حكم الحضانة للناشز

خالد عبد المنعم الرفاعي

  • التصنيفات: قضايا الزواج والعلاقات الأسرية -
السؤال: رجل تزوج من امرأة كثيرة الغيرة، وأصبح الخلاف يسيطر على الجو الأسري، فزوجته تغار عليه، وإذا رأته يتحدث إلى امرأة، تقول لتلك المرأة كلاماً غير مهذب؛ هذا الأمر جعل الزوج مشتتاً؛ لا يهتم بعمله؛ فتزايدت الديون عليه.
ورزقهما الله بطفلة، فظن الزوج أن الله سيصلح حالها بذلك؛ لكنها أصبحت أشد سوءاً من ذي قبل؛ فصارحها أنه سيتزوج بأخرى إذا لم تكف عن تلك الغيرة العمياء، فهو يريد الاستقرار، ويريد امرأة لا تجعل من بيته جحيماً؛ فهددته بأنها ستأخذ الطفلة وتحرمه منها! فهل إذا تركته، ورفع عليها دعوى قضائية -يطلبها في بيت الطاعة- ولم تنفذ الحكم، تكون ناشزاً؟
وهل بهذا تسقط عنها حضانتها للطفلة، ويحق له أن يربيها؛ حيث إنها غير أهل لتربية الطفلة (لأنها تتلفظ بألفاظ قبيحة والجميع يقاطعونها)؟
وما حكم الحضانة للمرأة الناشز وبالأخص في هذه الحال؟ علماً بأنه يوفر لها مطالبها الزوجية من المأكل، والمشرب، والملبس، والفراش.
أرجو الرد على سؤالي، وبارك الله فيكم، وجزاكم عنا كل خير.
الإجابة: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فنسأل الله تعالى أن يصلح حال تلك الزوجة، وأن يلهمها رشدها، ويعيذها من شر نفسها.

والذي ينبغي أن يعلمه ذلك الزوج هو أن البيوت لا تبنى كلها على الحب؛ كما قال عمر رضي الله عنه، وإنما على الصفح الجميل؛ فإن الناس يتصافحون على شدة البغض، وكذلك تبنى على التفاهم والرحمة؛ فيفهم كل واحد من الزوجين نفسية الآخر وطبيعته، ومزاجه العام ورغباته.

ويتحمل الزوج من ذلك النصيب الأكبر؛ فيتغاضى عن أخطاء زوجته -ما أمكنه ذلك-، مسترشداً بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "استوصوا بالنساء خيرا، فإنهن خلقن من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء" (متفق عليه من حديث أبي هريرة).

وروى مسلم عن أبي هريرة أيضاً، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن المرأة خلقت من ضلع لن تستقيم لك على طريقة، فإن استمتعت بها استمعت وفيها عوج، وإن ذهبت تقيمها كسرتها، وكسرها طلاقها"، وقال صلى الله عليه وسلم: "لا يفرك -أي لا يكره- مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقاً رضي منها آخر" (رواه مسلم).

فلا يجعل الرجل من نفسه نداً لزوجته، فيترصد أخطاءها وهفواتها؛ بل ينسى ويتناسى ما يمكنه من ذلك.

وهذا لا يعني أن يترك لها الحبل على الغارب لتفعل ما تشاء؛ بل يذكرها ويعظها ويؤدبها ويزجرها ويمنعها مما لا يجوز؛ لأنه راع لها ومسؤول عن رعيته، ولأنه لو ترك لها العنان ربما تفعل ما لم يكن في الحسبان، فالله تعالى أعطى الرجل القوامة على المرأة؛ ليضبط أفعالها وأقوالها، لكن بحكمة وموعظة حسنة.

أما غيرة المرأة على زوجها فأمر جبلي فطري، وهو دليل على صدق محبتها لزوجها، وخاصة إذا كان الزوج يتمتع بصفات حميدة مما يجعله مرغوباً من الناس، ففي صحيح مسلم عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من عندها ليلاً، قالت: "فغرت عليه، فجاء فرأى ما أصنع"، فقال: "ما لك يا عائشة؟ أغرت؟" فقالت: "وما لي لا يغار مثلي على مثلك؟!".

فإن كانت غيرة تلك الزوجة من هذا الباب ولم تتعد المعقول، فهذا لا شيء فيه، وأما إذا زادت عن ذلك، بحيث يصدر منها أمور تنافي العشرة الطيبة التي أمر الله تعالى بها في قوله سبحانه: {وعاشروهن بالمعروف} [النساء: 19]، فهنا يحتاج الأمر إلى مناصحة بلطف، وتذكيرها بعظيم حق الزوج عليها، ووجوب حسن التعامل معه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها" (رواه الترمذي، ورواه أحمد في المسند من حديث عبدالله بن أبي أوفى)، وزاد فيه: "والذي نفس محمد بيده، لا تؤدي المرأة حق ربها حتى تؤدي حق زوجها كله، حتى لو سألها نفسها وهي على قتب لم تمنعه" الحديث. وراجع الفتوى المنشورة على موقعنا بعنوان: " يجب على الزوجة طاعة زوجها في الإنجاب ".

فعلى تلك الزوجة أن تتقي الله، وتعرف لزوجها حقه، ولتعلم أن أكثر ما يدخل المرأة النار عصيانها لزوجها وإضاعة حقوقه؛ كما روى البخاري عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اطلعت على النار، فإذا أكثر أهلها النساء، يكفرن العشير! لو أحسنت إلى إحداهن الدهر، ثم رأت منك شيئاً قالت: ما رأيت منك خيراً قط".

وقال تعالى: {واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا} [النساء: 34]، وقد نص المفسرون والفقهاء على لزوم التدرج في تأديب الزوجة على النحو المذكور في الآية الكريمة؛ بالابتداء بالوعظ، ثم الترقي إلى الهجران في المضاجع، ثم الترقي إلى الضرب؛ تنبيهاً منه سبحانه أنه لو حصل الغرض بالأخف وجب الاكتفاء به، ولم يجز الإقدام على الطريقة الأشق.

- قال الكاساني -الحنفي-: "فإن كانت ناشزة فله أن يؤدبها، لكن على الترتيب، فيعظها أولاً على الرفق واللين؛ فلعلها تقبل الموعظة؛ فتترك النشوز، وإلا هجرها، فإن تركت النشوز فبها؛ وإلا ضربها، والمقصود بالضرب هنا في الآية: هو ضرب الأدب غير المبرح، وهو الذي لا يكسر عظماً ولا يشين جارحة، قال عطاء: قلت: لابن عباس ما الضرب غير المبرح؟ قال: بالسواك ونحوه".أ.هـ.

.. أما طلب الزوجة في بيت الطاعة إذا تركت المنزل: فلا نحب لك أن تلجأ إليه؛ لأنه قانون وضعي تعمل به بعض الدول، وهو يتنافى مع الكرامة الإنسانية، وبه إضرار بالزوجة؛ حيث يسكنها في مسكن لا يتناسب مع آدميتها ويكرهها على المعيشة؛ كما أنه يتنافى مع قوله تعالى: {أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن} [الطلاق: 6]، فلا يجوز أن يلجأ الزوج إليه إلا في حال الضرورة.

.. أما ضابط النشوز: فكل أمر ترتكبه الزوجة على غير رضى من زوجها بشرط ألا يكون الشارع قد أمرها به أو أذن لها فيه.
وأصل النشوز: الارتفاع، فنشوز النساء هو: استعلاؤهن على أزواجهن وارتفاعهن وعصيانهن، وعدم طاعتهن، فيما تلزم طاعتهم فيه مثل إذنها في بيته لمن يكرهه وخروجها من البيت بغير إذنه غيرها.

.. أما تقديم حق الزوجة في الحضانة على الزوج فمجمع عليه، فالزوجة تستحق الحضانة ولو كانت ناشزاً، إذا توفرت فيها شروط الحضانة، وإذا لم تتوفر فيها شروط الحضانة، فلا تستحقها، ولو كانت غير ناشز، وشروط الحضانة ستة وهي:
- أولاً: العقل.
- ثانياً: الإسلام.
- ثالثاً: العفة والأمانة. والمراد بذلك: أن لا يكون الحاضن أو الحاضنة ذا فسق.
- رابعاً: الإقامة؛ وذلك بأن يكون صاحب الحق في الحضانة مقيماً في بلد الطفل.
- خامساً: الخلو من زوج أجنبي: فإذا تزوجت الأم سقط حقها في الحضانة؛ وإن لم يدخل بها الزوج بعد؛ لما رواه أبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أنت أحق به ما لم تنكحي".
- سادساً: الخلو من الأمراض الدائمة والعادات المؤثرة، فلو كانت الأم تعاني مرضاً عضالاً: كالسل، والفالج، أو كانت عمياء، أو صماء، لم يكن لها حق في حضانة الطفل؛ لأن لها من شأنها ما يشغلها عن القيام بحق الطفل.

فإذا فقد شرط من هذه الشروط الستة فلا حق لها، وتنتقل إلى أم الأم عند جمهور العلماء من المذاهب الأربعة وغيرهم، فلا يحق لأبي الطفل أن ينازع فيه ما دامت جدة الطفل لأمه سالمة متوفرة فيها مؤهلات الحضانة، فإن كانت غير موجودة أو لا تريد الطفل وما شابه، تنتقل الحضانة للأب، والله أعلم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نقلاً عن موقع الآلوكة.