الطلاق المعلق

خالد بن عبد الله المصلح

  • التصنيفات: أحكام الطلاق -
السؤال:

هل يجوز لمن علّق طلاق زوجته في أمر ما أن يعود عن ذلك؟ وهل يقع الطلاق المعلق حتى ولو بعد مدة من الزمن؟

الإجابة:

ذهب جمهور العلماء من الحنفية(1) والمالكية(2) والشافعية(3) والحنابلة(4) وغيرهم إلى أنه ليس لمن علق طلاق امرأته على شيء أن يرجع في ذلك، بل إنه لازم له لا يمكنه إبطاله، لا فرق في ذلك بين ما إذا كان قاصداً وقوع الطلاق عند الشرط وبين ما إذا كان قاصداً اليمين، وذلك بأن يكون كارهاً الشرط والجزاء. وعلة ما ذهبوا إليه أن لفظ الطلاق صدر معلقاً على وصف؛ فلا رجوع فيه ولا يمكن إلغاؤه كلفظ الطلاق غير المعلق. ولأن التعليق توقيت محض لوقوع الطلاق في الحقيقة أخره إلى الوقت المعين لحاجة، بمنزلة تأجيل الدين، وبمنزلة من يؤخر الطلاق من وقت إلى وقت لغرض له في التأخير(5)، فحقيقة الطلاق المعلق أنه إيقاع مؤقت(6).

وقال بعض الحنابلة: إن لمن علق طلاق امرأته على شيء الرجوع عن ذلك، وإبطاله. وذلك بالتخريج على رواية جواز فسخ العتق المعلق على شرط. قال ابن مفلح في الفروع (5-103): "ولا يبطل التدبير برجوعه فيه، وإبطاله وبيعه ثم شراؤه كعتق معلق بصفة. وفيه رواية في الانتصار والواضح: له فسخه كبيعه، ويتوجه في طلاق". وقد نقل عن شيخ الإسلام رحمه الله القول بأن لمن علق طلاق امرأته على شيء الرجوع عن ذلك، وإبطاله في الشرط المحض قال في الفروع نقلاً عنه (5-356) :" ووافق على شرط محض، كإن قدم زيد".

وعن شيخ الإسلام رحمه الله قول بالتفريق بين التعليق الذي يقصد به إيقاع الطلاق وبين التعليق الذي يقصد به اليمين، قال في مجموع الفتاوى (33-129): "إن التعليق نوعان: نوع يقصد به وقوع الجزاء إذا وقع الشرط، فهذا تعليق لازم. فإذا علق النذر أو الطلاق أو العتاق على هذا الوجه لزمه. فإذا قال لامرأته: إذا تطهرت من الحيض فأنت طالق، أو إذا تبين حملك فأنت طالق وقع بها الطلاق عند الصفة، وكذلك إذا علقه بالهلال، وكذلك لو نهاها عن أمر وقال: إن فعلته فأنت طالق، وهو إذا فعلته يريد أن يطلقها، فإنه يقع به الطلاق ونحو هذا. بخلاف مثل أن ينهاها عن فاحشة أو خيانة أو ظلم فيقول: إن فعلتيه أنت طالق. فهو وإن كان يكره طلاقها؛ لكن إذا فعلت ذلك المنكر كان طلاقها أحب إليه من أن يقيم معها على هذا الوجه. فهذا يقع به الطلاق. فقد ثبت عن الصحابة أنهم أوقعوا الطلاق المعلق بالشرط إذا كان قصده وقوعه عند الشرط كما ألزموه بالنذر، بخلاف من كان قصده اليمين. والذي قصده اليمين هو مثل الذي يكره الشرط ويكره الجزاء وإن وقع الشرط مثل أن يقول: إن سافرت معكم فنسائي طوالق، وعبيدي أحرار، ومالي صدقة، وعلي عشر حجج، وأنا بريء من دين الإسلام، ونحو ذلك، فهذا مما يعرف قطعا أنه لا يريد أن تلزمه هذه الأمور وإن وجد الشرط، فهذا هو الحالف. فيجب الفرق في جميع التعليقات ومن قصده وقوع الجزاء ومن قصده اليمين. فإذا طلق امرأته طلاقا منجزاً أو معلقاً بصفة يقصد إيقاع الطلاق عندها: وقع به الطلاق إذا كان حلالا وهو أن يطلقها طلقة واحدة في طهر لم يصبها فيه أو حامل قد تبين حملها"(7).

والذي يظهر لي أن التفريق بين صيغ التعليق في لزوم الطلاق قول وجيه له حظ من النظر، فإن كان المقصود بالتعليق اليمين فإن الطلاق غير لازم وله الرجوع وعليه كفارة يمين، أما إن كان التعليق يقصد به وقوع الطلاق إذا وقع الشرط، فهذا تعليق لازم لا يمكن إبطاله، والله أعلم.
5-1-1425هـ.
________________________________________
(1) البحر الرائق 3-367، تبيين الحقائق 2-233، حاشية ابن عابدين 3-336.
(2) الخرشي 4-67، حاشية الدسوقي 2-411.
(3) تحفة المحتاج 3-385.
(4) المغني 10-292-293، الإنصاف 8-410، كشاف القناع 5-285.
(5) الفتاوى الكبرى 4-113.
(6)مجموع الفتاوى 33-232.
(7) ينظر: مجموع الفتاوى 33-205-207 وفيه الرد على القائلين بعدم اعتبار التعليق بالشرط مطلقاً،33-221، وانظر كلامه على أقسام صيغ التعليق 33-246-253