الإسراء والمعراج
عبد الله بن عبد العزيز العقيل
- التصنيفات: السيرة النبوية -
السؤال: سائل يسأل عن الإسراء والمعراج: هل هما شيء واحد أو أن الإسراء غير
المعراج، وهل صحيح أنهما وقعا في شهر رجب، وهل أسري بالنبي صلى الله
عليه وسلم وعرج به يقظة أم مناما، وهل كان ذلك بالروح والجسد أم
بالروح فقط، وما سياق الرواية الصحيحة في ذلك؟
الإجابة: الإسراء والمعراج من أكبر معجزات نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ومن
أعظم النعم التي امتن الله بها عليه، وشرفه بها، ويجب الإيمان بهما؛
لثبوتهما بالأحاديث الصحيحة الكثيرة التي بلغت حد التواتر، بل الإسراء
ثبت بالنص القرآني قال تعالى: {سُبْحَانَ
الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ
إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَا الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ
مِنْ ءَايَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (1)،
ولهذا عدهما علماء الأصول من مسائل الاعتقادات التي يجب الإيمان
بها.
وقولك: هل الإسراء هو المعراج أو غيره؟ فاعلم يا أخي أن الإسراء غير المعراج، فكما هما مختلفان لفظا فهما مختلفان في المعنى؛ لأن الإسراء: من السُّرَى، وهو السير في الليل، والمعراج: من العروج، وهو الصعود إلى أعلى، قال تعالى: {تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} (2)، وكذلك هما مختلفان في الحقيقة.
فالإسراء: انتقال النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى بيت المقدس على البراق في صحبة جبريل عليه السلام، والمعراج: صعوده معه إلى السموات.
وقولك: هل كان ذلك يقظة أو مناما؟ فالصحيح أن ذلك كان يقظة لا مناما، وأما رواية شريك عندما ساق حديث الإسراء قال: " " فقد غلّطه الحفاظ فيها، قال ابن القيم (3): وقد غَلِطَ شريكٌ في ألفاظ من حديث الإسراء، ومسلم أورد المسند منه ثم قال: فقدم وأخر وزاد ونقص رحمه الله، انتهى.
وأما قولك: هل كان ذلك بروحه وجسده أو بروحه فقط؟ فجوابه أن ذلك كان بروحه وجسده. هذا القول الصحيح الذي عليه المحققون؛ لأن بذلك تكون المعجزة، وعموم قوله تعالى: {أَسْرَى بِعَبْدِهِ}، يدل على ذلك؛ لأن العبد عبارة عن مجموع الروح والجسد، وركوبه على البراق يدل على ذلك. وهناك أدلة أخرى ذكرها المحققون، منهم: الحافظ ابن كثير في (تفسيره).
وأما قولك: هل صحيح أنه وقع في رجب؟ فالجواب أن ليس هناك اتفاق على تعيين الشهر الذي وقع فيه، فقيل: إنه في رجب ليلة السابع والعشرين منه، وقيل غير ذلك، بل ولا تعيين السنة التي وقع فيها، فمن قائل: إنه قبل الهجرة بسنة، كما في رواية الزهري، ومن قائل: قبلها بسنة وشهرين، كما ذكره ابن عبد البر وغيره، ومن قائل: بسنة وأربعة أشهر، كما في رواية السدي، ولم يختلفوا أنه كان قبل الهجرة.
وأما طلبك سياق خبر الإسراء والمعراج باختصار، فقد ذكر المفسرون والمحدثون والمؤرخون أنه صلى الله عليه وسلم أُسري به بروحه وجسده -في اليقظة على الصحيح- من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، راكبا على البراق في صحبة جبرائيل عليه السلام فنزل هناك، وصلى بالأنبياء إماما، وربط البراق بحلقة باب المسجد. وقد قيل: إنه نزل بيت لحم، وصلى فيه -ولا يصح عنه ذلك البتة- ثم عرج به من البيت المقدس تلك الليلة إلى السماء الدنيا، فاستفتح له جبرائيل ففتح لهما، فرأى هناك آدم أبا البشر، فسلم عليه، ورحب به فرد عليه السلامَ، وأقر بنبوته، ثم عرج به إلى السماء الثانية، فاستفتح له فرأى فيها يحيى بن زكريا، وعيسى بن مريم فسلم عليهما؛ فردا عليه السلام ورحبا به، وأقرا بنبوته، ثم عرج به إلى السماء الثالثة، فرأى فيها يوسف فسلم عليه، ورحب به، وأقر بنبوته، ثم عرج به إلى السماء الرابعة، فرأى فيها إدريس فسلم عليه، ورحب به، وأقر بنبوته، ثم عرج به إلى السماء الخامسة، فرأى فيها هارون بن عمران فسلم عليه، ورحب به، وأقر بنبوته، ثم عرج به إلى السماء السادسة، فلقي فيها موسى فسلم عليه، ورحب به، وأقر بنبوته، فلما جاوزه بكى موسى، فقيل له: ما يبكيك؟ قال: أبكي لأن غلاما بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر مما يدخل من أمتي، ثم عرج به إلى السماء السابعة، فلقي فيها إبراهيم فسلم عليه، ورحب به، وأقر بنبوته، ثم رفع إلى سدرة المنتهى، ثم رفع له البيت المعمور، ثم عرج به إلى الجبار -جل جلاله، وتقدست أسماؤه- فدنا منه حتى كان قاب قوسين أو أدنى، فأوحى إلى عبده ما أوحى، وفرض عليه خمسين صلاة، فرجع حتى مر على موسى، فقال: بم أمرت؟ قال: " "، فقال: إن أمتك لا تطيق ذلك، فارجع إلى ربك، فاسأله التخفيف لأمتك؛ فالتفت إلى جبرائيل كأنه يستشيره في ذلك، فأشار أن نعم إن شئت، فعلا به جبرائيل حتى أتى به إلى الجبار تبارك وتعالى وهو في مكانه، هذا لفظ البخاري في (صحيحه) (4) -في بعض الطرق فوضع عني عشرا- ثم نزل حتى مر بموسى فأخبره، فقال: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف. فلم يزل يتردد بين موسى، وبين الله تبارك وتعالى، حتى جعلها خمسا، فأمره موسى بالرجوع وسؤال التخفيف، فقال: " "، فلما نفذ نادى منادٍ: لقد أمضيت فريضتي، وخففت عن عبادي. هذا ملخص مختصر لما ورد فيه من الأحاديث الصحيحة.
وقد ساق ابن كثير رحمه الله في (تفسيره) روايات متعددة في الإسراء والمعراج نذكر منها ما يلي باختصار:
قال رحمه الله تعالى: وقال الإمام أحمد: حدثنا حسن بن موسى: حدثنا حماد ابن سلمة: أخبرنا ثابت البناني، عن أنس بن مالك، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ".
قال: ثم عرج بي إلى السماء الدنيا، فاستفتح جبريل، فقيل له: من أنت؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: قد أرسل إليه، ففتح لنا، فإذا أنا بآدم، فرحب بي ودعا لي بخير.
ثم عرج بنا إلى السماء الثانية، فاستفتح جبريل، فقيل له: من أنت؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: قد أرسل إليه، ففتح لنا، فإذا أنا بابني الخالة يحيى وعيسى فرحبا بي ودعوا لي بخير.
ثم عرج بنا إلى السماء الثالثة، فاستفتح جبريل، فقيل له: من أنت؟ فقال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: قد أرسل إليه، ففتح لنا، فإذا أنا بيوسف عليه السلام، وإذا هو قد أعطي شطر الحسن، فرحب بي ودعا لي بخير.
ثم عرج بنا إلى السماء الرابعة، فاستفتح جبريل، فقيل: من أنت؟ قال: جبريل، فقيل: ومن معك؟ قال: محمد، فقيل: وقد أرسل إليه؟ قال: قد بعث إليه، ففتح لنا، فإذا أنا بإدريس، فرحب بي ودعا لي بخير، يقول الله تعالى: {وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا} (5).
ثم عرج بنا إلى السماء الخامسة، فاستفتح جبريل، فقيل: من أنت؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، فقيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه، ففتح لنا، فإذا أنا بهارون، فرحب ودعا لي بخير.
ثم عرج بنا إلى السماء السادسة، فاستفتح جبريل، فقيل: من أنت؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، فقيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه، ففتح لنا، فإذا أنا بموسى عليه السلام فرحب بي ودعا لي بخير.
ثم عرج بنا إلى السماء السابعة، فاستفتح جبريل، فقيل: من أنت؟ فقال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد فقيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه، ففتح لنا، فإذا أنا بإبراهيم عليه السلام، وإذا هو مستند إلى البيت المعمور، وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك، ثم لا يعودون إليه.
ثم ذهب بي إلى سدرة المنتهى، فإذا ورقها كآذان الفيلة، وإذا ثمرها كالقلال، فلما غشيها من أمر الله ما غشيها تغيرت، فما أحد من خلق الله تعالى يستطيع أن يصفها من حسنها، قال: فأوحى الله ما أوحى، وفرض علي في كل يوم وليلة خمسين صلاة، فنزلت حتى انتهيت إلى موسى، قال: فما فرض ربك على أمتك؟ قلت: خمسين صلاة في كل يوم وليلة، قال: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك، فإن أمتك لا تطيق ذلك، وإني قد بلوت بني إسرائيل وخبرتهم، قال: فرجعت إلى ربي، فقلت: أي ربي، خفف عن أمتي، فحط عني خمسا، فرجعت إلى موسى، فقال: ما فعلت؟ فقلت: قد حط عني خمسا، فقال: إن أمتك لا تطيق ذلك، فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك، قال: فلم أزل أرجع بين ربي وبين موسى، ويحط عني خمسا خمسا حتى قال: " "، فنزلت حتى انتهيت إلى موسى فأخبرته، فقال: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك، فإن أمتك لا تطيق ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ".
ورواه مسلم (6) عن شيبان بن فروخ، عن حماد بن سلمة بهذا السياق، وهو أصح من سياق شريك.
قال البيهقي: وفي هذا السياق دليل على أن المعراج كان ليلة أسري به عليه الصلاة والسلام من مكة إلى بيت المقدس. وهذا الذي قاله هو الحق الذي لا شك فيه ولا مرية.
ولأحمد عن قتادة عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بالبراق ليلة أسري به مُسْرَجا ملجما ليركبه، فاستصعب عليه، فقال له جبريل: ما يحملك على هذا؟ والله ما ركبك قط أكرم على الله منه، قال: فارفضَّ عرقا (7).
ولأحمد عن أنس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " " (8).
وفي رواية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل: " ".
قال: ثم ركب منصرفا، فبينا هو في بعض طريقه مر بعير لقريش تحمل طعاما، منها جمل عليه غرارتان: غرارة سوداء، وغرارة بيضاء، فلما حاذى بالعير نفرت منه واستدارت، وصرع ذلك البعير وانكسر.
ثم إنه مضى فأصبح، فأخبر عما كان، فلما سمع المشركون قوله أتوا أبا بكر فقالوا: يا أبا بكر، هل لك في صاحبك؟ يخبر أنه أتى في ليلته هذه مسيرة شهر، ثم رجع في ليلته. فقال أبو بكر رضي الله عنه: إن كان قاله فقد صدق، وإنا لنصدقه فيما هو أبعد من هذا، نصدقه على خبر السماء.
فقال المشركون لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ما علامة ما تقول؟ قال: " ".
فلما قدمت العير سألوها، فأخبروهم الخبر على مثل ما حدثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك سمي أبو بكر: الصديق.
وسألوه وقالوا: هل كان فيمن حضر معك موسى وعيسى؟ قال: نعم، قالوا: فصفهم قال: " " (9).
قال ابن كثير: هذا سياق فيه غرائب عجيبة. والله أعلم.
___________________________________________
1 - سورة الإسراء: الآية (1).
2 - سورة المعارج: الآية (4).
3 - (زاد المعاد) (1/99).
4 - البخاري (7517) من حديث سليمان، عن شريك بن عبد الله، عن أنس به مطولا.
5 - سورة مريم: الآية (57).
6 - مسلم (162)، وأخرجه أحمد (3/148-149) وهذا لفظه، من طريق حسن بن موسى، عن حماد.
7 - (المسند) (3/ 164) من حديث معمر، عن قتادة، عن أنس، به. قال الدارقطني (العلل 4/ ورقة 13): ومعمر سيئ الحفظ لحديث قتادة والأعمش، ورواية معمر عن البصريين مضطربة كثيرة الأوهام. قاله ابن معين.
8 - (المسند) (3/224)، وأبو داود (4878)، وقال: حدثناه يحيى بن عثمان، عن بقية، ليس فيه أنس.
9 - ابن كثير في (تفسيره) (5/ 13) وفي إسناده خالد بن يزيد بن أبي مالك ضعفوه، واتهمه ابن معين.
وقولك: هل الإسراء هو المعراج أو غيره؟ فاعلم يا أخي أن الإسراء غير المعراج، فكما هما مختلفان لفظا فهما مختلفان في المعنى؛ لأن الإسراء: من السُّرَى، وهو السير في الليل، والمعراج: من العروج، وهو الصعود إلى أعلى، قال تعالى: {تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} (2)، وكذلك هما مختلفان في الحقيقة.
فالإسراء: انتقال النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى بيت المقدس على البراق في صحبة جبريل عليه السلام، والمعراج: صعوده معه إلى السموات.
وقولك: هل كان ذلك يقظة أو مناما؟ فالصحيح أن ذلك كان يقظة لا مناما، وأما رواية شريك عندما ساق حديث الإسراء قال: " " فقد غلّطه الحفاظ فيها، قال ابن القيم (3): وقد غَلِطَ شريكٌ في ألفاظ من حديث الإسراء، ومسلم أورد المسند منه ثم قال: فقدم وأخر وزاد ونقص رحمه الله، انتهى.
وأما قولك: هل كان ذلك بروحه وجسده أو بروحه فقط؟ فجوابه أن ذلك كان بروحه وجسده. هذا القول الصحيح الذي عليه المحققون؛ لأن بذلك تكون المعجزة، وعموم قوله تعالى: {أَسْرَى بِعَبْدِهِ}، يدل على ذلك؛ لأن العبد عبارة عن مجموع الروح والجسد، وركوبه على البراق يدل على ذلك. وهناك أدلة أخرى ذكرها المحققون، منهم: الحافظ ابن كثير في (تفسيره).
وأما قولك: هل صحيح أنه وقع في رجب؟ فالجواب أن ليس هناك اتفاق على تعيين الشهر الذي وقع فيه، فقيل: إنه في رجب ليلة السابع والعشرين منه، وقيل غير ذلك، بل ولا تعيين السنة التي وقع فيها، فمن قائل: إنه قبل الهجرة بسنة، كما في رواية الزهري، ومن قائل: قبلها بسنة وشهرين، كما ذكره ابن عبد البر وغيره، ومن قائل: بسنة وأربعة أشهر، كما في رواية السدي، ولم يختلفوا أنه كان قبل الهجرة.
وأما طلبك سياق خبر الإسراء والمعراج باختصار، فقد ذكر المفسرون والمحدثون والمؤرخون أنه صلى الله عليه وسلم أُسري به بروحه وجسده -في اليقظة على الصحيح- من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، راكبا على البراق في صحبة جبرائيل عليه السلام فنزل هناك، وصلى بالأنبياء إماما، وربط البراق بحلقة باب المسجد. وقد قيل: إنه نزل بيت لحم، وصلى فيه -ولا يصح عنه ذلك البتة- ثم عرج به من البيت المقدس تلك الليلة إلى السماء الدنيا، فاستفتح له جبرائيل ففتح لهما، فرأى هناك آدم أبا البشر، فسلم عليه، ورحب به فرد عليه السلامَ، وأقر بنبوته، ثم عرج به إلى السماء الثانية، فاستفتح له فرأى فيها يحيى بن زكريا، وعيسى بن مريم فسلم عليهما؛ فردا عليه السلام ورحبا به، وأقرا بنبوته، ثم عرج به إلى السماء الثالثة، فرأى فيها يوسف فسلم عليه، ورحب به، وأقر بنبوته، ثم عرج به إلى السماء الرابعة، فرأى فيها إدريس فسلم عليه، ورحب به، وأقر بنبوته، ثم عرج به إلى السماء الخامسة، فرأى فيها هارون بن عمران فسلم عليه، ورحب به، وأقر بنبوته، ثم عرج به إلى السماء السادسة، فلقي فيها موسى فسلم عليه، ورحب به، وأقر بنبوته، فلما جاوزه بكى موسى، فقيل له: ما يبكيك؟ قال: أبكي لأن غلاما بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر مما يدخل من أمتي، ثم عرج به إلى السماء السابعة، فلقي فيها إبراهيم فسلم عليه، ورحب به، وأقر بنبوته، ثم رفع إلى سدرة المنتهى، ثم رفع له البيت المعمور، ثم عرج به إلى الجبار -جل جلاله، وتقدست أسماؤه- فدنا منه حتى كان قاب قوسين أو أدنى، فأوحى إلى عبده ما أوحى، وفرض عليه خمسين صلاة، فرجع حتى مر على موسى، فقال: بم أمرت؟ قال: " "، فقال: إن أمتك لا تطيق ذلك، فارجع إلى ربك، فاسأله التخفيف لأمتك؛ فالتفت إلى جبرائيل كأنه يستشيره في ذلك، فأشار أن نعم إن شئت، فعلا به جبرائيل حتى أتى به إلى الجبار تبارك وتعالى وهو في مكانه، هذا لفظ البخاري في (صحيحه) (4) -في بعض الطرق فوضع عني عشرا- ثم نزل حتى مر بموسى فأخبره، فقال: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف. فلم يزل يتردد بين موسى، وبين الله تبارك وتعالى، حتى جعلها خمسا، فأمره موسى بالرجوع وسؤال التخفيف، فقال: " "، فلما نفذ نادى منادٍ: لقد أمضيت فريضتي، وخففت عن عبادي. هذا ملخص مختصر لما ورد فيه من الأحاديث الصحيحة.
وقد ساق ابن كثير رحمه الله في (تفسيره) روايات متعددة في الإسراء والمعراج نذكر منها ما يلي باختصار:
قال رحمه الله تعالى: وقال الإمام أحمد: حدثنا حسن بن موسى: حدثنا حماد ابن سلمة: أخبرنا ثابت البناني، عن أنس بن مالك، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ".
قال: ثم عرج بي إلى السماء الدنيا، فاستفتح جبريل، فقيل له: من أنت؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: قد أرسل إليه، ففتح لنا، فإذا أنا بآدم، فرحب بي ودعا لي بخير.
ثم عرج بنا إلى السماء الثانية، فاستفتح جبريل، فقيل له: من أنت؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: قد أرسل إليه، ففتح لنا، فإذا أنا بابني الخالة يحيى وعيسى فرحبا بي ودعوا لي بخير.
ثم عرج بنا إلى السماء الثالثة، فاستفتح جبريل، فقيل له: من أنت؟ فقال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: قد أرسل إليه، ففتح لنا، فإذا أنا بيوسف عليه السلام، وإذا هو قد أعطي شطر الحسن، فرحب بي ودعا لي بخير.
ثم عرج بنا إلى السماء الرابعة، فاستفتح جبريل، فقيل: من أنت؟ قال: جبريل، فقيل: ومن معك؟ قال: محمد، فقيل: وقد أرسل إليه؟ قال: قد بعث إليه، ففتح لنا، فإذا أنا بإدريس، فرحب بي ودعا لي بخير، يقول الله تعالى: {وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا} (5).
ثم عرج بنا إلى السماء الخامسة، فاستفتح جبريل، فقيل: من أنت؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، فقيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه، ففتح لنا، فإذا أنا بهارون، فرحب ودعا لي بخير.
ثم عرج بنا إلى السماء السادسة، فاستفتح جبريل، فقيل: من أنت؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، فقيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه، ففتح لنا، فإذا أنا بموسى عليه السلام فرحب بي ودعا لي بخير.
ثم عرج بنا إلى السماء السابعة، فاستفتح جبريل، فقيل: من أنت؟ فقال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد فقيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه، ففتح لنا، فإذا أنا بإبراهيم عليه السلام، وإذا هو مستند إلى البيت المعمور، وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك، ثم لا يعودون إليه.
ثم ذهب بي إلى سدرة المنتهى، فإذا ورقها كآذان الفيلة، وإذا ثمرها كالقلال، فلما غشيها من أمر الله ما غشيها تغيرت، فما أحد من خلق الله تعالى يستطيع أن يصفها من حسنها، قال: فأوحى الله ما أوحى، وفرض علي في كل يوم وليلة خمسين صلاة، فنزلت حتى انتهيت إلى موسى، قال: فما فرض ربك على أمتك؟ قلت: خمسين صلاة في كل يوم وليلة، قال: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك، فإن أمتك لا تطيق ذلك، وإني قد بلوت بني إسرائيل وخبرتهم، قال: فرجعت إلى ربي، فقلت: أي ربي، خفف عن أمتي، فحط عني خمسا، فرجعت إلى موسى، فقال: ما فعلت؟ فقلت: قد حط عني خمسا، فقال: إن أمتك لا تطيق ذلك، فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك، قال: فلم أزل أرجع بين ربي وبين موسى، ويحط عني خمسا خمسا حتى قال: " "، فنزلت حتى انتهيت إلى موسى فأخبرته، فقال: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك، فإن أمتك لا تطيق ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ".
ورواه مسلم (6) عن شيبان بن فروخ، عن حماد بن سلمة بهذا السياق، وهو أصح من سياق شريك.
قال البيهقي: وفي هذا السياق دليل على أن المعراج كان ليلة أسري به عليه الصلاة والسلام من مكة إلى بيت المقدس. وهذا الذي قاله هو الحق الذي لا شك فيه ولا مرية.
ولأحمد عن قتادة عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بالبراق ليلة أسري به مُسْرَجا ملجما ليركبه، فاستصعب عليه، فقال له جبريل: ما يحملك على هذا؟ والله ما ركبك قط أكرم على الله منه، قال: فارفضَّ عرقا (7).
ولأحمد عن أنس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " " (8).
وفي رواية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل: " ".
قال: ثم ركب منصرفا، فبينا هو في بعض طريقه مر بعير لقريش تحمل طعاما، منها جمل عليه غرارتان: غرارة سوداء، وغرارة بيضاء، فلما حاذى بالعير نفرت منه واستدارت، وصرع ذلك البعير وانكسر.
ثم إنه مضى فأصبح، فأخبر عما كان، فلما سمع المشركون قوله أتوا أبا بكر فقالوا: يا أبا بكر، هل لك في صاحبك؟ يخبر أنه أتى في ليلته هذه مسيرة شهر، ثم رجع في ليلته. فقال أبو بكر رضي الله عنه: إن كان قاله فقد صدق، وإنا لنصدقه فيما هو أبعد من هذا، نصدقه على خبر السماء.
فقال المشركون لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ما علامة ما تقول؟ قال: " ".
فلما قدمت العير سألوها، فأخبروهم الخبر على مثل ما حدثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك سمي أبو بكر: الصديق.
وسألوه وقالوا: هل كان فيمن حضر معك موسى وعيسى؟ قال: نعم، قالوا: فصفهم قال: " " (9).
قال ابن كثير: هذا سياق فيه غرائب عجيبة. والله أعلم.
___________________________________________
1 - سورة الإسراء: الآية (1).
2 - سورة المعارج: الآية (4).
3 - (زاد المعاد) (1/99).
4 - البخاري (7517) من حديث سليمان، عن شريك بن عبد الله، عن أنس به مطولا.
5 - سورة مريم: الآية (57).
6 - مسلم (162)، وأخرجه أحمد (3/148-149) وهذا لفظه، من طريق حسن بن موسى، عن حماد.
7 - (المسند) (3/ 164) من حديث معمر، عن قتادة، عن أنس، به. قال الدارقطني (العلل 4/ ورقة 13): ومعمر سيئ الحفظ لحديث قتادة والأعمش، ورواية معمر عن البصريين مضطربة كثيرة الأوهام. قاله ابن معين.
8 - (المسند) (3/224)، وأبو داود (4878)، وقال: حدثناه يحيى بن عثمان، عن بقية، ليس فيه أنس.
9 - ابن كثير في (تفسيره) (5/ 13) وفي إسناده خالد بن يزيد بن أبي مالك ضعفوه، واتهمه ابن معين.