شجرة الموت
عبد الرحمن بن ناصر البراك
- التصنيفات: أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة - الموت وما بعده -
قال لي صديقي بأنه يحس أنه سيموت، وأن هذا الإحساس منذ شهر وهو يحس به إلى الآن، هل هذا الإحساس هو وسوسة من الشيطان أم حقيقي؟ وهل هناك شجرة عند الله سبحانه وتعالى فيها أسماء جميع البشر، ومن تقع ورقته -أي اسمه- يظل يحس أنه سيموت لأربعين يوماً؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله،
قدَّر الله تعالى الموت بين العباد، وقضى به على كل نفس كما قال تعالى: {كل نفس ذائقة الموت} [الأنبياء: 35]، وقال تعالى: {نحن قدرنا بينكم الموت وما نحن بمسبوقين} [الواقعة: 60]، وكل يعلم أنه سيموت، والخوف من الموت أمر طبيعي في الإنسان لا يذم به، ولكن الإفراط في ذلك وغلبته على النفس يورث الضعف والجبن والقلق وتضييع المصالح، بل ينبغي للإنسان ألاَّ يستولي عليه الخوف من الموت إلى درجة التحسّر، ودوام الحزن، بل عليه أن يقوم بمصالح دينه ودنياه متوكلاً على الله، فهذا الذي يذكر أنه يحسّ في نفسه أنه سيموت، فهذا من تخويف الشيطان، فإن الشيطان يحب ويعمل على تحزين المسلم وتنغيص حياته، فيلقي في نفس من يستجيب له المخاوف، ويكبر في نفسه الأخطار، ويشعره بما لا حقيقة له بل تكون أوهاماً، ومن ذلك الحلم الذي يتسلط به الشيطان على الإنسان في منامه لتحزين المسلم وإيذائه.
فعلى من وقع له شيء من هذه الوساوس أو الأحلام، أن يستعيذ بالله من الشيطان، وألاَّ يتفاعل معها، وألا ينساق خلفها، بل عليه أن يتوكل على الله، ويشتغل عنها بما ينفعه في دينه ودنياه.
وأما ما ورد في السؤال من أن هناك شجرة عند الله، مكتوب على كل ورقة منها اسم واحد من الناس، وأنه متى سقطت فذلك عنوان دنو أجله، فهذه خرافة لا أصل لها، فالآجال مقدّرة ومكتوبة في اللوح المحفوظ، ومكتوبة فيما يكتبه الملك عند نفخ الروح في الجنين، وكل ميت فإنه يموت بأجله: {فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون} [الأعراف: 34]، جاء هذا المعنى في القرآن في آيات كثيرة في الأمم والأفراد، لكل أمة أجل إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون؛ قال تعالى: {وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتاباً مؤجلاً} [آل عمران: 145]، فتوكَّل على الله أيها المسلم، واعمل لآخرتك، وتذكَّر قوله عليه الصلاة والسلام: "أكثروا ذكر هاذم اللذات" (رواه الترمذي: 2307، وابن ماجه: 4258، والنسائي: 1824)، والمقصود من تذكُّر الموت هو الاستعداد له بالأعمال الصالحة، فإن هذا هو الحزم، والكيس كما في الحديث المعروف الذي رواه الترمذي ( 2459) وابن ماجه (4260)، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: "الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله".
نسأله سبحانه وتعالى أن يجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، ويجعل الموت راحة لنا من كل شر، والله أعلم.