ابني يسرقني
خالد عبد المنعم الرفاعي
- التصنيفات: استشارات تربوية وأسرية -
ابني في الحاديةَ عشرة من عمره، تكرَّر أكثر من مرَّة سرقته لي ولأبيه، من النقود، وكلَّ مرَّة أنصحه بالحسنى، وأعرفه أنَّ هذا حرام ولا يصحُّ، ومع ذلك يكرِّر نفس الخطأ، مع العلم أننا لا نؤخِّر عنه شيئًا، فهو يأخذ هذه النقود ويصرفها على الحلويَّات والطَّعام، ولا أعرف ماذا أفعل معه؟ حتى لجأت أخيرًا إلى الضَّرب؛ لأنه في أوَّل الأمر يُنْكِر، ويَحلف مرارًا وتكرارًا، وهذا ما أثارني ودفعني إلى ضربه.
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فالسَّرِقة سلوك غير سويٍّ، منتشر عند كثيرٍ من الأطفال، وعلى الوالدين الواعيين أن يتعاونا للخُروج بالطِّفْل من هذه الكبْوة، مع البحْث عن الأسباب الَّتي دفعتْ ولدَهم لفعْلِه، ثمَّ البَحث عن العلاج النَّاجع، وسنُحاول حصْر كثيرٍ من الأسباب التي تؤدِّي بالطفل في هذه السنِّ المبكرة للسرقة:
• فمنها: أنَّ بعض الأطفال يسرِقون بسبب الحِرْمان؛ لفقر أسرته، أو بُخل والدِه، أو غير ذلك، فيرغب الطفل في شراء ما يريد مما هو محروم منْه.
• ومنها: تقليد ومُحاكاة بعْضِ أصدقائه السيِّئين في الصَّف، أو الجيران أو غيرهم ممن له خلطة بهم.
• ومنها: الانتِقام من أحد الوالدين أو كليْهِما؛ لصرامتِه وقسوته، أو إهماله والانشغال عن رعاية شؤونه، فيتَّجه الطفل للسَّرقة انتقامًا.
• ومنها: فساد التَّربية، وتنشئة الأطْفال تنشئة بعيدة عن القِيم الإسلاميَّة، وضعف الوازِع الديني، أو غفلة الوالِدين عن غرس القيم والأخلاق الإسلاميَّة؛ مما يكون سببًا في نشأة الأبْناء على التَّهاون بالقيم والأخلاق.
أمَّا سبُل العلاج، فكثيرةٌ متنوِّعة ومجرَّبة، ويُمكن تلخيصُها فيما يلي: منها: علاج وعظيّ خطابيّ: ببيان عظيم جُرْم السَّرقة، وحكم فاعِلِها، وما ينتظِرُه من عقاب، وأنَّها كبيرةٌ من الكبائر؛ قال تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [المائدة: 38]، ولقولِه صلَّى الله عليه وسلَّم: "لعَنَ الله السَّارق، يسرق البيضةَ فتُقْطَع يده، ويسرق الحبل فتُقْطَع يدُه" (متَّفق عليه من حديث أبي هريرة).
ووعْظُه بيان خطورة السَّرقة على الفرد والمجتمع، بأسلوب يتوافق مع قُدُراته العقليَّة ومرحلتِه العمريَّة.
ومنها: تقْوية مراقبتِه لله، وتعليمه أنَّ الله عزَّ وجلَّ يراه أيْنما كان، وأنَّه سبحانه يعلم سرَّه وجهْرَه، مع بيانِ معنى قولِ الله تعالى: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ} [الحديد: 4]، وقوله: {يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى} [طه: 7]، فالله يراهُ وهو يسرق، مهْما ابتعد عن أعيُن النَّاس؛ لأنَّه تعالى يعلَمُ السِّرَّ وأخْفَى.
ومنها: غرْس خلُق الأمانة في نفسه، من خِلال توْضيح أنَّ الأمانة من صِفات المسلِم الحقِّ، الملتزم بالشرع وبطاعة ربِّه، وأنَّها من صفات أهل الجنَّة، مع سرد بعض القصص الحقيقية أو الخيالية التي تبين حسن عاقبة الأمانة والصدق، وسوء عاقبة الكذب والسرقة.
ومنها: مكافأتُه وتشجيعه لسلوكِه سبيلَ الأمانة.
ومنها: مراقبته دون أن يشعُر، وعدم إغفاله أو إهْماله لفترات طويلة، إلى أن يغلِبَ على الظَّنِّ ابتِعاده بالكلِّيَّة عن السرقة.
ومنها: تَجفيف منابع الشَّرِّ وبواعث السَّرقة، باتخاذ السبُل والتَّدابير الاحترازيَّة، بوضع المال في مكانٍ لا يصِل إليه، وإبْعاده عن رفاق السوء، ومراجعة أحوال رفقائه.
ومنها: عدَم نصحِه أو إحراجه، أمام إخوتِه، أو أقاربِه، أو أصدقائِه، والستر عليه، والابتِعاد عن أسلوب التَّوبيخ والتَّعيِير.
ومنها: إشباع حاجاتِه من مأكلٍ وحلْوى ولُعَب؛ حتَّى لا يشعُر بالنَّقص أو الدونيَّة، فيلجأ للسَّرقة؛ لتعويض نقصِه، مع إعطائه مصروفًا مناسبًا لفئتِه العمريَّة والبيئيَّة والاجتماعيَّة، وبصورة منتظِمة.
ومنها: شغْل وقتِه بأمور نافعة، من حِفْظ القرآن، والترفيه بألعاب محبوبة إليه.
ومنها: مواجهة الطفل بالمشكلة بهدوء شديدٍ، والبحث معه عن السبب والدَّاعي للسَّرقة؛ كأن تقول له: أنت أخذت من المال كذا وكذا، أنا أعلم أنَّك أخذتَه لشعورك بالحاجة إليْه، ولكن سرقتها ليستْ حلاًّ؛ لأنَّ السَّرقة حرام وعيب، إلى غير ذلك، وأعدك في المرَّة القادمة إن رغبتَ في شيء، فأَخْبِرني، وأنا سأحاول توفيرَه لك، وأنا واثقة أنَّك تحب الأمانة، وتكرَهُ خلُق السَّرقة الذَّميم، ثمَّ اجعليه يتصوَّر لو أنَّ هذا المال أو غيره مما يحبُّ سُرِق منه، ماذا سيفعل؟
ومنها: لو تمادى الطِّفل -لا قدر الله- تشدَّد عليه الجزاءات؛ كالحِرْمان من الخروج من المنزل، ونحوها مما له أثر عليه.
ومنها: مراجعة ما يشاهِد الطِّفل من موادَّ إعلاميَّة، مسموعة أو مقروءة أو مُشاهَدة، فهناك بعض الأفْلام الكرتونية ترسِّخ في الطفل فنون السرقة.
ومنها: التعرُّف على نوعية طفلك؛ لتستخدمي معه الأسلوب والطريقة المثلى لتقويمه، فبعض الأطفال يُفيد معهم إيضاح الصَّواب مباشرة، والبعض يَحتاج لتوضيح خطئِه، مع بيان أنَّه سبب السُّلوك الخاطئ غير المرْضي، ثم نبصرهم بالسلوك الصَّحيح، وبالتَّالي الحصول على نتائج مَرْضية.
ومنها: مراجعة اختصاصي نفسي.
ونسأل الله أن يحفظ أبناءَ المسلمين، وأن يرزقهم الالتزام والصدق والأمانة،، والله أعلم.