مسائل في الميراث

خالد عبد المنعم الرفاعي

  • التصنيفات: فقه الفرائض والوصايا -
السؤال:

توفي والدي وترك ثلاثة أولاد -أنا أحدهم وقد ربتنا والدتنا وعلمتنا، وميراثنا من والدنا 6 قراريط ملك، وقد بيعت هذه الأرض بمبلغ (75000) جنيه، لو اشترينا بها أرضاً فلن يتبقى شيء نستطيع به بناءها.

جدي لأمي يملك أرضاً زراعية، وبيت قديم بالطوب اللَّبِن، مساحته 4 قراريط، مع العلم أن أولاده ذكرَيْن و ثلاث بنات -والدتي واحدة منهنَّ- والمفروض أن البيت لجميع الورثة، ولكنه كتبه لواحد فقط من الذكور، فعرض جدي -أبو والدتي- على والدتي أن يعطيها من ميراثها -الذي يبلغ 11 قيراطاً زراعيّاً– عرض عليها أن يعطيها قيراطاً ونصف قيراط أرض مبانٍ من البيت، لكي تبني عليه، مقابل 7 قراريط من أرضها الزراعية، تعطيها لأخيها بعد وفاة جدي!!

والذي يعلم بهذا الموضوع هو والدتي، وجدي، وجدتي، وخالي الذي سيحصل على البيت والقراريط، وطلبوا منها ألا تخبر أخاها الآخر وأخواتها البنات.

فوالدتي الآن في حيرة: لو أخبرت أخاها وأخواتها البنات؛ فسوف يحرمها جدي من القيراط والنصف، وسوف يقاطعها.

ولو لم تخبرهم؛ فسوف يقاطعونها بعد وفاة جدي وعلمهم بالموضوع.

مع العلم أن والدتي أخبرت والدها ووالدتها وأخاها أن هذا حرامٌ شرعاً، ومع العلم أيضاً بإنه توجد مشاكل ومقاطعة من باقي أولاد جدي لهذا؛ فهو لا يريد أن يعطيهم أي شيء في البيت.

فهل على والدتي وزر أو ذنب أو خطأ بسبب هذا الموضوع؟ وهل القيراط والنصف من أرض المباني حلال أم حرام؟

الإجابة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، ثم أما بعد:

فلا يخلو ما كتبه جدُّك لأحد أبنائه من أن يكون (هبةً) أو و(صية).

فأما إن كان هبة -عَطِيَّة-:
فهي هبةٌ باطلةٌ، لا تجوز؛ لأن الواجب على الأبوين أن يَعْدِلا ويسوِّيا بين الأبناء في العَطِيَّة، ذكوراً كانوا أو إناثاً، وألا يؤْثِرَا أحد الأبناء بالعَطِيَّة على بعض، على الراجح من أقوال أهل العلم.

ومن فعل ذلك؛ فإن هبته تُرَدُّ؛ لما في "الصحيحين" وغيرهما، من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما: تصدَّق عليَّ أبي ببعض ماله، فقالت أمي عَمْرَة بن رَوَاحَة: لا أرضى حتى تُشْهِدَ عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم. فجاء أبي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ليشهده على صَدَقَتِه؛ فقال: "أكلُّ وَلَدِكَ أعطيتَ مثله؟" قال: لا. قال: "فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم". قال: فرجع أبي؛ فَرَدَّ تلك الصَدَقَة". وفي لفظ قال: "فارْدُدْهُ"، وفي لفظ قال: "فأَرْجِعْهُ"، وفي لفظ: "لا تُشْهِدْنِي على جَوْر"، وفي لفظ: "فأَشْهِد على هذا غيري"، وفي لفظ: "سوِّ بينهم"، وفي رواية: "لا تُشْهِدْنِي إذاً؛ إني لا أشهد على جَوْر"، وفي رواية: "فأَرْجِعْهُ"؛ فردَّه بشير.

ولما رواه البيهقي، عن سعيد بن منصور، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "سوُّوا بين أولادكم في العَطِيَّة، فلو كنت مفضِّلاً أحداً لفضَّلتُ النساء".

قال ابن قُدامة في "المُغْنِي": "فإن خصَّ بعضهم بعَطِيَّة، أو فاضل بينهم؛ أَثِمَ، ووجبت عليه التوبة بأحد أمرين: إما بردِّ ما فضَّل به البعض، وإما إتمام نصيب الآخر". ثم ذكر حديث النعمان، وقال: "وهو دليلٌ على التحريم؛ لأنه سماه "جَوْراً"، وأمر بردِّه، وامتنع من الشهادة عليه، والجَوْر حرامٌ، والأمر يقتضي الوجوب. ولأن تفضيل بعضهم يورث بينهم العداوة والبغضاء وقطيعة الرحم، فمنع منه".

فلا يجوز لجدِّك أن يخص بعض أبنائه بهبة دون الآخرين، إلا إذا أعطى الآخرين مقابل ذلك.

وأما إن كان فعله على سبيل الوصية:
فلا تنفَّذ إلا إذا أجازها بقية الورثة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا وصية لوارث" (رواه أصحاب السنن).

وأيضاً: لا يجوز حرمان أحد الورثة مما فرضه الله له؛ لقوله تعالى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ} [النساء: 12].

فالواجب على أمِّك ألا تقبل هذه الهبة أو الوصية الباطلة؛ إلا إذا وافق بقية الورثة، وأن تنصح لجدِّك، وتذكره بالله، وتخوِّفه من عاقبة فعله ذلك، كما قال تعالى: {فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 182].

ولتذكِّره بأن التركات مما تولى الله سبحانه وتعالى قسمته، ولم يَكِلْهَا إلى نبيٍّ مرسل، ولا مَلَك مقرَّب، وختمها بقوله: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ . وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ} {النساء: 13-14}.

وكذلك تنصح لأخيها بعدم قبول تلك الهبة الباطلة، والتي سيترتب عليها قطيعة الأرحام، ولتذكِّره بأن مَنْ ترك شيئاً لله؛ عوَّضه الله خيراً منه؛ فالله تعالى شاكرٌ كريمٌ.

فإن مات الجَدُّ قبل أن يرجع عن جوره؛ فلا يخلو من حالين:

الأول: أن تكون هبةً قد حصلت منه في حال صحته؛ فقال الإمام أحمد في رواية: "إن لسائر الورثة أن يرتجعوا ما وهبه، وهو قول عروة بن الزبير وإسحاق".

الثاني: أن تكون عطيَّته وقسمته الجائرة قد حصلت في حال مرض الموت، أو المرض المخوف الذي يكثر حصول الموت منه؛ فلا تنفذ، ويعاد تقسيم التركة كما أمر تعالى: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 12]؛ قال ابن المنذر: "أجمع كلُّ من أحفظ عنه من أهل العلم: أن حكم الهبات في المرض الذي يموت فيه الواهب حكمُ الوصايا". يعني في بطلانه،، والله أعلم.