تحريم سفر المرأة من غير محرم

خالد عبد المنعم الرفاعي

  • التصنيفات: قضايا المرأة المسلمة -
السؤال:

هل يجوز للمرأة السفر إلى الخارج بالطائرة لزيارة ابنها بغير زوجها؟

الإجابة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فقد اتفق الفقهاء على أنه يحرم على المرأة أن تسافر بمفردها، وأنه لا بد من وجود محرم أو زوج معها؛ واحتجوا بعموم ألفاظ الأحاديث الواردة في منع المرأة من السفر دون محرم؛ ومنها ما في الصحيحين وغيرهما، عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم"، وفيهما عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم"، وزيارة الأبناء -وإن كانت واجبة- إلا أن سفر المرأة بدون محْرِم مُحَرَّم؛ فيسقط عنها الوجوب؛ لأن من شرط الوجوب الاستطاعة.

قال الإمام النووي ـ رحمه الله ـ في "شرح صحيح مسلم": "فالحاصل أن كل ما يسمى سفراً تُنهى عنه المرأة بغير زوج أو محرم، سواء كان ثلاثة أيام أو يومين، أو يوماً، أو بريداً، أو غير ذلك؛ لرواية ابن عباس المطلقة، وهي آخر روايات مسلم السابقة: "لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم"، وهذا يتناول جميع ما يسمى سفراً، والله أعلم".

وقد حُكي الإجماع على تحريم سفر المرأة بلا محرم، إلا السفر للحج والعمرة، والخروج من دار الشرك، أو الفرار من الأسر؛ قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري": "واستدلوا به على عدم جواز السفر للمرأة بلا محرم، وهذا إجماع في غير الحج والعمرة، والخروج من دار الشرك".

ونقل النووي عن القاضي عياض قوله: "واتفق العلماء على أنه ليس لها أن تخرج في غير الحج والعمرة إلا مع ذي محرم، إلا الهجرة من دار الحرب؛ فاتفقوا على أن عليها أن تهاجر منها إلى دار الإسلام، وإن لم يكن معها محرم".

وعليه فلا يجوز لكِ السفر بالطائرة -ولا بغيرها- بغير زوج أو أي محرم آخر - ممن تحرمين عليه على التأبيد، بنسب أو سبب مباح: كأب أو ابن أو أخ ... من نسب أو رضاع - للأدلة السابقة.

ومن تأمل ما في السفر من المخاطر، بالنسبة للمرأة - كالجلوس بجانب رجل أجنبي عنها، واضطرار الطائرة للهبوط أحياناً وتأخر المواعيد ونحو ذلك- عَلِم حكمة الشرع في تحريم سفر المرأة بلا محرم، حتى ولو كان ذلك بوسيلة تقطع المسافة في ساعة أو أقل؛ فإن هذه الأحكام شرَّعها من يعلم حال خلقه، ويعلم ما يصيرون إليه من تطور وتقدم؛ قال الله تعالى: {أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:14]،، والله أعلم.

ونرفق لك فتوى اللجنة الدائمة في هذا الموضوع.

الحمدلله والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه.. وبعد:

فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على السؤال المقدم من عميد شؤون الطلاب بجامعة الرياض، عن طريق الدكتور محيي الدين خليل، رئيس قسم الثقافة الإسلامية، إلى سماحة الرئيس العام، والمحال إلى اللجنة برقم (2554/2/د) وتاريخ 7/8/99هـ، ونصه:

إن طالبات الجامعة من خارج مدينة الرياض، يُقِمْنَ بوحدة أم المؤمنين السكنية، وتسافر الطالبات إلى بلادهن في الإجازات الرسمية أو في نهاية الأسبوع، وغالبيتهن يتوجهن إلى جدة أو الظهران بالطائرة، وتشترط العمادة أن يرافق كل طالبة محرم، ولكن هذا لا يتيسر لجميعهن وفي كل الأحوال، وقد تكون الطالبة راغبة في السفر تحت ظروف اضطرارية، ويشكو البعض من هذا الإجراء، ويرون أن الشرع في مثل حالتنا هذه يبيح السفر بدون محرم، إذ أنه لا يتجاوز ساعات محدودة، مستندين إلى: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر سفراً يكون ثلاثة أيام فصاعداً إلا ومعها أبوها أو أخوها أو زوجها أو ابنها أو ذو حرمة منها"، وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا تسافر امرأة مسيرة يوم وليلة إلا ومعها محرم"، وعن أبي هريرة أيضاً أنه صلى الله عليه وسلم قال: "لا يحل لامرأة مسلمة تسافر مسيرة ليلة إلا ومعها رجل ذو حرمة منها".

لذا نأمل إفادتنا عما إذا كان يجوز شرعاً السماح للطالبة بالسفر إلى جدة أو الظهران بالطائرة بدون محرم.

وأجابت بما يلي:

إن الشريعة الإسلامية مبنية على جلب المصالح ودرء المفاسد، ومن مقاصدها الضرورية: المحافظة على الأنساب والأعراض، وقد ثبت في الكتاب والسنة ما يدل دلالة واضحة على سد الذرائع التي تفضي إلى اختلاط الأنساب، وانتهاك الأعراض؛ كتحريم خلوة المرأة بأجنبي، وتحريم إبدائها زينتها لغير زوجها ومحارمها، ومن في حكمهم ممن ذكرهم الله تعالى في سورة النور [الآية: 31]؛ كالأمر بغض البصر، وتحريم النظرة الخائنة. ومن الذرائع القريبة التي قد تفضي إلى الفاحشة، واختلاط الأنساب، وهتك الأعراض - سفر المرأة دون من فيه صيانة لها في اعتبار الشرع؛ من زوجها أو أحد محارمها، فكان حراماً؛ لما ثبت عن ابن عمر رضي الله عنهما: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا تُسَافِرِ المرأةُ ثلاثَةَ أيَّامٍ إلا ومَعَها ذُو مَحْرَمٍ"[1] (رواه أحمد والبخاري ومسلم)، ولما ثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تُسَافِرِ المرأةُ بَرِيدًا[2] إلا ومَعَهَا مَحْرَمٌ يَحْرُمُ عَلَيْها"[3] (رواه أبو داود والحاكم)، ولما ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو يخطب: "لا يَخْلُوَنَّ رجلٌ بِامْرَأةٍ إلا ومَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ، ولا تُسَافِرِ المرأةُ إلا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ"؛ فقام رجل فقال: يا رسول الله: إن امرأتي خرجت حاجّة، وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا، قال: "اِنْطَلِقْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِك"[4] (رواه أحمد والبخاري ومسلم)، وورد في بعض الروايات التقييد بيوم[5]، وفي بعضها التقييد بليلة[6]، وفي بعضها التقييد بثلاثة أميال[7]، وفي بعضها بيومين. والتحديد بذلك ليس بمراد؛ وإنما هو تعبير عن أمر واقع، فلا يعمل بمفهومه، ثم هو مفهوم عدد معارض بمنطوق حديث ابن عباس رضي الله عنهما وما في معناه، فلا يعتبر؛ وإنما يعتبر ما ثبت من الإطلاق في حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وهو واضح في أن المرأة منهية عن كل ما يسمى سفراً إلا ومعها زوجها أو ذو محرم لها؛ سواء كان قليلاً أم كثيراً، وسواء كانت شابة أم عجوزاً، وسواء كان السفر براً أم بحراً أم جواً، ومن خالف في ذلك فخص النهي بالشابة، أو قيده بما ذكر من التحديد في بعض الأحاديث أو بما إذا كانت الطريق غير مأمونة أو اكتفى بالرفقة الثقاة المأمونة - فقوله مردود بعموم حديث ابن عباس رضي الله عنهما؛ فإنه منطوق، فيقدم على مفهوم العدد في الأحاديث الأخرى.

وعلى هذا يكون سفر النساء بالطائرات بلا زوج أو محرم منهياً عنه؛ سواء كن طالبات أم غير طالبات؛ لكونه سفراً فيصدق عليه عموم النهي في الحديث.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (17/310).


----------------------
[1] مسلم (1339).
[2] مسلم (1339).
[3] معجم الطبراني الكبير 2/121 (12652)، عن ابن عباس رضي الله عنهما، مرفوعاً بلفظ: "لا تسافر المرأة ثلاثة أميال إلا مع زوج أو مع ذي محرم" فقيل لابن عباس: الناس يقولون: ثلاثة أيام، قال: إنما هو وَهْم منهم.
[4] البخاري (1086، 1087)، ومسلم (1338، 1339).
[5] البَريد: مقياس قديم من مقاييس المسافة، قدَّروه بفَرْسَخَيْن، والفَرْسَخ: حوالي ثلاثة أميال.
[6] أبو داوود (1725)، وابن خزيمة (2526)، وابن حبان في "صحيحه" (2727)، والحاكم 1/442 (1616) وصححه وأقرَّهُ الذهبي. وانظر: ((فيض القدير)) (6/398)، و((التيسير بشرح الجامع الصغير)) (2/493).
[7] البخاري (1862) وأطرافه عنده، ومسلم (1341) .