حق الأخت على أخيها
خالد عبد المنعم الرفاعي
- التصنيفات: استشارات تربوية وأسرية -
زوجي مسافر وأسكن مع أخي في نفس البيت، كل منا في شقة مستقلة، أنا في الدور الخامس وأخي في الثالث، أخي لا يسأل علي ولا على أولادي مُطلقًا، هو مَستورُ الحال جدًّا وخريج جامعي، ولديه مطعم هو صاحبُه أسفل العمارة التي نسكن فيها، جاء رمضان فلم يزرني وأنا سألتُ عنه تليفونيًّا، جاء العيد ولم يزرني وأنا عيَّدتُ عليه وعلى زوجته وأولاده تليفونيًّا، جاء عيد الأضحى ولم يزرني وأيضًا عيَّدتُ أنا عليه تليفونيًّا، جاءت السنة الهجرية الجديدة ولم يسأل علي، ولا يزورني لمدة ستة أشهر من تاريخ سفر زوجي، أشعر أني وحدي في هذه الدنيا وليس لي ظهير، تعزُّ علي نفسي جدًّا بسببه، أولادي يقولون: نحن ليس لنا أهل، طول النهار واقف في الكافتيريا يَجمع فلوس وناسي صلة الرَّحِم هو عارف أني غير طامعة أن يدخل عليَّ بعلبة حلويات أو فاكهة أو أي حاجة، فقط أنا زعلانة أنه لا يشعرني أني لو احتجتُ حاجة سأجدها في غياب زوجي، هو يفرق في المعاملة بين أخواته البنات؛ أختي أصغر مني: في العيد بعث لها "مسيج" وكأنها مسافرة آخر الدنيا ولم يَقُمْ بزيارتها أو حتَّى تليفون، بينما أختنا الكبيرة يحبها ويعاملها باحترام وهي غنية غنًى فاحشًا، والغنيُّ هو الله لكن أي زيارة منه لها يدخل عليها "بتورته" من أفخر المحلاَّت، ويُناديها بكلمة "ماما" لأنَّ والدي ووالدتي متوفيان -رحِمها الله- بالرَّغْمِ أنَّ بيني وبين أختي الكبيرة سنتيْنِ فقطْ إلا أنني لا أجِدُ منه هذه المعاملة ولا هذا الحب الذي تجده منه أختي الكبيرة، أنا لست أخته فقط أنا أخته وجارته وزوجي غائب، ألا أستحق منه السؤال أكثر والاهتمام؟!
في حالة استمراره على عدم السؤال عني وعن أولادي واستخساره فيَّ وفي أولادي أي مُجاملة في أي مناسبة هل يُمكِنُ أن أكفَّ أنا أيضًا عن السؤال عنه نِهائيًّا؛ لأن وجوده ساكنًا بجانبي وجارًا لي وأخًا كعدمه؟ أنا أصوم الاثنين والخميس وثلاث أيام البيض من كل شهر، وملتزمة في صلاتي وأرتدي الخمار وأخاف اللَّه، فهل يُسامحني اللَّهُ على مُقاطعة هذا الأخ نهائيًّا؟
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فإنَّا للَّه وإنَّا إليه راجعون على ما وصلتْ إليه أحوالُ المسلمين من تردٍّ، ونسأل اللَّه أن يرُدَّهم للتَّمسُّك بدينهم.
ولتَعْلَمِي -رعاك الله- أنَّ الله تعالى أوجَبَ على عباده جميعًا صلةَ الرَّحِم ذُكورًا وإناثًا، والأدلَّة على ذلك أكثرُ من أن تحيط بها فتوى منها قوله سبحانه: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ} [النساء: 1]. وجعل الشرع قطيعة الرحم من كبائر الذنوب المتوعد عليها باللعن؛ قال عزَّ وجلَّ: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ . أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} [محمد: 22 - 23].
فيجب على المسلم الحذر من القطيعة، وخاصة إن كانت مع أقرب الأقارب كالآباء والإخوة ونحوهم، وقسْوَةُ أحَدِ الأرْحَام وقطيعته لرحمه مع تقصيرُه فيما افْتَرَضَهُ اللَّهُ عليْهِ من حُقوقٍ تِجاهَ إخْوانِه لا يُسْقِطُ عن الآخَرين َ ما يَجِبُ عليْهِم نَحْوَه من واجباتٍ، ولا يُبَرِّرُ لَهُم قطيعتَه، فقد قالَ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: "ليس الواصِلُ بالمكافِئِ، ولكنَّ الواصلَ الذي إذا قطَعَتْ رَحِمُه وصَلَهَا" (رواه البُخاريُّ)، قال الحافظُ في "الفتح": "أي الذِي إذا مُنِعَ أعْطَى".
فعلى المُسلم أن يَحتَسِبَ الأجْرَ في وَصْلِ مَن قَطَعَهُ، وإعْطَاءِ مَنْ حَرَمَهُ وأنْ يَعْلَمَ أنَّ اللَّه عزَّ وجلَّ مُعِينُه وناصِرُه ويَزيدُه في أَجْرِ صِلَتِهم ويُسَدِّدُه ويوفِّقه ويكلؤُه؛ ففي "صحيح مُسلم" عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رجُلا قال: يا رسول الله، إنَّ لي قرابةً أصِلُهم ويَقطعونَنِي، وأُحْسِنُ إليهم ويُسيئونَ إليَّ، وأحلُم عنهم ويَجهلون عليَّ، فقال: "لئن كنتَ كما قُلْتَ فكأنَّما تُسِفُّهم المَلَّ، ولا يَزالُ مَعَكَ من الله ظهيرٌ عليْهِم ما دُمْتَ على ذلك" والمَلُّ الرَّماد الحار.
وفي "مسند أحْمَد" بإسنادٍ حسن: أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال لعُقْبَة: "يا عُقْبة: صِلْ مَن قَطَعَك، وأعْطِ مَن حرَمَك، وأعْرِضْ عمَّن ظَلَمَك".
وليس في تلك الصِّلة مذلَّة ولا إهانةٌ، بَلْ من فَعَلَها تواضُعًا لله تعالى، وابتغاءً للمثوبةِ عِنْدَه، فستكونُ سببًا لرفْعِ القَدْرِ عند الله وعندَ النَّاس.
وقال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ سرَّهُ أن يُبْسَطَ له في رِزْقِه وأنْ يُنْسَأَ له في أَثَرِه فَلْيَصِلْ رحِمَه" (رواهُ البُخاريُّ ومسلم).
فما من ذَنْبٍ أَحْرَى أن يُعَجِّلَ اللَّهُ لِصاحِبِه العُقُوبةَ في الدنيا مع ما يُدَّخَرُ له في الآخِرة من قطيعةِ الرَّحِم والبَغْيِ؛ كما صحَّ عن الصَّادقِ المصدوق.
ولعلَّكِ بالاستمرار في دفع الإساءةِ بالإحسان، والقطيعةِ بالصِّلة يَشْرَحُ اللَّهُ صدْرَ أخيكِ للحَقِّ ويردُّه لرُشْدِه فيترك مقاطعتَكِ، ويتحوَّل إلى صديقٍ ودود؛ فقد قال الله تعالى: {وَلاَ تَسْتَوِي الحَسَنَةُ وَلاَ السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ . وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [فصلت: 34-35].
كما يَجِبُ عليكِ أن تنصَحي لهذا الأخ وتُبَيِّنِي له بِحِكْمة ولطْفٍ خُطُورَةَ قطيعةِ الرَّحِم، وما ورد في ذلك في القُرآن والسُّنَّة من قوارعَ تَزْجُر مَنْ كان له قَلبٌ، ويُمكِنُكِ الاستعانةُ في ذلك بكُتَيِّب أو شريطٍ، أو بأحدٍ من أَهْلِ العِلْم والصلاح؛ كإمام مَسجدٍ أوْ أحدِ الدُّعاة، أو قريبٍ أو كبيرٍ ذي وجاهةٍ عنْدَهُ،، والله أعلم.