لا يستغاث برسول اللّه، هل يحرم عليه هذا القول؟
ابن تيمية
- التصنيفات: العقيدة الإسلامية -
السؤال: وسئل شيخ الإسلام تقي الدين بن تيمية ـ رضي الله عنه: ما تقول
السادة العلماء أئمة الدين، وفقهم اللّه لطاعته، فيمن يقول: لا
يستغاث برسول اللّه صلى الله عليه وسلم، هل يحرم عليه هذا القول، وهل
هو كفر أم لا؟ وإن استدل بآيات من كتاب اللّه وأحاديث رسوله صلى
الله عليه وسلم هل ينفعه دليله أم لا؟ وإذا قام الدليل من الكتاب
والسنة فما يجب على من يخالف ذلك؟ أفتونا مأجورين.
الإجابة: الحمد للّه، قد ثبت بالسنة المستفيضة، بل المتواترة، واتفاق الأمة:
أن نبينا صلى الله عليه وسلم الشافع المشفع، وأنه يشفع في الخلائق يوم
القيامة وأن الناس يستشفعون به، يطلبون منه أن يشفع لهم إلى ربهم وأنه
يشفع لهم. ثم اتفق أهل السنة والجماعة أنه يشفع في أهل الكبائر،
وأنه لا يخلد في النار من أهل التوحيد أحد.
وأما الخوارج والمعتزلة فأنكروا شفاعته لأهل الكبائر، ولم ينكروا شفاعته للمؤمنين، وهؤلاء مبتدعة ضُلال، وفي تكفيرهم نزاع وتفصيل. وأما من أنكر ما ثبت بالتواتر والإجماع فهو كافر بعد قيام الحجة، وسواء سمى هذا المعنى استغاثة أو لم يسمه ؟
وأما من أقر بشفاعته وأنكر ما كان الصحابة يفعلونه من التوسل به والاستشفاع به، كما رواه البخاري في صحيحه عن أنس أن عمر بن الخطاب كان إذا فحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب، وقال: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا فيسقون وفي سنن أبى داود وغيره أن أعرابيا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: جهدت الأنفس، وجاع العيال، وهلك المال، فادع اللّه لنا، فإنا نستشفع بك على اللّه ونستشفع باللّه عليك." "، وذكر تمام الحديث فأنكر قوله: نستشفع باللّه عليك، ولم ينكر قوله: نستشفع بك على اللّه، بل أقره عليه، فعلم جوازه. فمن أنكر هذا فهو ضال مخطئ مبتدع، وفي تكفيره نزاع وتفصيل.
وأما من أقر بما ثبت بالكتاب والسنة والإجماع من شفاعته والتوسل به ونحو ذلك ولكن قال: لا يدعى إلا اللّه وأن الأمور التي لا يقدر عليها إلا اللّه لا تطلب إلا منه، مثل غفران الذنوب، وهداية القلوب، وإنزال المطر، وإنبات النبات، ونحو ذلك ـ فهذا مصيب في ذلك، بل هذا مما لا نزاع فيه بين المسلمين أيضًا. كما قال الله تعالى: {وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ} [آل عمران: 135]، وقال: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء} [القصص: 56]، وكما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عليكم هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالْأَرْضِ}؟ [فاطر:3]، وكما قال تعالى: {وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ} [آل عمران:126]، وقال{إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الذي نَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا} [التوبة: 40].
فالمعاني الثابتة بالكتاب والسنة يجب إثباتها، والمعاني المنفية بالكتاب والسنة يجب نفيها، والعبارة الدالة على المعاني نفيًا وإثباتًا إن وجدت في كلام الله ورسوله، وجب إقرارها، وإن وجدت في كلام أحد وظهر مراده من ذلك رتب عليه حكمه، وإلا رجع فيه إليه.
وقد يكون في كلام اللّه ورسوله عبارة لها معنى صحيح، لكن بعض الناس يفهم من تلك غير مراد اللّه ورسوله، فهذا يرد عليه فهمه. كما روى الطبراني في معجمه الكبير: أنه كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم منافق يؤذى المؤمنين، فقال أبو بكر الصديق: قوموا بنا لنستغيث برسول اللّه صلى الله عليه وسلم من هذا المنافق، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنه لا يستغاث بى، وإنما يستغاث باللّه)، فهذا إنما أراد به النبي صلى الله عليه وسلم المعنى الثاني، وهو أن يطلب منه ما لا يقدر عليه إلا اللّه، وإلا فالصحابة كانوا يطلبون منه الدعاء ويستسقون به، كما في صحيح البخاري، عن ابن عمر قال: ربما ذكرت قول الشاعر وأنا أنظر إلى وجه النبي صلى الله عليه وسلم يستسقى، فما ينزل حتى يجيش له كل ميزاب :
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه**ثمال اليتامى عصمة للأرامل !
وهو قول أبى طالب؛ ولهذا قال العلماء المصنفون في أسماء اللّه تعالى: يجب على كل مكلف أن يعلم أن لا غياث ولا مغيث على الإطلاق إلا اللّه، وأن كل غوث فمن عنده، وإن كان جعل ذلك على يدي غيره فالحقيقة له سبحانه وتعالى ولغيره مجاز.
قالوا: من أسمائه تعالى المغيث والغياث، وجاء ذكر المغيث في حديث أبى هريرة، قالوا: واجتمعت الأمة على ذلك.
وقال أبو عبد اللّه الحليمى: الغياث هو المغيث، وأكثر ما يقال: غياث المستغيثين، ومعناه المدرك: عباده في الشدائد إذا دعوه، ومجيبهم ومخلصهم، وفى خبر الاستسقاء في الصحيحين: (اللهم أغثنا، اللّهم أغثنا). يقال: أغاثه إغاثة وغياثًا وغوثًا، وهذا الاسم في معنى المجيب والمستجيب، قال تعالى{إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ } [الأنفال: 9]، إلا أن الإغاثة أحق بالأفعال، والاستجابة أحق بالأقوال، وقد يقع كل منهما موقع الآخر.
قالوا :الفرق بين المستغيث والداعي: أن المستغيث ينادى بالغوث، والداعي ينادى بالمدعو والمغيث. وهذا فيه نظر، فإن من صيغة الاستغاثة بالله للمسلمين، وقد روى عن معروف الكرخى أنه كان يكثر أن يقول: واغوثاه، ويقول: إني سمعت اللّه يقول :{إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ}، وفى الدعاء المأثور: (يا حي يا قيوم، لا إله إلا أنت برحمتك أستغيث، أصلح لي شأني كله، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين، ولا إلى أحد من خلقك).
والاستغاثة برحمته استغاثة به في الحقيقة، كما أن الاستعاذة بصفاته استعاذة به في الحقيقة، وكما أن القسم بصفاته قسم به في الحقيقة، ففي الحديث: " "، وفيه " ".
لهذا استدل الأئمة فيما استدلوا على أن كلام اللّه غير مخلوق بقوله: " " قالوا: والاستعاذة لا تصلح بالمخلوق.
وكذلك القَسَم، قد ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " "، وفـى لفــظ: " " رواه الترمذي وصححه. ثم قد ثبـت في الصحيح: الحلف بـ (عزة اللّه)، و (لعمر اللّه)، ونحو ذلك مما اتفق المسلمون على أنه ليس من الحلف بغير اللّه الذي نهى عنه، والاستغاثة بمعنى أن يطلب من الرسول ما هو اللائق بمنصبه لا ينازع فيها مسلم، ومن نازع في هذا المعنى فهو إما كافر إن أنكر ما يكفر به، وإما مخطئ ضال.
وأما بالمعنى الذي نفاه رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: فهو أيضاً مما يجب نفيها، ومن أثبت لغير اللّه ما لا يكون إلا للّه فهو أيضاً كافر إذا قامت عليه الحجة التي يكفر تاركها.
ومن هذا الباب قول أبى يزيد البسطامى: استغاثة المخلوق بالمخلوق كاستغاثة الغريق بالغريق، وقول الشيخ أبى عبد اللّه القرشي المشهور بالديار المصرية: استغاثة المخلوق بالمخلوق كاستغاثة المسجون بالمسجون.
وفى دعاء موسى ـ عليه السلام ـ: (اللهم لك الحمد، وإليك المشتكى، وأنت المستعان وبك المستغاث، وعليك التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بك)، ولما كان هذا المعنى هو المفهوم منها عند الإطلاق وكان مختصاً باللّه صح إطلاق نفيه عما سواه؛ ولهذا لا يعرف عن أحد من أئمة المسلمين أنه جوَّز مطلق الاستغاثة بغير اللّه، ولا أنكر على من نفى مطلق الاستغاثة عن غير اللّه.
وكذلك الاستغاثة أيضا ،فيها ما لا يصلح إلا لله، وهى المشار إليها بقوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة :5] فإنه لا يعين على العبادة الإعانة المطلقة إلا اللّه. وقد يستعان بالمخلوق فيما يقدر عليه، وكذلك الاستنصار، قال اللّه تعالى{وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْر} [الأنفال: 72]، والنصر المطلق هو خلق ما به يغلب العدو ولا يقدر عليه إلا اللّه.
ومن خالف ما ثبت في الكتاب والسنة، فإنه يكون إما كافراً، وإما فاسقاً، وإما عاصيا، إلا أن يكون مؤمنا مجتهداً مخطئًا فيثاب على اجتهاده، ويغفر له خطؤه، وكذلك إن كان لم يبلغه العلم الذي تقوم عليه به الحجة، فإن اللّه يقول{وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً}[الإسراء:15]. وأما إذا قامت عليه الحجة الثابتة بالكتاب والسنة فخالفها: فإنه يعاقب بحسب ذلك، إما بالقتل، وإما بدونه.
وأما الخوارج والمعتزلة فأنكروا شفاعته لأهل الكبائر، ولم ينكروا شفاعته للمؤمنين، وهؤلاء مبتدعة ضُلال، وفي تكفيرهم نزاع وتفصيل. وأما من أنكر ما ثبت بالتواتر والإجماع فهو كافر بعد قيام الحجة، وسواء سمى هذا المعنى استغاثة أو لم يسمه ؟
وأما من أقر بشفاعته وأنكر ما كان الصحابة يفعلونه من التوسل به والاستشفاع به، كما رواه البخاري في صحيحه عن أنس أن عمر بن الخطاب كان إذا فحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب، وقال: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا فيسقون وفي سنن أبى داود وغيره أن أعرابيا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: جهدت الأنفس، وجاع العيال، وهلك المال، فادع اللّه لنا، فإنا نستشفع بك على اللّه ونستشفع باللّه عليك." "، وذكر تمام الحديث فأنكر قوله: نستشفع باللّه عليك، ولم ينكر قوله: نستشفع بك على اللّه، بل أقره عليه، فعلم جوازه. فمن أنكر هذا فهو ضال مخطئ مبتدع، وفي تكفيره نزاع وتفصيل.
وأما من أقر بما ثبت بالكتاب والسنة والإجماع من شفاعته والتوسل به ونحو ذلك ولكن قال: لا يدعى إلا اللّه وأن الأمور التي لا يقدر عليها إلا اللّه لا تطلب إلا منه، مثل غفران الذنوب، وهداية القلوب، وإنزال المطر، وإنبات النبات، ونحو ذلك ـ فهذا مصيب في ذلك، بل هذا مما لا نزاع فيه بين المسلمين أيضًا. كما قال الله تعالى: {وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ} [آل عمران: 135]، وقال: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء} [القصص: 56]، وكما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عليكم هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالْأَرْضِ}؟ [فاطر:3]، وكما قال تعالى: {وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ} [آل عمران:126]، وقال{إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الذي نَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا} [التوبة: 40].
فالمعاني الثابتة بالكتاب والسنة يجب إثباتها، والمعاني المنفية بالكتاب والسنة يجب نفيها، والعبارة الدالة على المعاني نفيًا وإثباتًا إن وجدت في كلام الله ورسوله، وجب إقرارها، وإن وجدت في كلام أحد وظهر مراده من ذلك رتب عليه حكمه، وإلا رجع فيه إليه.
وقد يكون في كلام اللّه ورسوله عبارة لها معنى صحيح، لكن بعض الناس يفهم من تلك غير مراد اللّه ورسوله، فهذا يرد عليه فهمه. كما روى الطبراني في معجمه الكبير: أنه كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم منافق يؤذى المؤمنين، فقال أبو بكر الصديق: قوموا بنا لنستغيث برسول اللّه صلى الله عليه وسلم من هذا المنافق، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنه لا يستغاث بى، وإنما يستغاث باللّه)، فهذا إنما أراد به النبي صلى الله عليه وسلم المعنى الثاني، وهو أن يطلب منه ما لا يقدر عليه إلا اللّه، وإلا فالصحابة كانوا يطلبون منه الدعاء ويستسقون به، كما في صحيح البخاري، عن ابن عمر قال: ربما ذكرت قول الشاعر وأنا أنظر إلى وجه النبي صلى الله عليه وسلم يستسقى، فما ينزل حتى يجيش له كل ميزاب :
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه**ثمال اليتامى عصمة للأرامل !
وهو قول أبى طالب؛ ولهذا قال العلماء المصنفون في أسماء اللّه تعالى: يجب على كل مكلف أن يعلم أن لا غياث ولا مغيث على الإطلاق إلا اللّه، وأن كل غوث فمن عنده، وإن كان جعل ذلك على يدي غيره فالحقيقة له سبحانه وتعالى ولغيره مجاز.
قالوا: من أسمائه تعالى المغيث والغياث، وجاء ذكر المغيث في حديث أبى هريرة، قالوا: واجتمعت الأمة على ذلك.
وقال أبو عبد اللّه الحليمى: الغياث هو المغيث، وأكثر ما يقال: غياث المستغيثين، ومعناه المدرك: عباده في الشدائد إذا دعوه، ومجيبهم ومخلصهم، وفى خبر الاستسقاء في الصحيحين: (اللهم أغثنا، اللّهم أغثنا). يقال: أغاثه إغاثة وغياثًا وغوثًا، وهذا الاسم في معنى المجيب والمستجيب، قال تعالى{إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ } [الأنفال: 9]، إلا أن الإغاثة أحق بالأفعال، والاستجابة أحق بالأقوال، وقد يقع كل منهما موقع الآخر.
قالوا :الفرق بين المستغيث والداعي: أن المستغيث ينادى بالغوث، والداعي ينادى بالمدعو والمغيث. وهذا فيه نظر، فإن من صيغة الاستغاثة بالله للمسلمين، وقد روى عن معروف الكرخى أنه كان يكثر أن يقول: واغوثاه، ويقول: إني سمعت اللّه يقول :{إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ}، وفى الدعاء المأثور: (يا حي يا قيوم، لا إله إلا أنت برحمتك أستغيث، أصلح لي شأني كله، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين، ولا إلى أحد من خلقك).
والاستغاثة برحمته استغاثة به في الحقيقة، كما أن الاستعاذة بصفاته استعاذة به في الحقيقة، وكما أن القسم بصفاته قسم به في الحقيقة، ففي الحديث: " "، وفيه " ".
لهذا استدل الأئمة فيما استدلوا على أن كلام اللّه غير مخلوق بقوله: " " قالوا: والاستعاذة لا تصلح بالمخلوق.
وكذلك القَسَم، قد ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " "، وفـى لفــظ: " " رواه الترمذي وصححه. ثم قد ثبـت في الصحيح: الحلف بـ (عزة اللّه)، و (لعمر اللّه)، ونحو ذلك مما اتفق المسلمون على أنه ليس من الحلف بغير اللّه الذي نهى عنه، والاستغاثة بمعنى أن يطلب من الرسول ما هو اللائق بمنصبه لا ينازع فيها مسلم، ومن نازع في هذا المعنى فهو إما كافر إن أنكر ما يكفر به، وإما مخطئ ضال.
وأما بالمعنى الذي نفاه رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: فهو أيضاً مما يجب نفيها، ومن أثبت لغير اللّه ما لا يكون إلا للّه فهو أيضاً كافر إذا قامت عليه الحجة التي يكفر تاركها.
ومن هذا الباب قول أبى يزيد البسطامى: استغاثة المخلوق بالمخلوق كاستغاثة الغريق بالغريق، وقول الشيخ أبى عبد اللّه القرشي المشهور بالديار المصرية: استغاثة المخلوق بالمخلوق كاستغاثة المسجون بالمسجون.
وفى دعاء موسى ـ عليه السلام ـ: (اللهم لك الحمد، وإليك المشتكى، وأنت المستعان وبك المستغاث، وعليك التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بك)، ولما كان هذا المعنى هو المفهوم منها عند الإطلاق وكان مختصاً باللّه صح إطلاق نفيه عما سواه؛ ولهذا لا يعرف عن أحد من أئمة المسلمين أنه جوَّز مطلق الاستغاثة بغير اللّه، ولا أنكر على من نفى مطلق الاستغاثة عن غير اللّه.
وكذلك الاستغاثة أيضا ،فيها ما لا يصلح إلا لله، وهى المشار إليها بقوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة :5] فإنه لا يعين على العبادة الإعانة المطلقة إلا اللّه. وقد يستعان بالمخلوق فيما يقدر عليه، وكذلك الاستنصار، قال اللّه تعالى{وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْر} [الأنفال: 72]، والنصر المطلق هو خلق ما به يغلب العدو ولا يقدر عليه إلا اللّه.
ومن خالف ما ثبت في الكتاب والسنة، فإنه يكون إما كافراً، وإما فاسقاً، وإما عاصيا، إلا أن يكون مؤمنا مجتهداً مخطئًا فيثاب على اجتهاده، ويغفر له خطؤه، وكذلك إن كان لم يبلغه العلم الذي تقوم عليه به الحجة، فإن اللّه يقول{وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً}[الإسراء:15]. وأما إذا قامت عليه الحجة الثابتة بالكتاب والسنة فخالفها: فإنه يعاقب بحسب ذلك، إما بالقتل، وإما بدونه.