كيف يُستجابُ دعائي

خالد عبد المنعم الرفاعي

  • التصنيفات: الذكر والدعاء -
السؤال: أحمدُ اللهَ كثيراً على كلِّ شيءٍ،
كيف يُستجابُ دُعائي؟
أنا ملتزم بأمور ديني، وأعمل أعمالاً خيريةً كثيرةً، وأنا بارٌّ بالوالد والوالدة، وراضيان عنِّي والحمد لله، وأنا قائمٌ بخدمة مسجد الحارة بدون مقابلٍ ماديٍّ محتسباً الأجرَ، وسعيتُ إلى تحويله إلى جامع؛ لكي تقام فيه الصلاة يوم الجمعة، وأريدُ أن أعملَ أكثر وأكثر لكي يرضى الله سبحانه عنِّي، ويُستجابَ لدعائي، فأنا أُلاحظ أنني لا أوفق في أيِّ عملٍ أقوم به حتى المشروع من الأعمال، وكلما دعوتُ لا يُستجابُ لي.
أرشدوني؛ ماذا أعمل كي يُستجابُ لدعائي وأُوفَّق؟
الإجابة: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فجزاكَ اللهُ خيراً على حرصك على فعل الخير، وعلى برِّ والدَيْكَ، ونسأل اللهَ الكريمَ أن يثبِّتنا وإيَّاكَ دائماً على الحقِّ.
واعلم رعاكَ اللهُ:
أنَّ للدُّعاء أحوالاً وآداباً وأحكاماً يجب توفُّرها في الدُّعاء وفي الدَّاعي، وأنَّ هناكَ موانعَ وحواجبَ تحجُبُ وصولَ الدُّعاء واستجابته، يجب انتفاؤها عن الدَّاعي وعن الدُّعاء، فمتى تحقَّق ذلك؛ تحقَّقتِ الإجابةُ.
قال الإمام ابن القيِّم رحمه الله تعالى في كتابه "الدَّاءُ والدَّواءُ": "والأدعيةُ والتَّعوُّذاتُ بمنزلة السِّلاح، والسِّلاحُ بضارِبِهِ، لا بِحَدِّهِ فقط، فمتى كان السِّلاحُ سلاحاً تامّاً لا آفةَ به، والسَّاعِدُ سَاعِدٌ قويٌّ، والمانعُ مفقودٌ؛ حَصَلَتْ به النِّكاية في العدوِّ، ومتى تخلَّف واحدٌ من هذه الثلاثة تخلَّف التأثيرُ".
وكان عمر رضي الله عنه وأرضاه من فقهه بكتاب الله يقول: "أنا لا أَحْمِلُ هَمَّ الإجابة، لَكِنْ أَحْمِلُ هَمَّ الدُّعاء".

ومن الأسباب المعينة للدَّاعي على تحقيق الإجابة:
1- الإخلاص في الدعاء، وهو أهمُّ الآداب وأعظمُها، وأمرَ اللهُ عزَّ وجلَّ بالإخلاص في الدعاء؛ فقال سبحانه: {وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [الأعراف: 29]، والإخلاص في الدُّعاء هو الاعتقاد الجازم بأنَّ المدعوَّ وهو اللهُ عزَّ وجلَّ هو القادر وحدَهُ على قضاء حاجتِه، والبعد عن مُرَاءاة الخَلْقِ بذلك.
2- التَّوبة من جميع المعاصي، والرجوع إلى الله تعالى؛ فإنَّ المعاصيَ من الأسباب الرئيسة لحَجْبِ الدُّعاء؛ فينبغي للدَّاعي أن يُبَادر للتَّوبة والاستغفار قبل دعائه؛ قال اللهُ عزَّ وجلَّ على لسان نوح عليه السلام: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً} [نوح: 10 - 12]، ومن أعظم الذنوب تلك الباطنةُ داخل النَّفْس؛ قال تعالى: {وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ} [الأنعام: 120].
3- التضرُّعُ والخشوعُ والتذلُّلُ، والرَّغبةُ والرَّهبةُ، وهذا هو رُوحُ الدُّعاء ولُبُّه ومقصوده؛ قال الله عزَّ وجلَّ: {ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [الأعراف: 55].
4- الإلحاح والتَّكرار، وعدم الضَّجَر والملل: ويحصلُ الإلحاح بتَكرار الدُّعاء مرَّتَيْن أو ثلاثٍ، والاقتصار على الثلاث أفضل؛ اتِّباعاً لسُنَّة النبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ فقد روى ابن مسعودٍ رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم: "كان يُعْجِبُهُ أن يَدْعُوَ ثلاثاً ويستغفر ثلاثاً" [رواه أبو داود والنَّسائيُّ]
5- الدُّعاء حالَ الرَّخاء، والإكثار منه في وقت اليُسْر والسَّعَة؛ قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "تَعَرَّفْ إِلَى اللَّهِ فِي الرَّخَاءِ، يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ" [رواه أحمد].
6- التوسُّل إلى الله بأسمائه الحسنى وصفاته العليا، في أوَّل الدُّعاء أو آخره؛ قال تعالى: {وَلِلّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف: 180].
7- اختيار جوامع الكَلِم، وأحسن الدُّعاء وأجمعه وأبينه، وخيرُ الدُّعاء دعاءُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ويجوز الدُّعاء بغيره مما يخصُّ الإنسانُ به نفسَه من حاجاتٍ.
8- استقبال القِبْلَة، والدُّعاء على حال طهارةٍ، واسفتتاح الدُّعاء بالثَّناء على الله عزَّ وجلَّ وحمدِه، والصلاةِ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ورَفْعِ اليدينِ حالَ الدًّعاء؛ فعن سلمانَ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ رَبَّكُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَيِىٌّ كَرِيمٌ، يَسْتَحْيِي مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا" [رواه أبو داود].

ومن الأمور المعينة على إجابة الدُّعاء:
تحري الأوقات والأماكن الفاضلة.
فمن الأوقات الفاضلة: وقتُ السَّحَر، وهو ما قبل الفجر، ومنها: الثُّلُثُ الآخرُ من الليل، ومنها: آخرُ ساعةٍ من يوم الجمعة، ومنها: وقتُ نزول المطر، ومنها: بين الأذان والإقامة.

ومن الأماكن الفاضلة: المساجدُ عموماً، والمسجد الحرام خصوصاً.

ومن الأحوال التي يستجاب فيها الدعاء:
دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الصَّائم، ودعوة المضطَّر، ودعاء المسلم لأخيه بظَهْر الغَيْب.

هذا؛ ومن المفيد أيضاً أن نذكر بعضَ موانعَ إجابة الدُّعاء؛ فمنها:
1- أن يكون الدُّعاء ضعيفاً في نفسه، لما فيه من الاعتداء أو سوء الأدب مع الله عزَّ وجلَّ، والاعتداء: هو سؤال الله عزَّ وجلَّ ما لا يجوز، أو أن يدعو بإثمٍ أو محرَّمٍ، أو على النَّفس بالموت؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يَزَالُ يُسْتَجَابُ لِلْعَبْدِ ما لم يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ" [رواه مسلمٌ].
2- أن يكون الدَّاعي ضعيفاً في نفسه؛ لضَعْف قلبِه في إقباله على الله تعالى، أو مشتملاً على سوء أدبٍ مع الله تعالى فيدعوه دعاءَ المستغني المنصرف عنه، أو يتكلَّفَ في اللَّفظ؛ فينشغلُ به عن المعنى، أو يتكلَّف في البكاء والصِّياح دون وجوده!
3- أن يكون المانعُ من حصول الإجابة الوقوعَ في شيءٍ من محارم الله؛ مثل: المال الحرام؛ مأكلاً ومَشْرباً وملبساً ومسكناً ومركباً، ودَخْلِ الوظائف المحرَّمة، ومثل رَيْنِ المعاصي على القلوب، والبدعةِ في الدِّين، واستيلاءِ الغفلة على القلب، ففي صحيح مسلم عن أبي هُرَيْرَةَ قال: قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَيُّهَا الناس إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إلا طَيِّبًا وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ فقال: {يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا من الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إني بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ}، وقال: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا من طَيِّبَاتِ ما رَزَقْنَاكُمْ}، ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إلى السَّمَاءِ يا رَبِّ يا رَبِّ وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ فأنى يستجاب لِذَلِكَ".
4- استعجال الإجابة والاستحسار بتَرْك الدُّعاء؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يُسْتَجَابُ لِأَحَدِكُمْ مَا لم يَعْجَلْ، يقول: دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي" [رواه البخاريُّ ومسلمٌ].
5- تعليق الدُّعاء؛ مثل أن يقولَ: "اللهمَّ اغفرْ لي إنْ شئتَ"! بل على الدَّاعي أن يعزِم في دعائه، ويجد ويجتهد ويلحَّ في دعائه؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يَقُولَنَّ أَحَدُكُم: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إِنْ شِئْتَ، اللَّهُمَّ ارحمني إن شِئْتَ، لِيَعْزِمِ المسألَةَ؛ فإنه لا مُسْتَكْرِهَ لَهُ" [رواه البخاريُّ ومسلمٌ].

ولا يلزم لحصول الاستجابة أن يأتي الدَّاعي بكلِّ هذه الآداب، وأن تنتفي عنه كلَّ هذه الموانع؛ فهذا أمرٌ عزَّ حصولُه، ولكن أن يجتهد الإنسان وُسْعَهُ في الإتيان بها.

وليُعْلَم؛ أنَّ استجابة الله للدعاء تكون بين ثلاث حالاتٍ:
الأولى: أن يستجيب الله لصاحبه في الدُّنيا.
الثانية: أن الله يدفع بهذا الدُّعاء بلاءً قد كان يقع على هذا الداعي؛ فالدعاء صاعدٌ، والبلاء نازلٌ، فَيَتَعَالَجَانِ - أي يتصارعان -، فمن رحمة الله بعبده أن يَصْرَعَ الدُّعاءُ البلاءَ؛ فلا يقع على هذا العبد هذا البلاءُ بسبب دعائه.
الثالثة: أن الله يدَّخر لهذا العبد تلك الدَّعوة في الآخرة، ويعوِّضه عن ذلك خير عِوَضٍ، والله أعلم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نقلاً عن موقع الآلوكة.