متى يؤمر الصبي بالصيام؟

عبد الله بن عبد العزيز العقيل

  • التصنيفات: فقه الصيام -
السؤال: سائل يقول: إنه قدم على أقاربه، ونزل عندهم ضيفا في شهر رمضان، ووجد عندهم مجموعة من الأطفال: أولاد وبنات -ويغلب على ظنه أنهم يطيقون الصيام- فأمرهم بالصوم، ونبه أهلهم على إلزامهم بالصوم، فاعتذروا بأنهم صغار، ولكنه لم يقتنع بهذا العذر. فكتب يسأل: متى يؤمر مثل هؤلاء بالصيام. وهل لذلك سن محددة؟.. أفتونا مأجورين.
الإجابة: قال الله تعالى: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ قُواْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} (1)، وقال صلى الله عليه وسلم: "ألا كلكم راع،وكلكم مسئول عن رعيته"، وفيه: "والرجل راع على أهل بيته،ومسئول عن رعيته. والمرأة راعية على أهل بيت زوجها وولده، وهي مسئولة عنهم" (2)، وهؤلاء الأطفال أمانة في أيدي ولي أمرهم، يجب عليه تعليمهم ما ينفعهم في دينهم ودنياهم، ويجنبهم ما يضرهم من أمور دينهم ودنياهم.

وإذا بلغ الصبي سبع سنين -ومثله الصبية- فعلى ولي أمره أن يأمره بالصلاة، وما يجب لها من طهارة وغيرها، وتعليمه أحكامها، ويطبقها له عمليا؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، ويستمر على ذلك حتى يبلغ عشر سنين. فإذا بلغ عشر سنين ضربه على تركها؛ لحديث: "مروا أبناءكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع" (3).

وأما الصيام فيؤمر به المميِّز إذا أطاقه. والمميِّز قيل: إنه الذي يبلغ سبع سنين. وقال في (المطلع): هو الذي يفهم الخطاب ويرد الجواب. ولا ينضبط بسن، بل يختلف باختلاف الأفهام. وصوبه في (الإنصاف) (4)، وقال: إن الاشتقاق يدل عليه.

وقيل: إذا بلغ الطفل عشر سنين وأطاقه، أمره به وليُّه.

ويعرف ذلك بصيامه ثلاثة أيام متتالية. فإن لم يتضرر بذلك، فهو يطيق الصيام، فحينئذ يؤمر به، ويضرب عليه؛ ليعتاده.

قال في (الإقناع) و(شرحه) (5): ويصح الصوم من مميز، كصلاته. ويجب على وليه -أي: المميز- أمرُه به إذا أطاقه، وضَرْبُه حينئذ عليه -أي: الصوم- إذا تركه؛ ليعتاده كالصلاة؛ إلا أن الصوم أشق، فاعتبرت له الطاقة؛ لأنه قد يطيق الصلاة من لا يطيق الصوم. والثواب للصبي إذا صام. وكذا جميع أعمال البر التي يعملها. فإن ثوابها له، كما ورد بذلك الحديث الصريح في الحج. فهو في هذه السن تكتب له الحسنات ولا تكتب عليه السيئات (6) انتهى ملخصا.

وقال المجد بن تيمية في (منتقى الأخبار) وشرحه (نيل الأوطار) للشوكاني. باب: الصبي يصوم إذا أطاق (7): عن الرُّبَيِّع بنت مُعَوِّذ قالت: أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار التي حول المدينة: "من كان أصبح صائما فليتمَّ صومه، ومن كان أصبح مفطرا فليتم بقية يومه"، فكنا بعد ذلك نصومه ونصوّمه صبياننا الصغار منهم. ونذهب إلى المسجد فنجعل لهم اللعبة من العِهْنِ. فإذا بكى أحدهم من الطعام أعطيناها إياه، حتى يكون عند الإفطار (أخرجاه) (8).

قال: البخاري (9) وقال عمر لنشوان في رمضان: ويلك، وصبياننا صيام؟! فضربه... وهذا الأثر وصله سعيد بن منصور والبغوي في (الجعديات) من طريق عبد الله بن هذيل أن عمر بن الخطاب أُتي برجل شرب الخمر في رمضان. فلما دنا منه جعل يقول للمنخرين والفم. وفي رواية البغوي (10): "فلما رفع إليه عثر. فقال عمر: على وجهك، ويحك! وصبياننا صيام! ثم أمر به فضرب ثمانين سوطا، ثم سيره إلى الشام". انتهى.

الحديث استدل به على أنه يستحب أمر الصبيان بالصوم؛ للتمرين عليه إذا أطاقوه. وقد قال باستحباب ذلك جماعة من السلف. منهم: ابن سيرين والزهري والشافعي وغيرهم.

واختلف أصحاب الشافعي في تحديد السن التي يؤمر الصبي عندها بالصيام؛ فقيل: سبع سنين. وقيل: عشر. وبه قال أحمد. وقال الأوزاعي: إذا أطاق صوم ثلاثة أيام تباعا لا يضعف فيهن، حُمل على الصوم. وذكر الهادي في (الأحكام) أنه يجب على الصبي الصوم بالإطاقة لصيام ثلاثة أيام. واحتج على ذلك بما رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا أطاق الغلام صيام ثلاثة أيام وجب عليه صيام الشهر كله" (11)، وهذا الحديث ذكره السيوطي في (الجامع الصغير) (12) وقال: أخرجه الْمُرْهِبي عن ابن عباس. ولفظه: "تجب الصلاة على الغلام إذا عقل، والصوم إذا أطاق، والحدود والشهادة إذا احتلم" (13)، وقد حمل المرتضى كلام الهادي على لزوم التأديب. وحمله السادة الهادويون على أنه يؤمر بذلك؛ تعويدا وتمرينا. انتهى ملخصا (14)، والله أعلم.

___________________________________________

1 - سورة التحريم: الآية (6).
2 - البخاري (7138)، ومسلم (1829).
3 - أبو داود (495)، وأحمد (2/ 187)، البيهقي (2/14) وغيرهم. وصححه الشيخ الألباني في (الإرواء) (1/266)، (2/7).
4 - (1/ 396).
5 - (2/ 973).
6 - حديث ابن عباس في احتساب الأجر للصبي إذا حج، أخرجه مسلم (1336) و(2645)، وفيه أن امرأة رفعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم صبيًّا فقالت: ألهذا حج؟ قال: "نعم، ولك أجر".
7 - (4/ 198).
8 - البخاري (1960)، ومسلم (1136).
9 - انظر (الفتح) (4/ 200).
10 - (1 / 415).
11 - (المجروحين) (3 /116)، وأبو نعيم في (المعرفة) (2 /170 ب) نسخة أحمد الثالث.
12 - (ضعيف الجامع) (2392).
13 - أخرجه ابن عدي (2/ 545)، وهو في (الكنز) (45326).
14 - (نيل الأوطار) (4/ 198، 199).