زَعْمُ أن الشيعة أكثرُ وفاءً لرسول الله من أهل السنة
خالد عبد المنعم الرفاعي
- التصنيفات: الملل والنحل والفرق والمذاهب -
السؤال: 1 - لماذا الشيعة أكثر منا وفاءً للرسول صلى الله عليه وسلم بحبهم
لأهل بيته؟
2 - الجميع يعلم بأن يزيدَ قتل ابن بنت رسول الله وأسر أهل بيته، فلماذا لا نتبرأ من يزيد والذين معه؟
3 - يقال: إن قسمًا من الصحابة قد انقلبوا فهل هذا صحيح؟ فإن كان الجواب لا، إذن بحق من نزلت الآية الكريمة: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ}؟
إني أرى الشيعة على حق؛ لكون أحكامهم مستمدة من أهل البيت، والذين يتصلون بالرسول مباشرة، قررت مع نفسي: أن أتشيع ولا أعلم عائلتي، انصحوني.
2 - الجميع يعلم بأن يزيدَ قتل ابن بنت رسول الله وأسر أهل بيته، فلماذا لا نتبرأ من يزيد والذين معه؟
3 - يقال: إن قسمًا من الصحابة قد انقلبوا فهل هذا صحيح؟ فإن كان الجواب لا، إذن بحق من نزلت الآية الكريمة: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ}؟
إني أرى الشيعة على حق؛ لكون أحكامهم مستمدة من أهل البيت، والذين يتصلون بالرسول مباشرة، قررت مع نفسي: أن أتشيع ولا أعلم عائلتي، انصحوني.
الإجابة: الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ
ومن والاهُ، أمَّا بعدُ:
فلم يُبينِ الأخُ الكريمُ العائدَ في الضمير المتصل: (نـا)، في قوله: الشيعة أكثر منا وفاءً للرسول صلى الله عليه وسلم بحبهم لأهل بيته؟ وإن كان الذي يظهر: أنكَ تقصد أهلَ السنة، فإن كان كذلك، فكلامك ترديد لأكاذيب الرافضة -في زعمهم حبَّ أهل بيت النبي- ليروج مذهبهم الضال على العامة، وإلا فهل من وفائهم للنبي صلى الله عليه وسلم قذفُهم لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها واتهامها بالفاحشة؟! وهي زوجة إمام أهله البيت، المبرأة من الله في قرآن يتلى، واعتقادُهم تحريفَ القرآن ونقصَه، وكلامهم في هذا الشأن، كان متفرقًا في كتبهم المعتبرة، حتى جَمع شتاتَها في كتاب واحد ميرزا حسين محمد تقي النوري الطبرسي المتوفى عام 1320 هـ، وسماه: "فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب ربِّ الأرباب"، زعم فيه أن القرآن الكريم قد حُرف، وذَكَر فيه آياتٍ وسورًا يزعم أن الصحابة حذفوها وأخفوها، ومنها: "سورة الولاية"، ونصها عندهم -كما في الكتاب-: "يا أيها الذين آمَنوا آمِنوا بالنبي والولي الذَيْنِ بعثناهما يهديانِكم إلى الصراط المستقيم، نبي وولي بعضهما من بعض، وأنا العليم الخبير"، وسورةٌ أخرى عندهم يسمونها سورة النورَيْنِ: "يأيها الذين آمَنوا آمِنوا بالنورَيْنِ الذَيْنِ أنزلناهما يتلوانِ عليكم آياتي، ويحذرانِكم عذابَ يومٍ عظيم، بعضُهما من بعض، وأنا السميع العليم. إن الذين يوفون بعهد الله ورسوله في آيات لهم جنات النعيم. والذين كفروا من بعد ما آمنوا بنقضهم ميثاقهم وما عاهدهم الرسول عليه، يقذفون في الجحيم . ظلموا أنفسهم وعصوا وصية الرسول، أولئك يسقون من حميم".
وقد أحدث هذا الكتابُ ضجةً عند الشيعة أنفسهم؛ لأنهم يريدون أن يبقى التشكيك في صحة القرآن محصورًا في خاصتهم، ولا يطلع عليه العامة، وقد ذكر مثل الذي ذكر الطبرسي: ميرزا حبيب الله الهاشمي الخوئي في كتابه: "منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة"، ومحمد باقر المجلسي في كتابه: "تذكرة الأئمة".
فهل هذا هو الوفاء للنبي صلى الله عليه وسلم أكثر من أهل السنة؟
وهل من وفائهم له صلى الله عليه وسلم أكثر من أهل السنة، غلوُّهم في علي والحسين رضي الله عنهما وفي أئمتهم، وزعمُهم أنهم يعلمون الغيب، وأنهم معصومون من السهو والخطأ، حتى أضفوا عليهم بعض صفات الربوبية؟! عياذًا بالله من الخذلان.
وهل من وفائهم له صلى الله عليه وسل- أكثر من أهل السنة، استغاثتهم بالأموات، ودعاؤهم من دون الله، والسجودُ لقبورهم؟!
وحقدُهم على وزيريْ رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي بكر وعمر، وتسميتُهم لهما بصنمَيْ قريش، وأنهما المقصودان بالجبت والطاغوت، وأنهما ما زالا منافِقَيْنِ، وتكفيرُهم لذي النورين عثمان، وجمهورِ السابقين الأولين، وخيرِ القرون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجحدُ سنة النبي صلى الله عليه وسلم وكيدُهم للإسلام وأهله على مدى العصور إلى يوم الناس هذا، وموالاتُهم لليهود والنصارى، هذا مع قلة عقولهم، وجهلهم بالشرع؟
وزعمُهم أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه إمامٌ معصومٌ، وأن من خالفه كفر، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قد نص عليه، وأن المهاجرين والأنصار كتموا النص وكفروا بالإمام المعصوم، وبدلوا الدين وغيروا الشريعة وظلموا واعتدوا؟!
وهل من وفائهم له صلى الله عليه وسلم أكثر من أهل السنة كذلك، تحكُّمُهم في نسب أهل البيت؛ فأنكروا نسب رقية وأم كلثوم ابنتي رسول الله صلى الله عليه وسلم وزعموا أنهما ابنتاه بالتبني؟! وأخرجوا الزبيرَ ابن عمة النبي صلى الله عليه وسلم والعباسَ عمَّه، وجميعَ أولاده، وكفروه هو وابنه عبد الله بن عباس ترجمان القرآن وحبر الأمة، ووصفه كما في "أصول الكافي" (1 / 247)، بأنه "جاهل سخيف العقل"، وكما في كتاب "رجال الكشي" (ص 53) قوله: "اللهم العن ابني فلان وأعم أبصارهما، كما عميت قلوبُهما"، وفَسر ذلك شيخهم حسن المصطفوي: "هما عبد الله بن عباس، وعبيد الله بن عباس".
وكفروا جمهور الصحابة إلا بضعة عشر، وأحيانًا يقولون: آمنوا ثم كفروا، ولا يخفى أن تكفيرهم لجمهور الصحابة إلا عددًا نزرًا محصورًا، يَؤُول بالضرورة الشرعية والعقلية، إلى ردّ الشرع رأسًا، وإلى قطع الأسانيد المتواترة والمشهورة، والآحاد المقبولة، بين الأمة وكتاب ربها، وسنة نبيها صلى الله عليه وسلم حتى يصير دين الإسلام العظيم، كدين اليهود والنصارى؛ وانقطاعُ السند علةٌ قادحةٌ عند أهل العقل والنقل، وهذا يعود على دين الإسلام جملةً بالإهدار والإبطال، والنقض بعد الإبرام؛ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا.
هذا؛ مع ما فيهم من الكذب والبدع والافتراء على الله ورسوله، والغلو والإلحاد، ومعاونة الكفار والمشركين واليهود والنصارى على المسلمين، فكانوا من أعظم أسباب دخول التتار إلى أرض المشرق، بخراسان والعراق والشام، وأعظمِ الناس معاونةً لهم على أخذهم بلادَ الإسلام، وقتل المسلمين، وسبي حريمهم، وقصةُ ابن العلقمي الشيعي وأمثاله مع الخليفة، أشهر من أن تذكر، وكانوا مع النصارى على المسلمين أيام الحروب الصليبية، وفضائحُهم في بلاد الرافدين، وأخبار قتلهم لأهل السنة مع الغزاة الكفرة المحتلين للعراق على مجرد التسمي بأسماء الصحابة، وهدمُهم للمساجد المنسوبة للصحبِ الكرام، وتهجيرُهم لهم، معلومة منشورة.
ولا يسمَحون في بلادهم لأهل السنة والجماعة، بإقامة مسجدٍ يُصَلُّون فيه، ولا يُسمح لهم بإقامة مدارس أو جامعات؛ لتدريس مذهب أهل السنة والجماعة، هذا مع إعدامهم لعلماء أهل السنة، وهي وقائع مشتهرة منشورة؛ بل هو نار على علم.
فما من بليّة ولا رزيّة حلّت بالإسلام والمسلمين؛ إلا وللشيعة فيها يد ظاهرة أو خفية، فتاريخ الشيعة مع أهل السنة حالك السواد، على مدى الأربعةَ عشرَ قرنًا الماضية: من المكر، والوقيعة بالمسلمين، والطعن في ثوابت الإسلام، والغلوِّ في أئمتهم، وهم من أجهل الطوائف وأضعفها عقلاً وعلمًا وعملاً، وفي باب العقائد جَهْمِيَّة قَدَرِيَّة.
هذا؛ وقد تعللوا في تكفير الصِّديق الأكبر أبي بكر، بأشياء هي في نفسها أوهى من بيت العنكبوت، ويعلم كل أحد تهافتها وضعفها؛ منها: أن الصديق الأكبر أبا بكر رضي الله عنه ظلم فاطمةَ ميراثها من رسول الله صلى الله عليه وسلم وردوا قوله صلى الله عليه وسلم: " "؛ رواه مسلم (4676).
ووضعوا أحاديث كثيرة في الطعن في الصحابة؛ حتى طعنوا على جبريل عليه السلام وخونوه وتنقصوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وكُتُبُهم زاخرة بهذا الكفر البواح.
قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة في "منهاج السنة النبوية" (1/8-12): "فالقوم -الرافضة- من أضل الناس عن سواء السبيل؛ فإن الأدلة إما نقلية وإما عقلية، والقوم من أضل الناس في المنقول والمعقول، في المذاهب والتقرير، وهم من أشبه الناس بمن قال الله فيهم: {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [الملك:10]، والقوم من أكذب الناس في النقليات، ومن أجهل الناس في العقليات؛ يصدقون من المنقول بما يعلم العلماء بالاضطرار، أنه من الأباطيل، ويُكَذَّبون بالمعلوم من الاضطرار المتواتر أعظمَ تواتر في الأمة جيلًا بعد جيل، ولا يُميزون في نقلة العلم ورواة الأحاديث والأخبار بين المعروف بالكذب، أو الغلط، أو الجهل بما ينقل، وبين العدل الحافظ الضابط المعروف بالعلم بالآثار.
وعمدتهم في نفس الأمر على التقليد، وإن ظنوا إقامته بالبرهانيات، فتارة يتبعون المعتزلة والقدرية، وتارة يتبعون المجسمة والجبرية، وهم من أجهل هذه الطوائف بالنظريات، ولهذا؛ كانوا عند عامة أهل العلم والدين من أجهل الطوائف الداخلين في المسلمين، ومنهم من أدخل على الدين من الفساد مالا يحصيه إلا رب العباد؛ فملاحدة الإسماعيلية والنصيرية وغيرهم من الباطنية المنافقين من بابهم دخلوا، وأعداء المسلمين من المشركين وأهل الكتاب بطريقهم وصلوا، واستولوا بهم على بلاد الإسلام، وسبوا الحريم وأخذوا الأموال، وسفكوا الدم الحرام، وجرى على الأمة بمعاونتهم من فساد الدين والدنيا ما لا يعلمه إلا رب العالمين؛ إذ كان أصل المذهب من إحداث الزنادقة المنافقين الذين عاقبهم في حياته عليٌّ أمير المؤمنين رضي الله عنه فحرق منهم طائفة بالنار، وطلب قتل بعضهم ففروا من سيفه البتار، وتوعد بالجلد طائفة مفترية فيما عرف عنه من الأخبار؛ إذ قد تواتر عنه من الوجوه الكثيرة، أنه قال -على منبر الكوفة وقد أسمع من حضر-: "خير هذ الأمة بعد نبيها، أبو بكر، ثم عمرُ"، وبذلك أجاب ابنُه محمدُ بنُ الحنفيةِ؛ فيما رواه البخاريُّ في صحيحه، وغيرُه من علماء الملة الحنيفية.
قال الشعبي: أحذركم هذه الأهواء المضلة، وشرها الرافضة؛ لم يدخلوا في الإسلام رغبة ولا رهبة، ولكن مقتًا لأهل الإسلام وبغيًا عليهم، قد حرَّقهم علي رضي الله عنه بالنار، ونفاهم إلى البلدان، منهم: عبد الله بن سبأ، يهوديٌّ من يهود صنعاء، نفاه إلى ساباط، وعبدُ الله بن يسار، نفاه إلى خازر، وآية ذلك؛ أن محنة الرافضة محنةُ اليهود، قالت اليهود: لا يصلح الملك إلا في آل داود، وقالت الرافضة: لا تصلح الإمامة إلا في ولد علي،... وفُضِّلت اليهودُ والنصارى على الرافضة بخصلتين، سئلت اليهود: من خير أهل ملتكم؟ قالوا: أصحاب موسى، وسئلت النصاري: من خير أهل ملتكم؟ قالوا: حواري عيسى، وسئلت الرافضة: من شر أهل ملتكم؟ قالوا: أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- أمروا بالاستغفار لهم فسبوهم.
فالسيف عليهم مسلول إلى يوم القيامة، لا تقوم لهم راية، ولا يثبت لهم قدم، ولا تجتمع لهم كلمة، ولا تجاب لهم دعوة، دعوتهم مدحوضة، وكلمتهم مختلفة، وجمعهم متفرق، كلما أوقدوا نارًا للحرب أطفأها الله".
وقال في (1/20): "فإنهم أعظم ذوي الأهواء جهلًا وظلمًا؛ يعادون خيار أولياء الله تعالى من بعد النبيين من السابقين الأولين، من المهاجرين والأنصار، والذين اتبعوهم بإحسان رضى الله عنهم ورضوا عنه ويوالون الكفار والمنافقين من اليهود والنصارى والمشركين وأصناف الملحدين، كالنصيرية والإسماعيلية وغيرهم من الضالين، فتجدهم أو كثيرًا منهم إذا اختصم خصمان في ربهم من المؤمنين والكفار، واختلف الناس فيما جاءت به الأنبياء، فمنهم من آمن ومنهم من كفر، سواء كان الاختلاف بقول أو عمل، كالحروب التي بين المسلمين وأهل الكتاب والمشركين، تجدهم يعاونون المشركين وأهل الكتاب على المسلمين أهل القرآن؛ كما قد جربه الناس منهم غير مرة، في مثل إعانتهم للمشركين من الترك وغيرهم على أهل الإسلام بخراسان، والعراق، والجزيرة، والشام، وغير ذلك، وإعانتِهم للنصارى على المسلمين بالشام، ومصر، وغير ذلك، في وقائع متعددة، من أعظمها: الحوادث التي كانت في الإسلام في المائة الرابعة والسابعة؛ فإنه لما قدم كفار الترك إلى بلاد الإسلام، وقتل من المسلمين ما لا يُحصِي عددَه إلا رب الأنام، كانوا من أعظم الناس عداوة للمسلمين، ومعاونة للكافرين، وهكذا معاونتُهم لليهود أمر شهير، حتى جعلهم الناس لهم كالحمير". اهـ.
وقال ابن الجوزي في "تلبيس إبليس" (1/120): "وغلو الرافضة في حب علي رضي الله عنه حمَلَهم على أن وضعوا أحاديث كثيرة في فضائله، أكثرُها تُشينه وتؤذيه، وقد ذكرت منها جملة في كتاب الموضوعات، منها: أن الشمس غابت ففاتت عليًّا صلاةُ العصر، فرُدت له الشمسُ، وهذا من حيث النقلُ، موضوع لم يروه ثقة، ومن حيث المعنى، فإن الوقت قد فات، وعودها طلوع متجدد، فلا يُرد الوقت، وكذلك وضعوا أن فاطمة اغتسلت، ثم ماتت وأوصت أن تكتفي بذلك الغسل، وهذا من حيث النقلُ، كذبٌ، ومن حيث المعنى: قلة فهم؛ لأن الغسل عن حدث الموت، فكيف يصح قبله؟ ثم لهم خرافات لا يسندونها إلى مستند، ولهم مذاهب في الفقه ابتدعوها، وخرافات تخالف الإجماع.
وقال: "ومقابح الرافضة أكثر من أن تحصى، وابتُلوا بسب الصحابة، وفي الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: " "".
أما يزيد بن معاوية، فقول أهل السنة والجماعة فيه: إنه كان من ملوك المسلمين، له حسنات وسيئات، ولم يولد إلا في خلافة عثمان، ولم يكن كافرًا، ولكن جرى بسببه ما جرى من مصرع "الحسين"، وفَعل ما فَعل بأهل الحرة، ولم يكن صاحبًا، ولا من أولياء الله الصالحين.
وقالت الشيعة: إنه كان كافرًا منافقًا، وأنه سَعى في قتل سبط رسول الله؛ تشفيًّا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتقامًا منه وأخذًا بثأر جدِّه عتبة، وأخي جده شيبة، وخاله الوليد بن عتبة، وغيرهم، وهذا قول من يكفرون أبا بكر وعمر وعثمان، فتكفير يزيدَ أسهل عليهم.
وعَكَس قوم فقالوا: هو رجل صالح، وإمام عدل، وأنه كان من "الصحابة"، وفضَّله بعضهم على أبي بكر وعمر، قولُ غالية العدوية والأكراد.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (1 / 291):
"فإن يزيد بن معاوية ولد في خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه ولم يدرك النبيَّ صلى الله عليه وسلم ولا كان من الصحابة باتفاق العلماء؛ ولا كان من المشهورين بالدين والصلاح، وكان من شبان المسلمين، ولا كان كافرًا ولا زنديقًا، وتولى بعد أبيه على كراهة من بعض المسلمين، ورضا من بعضهم، وكان فيه شجاعة وكرم، ولم يكن مظهرًا للفواحش؛ كما يحكي عنه خصومه.
وجرت في إمارته أمور عظيمة، أحدها: مقتل الحسين رضي الله عنه وهو لم يأمر بقتل الحسين، ولا أظهر الفرح بقتله، ولا نكت بالقضيب على ثناياه رضي الله عنه ولا حمل رأس الحسين رضي الله عنه إلى الشام، لكن أمر بمنع الحسين رضي الله عنه وبدفعه عن الأمر -ولو كان بقتاله- فزاد النواب على أمره، وحض الشمرذيُّ "الجيوش على قتله لعبيد الله بن زياد؛ فاعتدى عليه عبيد الله بن زياد فطلب منهم الحسين رضي الله عنه أن يجيء إلى يزيد، أو يذهب إلى الثغر مرابطًا، أو يعود إلى مكة، فمنعوه رضي الله عنه إلا أن يُستأسَر لهم، وأمر عمر بن سعد بقتاله -فقتلوه مظلومًا- له ولطائفة من أهل بيته رضي الله عنهم وكان قتله رضي الله عنه من المصائب العظيمة؛ فإن قتل الحسين، وقتل عثمان قبله، كانا من أعظم أسباب الفتن في هذه الأمة، وقَتَلتُهما من شرار الخلق عند الله.
ولما قدم أهلُهم رضي الله عنهم على يزيد بن معاوية، أكرمهم وسيرهم إلى المدينة، وروي عنه: أنه لعن ابن زياد على قتله، وقال: كنت أرضى من طاعة أهل العراق، بدون قتل الحسين، لكنه مع هذا لم يَظهَر منه إنكارُ قتله.
والانتصارُ له والأخذُ بثأره، كان هو الواجبَ عليه، فصار أهل الحق يلومونه على تركه للواجب، مضافًا إلى أمور أخرى.
وأما الأمر الثاني: فإن أهل المدينة النبوية، نقضوا بيعته وأخرجوا نوابه وأهله، فبعث إليهم جيشًا، وأمره إذا لم يطيعوه بعد ثلاث أن يدخلها بالسيف، ويبيحَها ثلاثًا، فصار عسكره في المدينة النبوية ثلاثًا، يقتلون وينهبون ويفضون الفروج المحرمة، ثم أرسل جيشًا إلى مكة المشرفة، فحاصروا مكة، وتوفي يزيد وهم محاصرون مكة، وهذا من العدوان والظلم الذي فُعل بأمره؛ ولهذا كان الذي عليه مُعتقَد أهل السنة وأئمة الأمة: أنه لا يُسبُّ ولا يُحبُّ، قال صالح بن أحمد بن حنبل: "قلت لأبي: إن قومًا يقولون: إنهم يحبون يزيدَ، قال: يا بُني، وهل يُحِبُّ يزيدَ أحدٌ يؤمن بالله واليوم الآخر؟ فقلت: يا أبت، فلماذا لا تلعنُه؟ قال: يا بُني، ومتى رأيت أباك يلعنُ أحدًا؟
ورُوي عنه، قيل له: أتكتب الحديث عن يزيدَ بنِ معاوية؟ فقال: لا، ولا كرامة؛ أوليس هو الذي فعل بأهل المدينة ما فعل؟
فيزيدُ عند علماء أئمة المسلمين، ملِكٌ من الملوك، لا يحبونه محبة الصالحين وأولياء الله، ولا يسبونه، فإنهم لا يحبون لعنة المسلم المعين.
ومع هذا، فطائفة من أهل السنة يجيزون لعْنَه؛ لأنهم يعتقدون أنه فعل من الظلم ما يجوز لعنُ فاعله، وطائفة أخرى ترى محبته؛ لأنه مسلم تولى على عهد الصحابة، وبايعه الصحابة، ويقولون: لم يصح عنه ما نقل عنه، وكانت له محاسن، أو كان مجتهدًا فيما فعله.
والصواب: هو ما عليه الأئمة: من أنه لا يُخص بمحبة ولا يُلعن، ومع هذا، فإن كان فاسقًا، أو ظالمًا، فالله يغفر للفاسق والظالم؛ لاسيَّما إذا أتى بحسنات عظيمة.
وقد روى البخاري في "صحيحه" عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: " " وأول جيش غزاها، كان أميرهم يزيد بن معاوية وكان معه أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه.
فالواجب الاقتصار في ذلك، والإعراض عن ذكر يزيدَ بنِ معاوية وامتحان المسلمين به، فإن هذا من البدع المخالفة لأهل السنة والجماعة؛ فإنه بسبب ذلك اعتقد قوم من الجهال أن يزيد بن معاوية من الصحابة، وأنه من أكابر الصالحين، وأئمة العدل، وهو خطأٌ بيِّن".
أما التفسير الذي ذكره الأخ الكريم، فمن كذب الشيعة و تقوُّلهم على رب العالمين، وطعنهم في الصحب الكرام نَقَلة الشريعة، وهو مثال لكذبهم كما سيظهر؛ فقد جاء عقب الآية المذكورة آيات دالةٍ على عفو الله عن الصحب الكرام بعد ذلك، قال تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران:144]، إلى أن قال سبحانه: {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران:152].
وتلك الآيات قد نزلت في غزوة أحد، وكانت الدولة أول النهار للمسلمين على الكفار، فانهزم عدو الله وولوا مدبرين حتى انتهوا إلى نسائهم، فلما رأى الرماة هزيمتهم، تركوا مركزهم الذي أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظه، وقالوا: يا قوم الغنيمة، فذكَّرهم أميرُهم عهدَ رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يسمعوا، وظنوا أن ليس للمشركين رجعةٌ، فذهبوا في طلب الغنيمة، وأخْلوا الثغر، وكر فرسان المشركين، فوجدوا الثغر قد خلا من الرماة، فجازوا منه وتمكنوا، حتى أقبل آخرُهم، فأحاطوا بالمسلمين وأدرك المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم يريدون ما الله حائل بينهم وبينه، فحال دونه نفر من المسلمين، نحو عشرة، حتى قُتلوا، ثم جالَدَهم طلحةُ حتى أجهضهم عنه، وترَّس أبو دجانة عليه بظهره، والنبل يقع فيه وهو لا يتحرك، وصرخ الشيطان بأعلى صوته: إن محمدًا قد قتل، ووقع ذلك في قلوب كثير من المسلمين، وفرّ أكثرهم، وكان أمر الله قدرًا مقدورًا، ومرّ أنس بن النضر بقوم من المسلمين قد ألقوا بأيديهم، فقال: ما تنتظرون؟ فقالوا: قُتل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما تصنعون في الحياة بعده؟ قوموا فموتوا على ما مات عليه، ثم استقبل الناس، ولقي سعد بن معاذ، فقال: يا سعدُ، إني لأجد ريح الجنة من دون أُحُد، فقاتل حتى قتل، ووُجد به سبعون ضربة، وجُرح يومئذ عبد الرحمن بن عوف نحوًا من عشرين جراحة، وأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوَ المسلمين، وكان أولَ من عرفه تحت المغفر، كعبُ بن مالك، فصاح بأعلى صوته: يا معشر المسلمين، أبشروا، هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأشار إليه: أن اسكت، واجتمع إليه المسلمون، ونهضوا معه إلى الشِّعب الذي نزل فيه، وفيهم أبو بكر وعمر وعلي والحارث بن الصمة الأنصاري، وغيرهم، كان يومُ أحُد يومَ بلاء وتمحيص، اختبر الله عز وجل به المؤمنين، وأظهر به المنافقين، ممن كان يظهر الإسلام بلسانه، وهو مستخف بالكفر، فأكرم الله فيه من أراد كرامته بالشهادة من أهل ولايته، فكان مما نزل من القرآن في يوم أحُد، ستون آيةً من آل عمران، ثم أخبرهم: أنه صدَقهم وعدَه في نصرتِهم على عدوهم، وهو الصادق الوعد، وأنهم لو استمروا على الطاعة، ولزوم أمر الرسول، لاستمرت نصرتُهم، ولكن انخلعوا عن الطاعة، وفارقوا مركزهم، فانخلعوا عن عصمة الطاعة، ففارقتْهم النصرة، فصرفهم عن عدوهم عقوبة وابتلاءً، وتعريفًا لهم بسوء عواقب المعصية، وحسن عاقبة الطاعة، ثم أخبر أنه عفا عنهم بعد ذلك كلِّه، وأنه ذو فضل على عباده المؤمنين.
كما في "زاد المعاد زاد المعاد" (3 / 172).
قال الإمام أبو جعفر الطبري في تفسيره (7 / 298) عند قوله تعالى: {وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 152]: "ولقد عفا الله -أيها المخالفون أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم والتاركون طاعته فيما تقدم به إليكم، من لزوم الموضع الذي أمركم بلزومه- عنكم، فصفح لكم من عقوبة ذنبكم الذي أتيتموه، عما هو أعظم مما عاقبكم به، من هزيمة أعدائكم إياكم، وصرفِ وجوهكم عنهم؛ إذ لم يستأصل جمعكم". اهـ.
هذا؛ وما ننصح به الأخَ الكريم غير ما ذكرنا، هو مراجعةُ بعض الكتب التي تتكلم على عقائد الشيعة من واقع كتبهم المنشورة ككتاب: "الخميني شذوذ في العقائد شذوذ في المواقف"، تأليف: سعيد حوى، وكتاب: "الخطوط العريضة للأسس التي قام عليها دين الشيعة"، تأليف: محب الدين الخطيب، وكتاب: "لله.. ثم للتاريخ"، تأليف: السيد حسين الموسوي من علماء النجف، وهو من كبار علماء الشيعة، وله صلاته القوية مع كبار علماء وآيات الشيعة، من أمثال: كاشف الغطاء، والخوئي، والصدر، والخميني، وعبد الحسين شرف الدين الذي كان يتردد على النجف، وتحدث الموسوي في كتابه عن غرائب تجاربه مع مراجع الشيعة.
وبالجملة فالرافضة طائفة كفرية جمعت بين الشرك والحمق وقلة العقل؛ فاعتقدوا عصمة أهل البيت رضي الله تعالى عنهم وعصمة ذرياتهم وأئمتهم، وتقربوا لله بسب أبي بكر وعمر، وسائر الصحابة، ويقذفون أم المؤمنين عائشة؛ فهذا دينهم الذي يدينون به، فلتحذر من الاغترار بكذبهم، والدخول في حزبهم.
المصدر: موقع الآلوكة
فلم يُبينِ الأخُ الكريمُ العائدَ في الضمير المتصل: (نـا)، في قوله: الشيعة أكثر منا وفاءً للرسول صلى الله عليه وسلم بحبهم لأهل بيته؟ وإن كان الذي يظهر: أنكَ تقصد أهلَ السنة، فإن كان كذلك، فكلامك ترديد لأكاذيب الرافضة -في زعمهم حبَّ أهل بيت النبي- ليروج مذهبهم الضال على العامة، وإلا فهل من وفائهم للنبي صلى الله عليه وسلم قذفُهم لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها واتهامها بالفاحشة؟! وهي زوجة إمام أهله البيت، المبرأة من الله في قرآن يتلى، واعتقادُهم تحريفَ القرآن ونقصَه، وكلامهم في هذا الشأن، كان متفرقًا في كتبهم المعتبرة، حتى جَمع شتاتَها في كتاب واحد ميرزا حسين محمد تقي النوري الطبرسي المتوفى عام 1320 هـ، وسماه: "فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب ربِّ الأرباب"، زعم فيه أن القرآن الكريم قد حُرف، وذَكَر فيه آياتٍ وسورًا يزعم أن الصحابة حذفوها وأخفوها، ومنها: "سورة الولاية"، ونصها عندهم -كما في الكتاب-: "يا أيها الذين آمَنوا آمِنوا بالنبي والولي الذَيْنِ بعثناهما يهديانِكم إلى الصراط المستقيم، نبي وولي بعضهما من بعض، وأنا العليم الخبير"، وسورةٌ أخرى عندهم يسمونها سورة النورَيْنِ: "يأيها الذين آمَنوا آمِنوا بالنورَيْنِ الذَيْنِ أنزلناهما يتلوانِ عليكم آياتي، ويحذرانِكم عذابَ يومٍ عظيم، بعضُهما من بعض، وأنا السميع العليم. إن الذين يوفون بعهد الله ورسوله في آيات لهم جنات النعيم. والذين كفروا من بعد ما آمنوا بنقضهم ميثاقهم وما عاهدهم الرسول عليه، يقذفون في الجحيم . ظلموا أنفسهم وعصوا وصية الرسول، أولئك يسقون من حميم".
وقد أحدث هذا الكتابُ ضجةً عند الشيعة أنفسهم؛ لأنهم يريدون أن يبقى التشكيك في صحة القرآن محصورًا في خاصتهم، ولا يطلع عليه العامة، وقد ذكر مثل الذي ذكر الطبرسي: ميرزا حبيب الله الهاشمي الخوئي في كتابه: "منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة"، ومحمد باقر المجلسي في كتابه: "تذكرة الأئمة".
فهل هذا هو الوفاء للنبي صلى الله عليه وسلم أكثر من أهل السنة؟
وهل من وفائهم له صلى الله عليه وسلم أكثر من أهل السنة، غلوُّهم في علي والحسين رضي الله عنهما وفي أئمتهم، وزعمُهم أنهم يعلمون الغيب، وأنهم معصومون من السهو والخطأ، حتى أضفوا عليهم بعض صفات الربوبية؟! عياذًا بالله من الخذلان.
وهل من وفائهم له صلى الله عليه وسل- أكثر من أهل السنة، استغاثتهم بالأموات، ودعاؤهم من دون الله، والسجودُ لقبورهم؟!
وحقدُهم على وزيريْ رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي بكر وعمر، وتسميتُهم لهما بصنمَيْ قريش، وأنهما المقصودان بالجبت والطاغوت، وأنهما ما زالا منافِقَيْنِ، وتكفيرُهم لذي النورين عثمان، وجمهورِ السابقين الأولين، وخيرِ القرون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجحدُ سنة النبي صلى الله عليه وسلم وكيدُهم للإسلام وأهله على مدى العصور إلى يوم الناس هذا، وموالاتُهم لليهود والنصارى، هذا مع قلة عقولهم، وجهلهم بالشرع؟
وزعمُهم أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه إمامٌ معصومٌ، وأن من خالفه كفر، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قد نص عليه، وأن المهاجرين والأنصار كتموا النص وكفروا بالإمام المعصوم، وبدلوا الدين وغيروا الشريعة وظلموا واعتدوا؟!
وهل من وفائهم له صلى الله عليه وسلم أكثر من أهل السنة كذلك، تحكُّمُهم في نسب أهل البيت؛ فأنكروا نسب رقية وأم كلثوم ابنتي رسول الله صلى الله عليه وسلم وزعموا أنهما ابنتاه بالتبني؟! وأخرجوا الزبيرَ ابن عمة النبي صلى الله عليه وسلم والعباسَ عمَّه، وجميعَ أولاده، وكفروه هو وابنه عبد الله بن عباس ترجمان القرآن وحبر الأمة، ووصفه كما في "أصول الكافي" (1 / 247)، بأنه "جاهل سخيف العقل"، وكما في كتاب "رجال الكشي" (ص 53) قوله: "اللهم العن ابني فلان وأعم أبصارهما، كما عميت قلوبُهما"، وفَسر ذلك شيخهم حسن المصطفوي: "هما عبد الله بن عباس، وعبيد الله بن عباس".
وكفروا جمهور الصحابة إلا بضعة عشر، وأحيانًا يقولون: آمنوا ثم كفروا، ولا يخفى أن تكفيرهم لجمهور الصحابة إلا عددًا نزرًا محصورًا، يَؤُول بالضرورة الشرعية والعقلية، إلى ردّ الشرع رأسًا، وإلى قطع الأسانيد المتواترة والمشهورة، والآحاد المقبولة، بين الأمة وكتاب ربها، وسنة نبيها صلى الله عليه وسلم حتى يصير دين الإسلام العظيم، كدين اليهود والنصارى؛ وانقطاعُ السند علةٌ قادحةٌ عند أهل العقل والنقل، وهذا يعود على دين الإسلام جملةً بالإهدار والإبطال، والنقض بعد الإبرام؛ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا.
هذا؛ مع ما فيهم من الكذب والبدع والافتراء على الله ورسوله، والغلو والإلحاد، ومعاونة الكفار والمشركين واليهود والنصارى على المسلمين، فكانوا من أعظم أسباب دخول التتار إلى أرض المشرق، بخراسان والعراق والشام، وأعظمِ الناس معاونةً لهم على أخذهم بلادَ الإسلام، وقتل المسلمين، وسبي حريمهم، وقصةُ ابن العلقمي الشيعي وأمثاله مع الخليفة، أشهر من أن تذكر، وكانوا مع النصارى على المسلمين أيام الحروب الصليبية، وفضائحُهم في بلاد الرافدين، وأخبار قتلهم لأهل السنة مع الغزاة الكفرة المحتلين للعراق على مجرد التسمي بأسماء الصحابة، وهدمُهم للمساجد المنسوبة للصحبِ الكرام، وتهجيرُهم لهم، معلومة منشورة.
ولا يسمَحون في بلادهم لأهل السنة والجماعة، بإقامة مسجدٍ يُصَلُّون فيه، ولا يُسمح لهم بإقامة مدارس أو جامعات؛ لتدريس مذهب أهل السنة والجماعة، هذا مع إعدامهم لعلماء أهل السنة، وهي وقائع مشتهرة منشورة؛ بل هو نار على علم.
فما من بليّة ولا رزيّة حلّت بالإسلام والمسلمين؛ إلا وللشيعة فيها يد ظاهرة أو خفية، فتاريخ الشيعة مع أهل السنة حالك السواد، على مدى الأربعةَ عشرَ قرنًا الماضية: من المكر، والوقيعة بالمسلمين، والطعن في ثوابت الإسلام، والغلوِّ في أئمتهم، وهم من أجهل الطوائف وأضعفها عقلاً وعلمًا وعملاً، وفي باب العقائد جَهْمِيَّة قَدَرِيَّة.
هذا؛ وقد تعللوا في تكفير الصِّديق الأكبر أبي بكر، بأشياء هي في نفسها أوهى من بيت العنكبوت، ويعلم كل أحد تهافتها وضعفها؛ منها: أن الصديق الأكبر أبا بكر رضي الله عنه ظلم فاطمةَ ميراثها من رسول الله صلى الله عليه وسلم وردوا قوله صلى الله عليه وسلم: " "؛ رواه مسلم (4676).
ووضعوا أحاديث كثيرة في الطعن في الصحابة؛ حتى طعنوا على جبريل عليه السلام وخونوه وتنقصوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وكُتُبُهم زاخرة بهذا الكفر البواح.
قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة في "منهاج السنة النبوية" (1/8-12): "فالقوم -الرافضة- من أضل الناس عن سواء السبيل؛ فإن الأدلة إما نقلية وإما عقلية، والقوم من أضل الناس في المنقول والمعقول، في المذاهب والتقرير، وهم من أشبه الناس بمن قال الله فيهم: {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [الملك:10]، والقوم من أكذب الناس في النقليات، ومن أجهل الناس في العقليات؛ يصدقون من المنقول بما يعلم العلماء بالاضطرار، أنه من الأباطيل، ويُكَذَّبون بالمعلوم من الاضطرار المتواتر أعظمَ تواتر في الأمة جيلًا بعد جيل، ولا يُميزون في نقلة العلم ورواة الأحاديث والأخبار بين المعروف بالكذب، أو الغلط، أو الجهل بما ينقل، وبين العدل الحافظ الضابط المعروف بالعلم بالآثار.
وعمدتهم في نفس الأمر على التقليد، وإن ظنوا إقامته بالبرهانيات، فتارة يتبعون المعتزلة والقدرية، وتارة يتبعون المجسمة والجبرية، وهم من أجهل هذه الطوائف بالنظريات، ولهذا؛ كانوا عند عامة أهل العلم والدين من أجهل الطوائف الداخلين في المسلمين، ومنهم من أدخل على الدين من الفساد مالا يحصيه إلا رب العباد؛ فملاحدة الإسماعيلية والنصيرية وغيرهم من الباطنية المنافقين من بابهم دخلوا، وأعداء المسلمين من المشركين وأهل الكتاب بطريقهم وصلوا، واستولوا بهم على بلاد الإسلام، وسبوا الحريم وأخذوا الأموال، وسفكوا الدم الحرام، وجرى على الأمة بمعاونتهم من فساد الدين والدنيا ما لا يعلمه إلا رب العالمين؛ إذ كان أصل المذهب من إحداث الزنادقة المنافقين الذين عاقبهم في حياته عليٌّ أمير المؤمنين رضي الله عنه فحرق منهم طائفة بالنار، وطلب قتل بعضهم ففروا من سيفه البتار، وتوعد بالجلد طائفة مفترية فيما عرف عنه من الأخبار؛ إذ قد تواتر عنه من الوجوه الكثيرة، أنه قال -على منبر الكوفة وقد أسمع من حضر-: "خير هذ الأمة بعد نبيها، أبو بكر، ثم عمرُ"، وبذلك أجاب ابنُه محمدُ بنُ الحنفيةِ؛ فيما رواه البخاريُّ في صحيحه، وغيرُه من علماء الملة الحنيفية.
قال الشعبي: أحذركم هذه الأهواء المضلة، وشرها الرافضة؛ لم يدخلوا في الإسلام رغبة ولا رهبة، ولكن مقتًا لأهل الإسلام وبغيًا عليهم، قد حرَّقهم علي رضي الله عنه بالنار، ونفاهم إلى البلدان، منهم: عبد الله بن سبأ، يهوديٌّ من يهود صنعاء، نفاه إلى ساباط، وعبدُ الله بن يسار، نفاه إلى خازر، وآية ذلك؛ أن محنة الرافضة محنةُ اليهود، قالت اليهود: لا يصلح الملك إلا في آل داود، وقالت الرافضة: لا تصلح الإمامة إلا في ولد علي،... وفُضِّلت اليهودُ والنصارى على الرافضة بخصلتين، سئلت اليهود: من خير أهل ملتكم؟ قالوا: أصحاب موسى، وسئلت النصاري: من خير أهل ملتكم؟ قالوا: حواري عيسى، وسئلت الرافضة: من شر أهل ملتكم؟ قالوا: أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- أمروا بالاستغفار لهم فسبوهم.
فالسيف عليهم مسلول إلى يوم القيامة، لا تقوم لهم راية، ولا يثبت لهم قدم، ولا تجتمع لهم كلمة، ولا تجاب لهم دعوة، دعوتهم مدحوضة، وكلمتهم مختلفة، وجمعهم متفرق، كلما أوقدوا نارًا للحرب أطفأها الله".
وقال في (1/20): "فإنهم أعظم ذوي الأهواء جهلًا وظلمًا؛ يعادون خيار أولياء الله تعالى من بعد النبيين من السابقين الأولين، من المهاجرين والأنصار، والذين اتبعوهم بإحسان رضى الله عنهم ورضوا عنه ويوالون الكفار والمنافقين من اليهود والنصارى والمشركين وأصناف الملحدين، كالنصيرية والإسماعيلية وغيرهم من الضالين، فتجدهم أو كثيرًا منهم إذا اختصم خصمان في ربهم من المؤمنين والكفار، واختلف الناس فيما جاءت به الأنبياء، فمنهم من آمن ومنهم من كفر، سواء كان الاختلاف بقول أو عمل، كالحروب التي بين المسلمين وأهل الكتاب والمشركين، تجدهم يعاونون المشركين وأهل الكتاب على المسلمين أهل القرآن؛ كما قد جربه الناس منهم غير مرة، في مثل إعانتهم للمشركين من الترك وغيرهم على أهل الإسلام بخراسان، والعراق، والجزيرة، والشام، وغير ذلك، وإعانتِهم للنصارى على المسلمين بالشام، ومصر، وغير ذلك، في وقائع متعددة، من أعظمها: الحوادث التي كانت في الإسلام في المائة الرابعة والسابعة؛ فإنه لما قدم كفار الترك إلى بلاد الإسلام، وقتل من المسلمين ما لا يُحصِي عددَه إلا رب الأنام، كانوا من أعظم الناس عداوة للمسلمين، ومعاونة للكافرين، وهكذا معاونتُهم لليهود أمر شهير، حتى جعلهم الناس لهم كالحمير". اهـ.
وقال ابن الجوزي في "تلبيس إبليس" (1/120): "وغلو الرافضة في حب علي رضي الله عنه حمَلَهم على أن وضعوا أحاديث كثيرة في فضائله، أكثرُها تُشينه وتؤذيه، وقد ذكرت منها جملة في كتاب الموضوعات، منها: أن الشمس غابت ففاتت عليًّا صلاةُ العصر، فرُدت له الشمسُ، وهذا من حيث النقلُ، موضوع لم يروه ثقة، ومن حيث المعنى، فإن الوقت قد فات، وعودها طلوع متجدد، فلا يُرد الوقت، وكذلك وضعوا أن فاطمة اغتسلت، ثم ماتت وأوصت أن تكتفي بذلك الغسل، وهذا من حيث النقلُ، كذبٌ، ومن حيث المعنى: قلة فهم؛ لأن الغسل عن حدث الموت، فكيف يصح قبله؟ ثم لهم خرافات لا يسندونها إلى مستند، ولهم مذاهب في الفقه ابتدعوها، وخرافات تخالف الإجماع.
وقال: "ومقابح الرافضة أكثر من أن تحصى، وابتُلوا بسب الصحابة، وفي الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: " "".
أما يزيد بن معاوية، فقول أهل السنة والجماعة فيه: إنه كان من ملوك المسلمين، له حسنات وسيئات، ولم يولد إلا في خلافة عثمان، ولم يكن كافرًا، ولكن جرى بسببه ما جرى من مصرع "الحسين"، وفَعل ما فَعل بأهل الحرة، ولم يكن صاحبًا، ولا من أولياء الله الصالحين.
وقالت الشيعة: إنه كان كافرًا منافقًا، وأنه سَعى في قتل سبط رسول الله؛ تشفيًّا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتقامًا منه وأخذًا بثأر جدِّه عتبة، وأخي جده شيبة، وخاله الوليد بن عتبة، وغيرهم، وهذا قول من يكفرون أبا بكر وعمر وعثمان، فتكفير يزيدَ أسهل عليهم.
وعَكَس قوم فقالوا: هو رجل صالح، وإمام عدل، وأنه كان من "الصحابة"، وفضَّله بعضهم على أبي بكر وعمر، قولُ غالية العدوية والأكراد.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (1 / 291):
"فإن يزيد بن معاوية ولد في خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه ولم يدرك النبيَّ صلى الله عليه وسلم ولا كان من الصحابة باتفاق العلماء؛ ولا كان من المشهورين بالدين والصلاح، وكان من شبان المسلمين، ولا كان كافرًا ولا زنديقًا، وتولى بعد أبيه على كراهة من بعض المسلمين، ورضا من بعضهم، وكان فيه شجاعة وكرم، ولم يكن مظهرًا للفواحش؛ كما يحكي عنه خصومه.
وجرت في إمارته أمور عظيمة، أحدها: مقتل الحسين رضي الله عنه وهو لم يأمر بقتل الحسين، ولا أظهر الفرح بقتله، ولا نكت بالقضيب على ثناياه رضي الله عنه ولا حمل رأس الحسين رضي الله عنه إلى الشام، لكن أمر بمنع الحسين رضي الله عنه وبدفعه عن الأمر -ولو كان بقتاله- فزاد النواب على أمره، وحض الشمرذيُّ "الجيوش على قتله لعبيد الله بن زياد؛ فاعتدى عليه عبيد الله بن زياد فطلب منهم الحسين رضي الله عنه أن يجيء إلى يزيد، أو يذهب إلى الثغر مرابطًا، أو يعود إلى مكة، فمنعوه رضي الله عنه إلا أن يُستأسَر لهم، وأمر عمر بن سعد بقتاله -فقتلوه مظلومًا- له ولطائفة من أهل بيته رضي الله عنهم وكان قتله رضي الله عنه من المصائب العظيمة؛ فإن قتل الحسين، وقتل عثمان قبله، كانا من أعظم أسباب الفتن في هذه الأمة، وقَتَلتُهما من شرار الخلق عند الله.
ولما قدم أهلُهم رضي الله عنهم على يزيد بن معاوية، أكرمهم وسيرهم إلى المدينة، وروي عنه: أنه لعن ابن زياد على قتله، وقال: كنت أرضى من طاعة أهل العراق، بدون قتل الحسين، لكنه مع هذا لم يَظهَر منه إنكارُ قتله.
والانتصارُ له والأخذُ بثأره، كان هو الواجبَ عليه، فصار أهل الحق يلومونه على تركه للواجب، مضافًا إلى أمور أخرى.
وأما الأمر الثاني: فإن أهل المدينة النبوية، نقضوا بيعته وأخرجوا نوابه وأهله، فبعث إليهم جيشًا، وأمره إذا لم يطيعوه بعد ثلاث أن يدخلها بالسيف، ويبيحَها ثلاثًا، فصار عسكره في المدينة النبوية ثلاثًا، يقتلون وينهبون ويفضون الفروج المحرمة، ثم أرسل جيشًا إلى مكة المشرفة، فحاصروا مكة، وتوفي يزيد وهم محاصرون مكة، وهذا من العدوان والظلم الذي فُعل بأمره؛ ولهذا كان الذي عليه مُعتقَد أهل السنة وأئمة الأمة: أنه لا يُسبُّ ولا يُحبُّ، قال صالح بن أحمد بن حنبل: "قلت لأبي: إن قومًا يقولون: إنهم يحبون يزيدَ، قال: يا بُني، وهل يُحِبُّ يزيدَ أحدٌ يؤمن بالله واليوم الآخر؟ فقلت: يا أبت، فلماذا لا تلعنُه؟ قال: يا بُني، ومتى رأيت أباك يلعنُ أحدًا؟
ورُوي عنه، قيل له: أتكتب الحديث عن يزيدَ بنِ معاوية؟ فقال: لا، ولا كرامة؛ أوليس هو الذي فعل بأهل المدينة ما فعل؟
فيزيدُ عند علماء أئمة المسلمين، ملِكٌ من الملوك، لا يحبونه محبة الصالحين وأولياء الله، ولا يسبونه، فإنهم لا يحبون لعنة المسلم المعين.
ومع هذا، فطائفة من أهل السنة يجيزون لعْنَه؛ لأنهم يعتقدون أنه فعل من الظلم ما يجوز لعنُ فاعله، وطائفة أخرى ترى محبته؛ لأنه مسلم تولى على عهد الصحابة، وبايعه الصحابة، ويقولون: لم يصح عنه ما نقل عنه، وكانت له محاسن، أو كان مجتهدًا فيما فعله.
والصواب: هو ما عليه الأئمة: من أنه لا يُخص بمحبة ولا يُلعن، ومع هذا، فإن كان فاسقًا، أو ظالمًا، فالله يغفر للفاسق والظالم؛ لاسيَّما إذا أتى بحسنات عظيمة.
وقد روى البخاري في "صحيحه" عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: " " وأول جيش غزاها، كان أميرهم يزيد بن معاوية وكان معه أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه.
فالواجب الاقتصار في ذلك، والإعراض عن ذكر يزيدَ بنِ معاوية وامتحان المسلمين به، فإن هذا من البدع المخالفة لأهل السنة والجماعة؛ فإنه بسبب ذلك اعتقد قوم من الجهال أن يزيد بن معاوية من الصحابة، وأنه من أكابر الصالحين، وأئمة العدل، وهو خطأٌ بيِّن".
أما التفسير الذي ذكره الأخ الكريم، فمن كذب الشيعة و تقوُّلهم على رب العالمين، وطعنهم في الصحب الكرام نَقَلة الشريعة، وهو مثال لكذبهم كما سيظهر؛ فقد جاء عقب الآية المذكورة آيات دالةٍ على عفو الله عن الصحب الكرام بعد ذلك، قال تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران:144]، إلى أن قال سبحانه: {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران:152].
وتلك الآيات قد نزلت في غزوة أحد، وكانت الدولة أول النهار للمسلمين على الكفار، فانهزم عدو الله وولوا مدبرين حتى انتهوا إلى نسائهم، فلما رأى الرماة هزيمتهم، تركوا مركزهم الذي أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظه، وقالوا: يا قوم الغنيمة، فذكَّرهم أميرُهم عهدَ رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يسمعوا، وظنوا أن ليس للمشركين رجعةٌ، فذهبوا في طلب الغنيمة، وأخْلوا الثغر، وكر فرسان المشركين، فوجدوا الثغر قد خلا من الرماة، فجازوا منه وتمكنوا، حتى أقبل آخرُهم، فأحاطوا بالمسلمين وأدرك المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم يريدون ما الله حائل بينهم وبينه، فحال دونه نفر من المسلمين، نحو عشرة، حتى قُتلوا، ثم جالَدَهم طلحةُ حتى أجهضهم عنه، وترَّس أبو دجانة عليه بظهره، والنبل يقع فيه وهو لا يتحرك، وصرخ الشيطان بأعلى صوته: إن محمدًا قد قتل، ووقع ذلك في قلوب كثير من المسلمين، وفرّ أكثرهم، وكان أمر الله قدرًا مقدورًا، ومرّ أنس بن النضر بقوم من المسلمين قد ألقوا بأيديهم، فقال: ما تنتظرون؟ فقالوا: قُتل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما تصنعون في الحياة بعده؟ قوموا فموتوا على ما مات عليه، ثم استقبل الناس، ولقي سعد بن معاذ، فقال: يا سعدُ، إني لأجد ريح الجنة من دون أُحُد، فقاتل حتى قتل، ووُجد به سبعون ضربة، وجُرح يومئذ عبد الرحمن بن عوف نحوًا من عشرين جراحة، وأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوَ المسلمين، وكان أولَ من عرفه تحت المغفر، كعبُ بن مالك، فصاح بأعلى صوته: يا معشر المسلمين، أبشروا، هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأشار إليه: أن اسكت، واجتمع إليه المسلمون، ونهضوا معه إلى الشِّعب الذي نزل فيه، وفيهم أبو بكر وعمر وعلي والحارث بن الصمة الأنصاري، وغيرهم، كان يومُ أحُد يومَ بلاء وتمحيص، اختبر الله عز وجل به المؤمنين، وأظهر به المنافقين، ممن كان يظهر الإسلام بلسانه، وهو مستخف بالكفر، فأكرم الله فيه من أراد كرامته بالشهادة من أهل ولايته، فكان مما نزل من القرآن في يوم أحُد، ستون آيةً من آل عمران، ثم أخبرهم: أنه صدَقهم وعدَه في نصرتِهم على عدوهم، وهو الصادق الوعد، وأنهم لو استمروا على الطاعة، ولزوم أمر الرسول، لاستمرت نصرتُهم، ولكن انخلعوا عن الطاعة، وفارقوا مركزهم، فانخلعوا عن عصمة الطاعة، ففارقتْهم النصرة، فصرفهم عن عدوهم عقوبة وابتلاءً، وتعريفًا لهم بسوء عواقب المعصية، وحسن عاقبة الطاعة، ثم أخبر أنه عفا عنهم بعد ذلك كلِّه، وأنه ذو فضل على عباده المؤمنين.
كما في "زاد المعاد زاد المعاد" (3 / 172).
قال الإمام أبو جعفر الطبري في تفسيره (7 / 298) عند قوله تعالى: {وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 152]: "ولقد عفا الله -أيها المخالفون أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم والتاركون طاعته فيما تقدم به إليكم، من لزوم الموضع الذي أمركم بلزومه- عنكم، فصفح لكم من عقوبة ذنبكم الذي أتيتموه، عما هو أعظم مما عاقبكم به، من هزيمة أعدائكم إياكم، وصرفِ وجوهكم عنهم؛ إذ لم يستأصل جمعكم". اهـ.
هذا؛ وما ننصح به الأخَ الكريم غير ما ذكرنا، هو مراجعةُ بعض الكتب التي تتكلم على عقائد الشيعة من واقع كتبهم المنشورة ككتاب: "الخميني شذوذ في العقائد شذوذ في المواقف"، تأليف: سعيد حوى، وكتاب: "الخطوط العريضة للأسس التي قام عليها دين الشيعة"، تأليف: محب الدين الخطيب، وكتاب: "لله.. ثم للتاريخ"، تأليف: السيد حسين الموسوي من علماء النجف، وهو من كبار علماء الشيعة، وله صلاته القوية مع كبار علماء وآيات الشيعة، من أمثال: كاشف الغطاء، والخوئي، والصدر، والخميني، وعبد الحسين شرف الدين الذي كان يتردد على النجف، وتحدث الموسوي في كتابه عن غرائب تجاربه مع مراجع الشيعة.
وبالجملة فالرافضة طائفة كفرية جمعت بين الشرك والحمق وقلة العقل؛ فاعتقدوا عصمة أهل البيت رضي الله تعالى عنهم وعصمة ذرياتهم وأئمتهم، وتقربوا لله بسب أبي بكر وعمر، وسائر الصحابة، ويقذفون أم المؤمنين عائشة؛ فهذا دينهم الذي يدينون به، فلتحذر من الاغترار بكذبهم، والدخول في حزبهم.
المصدر: موقع الآلوكة