة وهذا خطأ عظيم، الإنسان الذي في المسجد الحرام يجب أن يتجه بجميع بدنه إلى بناية الكعبة لا يخرج بشيء من بدنه عن بناية الكعبة؛ لأنه أمكنه مشاهدتها، ومن أمكنه مشاهدتها وجب عليه استقبال عينها، أما إذا كان لا يمكنه مشاهدتها فإنه يكفي أن يستقبل جهتها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما ثبت عنه في الصحيحين من حديث أبي أيوب رضي الله عنه: " "، فأمر النبي عليه الصلاة والسلام أهل المدينة أن يشرقوا أو يغربوا عند قضاء الحاجة لأجل ألا يستقبلوا القبلة أو يستدبروها، فدل هذا على أن قبلة أهل المدينة الجنوب كل الجنوب من طرفه إلى طرفه فيكون فرضهم استقبال الجهة، وهكذا أيضاً من لم تمكنه مشاهدة الكعبة فإنه يجب عليه استقبال جهتها، ولهذا قال بعض أهل العلم من كان في المسجد استقبل عين الكعبة، ومن كان خارج المسجد استقبل المسجد، ومن كان بعيداً استقبل مكة، ومن كان أبعد استقبل الجهة، ولكن هذا التفصيل ليس عليه دليل، ولكن المهم أن من أمكنه أن يشاهد الكعبة وجب عليه استقبالها ومن لم يمكنه وجب عليه استقبال جهتها.
وأنا أحذر كثيراً من المصلين الذين يصلون في المسجد الحرام من أنهم لا يستقبلون الكعبة عن يمينهم أو عن يسارهم ولا يستقبلون عينها وهذا خطأ عظيم لا تصح معه الصلاة، والله الموفق.