طلاق لم يقصد إيقاعه
خالد عبد المنعم الرفاعي
- التصنيفات: أحكام الطلاق -
حدثَتْ مُشاجرة عنيفة بَيْنِي وبَيْنَ زَوْجِي، وطَلَبْتُ منْهُ خِلالَها أن يُطَلِّقنِي وصمَّمْتُ على أن يُطَلِّقَنِي، فقال: أنتِ طالق، ولكنَّه لم يَكُنْ يُرِيدُ أو يَنوِي فِعْلَ ذلك، وبعد أنْ قالَها قال: لَم أقْصِدْ، انظري ما دفعْتِني لفعله.
ولقد كان عصبيًّا وغاضبًا بِسَبَبِ المُشاجَرة العنيفةِ، الَّتِي استمرَّت فترةً طويلةً، والَّتِي شعُر بِسبَبِها بِالتَّعب والرَّغبة في إنْهاءِ تِلْكَ الخِلافات.
السؤال هو: هل تُعْتَبر تلك طلقةً أُولى أم لا؟ ومَا هو الأساسُ الذي تَعْتَمِدُ عليْهِ الإجابة؟
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فقدِ اتَّفق الفُقهاء على وقوع الطَّلاق الصَّريح؛ وهو: ما له ألفاظ خاصة لم يُستعمل إلاَّ فيه غالبًا، لغةً أو عُرفًا، كما اتَّفقوا على أنَّ اللفظ الصَّريح يقَعُ به الطَّلاقُ بِغَيْرِ نِيَّة، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1]، وفي الصحيحَيْنِ أنَّ عبدالله بْنَ عُمر طلَّق امْرأتَهُ وهِيَ حائضٌ، فأَمَره النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أن يُراجِعَها. ولم يستفصله النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم هل كان يقصد إيقاع الطلاق أم لا؟
كما يُشتَرَطُ في المطلِّق أن يكون بالغًا؛ فذَهَبَ جُمهور الفُقهاء إلى عدم وقوع طلاقِ الصَّغير، سواءٌ كان مُميِّزًا أو غَيْرَ مُميِّز، مُراهِقًا أَوْ غَيْرَ مُراهِقٍ، وكذلِكَ اشْتَرَطُوا العَقْلَ فلَمْ يُوقِعُوا طلاقَ المَجنونِ والمَعتوه.
وعليه؛ فقَوْلُ الزَّوْجِ لزَوْجَتِه: أنتِ طالقٌ لفظٌ صريحٌ يقَعُ به الطَّلاق في قول عامة أهل العلم وإن ادعى الزوج أنه لم يقصد إيقاعه؛ فَقَدْ روى أبو داود والتِّرمذيُّ وابْنُ ماجَهْ عن أبي هُريْرَة أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلَّم قال: "ثلاثٌ جِدُّهنَّ جِدٌّ وهَزْلُهنَّ جِدٌّ: النِّكاح والطَّلاقُ والرَّجْعَة"، فإذا تلفَّظ العاقلُ غيْرُ المُكْرَه بكلِمةِ الطَّلاق، فإنَّه يقع، سواءٌ كان ينوي ذلِك أو لا يَنويه، وسواءٌ كانتِ الزَّوجةُ حاضرةً أو غائبة.
وهِيَ طلقةٌ رجعيَّةٌ يَجوزُ له مُراجعةُ زوجَتِه متَى شاء ما دامتْ في العِدَّة.
أمَّا طلاقُ الغضبان، فإنَّ الغَضَبَ مِنهُ ما يَقَع معهُ الطَّلاق، وهو ما كان في مبادِئ الغَضَبِ، بِحَيْثُ لم يتغيَّر عقلُه، ويعلمُ ما يقولُ ويقصِد.
ومنهُ ما يَصِلُ صاحبُه إلى حدِّ لا يَعْلَمُ ما يقولُ - كالمَجنون - فهذا لا يقعُ طلاقُه ولا شيءٌ منْ أقْوالِه وتصرفاته.
ومنْهُ مرحلةٌ متوسِّطة؛ ليس هو كالمَجنون، بل يعي مايقول، ولكنْ لا يستطيعُ أن يَضْبِط أقوالَه وأفعالَه، فهذا موضِعُ نَظَر، والخلاف فيه قوي؛ فمن أهل العلم من يراه طلاقًا، ومنهم من لايراه طلاقًا؛ لما روَى أبو داوُدَ وابْنُ ماجَه، عنْ عائِشَةَ رضي الله عنها قالتْ: سَمِعْتُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقولُ: "لا طلاقَ ولا عِتَاقَ فِي إِغْلاق"، والإغْلاقُ معناهُ انْغِلاقُ الذِّهْن عنِ النَّظَرِ والتَّفكير؛ بِسَبَبِ الغَضَبِ أوْ غَيْرِه.
فيتبين مما سبق أنه لو كان غَضَبُ زوجِك من القِسْم الأوَّل وقع طلاقُه، وإن كان من القِسْم الثَّاني فلا شَيْءَ عليْه، وإن كان من القسم الثالث فالخلاف فيه قوي، وما دامت هذه هي المرة الأولى فليراجعك زوجك، وليحذر من الغضب حتى لايقع طلاق آخر، فإن مضت الأمور على خير حال فذلك من فضل الله، وإن وقع طلاق ووصل إلى الطلقة الثالثة، واحتجتم للسؤال عن الطلقة الأولى هل وقعت أو لا؟ فالذي تستفتونه في ذلك هو الذي يبين لكم الحكم من وجهة نظره، ولكن السلامة لايعدلها شيء، فعليكما أن تأخذا حذركما من مسببات الطلاق،، والله أعلم.