حكم العمل في محل بيع العطورات للنساء

خالد عبد المنعم الرفاعي

  • التصنيفات: فقه المعاملات -
السؤال:

شابٌّ أبلغ من العُمر 31 سنة، لديَّ محلٌّ لبيع موادِّ التَّجميل والروائح للنساء، وبعضها للرِّجال، ومن بَيْنِ زبائني طالبات جامعيَّات في فترة دراستهنَّ، والبقيَّة من العامَّة, لي قرابةُ 6 سنوات وأنا أكدُّ بِجهد وحْدي كي أتزوَّج، وبعدها الإنفاق على زوجتي وأولادي إن كتب اللهُ لي الزواج ورزقَنِي بالذُّريَّة, مؤخَّرًا علِمْتُ أنَّ ما أجْنِيهِ من هذه المِهْنة حرامٌ، وأنا في حيرة من أمري فأفيدوني.

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:

فالأَصْلُ في بيع مستحضرات التجميل والعطور الحِلُّ إذا استخدمتْها النِّساءُ استخدامًا مُباحًا للزَّوْجِ في داخل بيْتِها، ولم تَظْهَرْ بِها أمام الأجانِب إلا أن تَشتمِلَ تلك المستحضرات على محرَّم في ذاته؛ مثل أن تُصْنَع من النَّجاسات أو تَخْتلِطَ بنَجِس، كشَحْم خِنزير أو مَيتة أو خَمر – كحول إيثيلي- أو غير ذلك، وكذلك يَحْرُم بَيْعُها إذا تَحقَّق أو غَلَبَ على الظَّنِّ أنَّها مُضِرَّة، أو أن تَكُون على أغْلِفتِها صورٌ لنساءٍ كاشفاتٍ عن عَوراتِهِنَّ ومفاتِنِهنَّ وزينتهنَّ.

أمَّا إذا بيعتْ لِمن عُلِم أنَّها ستسْتَخْدِمها فيما لا يُرْضِي الله؛ كالتَّبرُّج والتَّزيُّن أمامَ الرِّجال الأجانِبِ، فلا يَجوزُ بَيْعها مُطْلقًا في هذه الحالة، وكذلك الحال إذا كان الغالِب على المجتمع استعمالها فيما يحرم-: فإنَّه لا يَجُوزُ بيعُها إلا لِمَن عُلم أنَّها تستعْمِلُها استِعْمالاً مُباحًا، بأن لا تتزيَّن بِها لأجنبيٍّ عنها؛ لأنَّ الوسائل لها أحكام المقاصد، وما يوصِّل إلى الحرام يكون مثله؛ لأنَّ في ذلك إعانةً له على ما حرَّم اللهُ تعالى، قال عز وجل: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2].

وقَدْ نصَّ العُلماءُ على تَحريم بَيْعِ العِنَب لِمَنْ يتَّخِذُه خمرًا، وكذا الحمار الأهليّ إذا عَلِمَ البائِعُ أنَّ المشتريَ اشتراهُ ليأكُله؛ ولأنَّ هذا البَيْعَ وسيلةٌ إلى الحرام، وذريعةٌ إلى ما لا يَحِلُّ ووسائلُ الحرامِ حرامٌ.

قال الإمام الشَّوكاني في "السيل الجرَّار": "فالحاصِلُ أنَّه إذا كان الغالب في الانتفاع بالمَبيع هو المنفعة المُحَرَّمَة فلا يَجوزُ بيعُه، وكانتْ هذه الغلبةُ تُوجِبُ حصولَ الظَّنِّ للبائِعِ بِأَنَّ المشتَرِيَ ما أرادَ بِشِرَائِه لتِلْكَ العين إلا تلك المنفعةَ المحرَّمةَ، وأمَّا إذا لم تَكُنْ ثَمَّ غَلَبةٌ فالأمْرُ كما قدَّمنا... فَإِنَّ البَيْعَ إليْه مع العِلْمِ والظَّنِّ بِأَنَّهُ يستَعْمِلُه في معصيةٍ لا يَجُوزُ؛ لِما تَقَدَّمَ، بل يَحْرُم".

وعليه؛ فالعملُ الذي تقومُ به حلالٌ إذا عَلِمْتَ أو غَلَبَ على ظَنِّكَ أنَّ النِّساء لا يتزيَّنَّ بِها في الطُّرقات، وكانتِ المُسْتَحضراتُ مباحةً في نفْسِها غير مشتملة على محرم العين.

أمَّا إذا اشتَمَلَتْ على مَحذورٍ، أو كانتْ تُباعُ في مُجتمعٍ تَتَبَرَّجُ نِساؤُه، أو تَخْرُج بِها في الطُّرقات فيَحْرُم بيعُها ويحرُم المالُ المكتسب منها.

هذا؛ وإن كنَّا ننصَحُ السَّائِلَ الكريم بالبَحْثِ عن عمَلٍ آخَر لأنَّ السَّلامةَ في هذا النَّوعِ من التِّجارة أمرٌ نادِرُ الحُدُوث،، والله أعلم.