فتوى مفصلة في البطاقات المدفوعة مسبقاً

يوسف بن عبد الله الشبيلي

  • التصنيفات: فقه المعاملات -
السؤال: لقد اطلعت على بطاقة تدعى (سعودي تك)، وهي تستخدم للشراء عن طريق الإنترنت، ولا أعلم مدى شرعية تلك البطاقة، آمل منكم إيضاح ذلك لي؛ لأنني بصدد الاشتراك بها، وهذه المعلومات التي حصلت عليها وطريقة استخدامها:

بطاقة (سعودي تك) الشرائية للإنترنت، كأي بطاقة ماستركارد، توفر لك بطاقة (سعودي تك) إمكانية التسوق العالمي من خلال شبكة الإنترنت، إنها بطاقة مدفوعة مسبقاً ذات اشتراك سنوي مقداره (165) ريالاً، ويمكن استخدامها كنقد حقيقي لأي شراء على الإنترنت، وهي ذات قيمة كبيرة لعدم وجود أي تكاليف أو رسوم إضافية عليها أو على استخدامها، فقط أعد شحن البطاقة في أي وقت وبكل سهولة لأي عملية شراء ترغب بها، بطاقة (سعودي تك) تمنحك المرونة والأمان في تحديد استخدامك لها (ذات حد أقصى 250 دولاراً أمريكياً، وحد أدنى 25 دولاراً لإعادة الشحن). لبطاقة (سعودي تك) رقم حساب ماستركارد مكون من (16) رقم، أصدر عن طريق (آل سرور لتقنية المعلومات)، قابل للاستخدام والشراء في جميع مواقع الإنترنت التي تقبل بطاقات ماستركارد.

بطاقة (سعودي تك) هي بطاقة ماستركارد في جميع خصائصها باستثناء أنه لا يمكن استخدامها كبطاقة ملموسة في عمليات الشراء. بطاقة (سعودي تك) لا يمكن أن تستعمل لأي عملية شراء تتطلب تقديم بطاقة ماستركارد ملموسة، كاستخدامها في منافذ البيع. بطاقة (سعودي تك) لا يمكن أن تستعمل لعمليات الشراء عن طريق البريد أو الهاتف، علاوة على ذلك فإن بطاقة (سعودي تك) لا يمكن أن تستعمل لعمليات الشراء المزدوجة، على سبيل المثال: لا يمكن شراء سلعة من خلال الإنترنت يتطلب تقديم بطاقة ماستركارد ملموسة تحمل نفس رقم الحساب لتسليمها إلى المشتري.

العرض الخاص: قيمة البطاقة 265 ريالاً، وهي صالحة للاستخدام لمدة سنة، وتحمل قيمة شرائية أولية تعادل 25 دولاراً أمريكياً، وتحصل معها على عشر ساعات إنترنت مجانية، وتتم إعادة شحن البطاقة بنفس الطريقة من مضاعفات الـ 25 دولاراً، وقيمة الدولار تساوي أربعة ريالات.
الإجابة: لحمد للهه، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فالحكم الشرعي لهذه البطاقة مبني على تكييفها الفقهي، فمن الواضح من العرض السابق أن هذه البطاقة ليست بطاقة ائتمانية بالمفهوم المصرفي لبطاقات الائتمان والتي تتضمن في آلية عملها ديناً من المُصدِر لحامل البطاقة، إذ إن مشتري هذه البطاقة يقوم بدفع قيمة مشترياته بها مسبقاً قبل استخدامه لها، فهي بطاقة مديونية لا دائنية، وإنما تحمل شعار الماستر كارد، وتأخذ رقماً تسلسلياً من أرقامها للاستفادة من خدمات تلك المنظمة، واستعمال شبكتها الاتصالية لإتمام الصفقات التجارية عبر نقاط البيع المرتبطة بمنظمة الفيزا أو الماستر كارد أو غيرها من شركات البطاقات الائتمانية.

وهذا النوع من البطاقات قد انتشر في الآونة الأخيرة، ويعرف ببطاقات التخزين الإلكتروني، أو البطاقات سابقة الدفع، وتقوم المؤسسات المالية بترويجه لعملائها، لاسيما الذين لا تتوفر فيهم شروط إصدار بطاقات الائتمان العادية (القرضية).

والتخريج الشرعي لهذه البطاقة لا يخلو من أحد أمرين:
* التخريج الأول: أن يكون لهذه البطاقة حكم الدين، فتعد البطاقة سنداً بدين من المشتري للمصدر، ويتم استيفاء ذلك الدين بما يتناقص من القيمة المخزنة في البطاقة عند استخدامها، وعلى هذا فالعلاقة بين المصدر والمشتري هي علاقة قرض، ففي الصورة المذكورة في السؤال كأن المشتري قد أقرض المصدر (25) دولاراً ثم يسترد هذا المبلغ بما يشتريه بالبطاقة.

ويترتب على هذا التخريج أنه لو باعها المصدر بثمن أقل من قيمتها المخزنة فيها، فهو حرام لأنه قرض جر منفعة للمقرض وهو هنا المشتري، أما لو باعها بثمن أكثر فهو قرض بشرط رد أقل من قيمته، وهو جائز على الصحيح من أقوال أهل العلم.

وهذا التخريج -أعني تخريج البطاقة على عقد القرض- بعيد، لأن البطاقة لها قيمة اعتبارية بذاتها، فحاملها قد قبض قيمتها حقيقة، وتشبه هذه البطاقات في نشأتها النقود الورقية في بداية ظهورها عندما كان يدون عليها تعهد من البنك المصدر لحاملها بدفع قيمتها من الذهب عند الطلب، وهو ما حدا ببعض العلماء في أول الأمر إلى أن يجعل لها -أي النقود الورقية- حكم الدين، ثم لم يعد لهذا القول حظ من النظر بعد أن انتشرت الأوراق النقدية، وأصبح لها من النفوذ والقبول والرواج في الأوساط التجارية ما يجعلها تعادل النقدين -الذهب والفضة- أو تتفوق عليهما، وبعد أن أدت تلك النقود دورها بدأ العالم -كما يشير إلى ذلك كثير من الاقتصاديين- يتجه إلى عصر اللانقد، أي العصر الذي تختفي قيه النقود الورقية، ويظهر التعامل بالنقود البلاستيكية من بطاقات ائتمان، وبطاقات خصم فوري، وبطاقات تخزين وغيرها، والعالم يشهد تطوراً رهيباً في هذه المجالات.

* التخريج الثاني: أن يكون لهذه البطاقة حكم النقد، وعلى هذا فالعقد بين المصدر والمشتري هو عقد صرف، فيجب التقابض عند شراء البطاقة، كما يجب التساوي بين القيمة المخزنة في البطاقة والقيمة التي اشتريت بها إذا كانت القيمتان بعملة واحدة، أما إن اختلفت العملة فلا مانع من اختلاف القيمتين.

وهذا هو التخريج الصحيح، لأن هذه البطاقات أصبح لها اليوم من الحماية والقبول والرواج عند الناس مثل ما للنقود الورقية، فقبضها في قوة قبض محتواها من النقود، وقد نص أهل العلم على أن المرجع في تحديد القبض إلى العرف، فحكم هذه البطاقات كحكم الشيك المصرفي المصدق، بل البطاقات أكثر وضوحاً في معنى النقدية من الشيكات لأنها وسيلة للتبادل التجاري بدون قيود بخلاف الشيك فإنه لا يمكن صرفه إلا لمن حرر لصالحه.

وبناء على هذا التخريج يمكن النظر في الرسوم التي يتقاضاها المصدر، وهل هي تخل بشرط الصرف أم لا؟
فالمصدر يتقاضى في هذه المعاملة ثلاثة أنواع من الرسوم:

- الأول: رسوم الصرف:
فالمشتري قد يشتري البطاقة بنفس العملة المخزنة فيها، بمعنى أنه يدفع (25) دولاراً ليحصل على قيمة مخزنة في البطاقة بالدولار، وفي هذه الحال يجب أن تكون القيمة المدفوعة مساوية للقيمة المخزنة، بدون زيادة ولا نقصان، وإلا كان من ربا الفضل، أما لو اختلفت العملة فلا مانع من اختلاف سعر صرف العملتين عن سعر الصرف في السوق، لأن كل عملة تعد جنساً مستقلاً بذاته على الصحيح من أقوال أهل العلم المعاصرين، وإذا اختلف الجنس لم يشترط التساوي، لقوله صلى الله عليه وسلم: "فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد" (رواه مسلم من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه)، وهذا في الواقع هو ما يتم في البطاقة المذكورة في السؤال، فالمشتري يدفع (100) ريال مقابل شحن البطاقة بما يساوي (25) دولاراً، أي أن المصدر يربح في صرف كل دولار ربع ريال تقريباً (الدولار = 3.75 ريال، وهنا جعل لكل دولار أربعة ريالات)، وهذا جائز لاختلاف جنس العملتين.

- الثاني: رسوم الاشتراك السنوي:
وهي تساوي (165) ريالاً في صورة السؤال المذكور، وهذه جائزة، لأنها مقابل الخدمة المقدمة من المصدر والمتمثلة بإصدار البطاقة وتجديدها، ولاشك أن هذه الخدمة عمل متقوم شرعاً يستحق عليه صاحبه الأجر، فهي تُخرج شرعاً على أنها من الإجارة على الأعمال.

وهذه الرسوم جائزة سواء اشتريت البطاقة بنفس عملة القيمة المخزنة فيها أو بعملة أخرى، ولا يختل بذلك شرط الصرف، أما إذا اختلفت العملة فالأمر ظاهر، وأما إذا اتحدت فلأن هذه الرسوم مقابل عملٍ آخر لا علاقة له بالصرف، ولهذا نجد من علمائنا المتقدمين من ذهب إلى مثل هذا القول، وأنه إذا كان العقد لا تجوز المفاضلة فيه، فقام أحد المتعاقدين بعمل يستحق عليه الأجر في ذلك العقد فيجوز له أخذ الأجر بما يقابل ذلك العمل، فجوز شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم رحمهما الله بيع المصوغ والحلية من الذهب والفضة بمثل جنسه متفاضلاً إذا كان الفرق في مقابل أجرة الصنعة، كما قرر مجلس مجمع الفقه الإسلامي جواز أخذ الأجور عن خدمات القروض إذا كانت في حدود النفقات الفعلية، وذلك في جواب استفتاء مقدم من البنك الإسلامي للتنمية، وللجنة الدائمة للإفتاء بالمملكة العربية السعودية فتوى بنحو ذلك.

- والثالث: نسبة الخصم التي تؤخذ على التاجر الذي يشترى منه بالبطاقة:
ذلك أن من المعروف أن شركات البطاقات الائتمانية تأخذ من التاجر نسبة "عمولة" من قيمة المشتريات بالبطاقة، وجزء من هذه النسبة يعطى للجهة المصدرة للبطاقة.

وهذه العمولة جائزة أيضاً لأنها في مقابل الخدمة التسويقية التي يقدمها المصدر للتاجر، إذ من المعلوم أن كون التاجر يقبل البطاقات الائتمانية يعد ذلك وسيلة جذب لحاملي تلك البطاقات للتسوق منه، وهذا العمل متقوم شرعاً يستحق عليه صاحبه العوض، ويمكن تخريجه على عقد السمسرة، وقد نص الفقهاء على أن أجرة السمسار تلحق بالجعالة إذا كانت لا تستحق إلا بتمام العمل، قال في البهجة -عند الحديث على جواز الإجارة على الشيء بجزء منه-: "وعلى ذلك تخرج أجرة الدلال بربع عشر الثمن مثلاً"، وفي عمدة القاري: "أجرة السمسار ضربان: إجارة وجعالة... والثاني: لا يضرب فيها أجل ولا يستحق في الجعالة شيئاً إلا بتمام العمل"، ومن المعلوم أن المصدر لا يستحق تلك العمولة إلا بعد تمام العمل وهو شراء المشتري من التاجر بالبطاقة.

وهذه العمولة جائزة سواء اشتريت البطاقة بنفس عملة القيمة المخزنة فيها أو بعملة أخرى، لنفس التعليل الذي أشرنا إليه آنفاً في رسوم الاشتراك.

وبهذا يتبين جواز بطاقات ذات الدفع السابق، وأن جميع الرسوم التي تأخذها الشركة المصدرة من حامل البطاقة لا محظور فيها شرعاً، ما لم تختلف قيمة شحن البطاقة عن القيمة المخزنة فيها وذلك فيما إذا كانت عملة القيمتين واحدة.

وخلاصة جواب سؤال السائل:

أن البطاقة بالوصف المذكور في السؤال جائزة، ولا مانع على المسلم من الاشتراك فيها، والله أعلم.

المصدر: موقع الشيخ حفظه الله تعالى.