صلاة من خلع ضرسه وامتلأ فمه دما
خالد عبد المنعم الرفاعي
- التصنيفات: فقه الطهارة -
شخص نزع أربعة أضراس، فمه مليء بالدِّماء، وصلَّى، هل صلاتُه صحيحة أم عليْه إعادتُها؟
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فإنَّ الرَّاجِح من أقْوال الفُقهاء: أنَّ خروج الدَّم لا ينقُض الوضوء، وهو قول مالكٍ وابْنِ حزْم، واحتجُّوا بأدلَّة، منها حديث أبي هُريرة قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: "لا وضوءَ إلاَّ من صوت أو ريح" (رواه الترمذي، وصحَّحه الألباني، وروى مسلم نَحوه).
قال البخاري: "باب مَن لم يَر الوضوء إلاَّ مِن المخرجين من القُبُل والدُّبر، وقول الله تعالى: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} [المائدة: 6].
وقال عطاء -فيمَن يخرج من دبره الدود أو مِن ذَكَره نحو القمَّلة-: يُعيد الوضوء.
وقال جابر بن عبدالله: إذا ضحِك في الصَّلاة، أعاد الصَّلاة ولَم يُعِد الوضوء.
وقال الحسن: إن أخَذَ مِن شعره وأظْفاره أو خلَع خفَّيه، فلا وضوء عليه.
وقال أبو هريرة: لا وضوءَ إلاَّ مِن حدثٍ.
ويُذْكَر عن جابرٍ: أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليْه وسلَّم كان في غزوةِ ذات الرِّقاع، فرُمِي رجلٌ بِسهمٍ، فنزفه الدَّم، فركع وسجد ومضى في صلاتِه.
وقال الحسن: ما زال المسلِمون يصلُّون في جراحاتِهم.
وقال طاوس، ومحمَّد بن علي، وعطاء، وأهلُ الحجاز: ليس في الدم وضوء.
وعصر ابن عمر بثرة فخرج منها الدَّم ولم يتوضَّأ.
وبزق ابْنُ أبِي أَوْفى دمًا فَمضى في صلاتِه.
وقال ابن عُمر والحسنُ فيمَن يَحتجِم: ليْس عليه إلا غسل محاجِمه". اهـ.
هكذا علَّقها البُخاريُّ، ووصلها ابن أبي شيبة.
وذهب الشَّافعي إلى أنَّه لا ينقُض الوضوء، سواءٌ كان قليلاً أم كثيرًا، إلاَّ أن يَخرج من السَّبيلين، هذا القول أحْوط وأقْوى من جهة النَّظر؛ لأنَّه إن خرَج من السَّبيلين، فلابدَّ أن يكون ملوَّثًا بالنَّجاسات، من البول أو الغائط.
قال في "بداية المجتهِد": "اختلف عُلماء الأمْصار في انتِقاض الوضوء ممَّا يَخرج من الجسد مِن النَّجس، على ثلاثة مذاهب، فاعتبر قومٌ في ذلك الخارجَ وحْده من أي موضعٍ خرج، وعلى أي جهة خرج، وهو أبو حنيفة وأصحابُه، والثَّوري وأحمدُ وجماعة، ولهم من الصَّحابة السَّلف، فقالوا: كل نجاسة تسيل من الجسد وتخرج منه، يَجب منها الوضوء؛ كالدَّم، والرُّعاف الكثير، والفصْد، والحِجامة، والقَيْء؛ إلاَّ البلغم عند أبي حنيفة.
وقال أبو يوسف من أصحاب أبي حنيفة: إنَّه إذا ملأ الفم، ففيه الوضوء، ولم يعتبر أحدٌ من هؤلاء اليسيرَ من الدَّم إلا مجاهد، واعتبر قومٌ آخرون المخرجينِ: الذَّكر والدُّبر، فقالوا: كلُّ ما خرج من هذين السبيلين فهو ناقضٌ لِلوضوء، من أيِّ شيء خرج، من دمٍ أو حَصًى أو بلْغم، وعلى أي وجه خرج، كان خروجه على سبيل الصحَّة أو على سبيل المرض، وممن قال بهذا القولِ: الشَّافعيُّ وأصحابُه، ومحمَّد بن الحكم من أصحاب مالك، واعتبر قومٌ آخرون الخارج والمخرج وصفة الخروج، فقالوا: كلُّ ما خرج من السَّبيلين مما هو معتاد خروجه، وهو البول والغائط، والمذي والودي، والرِّيح، إذا كان خروجه على وجه الصحَّة، فهو ينقض الوضوء، فلم يرَوْا في الدَّم والحصاة والبوْل وضوءًا، ولا في السَّلس، وممَّن قال بهذا القول: مالك وجلُّ أصحابه".
وعليه؛ فصلاةُ مَن خلع بعض أضراسِه ولا يزال ينزِف دمًا صحيحةٌ، وليس عليه إعادة،، والله أعلم.