هل الاستعاذة في كلّ ركعة?

خالد عبد المنعم الرفاعي

  • التصنيفات: فقه الصلاة -
السؤال:

هل يَجوز أن أستعيذ قبل الفاتحة في كلّ ركعة؟ أم فقط في الرَّكعة الأولى؟

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:

فإنَّ الاستعاذة مشروعةٌ في الرَّكعة الأولى باتِّفاقِ العلماء، أمَّا تَكْرارها في بقيَّة الرَّكعات، فقد اختلف فيه الفُقهاء على قولين:

الأوَّل: استِحْباب التَّكْرار في كلّ ركعةٍ، وهو قول ابن حبيبٍ من المالكيَّة، والأصحُّ عند الشَّافعيَّة، ورواية عن أحمد صحَّحها المرداوي في "الإنصاف"، وقول الحسَن وعطاء وإبراهيم النخعي، واختِيار أبي محمَّد بن حزْم، وشيخِ الإسلام ابن تيمية؛ حيث قال رحِمه الله في "الاختِيارات": "ويستحبّ التعوُّذ أوَّل كلّ قراءة". اهـ.
واستدلُّوا بعموم قولِه تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل: 98]، فالتعوُّذ تابع للقراءة.

الثَّاني: كراهية تكْرار الاستِعاذة في الرَّكعة الثَّانية وما بعدها، وهو مذهب الحنفيَّة، وقولٌ للشَّافعيَّة، وهو المذْهب عند الحنابلة، ورجَّحه الشَّوكاني، وهو الرَّاحج؛ لأنَّ القِراءة في الصَّلاة واحدةٌ فيكفي فيها استعاذة واحدة، وليست قراءة كل ركعة مستقلة برأسها، ولذلك لو سجد المصلِّي للتِّلاوة فلا يتعوَّذ حين يعود للقراءة، وقد صحَّ عن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في حديث أبي سعيد الخدْري: أنَّه صلَّى الله عليه وسلَّم كان إذا قام إلى الصَّلاة استفتح، ثم يقول: "أعوذ بالله السَّميع العليم من الشَّيطان الرَّجيم، من همْزِه ونفْخِه ونفثه" (رواه أبو داود والترمذي)، ولَم ينقَل عنه أنَّه كرَّر الاستعاذة، ولو فعل لنُقل؛ لتوافر الهمم على نقل مثل ذلك.

واحتج أهل العلم أيضًا بما رواه مسلم عن أبي هريرة قال: "كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إذا نهض من الركعة الثانية استفتح القراءة بـ{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ولم يسكت"، قال في "الهدي": "وإنما يكفي استعاذة واحدة؛ لأنه لم يتخلل القراءتين سكوت، بل تخللهما ذكر، فهي كالقراءة الواحدة إذا تخللها حمد الله أو تسبيح، أو تهليل أو صلاة على النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ونحو ذلك".

وقال الشوكاني في "النيل": "والحديث يدل على عدم مشروعية السكتة قبل القراءة في الركعة الثانية، وكذلك عدم مشروعية التعوذ فيها، وحكم ما بعدها من الركعات حكمها، فتكون السكتة قبل القراءة مختصة بالركعة الأولى، وكذلك التعوذ قبلها".

وممَّا يؤيِّد أنَّ القراءة في الصَّلاة واحدة؛ بمعنى: أنَّ المصلِّي لو فصلها بتسبيحٍ أو تشهُّد أو ما شابه، لا يحتاج للاستعاذة: ما رواه مسلم عن حُذَيْفة لمَّا قام مع النَّبيِّ صلَّى الله عليْه وسلَّم ذات ليلة قال: فافتتح البقرةَ، فقلت: يركع عند المائة، ثمَّ مضى فقلت: يصلِّي بِها في ركعة، فمضى، فقلت: يركع بها، ثمَّ افتتح النِّساء فقرأها، ثمَّ افتتح آل عمران فقرأها، يقرأ مترسِّلاً، إذا مرَّ بآية فيها تسبيح سبَّح، وإذا مرَّ بسؤالٍ سأل، وإذا مرَّ بتعوُّذ تعوَّذ..." الحديثَ، وليس فيه أنَّه صلَّى الله عليْه وسلَّم استِعاذة بعد الدعاء،، والله أعلم.