صوت المرأة

خالد عبد المنعم الرفاعي

  • التصنيفات: أحكام النساء -
السؤال:

ما حكم صوت المرأة هل هو عورة أم لا بالمذاهب الأربعة؟ مع الدليل؟

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:

فصوتُ المرأةِ لَيْسَ بِعورة، والأدلَّة على هذا كثيرةٌ من الكتاب والسُّنَّة القوليَّة والفِعْليَّة؛ قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ} [الأحزاب: 53]، وقال: {فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا} [الأحزاب: 32].

وفي "صحيح البخاري" عن أُمِّ عطيَّة قالت: "بايعَنا النَّبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقرأ عليْنا أن لا نُشْرِك بِالله شيئًا" وفيه: "ونَهانا عن النِّياحة، فقبضَتِ امرأةٌ منَّا يدَها، وقالت: فلانةُ أسعدتْني، وأنا أُرِيدُ أن أجْزِيَها، فلَمْ يقُل شيئًا، فذَهَبَتْ، ثُمَّ رَجَعتْ".

قال الحافظ ابن حجر في "الفتح": "وفي هذا الحديثِ أنَّ كلامَ الأجنبيَّة مُباحٌ سَماعُه، وأنَّ صوتَها ليس بعورة".

وفي "صحيح مسلم" عن عائشة رضي الله عنها أنَّها قالت: "وكان رسول الله صلى الله عليه وسلَّم إذا أقرَرْنَ بِذلِك من قولِهِنَّ، قال لهُنَّ: انْطَلِقْن، فقَدْ بايعْتُكُنَّ وفيه: وقَدْ بايعْتُكنَّ كلامًا".

قال النووي في "شرح مسلم": "وفيه أنَّ كلام الأجنبيَّة يُباح سَماعُه عند الحاجة، وأنَّ صوتَها ليس بِعورة".

وهو قولُ جُمهورِ أهْلِ العِلم من الأئمَّة الأربعة وغيْرِهم: قال صاحب "مراقي الفلاح" –الحنفيّ-: "وتقدَّم في الأذان أنَّ صوتَها عورةٌ، وليسَ المُراد كلامَها بل ما يَحصُل من تَليينِه وتَمطيطِه".

وقال الدُّسوقي -المالكي- في "حاشيته": "وقد يُقال إنَّ صوتَ المرأة ليس عورةً حقيقةً؛ بدليلِ روايةِ الحديثِ عنْ النِّساءِ الصَّحابيَّات، وإنَّما هُو كالعَورَةِ في حُرْمةِ التَّلذُّذ بِكُلٍّ، وحينئذٍ فحَمْلُ الكراهة على ظاهِرِها وجيه، وفي المذْهب أنَّ صوتَها ليس بِعورة، وذكر العدويُّ في "حاشيته" أنَّ ذلك هو المعتمد، فقال - معلّقًا على قول الخرشي: (المرأة دون الرَّجُل في الجهر بأن تُسمع نفسَها فقط، فيكونُ أعلى جهْرِها وأدناه واحدًا، وعلى هذا يَستوي في حقِّها السّرّ والجَهر... لأنَّ صوتَها عورةٌ وربَّما كان فتنة) قال العدوي: (لأنَّ صوتَها عورةٌ) المعتَمَد كما أفادَه النَّاصر اللقاني في "فتاويه" وشيخُنا الصَّغير أنَّه ليس بعورةٍ، ونصُّ النَّاصر: رفْع صوت المرأة التي يُخشَى التَّلذُّذ بِسماعِه لا يَجوزُ من هذه الحيثيَّة" اهـ.

وفي البجيرمي -الشَّافعي- في حاشيته على الخطيب: "وصوتُها ليس بعورةٍ على الأصحّ، لكنْ يَحرُم الإصغاءُ إليه عند خوفِ الفتنة، وإذا قرَعَ بابَ المرأة أحدٌ فلا تُجيبُه بصوتٍ رخيمٍ، بلْ تغلِّظ صوتَها بأنْ تَأْخُذَ طرف كفَّيْها بفِيها وتُجيب".

قال ابْنُ مُفلح -الحنبليّ- في "الفروع": "ولَيْسَ صَوْتُ الأَجْنَبِيَّةِ عَوْرَةً، على الأَصَحِّ، ويَحْرُمُ التَّلَذُّذُ بِسَمَاعِهِ ولو بقِرَاءَةٍ" اهـ.

ومِمَّا سبقَ يتبيَّنُ أنَّ صوتَ المرأةِ بِالنِّسبة لِلرجال الأجانبِ عنْها ليسَ بِعورة، إن كان يَخرُج طبيعيًّا لا نغمة فيه ولا تَمطيط ولا تَليين ولا تَكسُّر، ولا حَرَجَ عليْها في مُحادثتِها وكلامِها، كما لا حَرَجَ على الرَّجُل في الإصْغاءِ إليها بِالضوابط الشرعيَّة.

أمَّا إنْ كان فيه نغمةٌ وتَمطيطٌ فلا يَجوزُ بِحضرةِ الأجنَبِيّ، كما لا يَجوزُ لِلرَّجُل قصدُ التلذُّذ بِسماع صوتِها، والإصْغاء إليْها.

وللمزيدِ راجِعْ: "حكم صوت المرأة فيما يسمى بالنشيد الإسلامي" على موقِعِنا،، والله أعلم.